الجنرال أحمد ادريس….. هل تسخر من نفسك ام من الشعب السوداني ؟؟؟
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
في كلمتك المسجلة في يوم الجمعة خاتمة اكتوبر 2023 قلت ان النميري هو آخر رئيس محترم !! جعفر ود أمنة ابعد انسان عن الاحترام . فلننس كل المصائب التي ادخل فيها السودان ، فهذه قد قال اغلب الشعب رأيه فيها وقدم النفس والنفيس لقتلع النميري ويكتسح مايو . جنابك الشعب يدين نميري ويطالب مصر باعادته لمحاكمته. وانت تطبل وتهلل لنميري وتصنع منه بطلا محترما وقائدا عظيما .
ها هذه تصرفات انسان محترم ؟؟
1 ـــ المربي الكبير ورائد التعليم العم محمد توم التجاني لزم فراش المستشفى لفترة ليست بالقصيرة ، لأن البطل الهمام والرجل المحترم حسب فهمك قد اعتدى عليه بالضرب وهو شيخ .
العم محمد توم التجاني كان خفيف الظل رجل عذب روحه لطيفة ، يضفي على المجالس انسا وحبا . نقلوا لنميري قوالة والنميري لانه انسان فارغ الذهن بلا اطلاع يذكر او معرفة بالبروتوكول وتصرف القادة . كان يحب القوالات ويحتفي بمن يأتيه بها . النميري كان تختة فارغة يكتب عليها الكثيرون ما يريدون . قالوا له ان المربي الذي كان يحب الدعابة قد قال بعد اجتماعه مع نميري لمن سألوه عن الاجتماع ..... اداني فارغة واديتو مقدودة .ربما كان المربي يتفادى اطلاع الشمشارين بما حدث في الاجتماع !! هل هذا يسمح لنميري بالاعتداء على مربي بهذه الطريقة السوقية ؟؟؟
2 ــــ ابلغ الشمشاريون ان البروفسر عبد الله الطيب قد وصفه بالكذاب . أنا هنا اشهد بأن لجعفر كثير من الصفات السيئة الا ان الكذب ليس منها . استدعي نميري بالبروفسر والذي يجلس الملك الحسن ملك المغرب بين التلاميذ ليستمع الى عبد الله الطيب .
قالوا لنميري ان نميري عندما تكلم عن الشعر مع عبد الله الطيب أن عبد الله الطيب قد قال له ..... ياريس انت لو قلت شعرا فستقول اعذب الشعر . انتفخ النميري كعادته. قال الشمشارون لنميري أن عبد الله الطيب يقصد ان نميري كذاب لانهم يقولون ،،، أعذب الشعر اكذبه ،، تصور. قال نمير يا بروفسير عبد الله الطيب.... انت بتسيئني بالبارد ؟؟ اخذه عبد الله الطيب في رحلة من الشرح وادخله في متاهات الشعر واللغة العربية . ضاع نميري واكتفى بالقول ....امشي ....لكن يمكن اناديك تاني !!
ذهب بعض السودانيين من طلاب بلغاريا الي الكويت للعمل في فترة الاجازة ، كانوا قد سمعوا عن المليونير خليل عثمان الذي كان الاجنبي الذي يسكن وسط الكويتيين . اذكر منهم الاخ عصام دقنة . ترددوا على مكتب خليل عثمان الذي لم يكن موجودا وبينما هم يشتكون في الاستقبال اقترب منهم رجل لم يعرفوه وكان هو خليل عثمان . استفسر عن رغبتهم وقال لهم . اهلكم رسلوكم اورب علشان تقرو ، ما تشتغلوا اعطى كل منهم مبلغا يعتبر في شرق اوربا خرافيا وقتها البعثة للطالب كانت تساوي 6 جنيهات سودانية سكن لبس مواصلات واكل . ودعهم وقال لهم ارجعوا كملوا دراستكم علشان تساعدوا اهلكم والبلد .
خليل عثمان كان يمكن أن يستثمر امواله في اوربا ويريح باله عاد الى موطنه الدويم قدم الكثير للدويم اخذ اولاد الدويم للعمل في اسطول الصيد وبعضهم الى غرب افريقيا منهم بدر الدين احمد الاحاج ادريس الذي كان يراسلني من السنقال . قام بشراء مصنع النسيج الذي كان يوظف الآلاف اشترى مصنع الدواء من اولاد تمام وسعه وطوره ووظف فيه الدكتور عبد الحليم محمد ولفترة اللواء البطل عوض عبد الرحمن صغير وهو من وقف في صف الشعب مع زميلة حمد النيل ضيف الله في اكتوبر وانتهت الدكتاتورية العسكرية . نادي الخليج الذي يتبع لشركة خليل عثمان كان يعتبر منتجعا للكثير من افراد الشعب السوداني .
اوصلوا وشاية الى الرجل المحترم والقائد الذي وضع رسمه على العملة الوطنية .... ان خليل عثمان قد قال في مأتم عندما استفسر الجميع ... اين الجيش وهذا عندما اتت طائرة ضربت امدرمان وذهبت لحالها 1982. الغريبة ان الطيارة ما كانت طافية نورها وكان يمكن استخدام الدفاع بالنظركما قال العبيط الآخر . زعموا لنميري ان من كرمته مايو واعطوه وسام ابن السودان البار قد قال .... هو الجيش فاضي من بيع الصلصة . وقتها في زمن ،، الكارب قاشو ،، ابو عاج أخوي ......كان الجيش يبيع كل شئ حتى ،، الفرك ،، .
اعتقل الدكتور خليل عثمان جرد من الوسام ووضع معتقلا في استراحة الزوار الاداريين بالقرب من رئاسة الجيش . وبعد فترة الحق به الشاب ،، مصباح ،، الذي واجه النميري في الجامع واراد مخاطبته والحديث عن الفساد وتردي الحال الذي يحدث في البلد .طلب النميري اعتقال الشاب وقال له وقتها يعني انت عاوز تعمل بطل على حسابي .
قال خليل عثمان للشاب ..... شوف يل ولدي ما دام جابوك هنا النميري وهو ماشي لي بيتو في المساء حيجيك وحيشتمك ويسمعك اسوأ كلام ارجوك ما ترد عليه . بس علشان خاطري انا راجل كبير ومرضان . انا لمن جا وشتمني وضربني انا رديت عليه . طلع وجوني ناس الامن شهوني دقو . ارجوك يا ابني اعمل زيي ، ما ترد عليه ..... لم يرد ،، مصباح ،، فقال له النمير...... كلمك ال .... ده .
لقد كتب منصور خالد ما معناه .....ان النميري كان لا يجرد سيفه والا الساحة خالية و....... الخ .
قام نميري بالاعتداء بالضرب على وزير ماليته بدر الدين سليمان امام اكثر من شخص . هل هذا تصرف شخص محترم او يعرف الاحترام . ان للدولة هيبتها واحترامها ، تصرفات نميري كانت سوقية . ولانه مسنود بالامن والجيش لهذا كان يتصرف كصعلوك . نحن نعرف فتوات امدرمان وقد عجمنا عودهم . جعفر ود آمنة لم يكن من فرسان امدرمان . اصطدم جعفر بفتوة مدني في ايام الدراسة في حنتوب . ولا يزال نميري يحمل على وجهه آثار ذلك الصدام . تصافيا بعد تلك المعركة . كان البعض يقول لعوض حلاوة لماذا ساعدت نميري وانتما تعبران النيل سبحاحة بعد ان اصيب بشد عضلي .
اوصل البعض لنميري ان عوض حلاوة قد صرح بانه نادم على تلك المساعدة . ذهب الامن وانتقم من عوض حلاوة . عوض حلاوة تمت استضافته من بعض فتوات امدرمان في شهر يونيو 1964احدهم اخي الملاكم عبد الرحمن كيكس طيب الله ثراه . اذكر ان عوض كان يرتدي كسكتة في الليل في الكازينو المجاور لسينما امدرمان . كنا نتضايق منها ، لانه كان يرتديها عمال الصحة في الليل حتى لا تظهر ملامحهم التي يريدون اخفاءها. عوض كان شخصا طيب القلب و لطيفا خاصة مع من يعرفهم . بالرغم من قوته الظاهرة الا انه خسر معركة في مولد مدني عندما اصطدم بالعربجي عباس ابو مدينة . تألمت جدا عندما سمعت باعتداء امن نميري على عوض حلاوة .
عندما حضر نميري في آخر ايامه الى بون عاصمة المانيا للعلاج على حساب الشعب السوداني بعد أن سمح له الكيزان بالرجوع الى السودان بعد أن كان مطرودا ومطلوب القبض عليه بقائمة طويلة من الجرئم التي ارتكبها في حق الوطن . كان يجلس في الصالون على يمين المدخل الرئيسي في منزل منزل السفير. لم يقدر نميري على رفع ساقه على المقعد الذي امامه . قام احد من طاقم السفارة برفع رجله . وبكل صفاقة قال نميري ..... تعرف الرجل الرفعتها دي امانة ما شلتت رجال . هل هذا تصرف رجل محترم ؟؟؟ الم يكن من الاجدر ان يقول هذه الرجل قد سعت لرفعة السودان ومساعدة المحتاج تفقد الفقراء او لانهاء ازمة ،مجاعة او لرد الفيضانات والسيول الخ .
لقد اقتبست بريطانيا بعض التجارب الناجحة في معهد بخت الرضا وطبقتها حتى في بريطانيا والمستعمرات . زعماء اليمن الجنوبي وحضرموت درسوا حسب المقررات التي وضعته ابخت الرضا . كان يسمح لعشرة من طلاب حضرموت بدراسة الثانوية في السودان ارتفع العد لعشرين ثم ازداد كثيرا واخيرا تم استيعابهم في جامعة الخرطوم . نفس الشي حدث مع الصوماليين الارتريين وآخرين . الطلبة من جنوب اليمن كانوا يمازحونا بتذكر مقررات بخت الرضا مثا كتب المطالعة .... قام ساف تاه . هو ورد وهى وردت فلما نظر اليها تعجب منها ، طه القرشي في المستشفى ، الحمار الشاطر وكريت ابت الرجوع الى البيت الخ
القدال الكبير كان من اكبر رجال التعليم في حضرموت ، كان يستشار حتى في الشؤون الخارجية للدولة . تم منحه رتبة ولقب الباشا . دول الجوار والخليج كانت ترسل طلابها للدراسة في كلية الشرطة الاطفاءية الصحة السجون الخ . المخابرات المصرية عن طريق عميلها محيي الدين صابر قررت تغيير المناهج السودانية التي صممت لتناسب طوف السودان . الكتب الكراسات ومعدات التعليم كان تطبع تصنع في مصر وترسل الى السودان على حساب الشعب المسكين . المخازن والمهمات التي كانت تنتج كل هذه المعينات وتو ظف حتى المكفوفين توقفت لأن تلك الوظائف ذهبت الى مصر .
لقد ضحك الناس على العنبج البرهان لانه أخد شبال في القاهرة وبسرعة اتي في خيان اكتوبر وقرأ خطبة السيسي التي تكتبها له المخابرات المصرية . وكالببغاء رد العنبج خطبة السيسي فقرة بعد فقرة وكلمة بعد كلمة وقام بجريمته . جعفر ود آمنة لاكثير من عقد كان يردد ما تكتبه له المخابرات المصرية والتي يصيغها وزير المعارف او التعليم محيي الدين صابر.
عند قراءة احد الخطب قال محيي الدين صابر للوزراء ورجال الدولة ... استمعوا لهذه الروعة انها درر ... درر . قال له ،، الزينكو ،، او زين العابادين محمد احمد عبد القادر ود نفيسة بصوت مسموع .....اسكت يامع..... ما انت الكاتب الخطبة . النميري لم يكن يقرا خطبه قبل ان يتقيأها على الشعب . في احد المرات توقف وهوو يقرا احد الخطب التي امليت عليه كالعادة ، وقال محتجا .... الكلام ده انا ما موافق عليه . في احد المرات قرأ . ونشكر المواطن علي حسن سلوكه . وهذا يعني ان المواطن هو حسن ووالده هو علي وجده هو سلوكة . والسلوكة ،الجراية الواسوق من ادوات الزراعة في السودان . والقصد كان شكر المواطن على سلوكه الحسن .هذا الكلام سمعه كل السودان والعالم الخارجي ...... تصور .
مكن الاشسياء التي رسخت في ذاكرتي في بداية الثمانينا انني كنت فرزيارة لشركة كردفان التي ورثت بعض الشركات السودانية العريقة التي نهبت تحت لواء التأميم . الاخعبد الحليم الرجل الجنتلمان عندما اتت مكالكة عاجلة من نميري مباشرة وكل المكالمة كانت ...... انت ليه ما عاوز تتعامل مع شركة ود نميري التي كان لها صرح ضخم غرب امدرمان ويديرها ويمتلكها مصطفى شقيق جعفرنميري .
القصة هى أن الشلركة قبضت عرابين او دفع مقدم من مئة مشتري لشاحنات بدفورد او ،، سفنجات ،، . وصلت فقط 70 شاحنة فقط وسبب هذا حرجا للشركة . اتى مندوب من ود نميري مطالبا بسفنجتين . تم الاعتذتار له بادن ومعقولية . لانهم قامون بعمل نوع من اليانصيب . وعاى من لم يفز هذه المرة ان ينتظر الشحنة القادمة. اقتنع الناس وتفهموا الامر . بعد المكالمة اتى وكيا ود نميري وقال لعبد الحليم كما عرفت منه .... جينا نستلم السفنجات ،، حقتنا ،، !!
اين الاحترام هنال يا ،، جنابك ،، احمد ادريس ؟ هنالك الكثير ولكن لا نريد ان نمرض الشعب المسكين . الفيه مكفيه . واعك تاني تجيب سيرة جعفر ود آمنة !!!!
شوقي
shawgibadri@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الشعب السودانی الذی کان قد قال لم یکن قال له
إقرأ أيضاً:
سودان ما بعد الحرب… أليس هذا هو الطريق؟
(1) أما وقد أزاح السودانيون عن صدورهم كثيراً من أثقال المليشيا المتمردة، فقد يتسنى لهم الآن أن يدركوا بوضوح أنهم قد تعرضوا بالفعل في العامين الماضيين إلى مخاطر “وجودية” كادت أن تقضى عليهم تماماً- دولة وشعباً وأرضاً. لقد كانت هذه المرة الأولى في تاريخهم الحديث أن يجدوا دولتهم محاصرة، وشعبهم مطارداً، وأرضهم وبيوتهم محتلة. كما كانت هذه المرة الأولى أيضاً التي يستيقظون فيها ليجدوا أن قواتهم المسلحة-المكلفة بحماية أمنهم القومي- قد أُحيط بها تماماً من قبل واحدة من مليشياتها المسلحة، ففقدت السيطرة على معظم مصادر قوتها- من مقار للقيادة ومصانع للذخيرة ومخازن للوقود ومعسكرات للجند وشبكات للاتصال، وتتلفت يمنة ويسرى فلا تجد صديقاً أو حليفاً يهب لنجدتها (ونحن بالطبع لا نزال نجهل ما قاد لهذه الكارثة- خيانة أم تآمر أم نقصان في الكفاءة العسكرية). ولم ينقذ الموقف إلا أن تلجأ القوات المسلحة الجريحة- في ظرف استثنائي نادر الحدوث- إلى عمقها الشعبي، تستنفر المواطنين للدفاع عن الوطن، فيتوجه الشباب- في لحظة فدائية باهظة التكلفة وبالغة الأثر- إلى معسكرات التدريب، ثم لينطلقوا سراعاً إلى معركة الكرامة ليقاتلوا- كتفاً إلى كتف- مع القوات المسلحة حتى يتحقق النصر.
(2) قضية وجود: إن أول الدروس التي يجب أن تستخلص من هذه التجربة المريرة-التي سقط فيها مئات الشهداء والجرحى- هو: أن تقدم قضية “الوجود”- وجود الشعب والأرض والتراث- لتكون لها الأولوية على غيرها من القضايا، وأن يغلق كل منفذ يقود إلى كارثة مماثلة. ولكي يحافظ السودانيون على هذا الوجود ستعترضهم-بتقديري- ثلاث معضلات أساسية يلزمهم التصدي لها ومحاولة إيجاد صيغة للتوفيق بينها وهي؛ معضلة الامن القومي/والتنمية الاقتصادية/والشرعية السياسية. وقد طال-وسيطول- النقاش ويحتد حول هذه المعضلات، وقد تتباعد الآراء حول تفاصيلها، لكن لا بد لهم من التلاقي والتكتل- إن كانوا قد تعلموا شيئاً من هذه الحرب – في ثلاثة مسارات:
(أ) تثبيت سيادة الدولة، بحيث تبقى سلطة موحدة ذات قدرة عسكرية عالية تستطيع أن تحافظ على الأرواح، وأن تسيطر على الأرض، وتحمى الحدود، وتضع يدها بحزم على ثروات السودان القومية-ذهبه وبحاره وسمائه؛ خاصة وأن المعركة الوجودية لم تنته بعد، فما يزال المعتدى وحلفاؤه يواصلون العدوان ويطلقون المسيرات ويحرضون الجيران؛
(ب) تعزيز الاستثمار في الإمكان الاجتماعي؛ أي تعبئة الطاقات الاجتماعية والعلمية وتوجيهها نحو مشروع وطني يقوم على مضاعفة القدرات الإنتاجية الوطنية (الدفاع والغذاء والدواء معاً). وهذا يقتضي بالضرورة خطة مزدوجة تسعى من جهة لتحديث القاعدة الدفاعية الأمنية وتعظيم قدراتها وجاهزيتها (في مواجهة الموجة الثانية من العدوان)، وتسعى من جهة أخرى لحماية القاعدة الإنتاجية المحلية (في مواجهة الصدمة القادمة من تقلبات الأسواق المالية والتضخم والركود في الاقتصاد العالمي ووكلائه الإقليميين). ولا يمكن لمثل هذه الخطة المزدوجة أن تتحقق إلا أن تتواصل عملية الاستنفار وتُعمّق، فتعود قطاعات الشباب إلى ميادين القتال متى ما دعت الحاجة، وتدلف وحدات الجيش -في أوقات السلم- إلى ميادين الانشاء والإنتاج والتصنيع. أي أن الشراكة “الدفاعية” الناجحة التي قادت إلى النصر في “معركة الكرامة” ينبغي أن تتحول إلى شراكة “بنائية” ناجحة في معركة الإنتاج-زراعة وصناعة ونقلاً واتصالاً وتطويراً وتدويراً. وقد تكون هذه ترجمة عملية لشعار: “جيش واحد شعب واحد”- الشعار الذي ظلت تتغنى به الجماهير طيلة سنوات الحرب- حيث تزول الحواجز بين “الخندق العسكري” و”المختبر العلمي” “ومصنع” الغذاء والدواء والذخيرة، فتستولد مشروعاً عملاقاً للتنمية. ولا ينبغي أن يستغرب أحد مثل هذه الرؤية، وإن فعل فعليه أن يراجع طرفاً من تاريخ المشاريع العملاقة التي صنعت الأمم، كمشروع “مانهاتن” (1942) ليرى كيف تضامن في أوقات الحرب أكاديميون أمريكيون وفرق من الجيش وأرباب صناعات، وكيف حققت أمريكا من خلال ذلك التضامن تفوقها العلمي والتقني والعسكري إلى يوم الناس هذا- ناهيك عن مشاركات عسكرية اكاديمية شعبية صناعية مماثلة نهضت من خلالها دول كثيرة أخرى.
(ت) ترفيع القوى الأهلية والمهنية إلى مواقع صناعة القرار: وينبغي أن نتذكر في هذا المقام أن هذه القوى الأهلية الصابرة والقوى المهنية المهاجرة (المغتربة) هي التي تمثل نقاط القوة في المجتمع السوداني. لقد كانت الحرب الراهنة بمثابة اختبار حقيقي على قدرة وصمود هاتين القوتين في وجه الكوارث، فهما اللتان آوتا وأطعمتا وداوتا آلاف الأسر الناجية من جحيم الحرب، وهما اللتان ساهمتا بقوة في حرب الكرامة، ودعمتا القوات المسلحة بالمال والرجال. ويجدر بنا أن نتذكر أيضاً أن المليشيا وحلفاءها الإقليميين لم يسعوا إلى تدمير الدولة وحسب، وإنما سعوا إلى تدمير نقاط القوة في المجتمع الأهلي السوداني ولتجفيف المصادر التي تمده بالحياة؛ فكانت المليشيا حينما تدخل مدينة تدمر أبار المياه ومحولات الكهرباء والأسلاك الناقلة لها، وتعطل الطواحين، وتنهب الصيدليات والمستشفيات ومراكز غسيل الكلى، وتستهدف الشيوخ المحليين- سواء بسواء مع الأطباء والصيادلة والمهندسين.
(3) اكراهات الواقع. لم تبرز الدعوة إلى التكتل حول هذه المسارات المقترحة من عالم الخيال، بقدر ما أبرزها واقع الحال. فلا شك أن السودان يواجه-خاصة بعد الدمار الذي أحدثته الحرب الأخيرة- أوضاعاً إنسانية واجتماعية بالغة الصعوبة، وواقعاً اقتصادياً متردياً. ومما يزيد الوضع سوءاً وجود “فجوة” مخيفة في القيادة. إذ أن النخب السياسية (السابقون لانتفاضة ديسمبر 2018 والصاعدون على أثرها) تشهد صراعات وانقسامات وعداوات داخلية وبينية لا تمكنها في الوقت الراهن من الالتفات إلى المخاطر الوجودية التي تحيط بالسوان والمصائب التي ألمت بالمجتمع السوداني- من انهيار في مؤسساته وضياع لثرواته وتحطيم لمستقبل شبابه، كما لا تمكنها تلك الانقسامات والعداوات من انتهاز الفرص التي قد تنفتح للسودان لجهة ما يتمتع به من موارد طبيعية ومساحات زراعية ومعادن نفيسة وموقع استراتيجي. أما القوى الخارجية الكبرى (أمريكا -أوربا) فلديها الآن ما يكفيها من أزمات داخلية طاحنة، وحروب تجارية شرسة، فلا يتوقع-والحالة هذه- أن تفتح صناديقها لتدعم السودان أو غيره.
ولذلك فليس من الحكمة-والحالة هذه- أن يرتهن مستقبل السودان بأحزابه السياسية، أو أن يعول السودانيون كثيراً على نخبهم السياسية الراهنة. فهذه نخب ضررها أكثر من نفعها؛ يعاني بعضها من علل النشأة، ويعاني بعضها الآخر من علل الشيخوخة، فلا يملك أي منها “فكرة” كبيرة تلهم الجمهور، ولا “قادة” كباراً يستولدون الأفكار ويشحذون الهمم. من الأفضل حينئذ أن تُترك هذه الأحزاب لتعالج-على مهل- أوضاعها الداخلية الخاصة، ولترمم علاقاتها ولتراجع برامجها وأهدافها، ثم تُبلور-بمنأى عنها- كتل وفواعل وتضامنيات اجتماعية أخرى-قوامها الباحثون الخبراء والقوى الاهلية المحلية والزراع ورجال الأعمال وأرباب الصناعة والشباب الناهض أصحاب المصلحة الحقيقية في التنمية- لعلها تكون أقدر على النهوض بمهمة اعمار السودان في الفترة الراهنة. أما الأحزاب فيمكن أن تلحق بالركب الوطني في المحطة القادمة-بعد أن تتعافى.
فإذا صدقنا بهذا فستترب عليه أمور كثيرة، أهمها أن نعيد النظر في توجهاتنا الاقتصادية والسياسة الراهنة.
(أولاً) النموذج الاقتصادي: من الضروري أن نقر في بداية الأمر بأننا نعانى من ارتفاع مخيف في معدلات البطالة، وارتفاع مماثل في تكاليف المعيشة، وتدنى مريع في الإنتاج المحلى، وتدهور في البنية التحتية والهياكل المؤسسية، ومشكلات متفاقمة في قطاعي الصحة والتعليم. ولكن من الضروري أيضاً ألا نكذب على أنفسنا فنبنى أحلامنا على معونات من الخارج أو وعود من الدول المانحة وصناديق الاعمار. علينا أن نعيد النظر في نموذج تفكيرنا الاقتصادي واستبداله بآخر تكون من مسلماته أن الخروج من براثن هذه الكارثة الكبرى ستكون بدايته قيام “دولة قوية راشدة” تحفظ الأمن ثم تجمع الطاقات وتشحذ الهمم نحو هدف قومي استراتيجي رئيسي يتمثل في تحريك عجلة الإنتاج ورفع معدلاته ثم استخدام ما يعود منه لتلبية الحاجات الأساسية لمواطنيها (الأمن والصحة والتعليم).. علينا أن نضع نصب أعيننا نماذج مجتمعات صاعدة (الصين مثلاً) استطاعت أن تعبد طرقها وتبنى جسورها اعتماداً على سواعد أبنائها وظهورهم، واستحضاراً لمثال أجدادهم الأوائل الذين حولوا الجبال وصنعوا المعجزات، وليس على آليات وتجهيزات ممنوحة من الخارج.
ويحضرني في هذا الصدد مثالاً أورده أحد المفكرين المستبصرين لتوضيح الفرق بين الإمكانيات المادية والإمكانات الاجتماعية، فيقول: لو افترضنا أن زلزالاً هائلاً قضى على مدينة نيويورك فان الولايات المتحدة لا تستطيع- اعتماداً على إمكانياتها المادية فقط- أن تشترى مدينة مماثلة لنيويورك؛ ولكنها تستطيع- بالاعتماد على إمكانها الاجتماعي- بناء وإعادة بناء مئات المدن مثل نيويورك؛ فالإمكان الاجتماعي-لا الإمكانيات المادية- هو الذي يقرر مصير الشعوب. وعلى المنوال ذاته يمكن القول إنه في مقدور ثلاثة إلى خمسة مليون شاب سوداني-من ذوي العزيمة الصلبة والتأهيل المهني الرفيع- أن يعيدوا بناء السودان-إذا فسح لهم المجال- وأن يسهموا في تحقيق نهضته كما أسهموا في نهضة بلاد أخرى لم تكن شيئاً مذكورا.
(ثانياً) النموذج السياسي: علينا-معشر السودانيين- أن نغير نموذج تفكيرنا السياسي، فنتوقف في الفترة الراهنة عن الركض وراء الورش السياسية ومؤتمرات الخارج ومسودات الدساتير والمواثيق، فقد جربناها من قبل ولم نحصد غير الهشيم. كما علينا من ناحية أخرى أن نتوقف عن الركض وراء نموذج سياسي (مثالي) لا نملك في الوقت الراهن المعطيات (اللوجستية والأمنية والاقتصادية) التي تؤدى اليه، وأن نبدأ-في مرحلة تعزيز الوجود هذه- ببرنامج الحد الأدنى من الديموقراطية (العدالة وحكم القانون/التمثيل الشعبي الجغرافي/استشارة الخبراء)، ثم نتدرج نحو ديموقراطية أكمل. أما الإصرار على أنه يجب أن نحصل الآن ومنذ البداية على ديموقراطية تنافسية حزبية كاملة، كحال الدول الرأسمالية الغربية (المستقرة اجتماعياً، والمزدهرة اقتصادياً) فهو إصرار في غير محله. إذ أن هذه الدول الغربية ذاتها لم تصل إلى نظمها الديموقراطية الراهنة (على علاتها) دفعة واحدة. وكم من مجتمع في جوارنا الأفريقي وغيره ظل يكافح ويتعلم ويتدرج من نظام اوتوقراطي يحفظ الأمن وحسب، إلى آخر هجين أفضل منه، إلى ثالث أقرب منهما إلى الرشد والصلاح.
(ثالثاً) ماذا نتوقع؟ إذ قدر نجاحٌ للنموذج الاقتصادي التنموي المشار اليه آنفاً فقد لا يؤدى الى صد العدوان وحفظ الأمن ورفع مستوى المعيشة وحسب، وإنما سيؤدى إلى تقليص الفجوة بين العسكريين والأكاديميين ورجال الأعمال، وإلى تقليص الاعتماد على الخارج، وإلى خفض درجة الحرارة السياسية بين المجموعات السياسية المتناحرة، وقد يعيد التوازن بين فئات الهامش المهضوم والحواضر الهاضمة؛ إذ أن استمرار هذه المظالم والضغائن لا يلد إلا مناخات نفسية اجتماعية كارهة للديموقراطية، ومرحبة بالدكتاتورية (كما وقع في بعض المجتمعات الإقليمية المجاورة بعد ثورات الربيع العربي المشهورة). هذا ولا قوة إلا بالله.
التيجاني عبد القادر حامد
9 أبريل 2025