عربي21:
2025-04-30@10:31:29 GMT

بعد خمسين عاماً على حرب أكتوبر.. ماذا فعل السلام؟!

تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT

بعد خمسين عاماً على آخر رصاصة أطلقتها مصر في سياق الصراع العربي/ الإسرائيلي، وبعد أكثر من أربعة وأربعين عاماً على توقيع "معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية"، ينبغي أن تُحاكم المقولة، التي ظلّت تنسب الانهيار المصري المستمرّ في المجالات كلّها، لا سيما الاقتصاد وما يتصلّ به من حقول التنمية والنشاط الاجتماعي، للصراع العربي الإسرائيلي.



قد يُفهم أنّ لتلك المقولة سبباً ومفعولاً في فترة السادات، لكون الخروج من الصراع في طوره البكر بعد، ولأنّه يحتاج مبرراً لهذا الخروج، من قبيل أنّ مصر تخلّفت عن تقدّمها اللائق بها، بسبب الأثمان التي تكبّدتها في هذا الصراع. وفي سياق هذه الدعاية، قيل الكثير من الكلام حول الدور المصري في القضية الفلسطينية، لا في الصراع العربي/ الإسرائيلي، وهو كلام جدير بالمناقشة، بيد أنّ المهمّ الآن هو أنّ عقوداً طويلة على خروج مصر من الصراع، اختلف فيها كلّ شيء في العالم، إلا التراجع المصريّ الذي ظلّ أكثر ثباتاً من حيث كونه تراجعاً، وأكثر سرعة في الانحدار، ليتساءل المرء: كيف أمكن للدعاية المصرية الرسمية، طوال فترة مبارك، أن تتمسك بهذه المقولة، عن إرجاع الضعف المستمرّ في الاقتصاد ومختلف جوانب الحياة إلى الصراع الذي كانت مصر خارجة منه منذ عقود؟!

المهمّ الآن هو أنّ عقوداً طويلة على خروج مصر من الصراع، اختلف فيها كلّ شيء في العالم، إلا التراجع المصريّ الذي ظلّ أكثر ثباتاً من حيث كونه تراجعاً، وأكثر سرعة في الانحدار، ليتساءل المرء: كيف أمكن للدعاية المصرية الرسمية، طوال فترة مبارك، أن تتمسك بهذه المقولة، عن إرجاع الضعف المستمرّ في الاقتصاد ومختلف جوانب الحياة إلى الصراع الذي كانت مصر خارجة منه منذ عقود؟!
بالتأكيد كان مبارك يضيف إلى ذلك أسباباً أخرى، كالزيادة السكانية، ويضيف لها عبد الفتاح السيسي اليوم أسباباً جديدة كثورة يناير! وبالضرورة الآن، لا يصحّ الاكتفاء بهذه الضروب من التردّي دون الانتباه لتجرّد مصر التدريجي من مكانتها الإقليمية وريادتها العربية، من بعد هزيمة العام 1967 ثمّ من بعد سلامها مع "إسرائيل" وصولاً إلى ما هي عليه اليوم!

أليس جديراً بالسؤال بالفعل، لماذا لم تتقدّم مصر بدلاً من هذا التراجع المريع، من بعد انتهاء حرب تشرين/ أكتوبر ثمّ بعد توقيع كامب ديفد، ثم معاهدة السلام؟ ألا ينبغي أن يرافق هذا السؤالُ الاحتفاءَ بذكرى حرب تشرين/ أكتوبر، إذ لا يمكن استخلاص العبر كاملة من تلك الحرب، بعيداً عن التوظيف الدعائيّ المخادع، إلا بالسؤال عمّا جنته مصر من الخروج من الصراع، بعد حرب كان يمكنها أن تؤسّس لظرف مصريّ وعربيّ مختلف؟!

يُفترض أن كلّ العوائق قد أزيلت من أمام مصر، للنهضة التنموية الشاملة، من بعد خروجها من الصراع، فقد استعادت مساحات واسعة من أرضها كان يمكن استثمارها تنموياً، وعادت تتحكم بقناتها المائية وتستفيد من مداخيلها، وينبغي أن يكون الإنفاق الحربي، وما يتعلق به من سياسات اقتصادية عامّة، قد تحوّل للتكيّف مع الوضع السياسي الجديد، وفوق ذلك، نالت مصر منحة أمريكية سنوية ثابتة تزيد على ملياري دولار، ولأنّ 99 في المئة من أوراق اللعبة بيد أمريكا، بحسب السادات، فإنّه يُتوقع أن تصبح مصر ككوريا الجنوبية أو اليابان! وبما أن "إسرائيل" لم تعد عدوّاً، فلن تعود معطّلاً للمصالح المصرية في الإقليم والعالم، وهي الدولة بالغة النفوذ في الدوائر الغربية، لا سيما لدى صاحبة أوراق اللعبة، وبعد خروج مصر من الصراع، فإنّ دول "الرجعية العربية" بحسب تصنيفات المرحلة الناصرية لن تبقى خصماً جدّيّاً لمصر ومصالحها!

قد يُحال الأمر، أي التردّي المصريّ المندفع بقوّة دائماً إلى القاع، إلى عامل بعيد تماماً عن الصراع، ولكن في إطار الحجّة الساداتية نفسها، أي أنّ الصراع بالفعل كان معطّلاً تنمويّاً، ولكن النتيجة العكسية للخروج من الصراع سببها داخليّ محض، وهو الفساد المريع، وغياب الشفافية، والإدارة العسكرية من الباطن للدولة، وهو ما خرج إلى الظاهر بنحو كامل مع عبد الفتاح السيسي، وانعدام الحرّيات السياسية.. الخ. لكن هل هذا بالفعل بعيد عن الصراع؟! وإن كان بعيداً عن الصراع، لماذا عدّت "إسرائيل" مبارك كنزها الاستراتيجي، وعادت لترى في عبد الفتاح السيسي "هبة الله إليها"، وبذلت ما هو معلوم ومكشوف ومصرح به وغير خفيّ لتثبّته لدى الولايات المتحدة ومختلف الدوائر الدولية؟!

هذه الحرب أثبتت أن "إسرائيل" ليست حتميّة، وأن هزيمتها ممكنة، وأنّ نصرها لن يكون أبديّاً، لكن التعامل السياسيّ مع نتائج الحرب، على أساس الرؤى الساداتية سالفة الذكر، كشف أنّ الهزيمة النفسية كانت أكبر بكثير في الوعي السياسي للقيادة المصرية حينها ممّا أثبتته تلك الحرب على صعيد كون "إسرائيل" قابلة للهزيمة!
بقطع النظر عمّا يمكن السجال فيه بخصوص حرب تشرين/ أكتوبر، عن أهداف الحرب، والقرارات السياسية أثناءها، وخلافات القادة العسكريين، والتحوّلات التي طرأت على الحرب تالياً بعد نجاح القوات المصرية في عبور القناة وتدمير خطّ بارليف، وعن كلّ الأحداث والتفاصيل المهمّة في هذا السياق، وبقطع النظر عن الكيفية التي نُقيّم بها الحرب، فإنّ هذه الحرب أثبتت أن "إسرائيل" ليست حتميّة، وأن هزيمتها ممكنة، وأنّ نصرها لن يكون أبديّاً، لكن التعامل السياسيّ مع نتائج الحرب، على أساس الرؤى الساداتية سالفة الذكر، كشف أنّ الهزيمة النفسية كانت أكبر بكثير في الوعي السياسي للقيادة المصرية حينها ممّا أثبتته تلك الحرب على صعيد كون "إسرائيل" قابلة للهزيمة!

كانت الأسبقية المصرية في الاستثمار الخاطئ لنتائج الحرب، دليلاً لغيرهم، ولا سيما لقيادة منظمة التحرير التي حطّمت الفرصة التاريخية للفلسطينيين في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي كانت تدفع "إسرائيل" باستمرار للتفكير بالانسحاب من طرف واحد من الضفّة الغربية وقطاع غزّة، وكما كشفت تلك الانتفاضة أنّ "إسرائيل" نزقة، وعاجزة عن الصبر الاستراتيجي، لأسباب في ماهية كيانها ونشأتها وموقعها، ممّا يعني أنّ سلاحنا الجوهري في امتلاكنا ما تفتقده، فقد كشفت ذلك من قبل حرب تشرين/ أكتوبر، وقدّمته للعالم الوثائق الإسرائيلية المفرج عنها، بيد أنّ الاستثمار كان مدمّراً في الحالتين، بإلحاق مصر بالزمن الإسرائيلي، وبإلحاق جسد مهم من الحركة الوطنية الفلسطينية بهذا الزمن، وتحويله إلى النقيض من ذاته!

وحين الحديث عن التردّي في الحالتين المصرية والفلسطينية، واللا شيء في الحالة الأردنية، فإنّ الحديث عن جهات، دولاً كانت أم حركة وطنية، حاذت "إسرائيل" وقاتلتها، وامتلكت سياسة بنحو أو بآخر، أحزاباً ونقابات، وتمتعت بحيوية اجتماعية ونضالية، وحرّيات نسبية بالقياس إلى بلاد عربية أخرى، وفيها وعي سياسي بدرجة ما، على الأقل يقدر على التمييز بين الحكومة والدولة والوطن. فإذا كانت هذه الجهات، بهذه السمات، قد أطبقت عليها الرداءة بعد اتفاقياتها مع "إسرائيل"، فكيف الحال بدول، حتى لو تمتعت بظروف اقتصادية أفضل، أن تدير سياسة أحسن حين التطبيع مع "إسرائيل"، وهي دول في الأساس لم تعرف السياسة الداخلية أبداً؟!

المشكلة بالفعل في طبقة لا تفكر سوى في الحكم، وتداوله في إطار نخبة ضيقة متعالية على إرادة المحكومين، ترى مصلحتها في العلاقة مع "إسرائيل" والنفوذ من ذلك لقلب الولايات المتحدة. هذا هو بالضبط التداخل بين فساد الطبقة الحاكمة في العالم العربي وبين "إسرائيل"
القضية أنّ "إسرائيل" لعنة، لا بالمعنى الميتافيزيقي ولكن بالحقيقة الواقعة، إذ همّ هذه الدولة ليس السلام، فهي ليست شغوفة به، هي ليست دولة رومانسية أصلاً في نظرتها للآخرين، فهي نتاج العنصرية الأوروبية الخالصة، والتوظيف للعنصرية الجوهرانية في البنية الفكرية المؤسّسة لهذه الدولة، ولكنها تعلم أنّه لا يطيل عمرها شيء بقدر إدخال العرب في زمنها، لا فرق في ذلك بين الهزيمة العسكرية، أو دفع العرب للتسليم النفسي بأبديّتها، وقد سبق في مقالات أخرى وحلّلنا استراتيجية الحرب والسلام لدى "إسرائيل"، فسلام العرب معها مؤسس على هزيمة عربية، عسكرية وقعت أم نفسية، فمن يطبّع مع "إسرائيل" اليوم يسقط مهزوماً في معركة لم يخضها في الميدان، ولكنه خاضها في العقل والنفس، ومن ثمّ فلن تكون لديه نتائج مبهرة كما يتوهّم!

ربما هذا الكلام غير مهمّ للطبقة الحاكمة في عموم العالم العربي، وهو ما يعيدنا أصلاً لحرب تشرين/ أكتوبر، فالتأسيس لصمود طويل في وجه "إسرائيل" تأسيساً على تلك الحرب كان يحتاج تكاملاً عربيّاً غير مضمون بالنظر إلى هذه الطبقة التي يجري فيها توارث الذهنية والطبائع حتّى لو تغيّرت الأنظمة، ممّا يعني أنّ المشكلة بالفعل في طبقة لا تفكر سوى في الحكم، وتداوله في إطار نخبة ضيقة متعالية على إرادة المحكومين، ترى مصلحتها في العلاقة مع "إسرائيل" والنفوذ من ذلك لقلب الولايات المتحدة. هذا هو بالضبط التداخل بين فساد الطبقة الحاكمة في العالم العربي وبين "إسرائيل"، وهو ما ينبغي أن تعيه مجاميع العرب في هذا المجال العربي الشاسع المهيأ لأن يكون أعظم وأحسن لولا "إسرائيل" والطبقة الحاكمة المتواطئة معها، التي حوّلت كبريات بلاد العرب إلى ملحق هامشيّ في الإقليم، فكيف في العالم؟!

twitter.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر السلام التطبيع مصر السلام التطبيع أزمات حرب أكتوبر مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تلک الحرب من الصراع فی العالم مصر من من بعد

إقرأ أيضاً:

نتنياهو يرد على رئيس الشاباك في المحكمة: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل



رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم الأحد على الإفادة اللاذعة التي قدمها رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار إلى محكمة العدل العليا.

وقدم نتنياهو للمحكمة وثائق سرية من جلسات مجلس الوزراء في محاولة لدحض الاتهامات الموجهة ضده.

وجاءت المذكرة المضادة بعد أيام من اتهامات بار لنتنياهو بمحاولة إخضاع جهاز الأمن لسلطته الشخصية بدلا من احترام قرارات القضاء، في إشارة إلى أزمة دستورية محتملة. ورغم أن نتنياهو تناول هذه النقطة، إلا أنه لم ينكرها صراحة، قائلا فقط: "هذا غير موجود في المحضر".

وكشفت إفادة نتنياهو أن بار لم يصدر أي تحذير بخصوص هجوم 7 أكتوبر2023، رغم تقديمه تقييما للوضع قبل ساعة وربع من الهجوم. وأرفق رئيس الوزراء الإسرائيلي وثيقة تظهر أن بار نصح بـ "الجاهزية المتوسطة" وتجنب التصعيد، معتبرا أن ادعاءات رئيس الشاباك بـ "تحذير القيادة" غير صحيحة.

كما اتهم نتنياهو بار بتضليل الحكومة طوال عام 2023، حيث دفع، وفقا للوثائق، لتعزيز الاقتصاد في غزة وتفادي الاغتيالات، مدعيا أن حماس تفضل "الهدوء". ونقل عن بار قوله في إحدى جلسات الحكومة: "يحيى السنوار زعيم رصين.. لا يريد حربا شاملة".

وقال نتنياهو إن "7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل".

في نقطة أخرى، نفى نتنياهو اتهامات بار بأنه حاول منعه من الإدلاء بشهادته في قضيته الجنائية. وأكد أنه طالب بالشهادة دون تأخير، بل وأمر الشاباك بتأمين الإجراءات اللازمة. وكتب: "كذب بار.. في اليوم التالي لهجوم على منزلي، أوضحت له أنني لا أريد تأجيل المحاكمة ولو ليوم واحد".

وردا على اتهامات بار بأنه طلب مراقبة غير قانونية لقادة الاحتجاجات ضده، أكد نتنياهو أنه سعى فقط لتوضيح "حدود القانون"، مشيرا إلى تقاعس الشرطة عن مواجهة التهديدات والعنف ضد المسؤولين. واستشهد بمحادثة مع بار قال فيها: "هل يسمح في المجتمع الحر أن يطاردك أحد؟ الشرطة لا تتحرك.. أريد فهم الحدود القانونية".

ولم ينكر نتنياهو صراحة اتهام بار له بمطالبته بالولاء له شخصيا في حال نشوب أزمة مع القضاء، قائلا إن الادعاء "غير موجود في المحاضر". لكنه لم يصنفه كـ "كذب"، مما أثار تساؤلات حول موقفه من تدرج السلطات في إسرائيل.

وأصدرت الحكومة بيانا حذرت فيه المحكمة العليا من "التدخل في قرار إقالة بار"، مع إشارة إلى أن القضية قد تعود إليها للبت فيها. ووصف وزير الاتصالات شلومو كاري القرار بأنه "إنذار واضح"، بينما أيد نتنياهو التصريح قائلا: "ستعود القضية إلينا".

مقالات مشابهة

  • الهند وباكستان.. هجوم كشمير يعيد شبح الحرب النووية إلى واجهة الصراع
  • هل تجلب المسيرات السلام الى السودان؟
  • 50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
  • الخارجية الأمريكية: آن الأوان لتقديم مقترحات ملموسة لإنهاء الصراع في أوكرانيا
  • دار الأوبرا المصرية.. هل تعود لعرشها مع الدكتور علاء عبد السلام؟
  • أمانة عمّان والإحالات إلى التقاعد المبكر.. ماذا بعد.؟!
  • عاجل- إسرائيل: أكتوبر آخر مهلة لإنهاء حرب غزة.. ومسؤول أمني يكشف التفاصيل
  • جميع الأرقام القياسية التي حققها لامين جمال جوهرة برشلونة
  • نتنياهو يرد على رئيس الشاباك في المحكمة: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتي في تاريخ إسرائيل
  • السودان.. الحرب المنسية وخطر الغياب الدولي