YNP  /  إبراهيم القانص -

أينما تكون الإمارات تشتعل الحروب ويحل البؤس والدمار، وغالباً لا يكتشف المستهدفون أن الأطماع الإماراتية هي سبب ما يحل بهم إلا وقد بلغوا من البؤس والمعاناة والدمار مبلغاً صعباً ومُكلفاً، لأنها تدخل البلدان العربية بثياب الإنسانية، وآلة إعلامها الكبيرة تتكفل برسم صورة ذهنية لدى البسطاء تجعلها في عيونهم راعية الإحسان والأيادي البيضاء،

وما إن تتمكن مؤسساتها الاستخباراتية- التي تحمل صفة الأعمال الإنسانية والإغاثي-ة من تحديد الأهداف وتجهيز الأدوات المحلية التي تشتريها بضخ الأموال وجلب أنواع الأسلحة لتشعل بواسطتها الصراع الداخلي، حتى تتحول البلاد إلى ركام من الدمار ورماد من أثر نيران الحرب، ومع ذلك تجدها في مُقَدَّمِ الداعين إلى السلام ووقف الحرب والتصالح بين الإخوة المتناحرين، الذين كانوا بالفعل إخوة إلى ما قبل مجيئها.

 

تلك ببساطة هي حكاية البلدان العربية التي وقعت فريسة سهلة للإمارات باسم الإخاء العربي ومدّ يد العون لمن يحتاج المساعدة، وهذا الإخاء والعون الإماراتي له مدلولات مختلفة عمّا تعنيه هذه القيم الإنسانية، ففي شرعها وعُرفها لا يعني ذلك سوى أن تشتعل نيران الحرب في بلادك ويُدمَّر اقتصادك وتُنتهك سيادة أرضك، وستجد الأدوات الإماراتية مسيطرة على مناطق ثرواتك السيادية أيّاً كانت، أما العالم المتواطئ فهو يرى مواطنيك على شاشات الفضائيات وهم يتسلمون سلالاً غذائية لا تتعدى الأقوات الضرورية التي تبقيهم على قيد الحياة، ليشهدوا بأعينهم ما يحل ببلادهم وتنزف قلوبهم على ثرواتهم التي تؤخذ رغماً عنهم مقابل القليل من الأغذية البائسة التي تتلفها فلاشات كاميرات وسائل الإعلام الإماراتية وتذل بها شعوباً عزيزة غنية بثرواتها ومواقعها الاستراتيجية، لولا أنهم وقعوا في دائرة الإنسانية الإماراتية الباهظة الثمن.

 

ذلك هو ما حدث في ليبيا العائمة فوق بحيرات النفط، واليمن ذات المواقع والجزر والممرات المائية الأكثر أهمية على مستوى العالم إضافة إلى النفط والمعادن بأنواعها، والسودان المليئة بالذهب وذات الأرض الزراعية الأخصب على مستوى المنطقة والثروة الحيوانية الأكبر.

 

صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، كشفت في تحقيق نشرته مؤخراً حقيقة ما يحدث في السودان من حرب أهلية طاحنة، والبصمة الإماراتية الظاهرة على كل الأوجاع والآلام التي يكابدها السودانيون، حيث أشار التحقيق إلى أن أبوظبي تنقل الأسلحة وتقدم الرعاية الطبية لواحد من طرفيّ الصراع المتأجج في السودان من قاعدة بعيدة في تشاد المجاورة.

 

الصحيفة نقلت عن مسؤولين سودانيين- طلبوا إخفاء هويتهم- قولهم إن الإمارات وتحت ستار إنقاذ اللاجئين الفارّين من الحرب، تدير عملية سرية متقنة لدعم أحد أطراف الصراع، وتقدم العناية الطبية للمقاتلين الجرحى، وتنقل الحالات الخطيرة جواً إلى واحد من مستشفياتها، وتدير تلك العملية من قاعدة عسكرية ومستشفى بعيد عن الحدود السودانية في تشاد، حيث تهبط طائرات شحن تجاري من الإمارات، وبشكل شبه يومي في القاعدة منذ شهر يونيو، حسب صور التقطتها الأقمار الاصطناعية والمسؤولون السودانيون.

 

وتشير جميع الأدلة إلى أن الإمارات هي التي تدعم قوات الدعم السريع في السودان ضد الجيش النظامي للبلاد، في حرب خلّفت حتى الآن 5 آلاف قتيل، وشردت أكثر من 4 ملايين شخص.

 

ووصف سودانيون التدخل الإماراتي في بلادهم بـ"الازدواجية الشنيعة"، قائلين إنها تتحدث من جهة عن السلام وتغذّي الحرب، وتدعي من جهة أخرى أنها تساعد اللاجئين، وفي الوقت نفسه تعالج الجنود الذين تدعمهم ليقاتلوا الجيش الوطني السوداني.

 

ونوّه تقرير الصحيفة الأمريكية بأن الإمارات تستخدم الدعم الإنساني في السودان كستار لمساعدة قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهو زعيم ميليشيا سابق في دارفور يتمتع بسمعة سيئة من القسوة وعلاقاته الطويلة مع الإمارات، وحسب مسئول أمريكي بارز فإن "الإماراتيين ينظرون لحميدتي باعتباره رجلهم"، وهو ما يحدث ويُشَاهد في أماكن أخرى مثل اليمن وليبيا، حيث يختارون رجلاً ويظلون يدعمونه طوال الوقت.

 

ففي شرق ليبيا، سلحت الإمارات أمير الحرب خليفة حفتر، في خرق واضح لحظر تصدير السلاح الذي فرضته الأمم المتحدة، كما قدمت الطائرات الحربية المسيّرة لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في مرحلة حرجة من حربه مع ثوار التيغراي، عام 2020، ما حرف ميزان الحرب لمصلحته.

 

الجنود التابعون لقوات الدعم السريع الذين يقاتلون الجيش النظامي حصلوا على صواريخ كورنيت المضادة للدبابات من الإمارات، واستخدموها خلال الأسابيع الماضية، لاستهداف قاعدة محّصنة لسلاح المدرعات في العاصمة الخرطوم، حسب مسؤولين سودانيين وأمريكيين، ولا تزال الإمارات تنكر تقديمها الدعم لطرف في الحرب السودانية، وترفض وزارة خارجيتها الرد على أي أسئلة في هذا الشأن، وفق "نيويورك تايمز".

وفيما قال محلل سابق في الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه"، إن الإماراتيين يعملون أكثر من أي طرف آخر على مساعدة قوات الدعم السريع وإطالة أمد الصراع، والدعم يتم بسرية تامة وبدون بصمات، أكد حسام محجوب، مؤسس "بكرة"، وهي شركة إعلامية سودانية مستقلة، إن "هذا يجعلني غاضباً ومحبطاً.. قد شاهدنا هذا من قبل في دول مثل ليبيا واليمن، حيث تقول الإمارات إنها تريد السلام والاستقرار، لكنها تعمل كل شيء ضده".

 

وبدأت العلاقة الإماراتية مع حميدتي خلال حرب التحالف في اليمن، التي تعد الإمارات الشريك الأبرز للسعودية التي تقود الحرب، حيث أغدقت أبوظبي الأموال عليه في عام 2018، لإرسال مقاتليه إلى اليمن، وساعدته هذه الحملة على إثراء نفسه وتعزيز قوة "الدعم السريع" داخل السودان، مع بنائه إمبراطورية مالية ومناجم ذهب ينقل عائداتها إلى دبي، حيث يدير شقيقه الأصغر القوني حمدان دقلو شركات لإدارة مصالح العائلة.

 

ومثل بقية دول الخليج، ترى الإمارات في السودان مصدراً للغذاء، ومركزاً لتعزيز مصالحها في البحر الأحمر، حيث وقعت على اتفاقية بـ6 مليارات دولار لبناء ميناء جديد على البحر الأحمر، حسب الصحيفة.


المصدر: البوابة الإخبارية اليمنية

كلمات دلالية: الدعم السریع فی السودان

إقرأ أيضاً:

معتقلون يكشفون عن إعدامات وتعذيب على أيدي الدعم السريع السودانية

نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرًا، ترجمته "عربي21"، استعرض شهادات مروعة لمعتقلين سابقين لدى قوات الدعم السريع السودانية كشفوا فيها عن عمليات إعدام وتجويع وتعنيف وحشية في مركز احتجاز تم اكتشافه حديثًا، مما أثار دعوات لإجراء تحقيق في جرائم حرب محتملة.

 وذكرت الصحيفة قصة المعتقل "آدم" الذي يعتقد أنه قتل تحت التعذيب في أحد مراكز الاحتجاز التابعة للدعم السريع، في ولاية الخرطوم بالسودان، وعثر على مرتبة مضرجة بدمائه في منشأة عسكرية نائية.

وبعد ما يقارب عامين على اندلاع الحرب الأهلية الكارثية في السودان، يعكس رحيل آدم المحتمل الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها والتي تُطرح في جميع أنحاء البلاد، حيث يتميز الصراع بعمليات قتل غير مسجلة، واختفاء قسري، وعائلات تبحث عبثًا عن أحبائهم المفقودين.

كان المبنى الذي عثر فيه على آثار "آدم" يضم مركز تعذيب واضحًا تحت قيادة قوات الدعم السريع شبه العسكرية. ومع بدء الدعوات لإجراء تحقيق في حجم ما حدث في الداخل، من المأمول أن تبدأ محاولات التعرف على الجثث داخل مئات المقابر المجهولة القريبة.

قد توجد أدلة محتملة حول من قد يرقد في القبور المحفورة على عجل في دفتر ملاحظات بحجم A3 عثرت عليه صحيفة الغارديان على الأرض القذرة لمركز التعذيب. في كل صفحة مكتوبة بعناية بقلم حبر جاف، توجد قائمة بـ 34 اسمًا باللغة العربية بعضها مشطوب.


أيًا كانت هوية هؤلاء المعتقلين فقد عانوا وتعرضوا للضرب بشكل متكرر، وكانت الحياة اليومية مروعة بلا هوادة. تم حشر العشرات في غرف لا يزيد حجمها عن ملعب اسكواش. يصف الناجون أنهم كانوا محشورين بإحكام لدرجة أنهم لم يتمكنوا إلا من الجلوس وركبهم مطوية تحت ذقونهم بينما كانت زاوية من الغرفة مرحاضًا. عندما زارت الغارديان المكان، كان الهواء مليئا بالذباب والرائحة الكريهة لا تطاق. تغطي الكتابات الجدران. بعضها يتوسل الرحمة وإحداها يقول "هنا ستموت".

خلف باب شبكي تتدلى منه الأصفاد توجد عدة غرف بدون نوافذ بمساحة مترين مربعبن كانت تستخدم كغرف تعذيب، على حد قول ضباط عسكريين سودانيين. ووفقًا للإفادات التي أُدلي بها للأطباء، تعرض المعتقلون للجلد بشكل متكرر بالعصي الخشبية من قبل حراس قوات الدعم السريع. وأُطلق النار على آخرين من مسافة قريبة.

في منطقة يستخدمها حراس قوات الدعم السريع، خلفت ثقوب الرصاص ندوبًا في السقف. أولئك الذين لم يتعرضوا للتعذيب حتى الموت واجهوا مجاعة تدريجية.

وفي حديثه في قاعدة عسكرية في مدينة شندي، قال الدكتور هشام الشيخ إن المعتقلين كشفوا أنهم كانوا يتلقون كوبًا متواضعًا من حساء العدس، حوالي 200 مل، يوميًا. كانت هذه الإعاشة توفر حوالي 10% من السعرات الحرارية اللازمة للحفاظ على وزن الجسم. لذلك أصابهم الهزال بسرعة.

إلى جانب الانهيار الجسدي، كان المعتقلون محطمين نفسياً أيضاً. بعد أن حوصروا في مكان ضيق – وعدم وجود مساحة للتحرك – أصبح العديد منهم صامتين تقريبًا بسبب صدمة وجودهم. يقول خبراء الفظائع إن حجم موقع الدفن المؤقت غير مسبوق من حيث الحرب السودانية المستمرة. حتى الآن، لم يقترب أي شيء من حجمه.

تقول مصادر عسكرية فحصت الموقع إنه تم تحديد مكان كل جثة بكتلة خرسانية كشاهد قبر. عدد من القبور محاطة بما لا يقل عن 10 كتل خرسانية.

حثّ جان بابتيست غالوبين، من هيومن رايتس ووتش، الجيش السوداني على منح "وصول غير مقيد" للمراقبين المستقلين، بما في ذلك الأمم المتحدة، لجمع الأدلة. تعكس تجارب المعتقلين أيضًا الحرب الأوسع نطاقًا. منذ البداية، اتسم الصراع في السودان بهجمات ذات دوافع عرقية، وأفاد المعتقلون بتعرضهم لإساءات عنصرية في مركز التعذيب.


يقول الشيخ: "لقد تعرضوا للإساءة العنصرية كثيرًا. لقد عانوا من التحرش اللفظي والعنصرية". تم الاستهزاء بهم جميعًا على أنهم ينتمون إلى "دولة 56" في إشارة إلى العام الذي حصلت فيه السودان على استقلالها، وهو هيكل قال حراس قوات الدعم السريع للسجناء إنهم يريدون "تدميره".
 ومما يؤكد بؤس وضعهم حقيقة أن جميعهم احتُجزوا على ما يبدو لأسباب بسيطة وتعسفية.

وحسب ما ورد، احتُجز معظمهم بعد منع قوات الدعم السريع من نهب منازلهم. ويقول الشيخ إن البعض اعتُقل بعد رفضه تسليم هاتفه الذكي. وعلى الرغم من أن جميع الذين عُثر عليهم في المركز كانوا من المدنيين، إلا أنه خلال الزيارة عثرت الغارديان أيضًا على العديد من بطاقات الهوية العسكرية السودانية الرسمية بين الحطام في أرضية المنشأة.

 وكان من بين الحطام أيضًا علب من الحقن وعلب أدوية مهملة، بعضها يمكن أن يجعل المستخدمين يشعرون بالدوار والنعاس. وتعتقد مصادر عسكرية أن قوات الدعم السريع ربما استخدمت المخدرات للهروب من الواقع الرتيب لواجب الحراسة. وهو ادعاء تؤكده التقارير المتكررة عن مقاتلي قوات الدعم السريع المخدرين، فضلاً عن اكتشاف حديث على بعد ثمانية كيلومترات جنوب مركز التعذيب.

قبل عدة أسابيع، وبالقرب من مصفاة النفط الرئيسية في السودان، عثر ضباط مخابرات الجيش السوداني على مصنع على نطاق صناعي ينتج عقار الكبتاغون المحظور، قادر على إنتاج 100 ألف حبة في الساعة. وتم العثور على دليل على أن الأمفيتامين كان يستخدم محليًا ويُهرب إلى الخارج.

يثير اكتشاف مركز التعذيب التابع لقوات الدعم السريع ومصنع الكبتاغون القريب على نطاق واسع مقارنات غير مواتية مع سوريا، التي حولها رئيسها السابق بشار الأسد إلى أكبر دولة مخدرات في العالم. وبالمثل، يبدو أن الاكتشافات المروعة في القاعدة العسكرية شمال الخرطوم هي جزء من شبكة من مراكز التعذيب التابعة لقوات الدعم السريع حول العاصمة. 

وقالت مصادر عسكرية إنهم عثروا مؤخرا على مركز آخر في جنوب الخرطوم. وهناك، كان المصريون من بين الذين تعرضوا للتعذيب، وبعضهم حتى الموت.

ومع اشتداد المعركة من أجل العاصمة ومع إحراز الجيش – المتهم نفسه بجرائم حرب وانتهاكات لا حصر لها – تقدمًا مطردًا ضد عدوه اللدود، فإن المزيد من الاكتشافات المروعة أمر لا مفر منه. ببطء، وبشكل صادم، سيظهر الحجم الحقيقي لأسرار السودان الرهيبة.

مقالات مشابهة

  • السودان.. مقتل وإصابة 30 مدنياً بقصف لقوات الدعم السريع استهدف مدينة إستراتيجية
  • مناوي: قائد الدعم السريع هدد بإحراق الخرطوم قبل اندلاع الحرب
  • أي دور للإمارات في حرب السودان بين الجيش و”الدعم السريع”؟
  • معتقلون يكشفون عن إعدامات وتعذيب على أيدي الدعم السريع السودانية
  • تتهمها بتسليح قوات الدعم السريع..السودان ترفع دعوى ضد الإمارات في محكمة العدل الدولية
  • شاهد بالفيديو.. اللاعب علاء الدين طيارة ينبه جنود الدعم السريع لمواعيد تحرك الجيش والأوقات التي يكثف فيها هجماته في رمضان وساخرون: (انت بعد الحرب تنتهي مفروض يربطوك في سوخوي وتموت خلعة بس)
  • أعضاء في الكونغرس يعملون على حظر مبيعات الأسلحة للإمارات.. ما فرص نجاحه؟
  • أعضاء في الكونغرس يعملون على حظر مبيعات الأسلحة للإمارات.. ما فرص نجاحها؟
  • أعضاء في الكونغرس يعملون على مشاريع لحظر مبيعات الأسلحة الأمريكية للإمارات.. ما فرص نجاحها؟
  • الكشف عن مقبرة جماعية ومركز تعذيب في السودان.. واتهامات للدعم السريع