شفق نيوز/ اكد معهد "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" ان التصعيد الأخير في مدينة كركوك المتنازع عليها، يكشف عن توترات هيكلية داخل الائتلاف الحكومي في بغداد، محذرا من أن هذا التوتر يثير خطر حدوث تدخل من جانب تركيا وإيران يثير عدم الاستقرار على نطاق أوسع في المنطقة.

وأوضح التقرير الأوروبي، بترجمة وكالة شفق نيوز، ان كركوك كانت طوال القرن الماضي، مكانا للتوتر العرقي، وتابع قائلا إنه منذ الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 بشكل خاص، كانت السيطرة على المحافظة الغنية بالنفط المتنازع عليها والتي يقطنها الكورد والعرب والتركمان، واحدة من بين أكثر القضايا إثارة للجدل وزعزعة للاستقرار في البلد.

ولفت التقرير الى انه، بينما يؤكد اقليم كوردستان ان كركوك يجب ان تكون جزءا تابعا لمناطق الاقليم، فان الدستور العراقي ينص على ضرورة تحديد وضع كركوك من خلال الاستفتاء بعد اجراء الاحصاء السكاني، إلا ان ذلك لم يحدث بعد، مشيرا الى انه بعد فشل استفتاء الحزب الديمقراطي الكوردستاني على الاستقلال في سبتمبر/ايلول 2017، قامت الحكومة المركزية في بغداد، بوضع كركوك تحت سيطرتها المباشرة.

 غير أن التقرير أشار إلى تصاعد الأعمال العدائية مؤخرا بعد القرار المفاجئ الذي اتخذه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في الشهر الماضي بالسماح للحزب الديمقراطي الكوردستاني باستئناف السيطرة على مكاتبه السياسية وقاعدته العسكرية في مدينة كركوك، وهو قرار اثار احتجاجات السكان العرب والتركمان، ثم احتجاجات مضادة من قبل السكان الكورد، حيث قتل 4 أشخاص في الاضطرابات، مما دفع المحكمة الاتحادية العليا الى وقف تنفيذ القرار.

ورأى التقرير في هذه الاحداث ما يسلط الضوء على مخاطر وضع كركوك الذي لم تتم تسويته، وهو ما يمكن ان يتفاقم بسبب الانتخابات المحلية المقبلة في ديسمبر/كانون الأول، وامتداد التوترات الى تركيا وإيران المجاورتين اللتين تضمان سكانا من الكورد، مما يفاقم من الاضطراب الإقليمي.

وبحسب التقرير الاوروبي، فان الاحداث التي جرت في كركوك تعكس الانقسامات العرقية التي قد تتسبب بشل حركة العراق، مشيرا الى ان هذا البلد تحكمه شبكة معقدة من التحالفات التي يتعين على السوداني ان يبحر فيها لكي يتمكن من المحافظة على استمرارية حكومته الائتلافية.

وبعدما وصف التقرير كركوك بانها كانت بمثابة "كعب اخيل لكل زعيم عراقي منذ العام 2003"، اشار الى ان الحكومة الاتحادية تمكنت وصولا الى وقت قريب، من ان تتجنب حدوث اي تصعيد كبير في التوترات فيما بعد استعادة السيطرة عليها من حكومة اقليم كوردستان العام 2017.

وفي هذا السياق، لفت الى تعامل السوداني "الفعال نسبيا" مع التحديات التي تواجهها البلاد، بالإضافة إلى ما يراه التقرير موقف الضعف الذي يعاني منه الحزب الديمقراطي الكوردستاني منذ استفتاء عام 2017 المشؤوم، مضيفا ان السوداني في هذا الإطار اتخذ قرارا بالسماح للحزب الديمقراطي الكوردستاني بالعودة الى كركوك، ما ادى بالتالي الى هز القارب بشكل غير متوقع.

واعتبر التقرير ان "الموقف الضعيف للسوداني" يبدو كانت تدفعه ضرورة تحقيق التوازن في حكومته الائتلافية المنقسمة، مضيفا أنه على النقيض من الاسطورة السائدة بان رئيس الحكومة العراقي مدين بالفضل للأحزاب الشيعية فقط (وبالتالي ايران)، فانه يواجه ضغوطا من جميع الأحزاب التي ساعدت في تشكيل الحكومة الائتلافية، بما في ذلك الأحزاب الكوردية.

ولفت الى ان السوداني اوضح منذ ذلك الوقت، انه كان ينفذ احدى التفاهمات ضمن هذا الائتلاف، الا ان الاحزاب العربية فيه، التي كان لديها شعورا بأن الحزب الديمقراطي الكوردستاني ضعيف، اصبحت الان لا ترغب بدعم هذه الخطوة.

وبحسب التقرير، فإن كارثة كركوك الاخيرة كانت خطأ واضحا بالنسبة لسياسي محنك مثل السوداني، مشيرا الى انه كان بالامكان تجنب مقتل 4 مواطنين في الاشتباكات التي اندلعت بين المتظاهرين الكورد وقوات الأمن، مضيفا انه "خطأ مكلف" بالاضافة الى انه كما كان متوقعا، استفز حلفاءه العرب في الائتلاف والذين يحاولون منذ فترة طويلة تعزيز سيطرة الحكومة الاتحادية على كركوك.

الى ذلك، قال التقرير انه بحسب مراقبين، فان فترة ولاية السوداني ستواجه تحديات من قبل مقتدى الصدر الساخط، او من خلال تظاهرات جديدة تتعلق بالمطالبة بالوظائف في القطاع العام، او بسبب انقطاع الكهرباء، الا ان هؤلاء المراقبين لم يتوقعوا ان يواجه تحديا من خلال عودة الانقسامات العرقية في كركوك والتي يبدو ان السوداني جلبها بدون قصد، على نفسه.

وتابع التقرير، أنه في حين تظل كركوك محل نزاع، فإن خطر زعزعة الاستقرار ستظل معلقة امام العراق وحكومة السوداني، وأنه برغم ان رئيس الحكومة تمكن من الحفاظ على تماسك حكومته وقيادة العراق عبر التحديات المتواصلة، فإن الواقع هو ان الاسئلة العميقة، مثل مصير كركوك والعلاقة بين بغداد وحكومة إقليم كوردستان، هي التي تظل بلا علاج.

وفيما يتعلق ببغداد، يقول تقرير ان هناك اعتقادا بأنه في حال انضمت كركوك الى اقليم كوردستان، فانها ستغادر العراق بطريقة او باخرى، بينما فيما يتعلق باقليم كوردستان، فان ضم كركوك سيؤدي الى اطلاق عملية الاستقلال الذي يرغب به.

الا ان التقرير الأوروبي اعتبر ان "كلا الاعتقادين في غير محله لأنه في حال ظلت كركوك محافظة قائمة بذاتها، أو اصبحت اقليما بذاتها، او انضمت الى اقليم كوردستان الموجودة مسبقا، فإنها هي جزء من دولة عراقية اتحادية موحدة".

ودعا التقرير الأطراف الفاعلة السياسية في العراق الى ألا تتعامل مع كركوك باعتبارها لعبة محصلتها صفر، وعليها بدلا من ذلك ان تدرك ان وضعها يجب أن يختاره مواطنوها من خلال الاستفتاء، كما هو منصوص عليه في الدستور العراقي.

اما الان، فان الوضع الحالي يتمثل بأن حالة كركوك التي لم يتم حلها، تشكل عامل اضطراب يلوح في الأفق في العلاقات بين بغداد وحكومة الاقليم، وانها حتى لو لم تكن تمثل الازمة الراهنة حاليا، فإنها تبقى دائما بؤرة للتوتر وجاهزة ليتم استغلالها سياسيا.

وفي هذا الاطار، لفت التقرير إلى أنه في حين ان الاعلان عن مشاركة كركوك في انتخابات المحافظات في كانون الأول/ديسمبر، للمرة الاولى منذ العام 2005، يعتبر خطوة محدودة نحو مسار تمثيلي للمضي قدما، إلا أنه في الوقت نفسه، يشكل خطرا من أن تستمر الأحزاب السياسية في استخدام الاحداث الاخيرة من اجل تعبئة قاعدة ناخبيها، وتعمل من أجل مفاقمة الاستقطاب والتوترات العرقية، وهو ما لن يؤدي إلا الى تعزيز التهديد الأمني ​​الذي تشكله الخلايا النائمة لتنظيم داعش التي تعمد الى استغلال مثل هذه المواقف احيانا كثيرة.

وفي الوقت نفسه، يعتبر التقرير أن الأحداث الاخيرة، كشفت عن ضعف قدرة السوداني على تنسيق التعامل مع الانقسامات داخل ائتلافه، مما يعزز من هشاشة الحكومة السودانية.

واضاف انه في ظل تصاعد التوترات بين بغداد وحكومة الاقليم، فان ذلك يجعل اقليم كوردستان معرضا للتدخلات من جانب تركيا وإيران، اللتين تشعران بالقلق من ان مشاعر الاستقلال في كركوك سوف تمتد إلى سكانهما الكورد، مشيرا على سبيل المثال، الى تدخل الدولتين عسكريا بالفعل في شمال العراق ضد قوى معارضة كوردية متمركزة هناك.

وفي دعوة موجهة الى اوروبا، حذر التقرير من أن اي تصعيد إضافي للتوترات في كركوك، قد يكون له آثار مزعزعة للاستقرار في كافة أنحاء المنطقة وخارجها، ولهذا يتحتم على وزارات الخارجية الاوروبية وبعثاتها في العراق الاستفادة من مشاريعها الرامية الى تعزيز الديمقراطية، لكي تؤكد للساسة العراقيين على ان احزابهم شريكة في حكومة ائتلافية وفي دولة اتحادية وهو ما يتطلب منهم الالتزام بـ الاتحادية الديمقراطية.

وتابع التقرير تحذيره الضمني قائلا انه "من دون التناغم الاجتماعي بين السكان العرقيين المتعددين في العراق، فإن التحالف العالمي لهزيمة داعش وبعثة الناتو في العراق، الى جانب البعثات الاوروبية الاخرى، لن يحققوا هدفهم ابدا".

 وختم التقرير الأوروبي بالقول انه برغم كون كركوك محافظة واحدة، الا انها بمثابة "خط صدع إقليمي" يمكن ان يتسبب بالاضطراب في كافة انحاء الشرق الاوسط. 

واضاف ان السوداني تمكن حتى الان من الاستمرار في تطوير العلاقات مع جيرانه رغم اضطراره الى تخطي الانقسامات الداخلية في حكومته الائتلافية، الا ان عمله هذا يصبح يصبح أكثر صعوبة وخطورة، عندما يتعلق الأمر بمعالجة القضايا القديمة مثل كركوك.

وبعدما أشار التقرير إلى أن هذه القضية داخلية وحساسة، إلا أنه شدد على اهمية ان تقوم البعثات الأوروبية بتقديم المساعدة من اجل خلق الظروف المؤاتية للتوصل الى حل عبر التأكيد على دعمها للنظام الاتحادي والديمقراطية في العراق. واعتبر التقرير أن ذلك بامكانه ان يحد من المخاوف فيما يتعلق بوضع كركوك داخل الدولة العراقية، ويهدئ العلاقات مع تركيا وايران المجاورتين، ومنع إلحاق الضرر بالعمليات الامنية للتحالف الدولي وبعثة حلف "الناتو" في العراق.

ترجمة وكالة شفق نيوز

 

المصدر: شفق نيوز

كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير مجلة فيلي عاشوراء شهر تموز مندلي مدينة كركوك الدیمقراطی الکوردستانی اقلیم کوردستان ان السودانی فی العراق فی کرکوک الى انه من خلال الا ان أنه فی الى ان

إقرأ أيضاً:

توم بيرييلو: تأهل المنتخب السوداني لأمم إفريقيا مثال آخر على الروح السودانية التي لا تقهر في مواجهة الشدائد

قال المبعوث الأمريكي للسودان توم بيرييلو بإن تأهل المنتخب السوداني لأمم إفريقيا مثال آخر على الروح السودانية التي لا تقهر في مواجهة الشدائد. الجزيرة – السودان إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • التوتر مع إسرائيل.. السوداني يحذر من خطر يهدد أمن العراق
  • تقرير يحذر من تسييس الجيش الأمريكي: يؤثر سلباً على مهامه العسكرية
  • رغم حظر السفر.. الغربيون يستمتعون برحلات سريالية في العراق وإقليم كوردستان
  • بارزاني: بأقل من عام سنذهب الى اجراء انتخابات في العراق ويمكن الاستفادة من تجربة كوردستان
  • بسبب حرب أوكرانيا..ارتفاع أسعار النفط مع تصاعد التوتر الجيوسياسي
  • السوداني وبوتين يبحثان قضايا الشرق الأوسط في ظل تصعيد التوتر غير المسبوق في المنطقة
  • توم بيرييلو: تأهل المنتخب السوداني لأمم إفريقيا مثال آخر على الروح السودانية التي لا تقهر في مواجهة الشدائد
  • تصاعد التوتر في جنوب لبنان.. غارات إسرائيلية مكثفة ورد صاروخي من حزب الله
  • السوداني قرار الحرب والسلم بيد الحكومة وليس بيد الحشد الشعبي!!
  • السوداني يدعو لعدم الالتفات إلى الشائعات التي تحاول إفشال التعداد بالعراق