تعذيب وحبس بين الجثث.. معتقلون سابقون يروون معاناتهم في مستشفى عسكري سوري
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
يروي معتقلون سابقون في سوريا، شهادات مفزعة، لما تعرضوا له في مستشفى عسكري سوري، من ضرب مبرح زتصفيات وحبس بين الجثث.
وفي مستشفى تشرين العسكري بالعاصمة السورية دمشق، أُجبر معتقلون مرضى على نقل جثث، وتُرك آخرون من دون علاج حتى لفظوا أنفاسهم الأخيرة، وتعرّض كثر لضرب مبرح، وفق تقرير حقوقي وشهادات معتقلين سابقين.
وفي تقرير بعنوان "دفنوهم بصمت" صدر الثلاثاء، تعرض رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا وقائع من مستشفى تشرين العسكري في دمشق الذي ينقل إليه بشكل رئيسي مرضى من المعتقلين وجثث موتى قضوا تحت التعذيب أو جراء الأوضاع السيئة في مراكز الاعتقال، وعلى رأسها سجن صيدنايا الذائع الصيت.
ويروي المعتقل السابق في صيدنايا أبو حمزة، وهو اسم مستعار، (43 عاماً)، الذي دخل مستشفى تشرين ثلاث مرات خلال فترة اعتقال دامت سبع سنوات، لوكالة فرانس برس، وقال: "كان السجناء يخشون الذهاب إلى المستشفى، لأن كثرا لم يعودوا منه".
ويضيف: "إن كان الواحد منا قادرا على السير يعود إلى السجن، أما المريض جداً فلا يعود ويُترك للموت في نظارة المستشفى".
ويسرد التقرير الذي اعتمد على مقابلات مع 32 شخصا بينهم معتقلون سابقون وعناصر أمن وأفراد من الكادر الطبي ووثائق مسربة، مسار التعامل مع جثث المعتقلين و"التخلص منها"، من نقلها وتجميعها وتوثيقها وتصويرها وصولاً إلى إرسالها إلى المقابر الجماعية.
"تركوه يموت"
ويشير تقرير "رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا" إلى أن مفرزة الشرطة العسكرية التابعة للمستشفى هي "المحطة للأولى للمعتقل (...) وهي أيضاً مكان تجميع جثث المعتقلين قبل تحميلها ونقلها إلى مقابر جماعية" في نجها (جنوب) والقطيفة وجسر بغداد (قرب دمشق).
ويتذكّر أبو حمزة "في إحدى المرات، كان موقوف يئن وكأنه ينازع داخل زنزانة المفرزة، لم يعرضوه على طبيب، بل وضعوه بين الجثث. تركوه يموت".
ويُجبر المعتقلون على نقل جثث من السجن إلى المستشفى، و"أحياناً يكون بين الجثث مرضى ينازعون بين الحياة والموت، فيقوم المساعد في النظارة بتصفيتهم"، بحسب التقرير.
لساعات طويلة، نقل أبو حمزة حافي القدمين وفي البرد القارس، كما يروي، جثث معتقلين من سجن صيدنايا إلى عربة نقل، ولاحقاً إلى أماكن تجميع الجثث قرب المستشفى حيث تتم كتابة أرقام عليها أو على ورقة بيضاء تُوضع عليها، قبل أن يأتي مصوّر لالتقاط صور لها.
وتصدر شهادات الوفاة لاحقاً من المستشفى وغالباً ما تكتب أسباب الوفاة على أنها توقّف القلب أو فشل كلوي أو جلطة دماغية، وفق التقرير الذي يشير إلى أن الأطباء الشرعيين لا يقومون فعلياً بفحص جثث المعتقلين الذين قضوا فعلا بمعظمهم تحت التعذيب أو جراء ظروف اعتقال سيئة.
"وجدت نفسي بين الجثث"
ويوثّق تقرير رابطة معتقلين صيدنايا أيضا "عمليات تعذيب وحشية بحق المعتقلين المرضى" يقوم بها بمعظمها عناصر المفرزة الأمنية التابعة للمشفى.
وتعرّض بعض المعتقلين المرضى لإهانات من "الكادر الطبي" وضرب شديد على أيدي معتقلين آخرين، على مرأى من عناصر أمن لم يحركوا ساكناً، وفق التقرير وشهادات ناجين.
ويقول أبو حمزة الذي رأى مرة واحدة طبيبا لم يقترب منه: "في إحدى المرات، دخل حرس مفرزة المستشفى علينا، طلبوا منا الانبطاح أرضاً وأبرحونا ضرباً لربع ساعة ثم خرجوا".
وأفاد التقرير الحقوقي أن عناصر المفرزة كانوا أحياناً يتخلصون من المعتقلين المرضى بخنقهم عبر لفّ منشفة أو خرقة حول أعناقهم.
ويقول الشريك المؤسس في الرابطة دياب سرية لوكالة "فرانس برس": "يؤدي تشرين دوراً مركزياً في عمليات الإخفاء القسري والتستّر على عمليات تعذيب وتزييف أسباب الوفاة، فضلاً عن المعاملة السيئة داخل المستشفى وتصفية معتقلين، وذلك كله يُعد جرائم ضد الإنسانية".
ويضيف: "ما يحصل في مستشفى تشرين ومستشفيات عسكرية أخرى يعد بمثابة سياسة ممنهجة".
على مرّ سنوات النزاع السوري المتواصل منذ العام 2011، اتهمت منظمات حقوقية عدة أجهزة أمنية سورية بتعذيب المعتقلين وتنفيذ أحكام إعدام من دون محاكمات داخل السجون.
وتستهدف دعاوى قضائية عدة في أوروبا اليوم النظام السوري بتهم تعذيب معتقلين. في فرانكفورت الألمانية، يخضع طبيب سابق في سجن حمص العسكري لمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لضلوعه في تعذيب معتقلين.
واعتقل محمود (25 عاماً) في العام 2014 حين كان عمره 16 عاماً لمدة سنتين. ويروي لوكالة "فرانس برس" معاناته في مستشفى تشرين.
وقال محمود: "وضعوني أرضا وداسوا علي وأغلقوا فمي بأيديهم حتى لم أعد أشعر بشيء. غبت تماماً عن الوعي"، مضيفاً "صحوت بعد وقت قصير لأجد نفسي بين جثث في زاوية الزنزانة".
ويروي كيف سقطت جثتان كانتا فوقه أرضاً، فما كان منه إلا أن صاح بأعلى صوته.ويتابع "كنت مرتدياً سروالي الداخلي فقط، وقد تبوّلت وتبرّزت لا إرادياً".
وغادر محمود المستشفى حينها إلى السجن من دون عرضه على طبيب. ومنذ ذلك الحين، ساءت حياته في السجن أكثر ولم يعد يجرؤ على الذهاب إلى المستشفى حتى في أقصى فترات معاناته من مرض السلّ داخل زنزانة صيدنايا.
ويقول: "وصلت إلى درجة لا أستطيع فيها حتى أن أمضغ الأكل، لكني لم أبلغ أحداً حتى لا يأخذوني إلى مستشفى تشرين مرة أخرى".
وسبق أن تطرقت تقارير حقوقية لهذه الممارسات. فقد التقط المصوّر السابق في دائرة التوثيق التابعة للشرطة العسكرية السورية والذي يعرف باسم "قيصر"، صورا لجثث معتقلين في مستشفيات عسكرية سورية، وبينها مستشفى تشرين، أظهرت التعذيب والانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون.
و"قيصر" هو الاسم المستعار للمصور الذي انشقّ وخاطر بحياته لتهريب 53275 صورة لجثث معتقلين سوريين بينهم امرأة، في مراكز احتجاز سورية. الى خارج البلاد منذ العام 2013. واقتُبس اسمه لما عرف في ما بعد باسم "قانون قيصر" في الولايات المتحدة والذي نصّ على عقوبات اقتصادية ضد سوريا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سوريا التعذيب النظام السوري قيصر سوريا تعذيب النظام السوري قيصر تغطيات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی مستشفى بین الجثث أبو حمزة
إقرأ أيضاً:
هل سافر ابن بطوطة إلى الصين؟ باحثون يروون من جديد حكاية الرحالة المغربي
طنجة- في مدخل متحف برج النعام بمدينة طنجة، يقف تمثال ابن بطوطة بشموخ حاملا رسالة تذكّر العالم برحلته التاريخية التي ساهمت في مد جسور بين الشرق والغرب.
انطلق ابن بطوطة من هذه المدينة الساحلية، حيث ولد، في رحلة استغرقت ربع قرن، جاب خلالها العالم، ووصل إلى بلدان لم يسبقه إليها أحد، في أقصى الشرق في ماليزيا والفلبين، ومرورا بجزر المالديف والهند.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مسجد إيفري كوركورون.. تحفة معمارية أندلسية ومنارة علمية وثقافية في فرنساlist 2 of 2المدينة العتيقة بتونس.. معلم تاريخي يتوهج في رمضانend of listترك هذا الرائد في الرحلة وأدبها كتاب "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، المعروف أيضا بـ"رحلة ابن بطوطة"، لكن ما جاء في روايته عن زيارته الصين أسال كثيرا من المداد وأثار حوله الشكوك من قِبل المستشرقين.
جدل رحلة الصينيرى الباحث المغربي عبد الله العلوي مؤلف كتاب "ابن بطوطة في الصين" -في حديث للجزيرة- أن سوء الترجمة أدى إلى تشكيك المؤرخين الغربيين في بعض روايات ابن بطوطة، إذ فهم المؤرخ الفرنسي هنري بول (1946-2017) من وصف ابن بطوطة تجارا صينيين يستخدمون الفيلة في مدينة "قلقيلية" (مدينة لم تعد قائمة) بالأرخبيل الإندونيسي أنه يتحدث عن الصين، وهو ليس كذلك.
كما أن المغاربة شككوا في روايات ابن بطوطة التي تصف ثراء الصين، وفي القصص الخارقة مثل حكاية المشعوذ الذي قطع أعضاء صبي ثم ركبها من جديد، وهذه حكاية أكد ابن بطوطة أنها خدعة.
إعلانلذلك، فإن انتقاد ابن بطوطة جاء نتيجة سوء فهم، وقد تعرض لهذا الموقف كل الرحالة تقريبا ومنهم ماركو بولو، فالناس تظن أن جميع الشعوب تعيش على شاكلتها، ثم إن الصين كانت بعيدة ومختلفة الثقافة كليا، ومن ثم فلا أحد صدق الرحالة فيما رووه.
ويلاحظ الأكاديمي المغربي ناصر بوشيبة -في حديث للجزيرة نت- أن ابن بطوطة يعد من أبرز رواد أدب الرحلة في العالم الإسلامي، إذ جاب أصقاع الأرض من المغرب إلى الصين وإندونيسيا، حاملا معه رؤية صوفية ساهمت إلى حد ما في المبالغة في روايته لبعض الأخبار، متأثرا بالمتخيل الشعبي الذي يؤمن بالكرامات والخوارق.
مع ذلك، يشدد الباحث بوشيبة -صاحب كتاب "تاريخ العلاقات بين المغرب والصين"- على أن انتقاص مستشرقين من ابن بطوطة غير مقبول، مشيرا إلى أن ذلك يأتي في سياق تاريخي من التنافس بين الشمال والجنوب، ومحاولات التقليل من قيمة الحضارة الإسلامية.
ويستعرض عدة أدلة من المصادر الصينية التي تثبت صحة رواية ابن بطوطة، ومن أهمها وجود شخصية الشيخ برهان الدين الكازروني، الذي ذكره ابن بطوطة في رحلته، في الوثائق الصينية القديمة، كما أن وصف ابن بطوطة مختلف الهدايا المتبادلة بين سلطان الهند وإمبراطور الصين وأهداف البعثة الدبلوماسية الصينية إلى الهند، تتطابق بشكل كبير مع ما ذكره المؤرخون الصينيون.
في حين يقول رئيس معهد طريق الحرير للدراسات والأبحاث وارف قميحة للجزيرة نت إن الشكوك حول رحلة ابن بطوطة إلى الصين تعود إلى: "وصفه بعض العادات الصينية (مثل استخدام الأوراق النقدية) الذي يتطابق مع روايات ماركو بولو، مما دفع المؤرخ هنري بول للاعتقاد بأنه نقلها من مصادر أخرى. كما أن غياب ذكر سور الصين العظيم في روايته، رغم أنه رمز بارز، يثير تساؤلات عن مدى دقته". ويرى المغاربة أن رواية ابن بطوطة عن "عجائب الصين" تشبه قصص "ألف ليلة وليلة"، مما قد يشير إلى تضخيم أو استعارة أدبية.
دور التجار والمستكشفين العرب في نقل المعرفة والثقافة بين الحضارتين الصينية والعربية أثار اهتمام الباحثين، فوجدوا في تتبع خطى ابن بطوطة وسيلة لفهم هذا الترابط العميق.
إعلانولاحظ الباحث اللبناني وارف قميحة التأثير الإسلامي في المعمار المحلي، إذ إن هناك جناح الآثار الإسلامية بمتحف مدينة الزيتونة (تشيوانتشو حاليا) للمواصلات البحرية مما يؤكد وجود جالية إسلامية نشطة.
ومن الآثار التي صادفها وذكرها ابن بطوطة:
ميناء تشيوانتشو حاليا الذي كان يعد من أكبر الموانئ التجارية. مسجدها القديم (مسجد تشينغ جينغ/ مسجد الأصحاب) ولا يزال قائما حتى اليوم، ويعد من أقدم المساجد في الصين. في مدينة خان بالق (عاصمة الخان/ بكين حاليا)، تحدث عن قصر الإمبراطور المنغولي، الذي يحتمل أن يكون موقع "المدينة المحرمة" لاحقا. وصفه العمارة الفخمة في المدينة يتوافق مع سجلات الحقبة اليوانية (سلالة يوان). مقابر صحابة النبي محمد ﷺ في جنوب الصين، مثل مقبرة سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- في غوانغتشو، وهذه المقبرة لا تزال مزارا للمسلمين الصينيين.يقول الأكاديمي قميحة إن ابن بطوطة وصل إلى الصين في أواخر عهد أسرة يوان (المنغولية)، التي كانت تعاني اضطرابات سياسية وثورات ضد الحكم الأجنبي، مما جعل تحركاته محدودة وخطرة.
ويرجح أن تنقله بين المدن الساحلية بدلا من التوغل داخليا جعله يعتمد على كرم التجار المسلمين، مما يفسر تغير وضعه المادي بين الرفاهية والاعتماد على الآخرين.
وهو ما أكده بوشيبة بذكره أن ابن بطوطة سافر عبر القناة المائية التي تربط بين الخنساء (هانغتشو) وبكين، وقدم وصفا تفصيليا لكل مدينة وحاكمها، مبرزا أن رحلته أثارت إعجاب الباحثين الصينيين، الذين رأوا في شهادته دعوة إلى التعايش الممكن بين الثقافات المختلفة.
ويبرز العلوي أن ابن بطوطة كان "متغير الخاطر"، كما عبر هو بنفسه، إذ لم تعجبه المنكرات في الصين، ولم يكن له حظ للالتقاء بالإمبراطور والأمراء كما في بلدان أخرى، بينما كان مصدره الأساسي للمعلومات التاريخية هو القاضي "الصاغرجي"، الذي نصحه بمغادرة الصين.
إعلانويشير إلى أن ابن بطوطة وضع عِلم الرحلة المقارن على خلاف من سبقوه الذين كانت رحلاتهم وصفية فقط، إذ كان يقارن الخضر واللحوم، والخزف، والفواكه، والأنهار، والكرم، والبحار، وعادات الشعوب، حتى أنه قارن فاكهة "النبق" الشوكية في المغرب وفي الهند، وذكر أن الخزف الصيني الذي يصنع بها يصل إلى المغرب في تلك المرحلة.
يقول قميحة إن ابن بطوطة انبهر أيضا بالاختراعات الصينية مثل الورق النقدي، مقارنة باستخدام المغرب للعملة المعدنية، كما أشار إلى أن الصينيين "لا يغادرون بلادهم أبدا" بسبب الاكتفاء الذاتي، بينما المغاربة كانوا تجارا رحالين، ووصف القصور الصينية ذات الأسقف المزخرفة، مقارنة ببساطة العمارة المغربية الإسلامية، وذكر أن المسافر في الصين يمكنه حمل الذهب لمسافات دون خوف، بينما في المغرب كانت القوافل تحتاج حراسة مسلحة.
ويقول رئيس جمعية التعاون الأفريقي الصيني للتنمية بوشيبة أن المؤرخين الصينيين استفادوا من كتاب ابن بطوطة لفهم تاريخ المجتمع الصيني والإدارة العمومية المحلية في تلك الحقبة، والذي كان مقسما إلى الطبقة الحاكمة من أسرة اليوان (المغول)، والعرب من غرب آسيا المشتغلين في الصناعات الحربية والمصارف، ثم الصينيين الأصليين (الهان) الذين كانوا يعانون الاضطهاد.
ويضيف أن ابن بطوطة روى أن الصين أحسن مكان لتطوير الأعمال التجارية، لوجود إجراءات أمنية صارمة، مثل محطات الإقامة والتفتيش، وتجهيز المسافرين بالمؤن الضرورية، وإرسال كل المعلومات الضرورية إلى المحطة الموالية، كما وصف بدقة جوانب من الحياة الصينية، مثل الطبخ بالبخار وصناعة الخزف، وقارنها بالمنتجات المحلية.
كان ابن بطوطة يميز ما شهده وما سمع به وما حُكي له، ويضيف أحيانا "والله على ما أقول شهيد". ويشرح العلوي أن خلفيته الإيمانية تمنعه من مخالفة الصدق، فمثلا سمع أن سد يأجوج ومأجوج يقع على بعد 6 أشهر من خان بالق، وأن هناك بشرا يأكلون "بني آدم إذا ما ظفروا به"، غير أنه أكد أنه "لم يشاهد السد ولا من شاهده".
إعلانبينما يبرز قميحة أن ابن بطوطة، بصفته فقيها مالكيا، كان ينظر إلى الصين عبر عدسة "دار الإسلام ودار الكفر"، فوصف إعجابه بتسامح الصينيين مع المسلمين، لكنه استنكر عادات مثل عبادة الأصنام.
ويضيف أن عدم إتقانه اللغة الصينية جعله يعتمد على ترجمة التجار المسلمين، مما قد يكون سبب أخطاء في نقل بعض التفاصيل. كما قد يكون أدخل بعض القصص الشفوية التي سمعها في رحلته ضمن سياق مشاهداته الشخصية، لتعزيز عنصر الإثارة في الرواية.
يحتفي الصينيون بابن بطوطة ليس فقط بصفته رمزا للتعددية الثقافية، بل أيضا لجذب السياح وتعزيز السياسة الخارجية.
يقول الأكاديمي قميحة إن الصين اليوم تروج لتراثها كملتقى للحضارات، وابن بطوطة يمثل التواصل التاريخي بين الصين والعالم الإسلامي. كما أن تسمية الشوارع والفنادق باسمه في مدن مثل تشيوانتشو تعكس رغبة في تسليط الضوء على تاريخها كجزء من شبكة طريق الحرير.
ويضيف أن الاحتفاء يأتي بتوافق مع خطاب "الحزام والطريق" الذي يُظهر الصين دولة منفتحة تاريخيا، وهي مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير في القرن الـ19 من أجل ربط الصين بالعالم، لتكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية.
بالإضافة إلى ذلك، أفرد الصينيون لابن بطوطة دراسات منشورة في مجلة العالم العربي، وهناك عديد من الكتب حول تاريخ أسرة "اليوان" التي اعتمدت على رحلاته، والتي لم تُترجم بعد إلى اللغة العربية، كما يبرز الكاتب العلوي.
ومن بين من اهتم برحلة ابن بطوطة المستشرق الصيني عضو مجمع الكتاب الثقافي الصيني الدولي وو فو قوي (عبد الكريم)، الذي استغرق تأليف كتابه "رحلات ابن بطوطة في الصين" عدة عقود.
ويعد هذا الكتاب مرجعا أكاديميا مهمًا يوثق عملية الترجمة والتواصل الثقافي بين الصين والمغرب، ويقدم تحليلات وشروحات النسخ الأصلية من "رحلة ابن بطوطة".
يقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط الصيني وو فو قوي عبد الكريم للجزيرة نت إن كتاب "رحلة ابن بطوطة"، قدم وصفا دقيقا لتفاصيل الحياة في الصين، من عادات وتقاليد وفنون وعمارة، مما أتاح للأوروبيين والعرب على حد سواء فرصة التعرف على حضارة بعيدة ومختلفة، وصحح الصورة المشوشة وغير الدقيقة التي كانت سائدة في أوروبا عن الصين.
ويبرز أن كتاب ابن بطوطة يعد وثيقة تاريخية ثمينة توثق العلاقات العريقة بين العرب والصين في القرن الـ14، وشهادة حية على الروابط الثقافية والتجارية التي كانت قائمة بين الحضارتين.
إعلانكما ساهم في تقديم صورة إيجابية عن الصين في العالم العربي، ووصف حياة المسلمين المغتربين هناك، مما ساعد على تعزيز الاحترام والتقدير للحضارة الصينية، والتواصل والتفاهم بين المسلمين في مختلف أنحاء العالم.