عندما يموت نائب الرئيس في البيرو لغياب الطبيب
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
هناك من حالات الوفاة ما تكون دروسا للتدبر ومن بينها وفاة نائب رئيس البيرو إيرناندو غارسيا صباح الجمعة الماضي في إطار تفاصيل يؤدي أغلبها إلى رسالة واحدة وهي واجب الاستماع إلى مطالب كل الانتفاضات الشعبية المنادية بتوفير الحد الأدنى من عدد الأطباء والخدمات الطبية في المحافظات المهمشة وقد شاءت الأقدار أن تعرض نائب الرئيس إيرناندو غارسيا لأزمة دماغية أثناء مروره بإحدى تلك المحافظات وأدت إلى وفاته بسبب عدم توفر طبيب وخلو المستشفى من أدنى التجهيزات
إيرناندو غارسيا كان النائب الأول لرئيسة البيرو دينا بولوارتي وهو شخصية سياسية ذات وزن لكنه مثير للجدل بسبب تلون هويته السياسية من مناضل في الأحزاب اليسارية حتى نهاية التسعينيات إلى اسم بارز في أحزاب اليمين ووجه إعلامي ومؤلف كتب عديدة في مجال الأعمال لينتهي نائبا وناطقا رسميا باسم حزب القوة الشعبية الذي أسسته عام 2010 ابنة الرئيس السابق ألبرتو فوجيموري والسجين حاليا بسبب تهم فساد مالي وجرائم ضد الإنسانية
قمع الاحتجاجاتويعد حزب القوة الشعبية من أشد الأحزاب التي نادت بقمع الانتفاضات الشعبية المطالبة بتحسين قطاعي التعليم والصحة العمومية وآخرها المظاهرات العارمة التي شهدتها البيرو شهورا متواصلة على إثر عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو في ديسمبر كانون الأول 2022 والتي أسفرت عن أكثر من 50 قتيلا وأكثر من ثلاثمئة جريح وكانت محافظة آريكيبا في الجنوب التي كان النائب غارسيا متوجها لها ووافته المنية على بعد كيلومترات منها من أهم المحافظات المنتفضة
من المفارقات التي فجرتها هذه الحادثة ما يتعلق بسبب تنقل إيرناندو غارسيا إلى محافظة آريكيبا الجنوبية حيث صادف يوم وفاة غارسيا يوم افتتاح مؤتمر بيرو مين السنوي للمناجم وكان عنوان نسخته الحالية رقم 39 ضرورة اعتبار قطاع الصحة شريكا استراتيجيا لضمان سلامة الموارد البشرية في قطاع المناجم والتعدين وكان القطاع الصحي الخاص الضيف المبجل في المؤتمر نظرا لمستوى التعاون العالي الذي سجل في السنوات الأخيرة بين القطاعين وقد كان نائب الرئيس غارسيا أهم الداعمين لهذه السياسة لاسيما أنه كان يروج في كتبه لفكرة ضرورة تقليص الدولة ميزانيات قطاعي الصحة والتعليم التي تحول دون التقدم الاقتصادي حسب رأيه وكانت الحكومات المتعاقبة في البيرو في السنوات الأخيرة باستثناء حكومة بيدرو كاستيو 2021-2022 في صراع دائم مع الانتفاضات الشعبية المطالبة بتوفير عدد كاف من الأطباء والتجهيزات الأساسية لاسيما في المحافظات المهمشة.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه منظمة الصحة العالمية أن العدد الأدنى للأطباء لكل 100 ألف ساكن هو 23 توفر البيرو 4 أطباء فقط وأغلبهم يتركزون في المدن وقد أكدت وفاة نائب الرئيس إيرناندو غارسيا هذا النقص الفادح عندما توجه الى مستشفى يتوفر فيه طبيب واحد كل سبع ساعات فقط وكان خارج أوقات عمله لكن البيرو على غرار بلدان عديدة في المنطقة تتمتع فيها الطبقات الميسورة بخدمات صحية متطورة بفضل توفر منافسة واسعة بين المصحات وشركات التأمين الخاصة للتغطية الصحية ولا يعول على القطاع العمومي سوى الطبقات الفقيرة حيث لم يفلح النواب الذين انتخبتهم في تحقيق مطالبها.
موجة تشفولعل من المؤلم الإشارة إلى أن حادثة وفاة نائب الرئيس غارسيا قد أثارت موجة تشف على شبكات التواصل الاجتماعي رأى فيها البعض أن هناك عددا لا بأس به من المواطنين في المناطق المهمشة يموتون بسبب نقص الأطباء لكنهم كانوا كلهم يتظاهرون من أجل تحسين القطاع لكن غارسيا توفي بسبب عيوب نظام صحي لم يدافع عنه يوما بل ناضل من أجل إهلاكه لفائدة القطاع الخاص ووصل الأمر بتعليق أحد المواطنين نال مئات الآلاف من المشاهدة على شبكة X والذي صرح فيه لموقع إعلامي رقمي إنه لخبر محزن لأسرته ولكنه مفرح لأغلبية الشعب البيروفي هذا النائب كان محتاجا ليعيش واقعنا اليومي نحن المواطنين متوسطي ومعدمي الدخل كي يعي هو وباقي المسؤولين قيمة صرخاتنا في المظاهرات.
من المفارقات الأخرى أن مدينة آريكيبا التي تحتضن المؤتمر كل سنة والتي تلقب بمهد المناجم وذلك لمواردها المنجمية الهائلة تحتاج ل1.500 بين أطباء وممرضين إضافيين للطاقم الحالي المتوفر في المستشفيات العمومية لكن الحكومة ترفض رفع ميزانية قطاع الصحة وتدارك هذه النقائص في المقابل تتوفر المدينة على مصحات خاصة لموظفي الشركات المنجمية زيادة على باقي المرافق بما في ذلك مطار دولي ولعل التناقض الصارخ الذي تعيشه هذه المدينة وباقي المناطق المنجمية المترامية الأطراف في البيرو هو ما جعلها مناطق انتفاضات لا تهدأ وهي انتفاضات تبدو مشروعة إذا أخذنا بالاعتبار إمكانات البيرو المنجمية فالبلد يعتبر أول منتج للزنك والرصاص والثاني في إنتاج الذهب والفضة والنحاس في أمريكا اللاتينية.
لقد كشفت وفاة نائب الرئيس إيرناندو غارسيا تراكم الغضب لدى فئات واسعة من الشعب البيروفي على الطبقة السياسية التي لم تراع المطالب الشعبية المتكررة عند كل مناسبة انتخابية وليس بالغريب أن يكون لهذا الحدث تأثيراته على المشهد البرلماني القادم مع انتخابات أبريل نيسان 2024.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: نائب الرئیس وفاة نائب
إقرأ أيضاً: