نوبل للطب 2023.. كيف يمكن للقاحات أن تنقذ العالم يوما ما؟
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
خلال النصف الأول من عام 2020، تأكد العلماء من كل أنحاء العالم أن "كوفيد-19" جاء ليبقى ويستشري في كل الكوكب، ساد التشاؤم جميع المنصات العلمية، لكن بحلول شهر يوليو/تموز ظهرت بارقة من الأمل حينما أُعلنت الخطط الأولى لبناء لقاحات خاصة بالمرض، الأهم من ذلك أن بعضا من هذه اللقاحات ظهر في فترة كانت الأقصر في تاريخ العلم كله!
كان أسرع لقاح نعرفه إلى وقتها هو لقاح النكاف الذي طوره عالم الميكروبيولوجيا الأميركي موريس هيلمان في أربع سنوات فقط، وفي المعدل المعتاد تأخذ اللقاحات فترة أطول من ذلك وصولا إلى 15 سنة في بعض الأحيان، أما لقاحات كوفيد-19 الأولى فقد وصلت بعد أقل سنة واحدة فقط، تضمن الأمر بالفعل تسريعا للاختبارات المعملية والاختبارات على الحيوانات ومن ثم البشر.
لكن كان هناك عنصر إضافي لم يعرفه الناس وقتها وهو ما تسبب في حالة جدل وقلق تجاه اللقاح، وهو أن تلك اللقاحات لم تكن تشبه أي لقاح نعرفه، كانت شيئا جديدا، تسبب في حصول كل من كاتالين كاريكو ودرو وايزمان على جائزة نوبل في الفسيولوجيا والطب لعام 2023 "لاكتشافاتهم المتعلقة بتعديلات قاعدة النيوكليوتيد التي مكنت من تطوير لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال الفعالة ضد كوفيد-19".
ما الذي يعنيه اللقاح؟حينما يهاجم فيروس ما جسمنا فإن الجهاز المناعي الخاص بنا يتعامل مع هذا الهجوم بآليتين، الأولى هي العمل المباشر على صد هذا الهجوم، والثانية هي نسخ معلومات هذا الغازي القادم من الخارج، وبناء على تلك المعلومات يقوم الجهاز المناعي ببناء خط دفاعي متجهز لأي هجوم مستقبلي من قبل نفس النوع من الفيروسات.
إذا تعرضت لإصابة بفيروس ما لأول مرة، فإن جهازك المناعي يأخذ وقتا ليتكيف مع الوضع الجديد ويتعامل معه، وفي أثناء ذلك تظهر أعراض المرض، مثل الحمى أو السعال أو ارتفاع درجات الحرارة، والتي هي أعراض لهذا الصراع بالداخل، لكن في المرة التالية حينما يدخل الفيروس إلى جسمك يكون الأخير متجهزا له، فيتعامل بسرعة.
يهدف اللقاح إلى خلق هذا النوع من المناعة التكيفية ضد الفيروس دون أن تتعرض لإصابة أولية به، وذلك عن طريق استثارة جهازنا المناعي لنوع محدد من الفيروسات، فيندفع لتجهيز نفسه لإصابة مستقبلية. يتم إنتاج معظم اللقاحات المضادة للفيروسات المتوفرة اليوم باستخدام تقنيات تقليدية تعتمد على فيروسات كاملة موهّنة مثل لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية ولقاح فيروس الحمى الصفراء، أو فيروسات تم تعطيلها تماما (إماتتها) مثل لقاح التهاب الدماغ الذي يحمله القراد ولقاح التهاب الكبد أ، والفكرة ببساطة أن وجود صورة ضعيفة أو مقتولة من الفيروس سيسهل على جسمك مقاومته وبناء المناعة المستقبلية أثناء هجوم الفيروس النشط.
ومع ثورة البيولوجيا الجزيئية قبل عقود ابتكر العلماء تقنيات جديدة مثل لقاحات البروتين المؤتلف كلقاح التهاب الكبد ب ولقاح فيروس الورم الحليمي البشري، وهذه اللقاحات لا تحتوي على فيروس كامل بل البروتين الخاص به والذي يستثير نفس الإستجابة المناعية، ولقاحات الفيروسات الحاملة مثل لقاح فيروس التهاب الفم الحويصلي ضد الإيبولا والذي تمت الموافقة عليه في عام 2019، والذي تبعه قريبا لقاح الإيبولا القائم على الفيروسات الغدية، وفي هذه اللقاحات ينقل الحمض النووي الخاص بالفيروس الذي يصيب بالمرض إلى فيروس خامل، ويتم إدخاله للجسم لاستثارة المناعة.
ما الحمض النووي أصلا؟ولكن كانت هناك مشكلة، حيث تتطلب اللقاحات التقليدية السالف ذكرها مرافق تصنيع قائمة على زراعة الخلايا، الأمر الذي كان دائما مكلفا وبطيئا ومعقدا وغير مرن، ولذلك فقد اهتم الباحثون في مجال اللقاحات منذ ثلاثة عقود بتطوير لقاحات تتحايل على ذلك عن طريق توصيل الحمض النووي الخاص بالفيروس مباشرة إلى خلايا متلقي اللقاح، واستغلال قدرة الجسم على إنتاج البروتينات الخاصة بالفيروس. لكن دعنا هنا نتوقف قليلا لنتعلم درسا قصيرا في البيولوجيا الجزيئية.
تخيل جسمك كفيلم سينما معروض على الشاشة، هذا الفيلم بالأصل يتكون من شريط طويل مشفرٌة عليه المشاهد، هنا يلتقي البطل بحبيبته لأول مرة، وهنا يعترف لها بحبه، وفي موضع ثالث على الشريط تتركه لأحزانه وحيدا. خلايانا البشرية كذلك تحتوي على شريط طويل من الوحدات الكيميائية الممثلة للحمض النووي، كل مجموعة من تلك الوحدات تمثل جينا؛ هنا جين يعبر عن لون شعرك، وهنا جين آخر يعبر عن لون عينيك، وهناك جين يعبر عن طول عظامك، إلخ، وصولا إلى أدق التشكلات الجزيئية والتفاعلات الكيميائية في أجسامنا.
إذا كان الحمض النووي هو شريط السينما، فأنت الفيلم وهو يعرض، وعملية العرض تلك (ظهور السمات) تشبه الترجمة، حيث هناك أدوات داخل خلايانا الحية تقوم بترجمة هذه المعلومات الموجودة على الحمض النووي إلى بروتينات، والبروتينات هي ما يصنع وجهك وقلبك ويديك وعينيك ووصولا إلى العضيات داخل الخلايا وجدرانها وكل شيء فيك. يجري هذا على كل الكائنات الحية، فكل منها يحوي شفيرة تترجم لتصنع الكائن الحي، بما في ذلك فيروسات مثل كورونا، والذي يحتوي على شريط واحد من الحمض النووي الريبي "RNA".
في الثمانينيات من القرن الفائت اقترح الباحثون إمكانية أن تستخدم الأحماض النووية الخاصة بالفيروسات كلقاح، حيث يتم إدخالها إلى الجسم البشري، ثم تدخل إلى الخلايا وتستخدم أدوات الترجمة القابعة فيها لنحصل على بروتينات الفيروس نفسه، وفي حالة كورونا المستجد فنحن نتحدث عما يسمى بـ بروتين الحسكة (Spike Protein)، الذي يُمثِّل البروزات الموجودة على سطح الفيروس وتُعطيه الشكل التاجي، وظيفة هذه البروزات أن ترتبط مع أنواع محددة من المستقبلات على الخلايا البشرية بطريقة تشبه القفل والمفتاح، ثم تسحبه تلك المستقبلات إلى داخل الخلية وهناك يبدأ التكاثر والانتشار في الجسم مسببا المرض.
تاريخ طويل للمحاولاتيعود تاريخ أول إثبات على إمكانية نجاح اللقاحات المعتمدة على الحمض النووي إلى أوائل التسعينيات عندما تم اختبار هذه اللقاحات لأول مرة على الفئران، بعد ذلك عرف العلماء أن الحمض النووي الريبي المرسال "mRNA" هو ضالتهم المنشودة لإحداث ثورة في عالم اللقاحات، والحمض النووي الريبي المرسال هو ببساطة نوع من الحمض النووي، لكن له مسؤوليات محددة.
كان ذلك لعدة أسباب، حيث توقعوا أن اللقاحات المعتمدة على الحمض النووي الريبي المرسال أسهل في التصميم والإنتاج، لأنها لا تتطلب زراعة كميات كبيرة من الفيروس أو استخراج قطعة معينة من الغلاف البروتيني للفيروس، وهذا يقلل أيضا من خطر التلوث ويزيد من سرعة الإنتاج ويخفض تكلفته، أضف لذلك أن هذا النوع من اللقاحات يمكنه تحفيز أنواع متعددة من المناعة في آن واحد، فيحفز إنتاج الأجسام المضادة التي تحيد الفيروس، وينشط أيضا الخلايا التائية التي تدمر الخلايا المصابة.
وبالإضافة إلى ذلك فإنه يمكن تعديل أو تحديث هذا النوع من اللقاحات بسهولة لاستهداف متغيرات أو سلالات جديدة من الفيروس، لأنها تتطلب فقط تغيير تسلسل الحمض النووي الريبي المرسال وهذا سهل نسبيا مقارنة بالأنواع الأخرى من الأحماض النووية، وبالإضافة إلى ذلك فإن الحمض النووي الريبي المرسال لا يتفاعل مع الحمض النووي للخلايا البشرية لأن الأخير يتكون من حمض نووي ريبي منقوص الأكسجين "DNA" ويتواجد في النواة، بينما يبقى الحمض النووي الريبي المرسال فقط في السيتوبلازم خارج النواة، وهذا يلغي إمكانية حدوث طفرات أو تعديل الجينات البشرية.
كاريكو ووايزمانلكن الأمر بالطبع لم يكن بهذه البساطة، فالفكرة دائما ليست ابتكار العامل العلاجي فقط والتأكد من فاعليته، بل بالإضافة إلى ذلك تلزم تنقيته من كل شائبة ممكنة، وضمان توصيله إلى الخلايا بأفضل تركيز ودون تكسير، وتحوله في الخلايا بالطريقة المطلوبة وبإنتاجية محددة مع نسبة هدر يسيرة، وكذلك تكرار نسخه في المختبر بسهولة، ولكل من هذه العناصر تجرى تجارب تستمر لسنوات، وقد تتوقف بسبب مشكلة ما.
وفي حالة لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال، ظهرت مشكلتان أساسيتان كانتا العائق الرئيسي أمام تطوير هذا النوع من اللقاحات للاستخدام البشري، أولهما هي أن هذا الحمض غير مستقر ولا ينتج (يترجم إلى) الكثير من البروتين داخل الخلايا، وثانيهما كانت أنه حينما يدخل للخلايا يتسبب في استثارة عوامل التهابية تضر بالخلايا نفسها.
عند تلك النقطة تدخل كاتالين كاريكو، والتي قامت في منتصف التسعينيات بتجربة أشكال مختلفة من الحمض النووي الريبي بهدف تحسين ترجمة الحمض النووي الريبي المرسال داخل الخلايا البشرية، حصلت كاريكو على درجة الدكتوراه في مركز البحوث البيولوجية في المجر في عام 1982 وبعد رحلة عمل طويلة كانت قد أنشأت مجموعتها الخاصة في قسم جراحة المخ والأعصاب في جامعة بنسلفانيا في عام 1997، توصلت كاريكو إلى أنه يمكن تحسين إنتاج (ترجمة) الحمض النووي الريبي داخل الخلايا عبر إضافة ما يشبه ذيل كيميائي من في أحد جوانب شريط الحمض النووي.
في أواخر التسعينيات، تعاونت كاريكو مع درو وايزمان، وهو طبيب مهتم بعلم المناعة وتطوير اللقاحات انضم إلى جامعة بنسلفانيا في عام 1997. حصل وايزمان على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة بوسطن في علم المناعة وعلم الأحياء الدقيقة في عام 1987.
الخبرة المجتمعة لكاريكو في كيمياء الحمض النووي واويزمان في علوم المناعة، أوصلتهما عبر تجارب استمرت قرابة عقد من الزمن إلى سر جائزة نوبل في الطب 2023، حيث تمكنا من تعديل الحمض النووي الريبي المرسال بإضافة جزيء كيميائي سمي "سودويوريدين" بدلا من اليوريدين، ما حسن من استقراره ومنع الاستجابة الالتهابية تماما، أعطي هذا الجزيء اسم "ن1-ميثيل سودويوريدين" (N1-methyl pseudouridine) (اختصارا m1ψ)، والآن يعد القاعدة الكيميائية المعدلة الأكثر شيوعا المستخدمة في إنتاج لقاحات الحمض النووي، بما في ذلك لقاحي كوفيد-19 المعتمدين في أواخر عام 2020.
بحلول عام 2010، تم إنشاء ثلاث شركات رئيسية لديها برامج تركز على تكنولوجيا الحمض النووي الريبي المرسال الناشئة: شركة كيورفاك، التي تأسست في عام 2000، وشركة بيونتيك التي تأسست في عام 2008 بهدف تطوير لقاحات خاصة بالسرطان، وشركة موديرنا التي تأسست في عام 2010 وخططت لاستخدام الحمض النووي الريبي المرسال لتوصيل البروتينات العلاجية وإصلاح الأنسجة التالفة. تعاونت الشركات الثلاث بشكل وثيق مع الباحثين الأكاديميين لتحسين التكنولوجيا وتقييم منصاتهم في مجالات الأمراض محل الاهتمام.
في عام 2012، أبلغ فريق بحثي من شركة كيورفاك عن الحصول على استجابات مناعية وقائية ضد عدوى فيروس الأنفلونزا في العديد من النماذج الحيوانية وفي عام 2017، تم اختبار أول لقاح قائم على الحمض النووي المرسال ضد مرض معدٍ وهو داء الكلب، في التجارب السريرية، وفي نفس العام، تم الإبلاغ عن نتائج ما قبل سريرية واعدة للقاحات فيروس زيكا المعتمدة على الحمض النووي الريبوزي، وكذلك أعلنت شركة موديرنا عن بدء تجربة سريرية باستخدام لقاح قائم على الحمض النووي الريبي المرسال ضد فيروس زيكا.
في وقت قريب من تجربة لقاح زيكا، بدأت موديرنا أيضا التعاون مع مركز أبحاث اللقاحات في المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة لتطوير لقاح قائم على الحمض النووي الريبي المرسال ضد فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS)، والذي اكتُشف لأول مرة في المملكة العربية السعودية في عام 2012، وفي ديسمبر عام 2019 ظهر فيروس كورونا المستجد في الصين وبدأ باجتياح العالم، وهنا كان العلماء متجهزون بالحمض النووي الريبي المرسال، والذي ظهر بعد عام من انتشار المرض وساهم في كبح جماحه حول العالم.
لم نحن بحاجة ماسة إلى هذا النوع من اللقاحات؟تعد اللقاحات المعتمدة على الحمض النووي الريبي المرسال ثورة في علم اللقاحات، حسنت بقوة من إنتاجية وسرعة ودقة وفاعلية اللقاحات بحيث نقلتها إلى عصر جديد تماما سيفتح الباب للوقاية من أمراض لم نتخيل يوما أن الوقاية منها ممكنة، والأهم من ذلك أن العلماء باتوا متجهزين بأدوات أقوى في مواجهة أية قفزة فيروسية قادمة.
والعالم للأسف سيكون على موعد مع المزيد من القفزات الفيروسية مثل "كورونا المستجد"، فالمدن تتوسع والبشرية تقترب يوما بعد يوم من الغابات، وبالتبعية ترتفع احتمالات القفزات الفيروسية من عالم الحيوان. يمكن مثلا أن نتأمل عدد الذين انتقلوا إلى الحياة الحضرية في جنوب شرق آسيا وأفريقيا خلال العقد الأول من القرن الحالي وهم 200 مليون نسمة، نتحدث هنا عن دولتين بحجم مصر، ويعني الانتقال للحياة الحضرية أن تقوم الدولة بإزالة مساحات شاسعة من الغابات، ما يقرب بين البشر والحيوانات التي أجبرها صغر مساحة الغابة على التزاحم قريبا من البشر.
من جهة أخرى فإن هذا الإضطراب الشديد الذي يحل بالبيئة قد يخلق أضرارا وخيمة. على سبيل المثال، كانت دراسة صدرت عن الأكاديمية الوطنية للعلوم قبل عدة سنوات قد أوضحت أن هناك تهديدا ممكنا لصحة المواطنين في عدة مناطق بقارة أفريقيا جراء الأمراض المنقولة من القوارض، حدث ذلك بسبب انتشار القوارض في عدة مناطق حضرية جديدة بسبب أن إزالة الغابات قضت على الحيوانات التي تتغذى على تلك القوارض، ما سمح بتكاثرها بشكل أكبر، وبالتالي ارتفعت فرصة انتقال الأمراض منها للبشر.
أضف لذلك خطر جديد يشير إليه العلماء يوما بعد يوم، حيث هناك ما لا يقل عن عشرة آلاف نوع من الفيروسات لديها القدرة على إصابة البشر، ولكن في الوقت الحاضر فإن الغالبية العظمى منها تنتشر بصمت في الثدييات البرية. ومع ذلك، فإن التغيرات في المناخ ستؤدي إلى بلبلة في في هذه المنظومة بحيث تدفع بعالم الحيوان للتشابك أكثر مع عالم البشر، وفي بعض الحالات سيؤدي هذا إلى تسهيل انتشار الأمراض الحيوانية المنشأ بيننا.
كل هذا ولم نتحدث بعد عن الطبيعة المختلفة للعالم الحديث، والتي تمتلك سمة أساسية وهي سهولة التواصل وبشكل خاص عبر السفر جوا والذي يعد شريان الحياة المعاصرة، وبالتبعية فإن قفزة فيروسية من أحد القطط أو الخفافيش أو غيرها من الحيوانات في الصين أو ألمانيا أو المكسيك مثلا يمكن خلال أسابيع قليلة أن تصل لكل منزل في هذا العالم، بما في ذلك بيتك.
=وبسبب كل ما سبق فقد كان من الضروري جدا أن يمتلك العلماء أدوات أسرع وأدق من المعتاد لتطوير اللقاحات، وهنا تحديدا تظهر أهمية لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال، إلى جانب حملة واسعة من التطوير تجري حاليا في نطاقات بحثية طبية عدة، كان السبب في نشأتها هو الجائحة التي قتلت عشرات الملايين من البشر.
___________________________________________
مصادر
The Nobel Prize in Physiology or Medicine 2023 Press release The Nobel Prize in Physiology or Medicine 2023 Advanced informationالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: لقاحات الحمض النووی هذه اللقاحات داخل الخلایا من الفیروس لأول مرة کوفید 19 فی عام
إقرأ أيضاً:
عفريت الماء.. أعجوبة الخلق الذي يملك ما يحلم به البشر
مع خياشيم ريشية تنبت من رأسه بشكل عجيب، وأقدام مكفوفة، وزعانف ظهرية تمتد على طول جسمه، وذيل ليس أقل غرابة، كان عفريت الماء أو سَمَنْدل المكسيك محل اهتمام البشر منذ قدم الزمن، سواء قبل آلاف السنوات حينما كانت له مهام كبيرة في أساطير حضارة الأزتك، أو الآن حيث يعتبره العلماء أعجوبة طبية نحاول التعلم منها.
حاليا، ينتشر عفريت الماء في مناطق عدة حول العالم حيث تتم تربيته كحيوان أليف، إلا أن موطنه الأصلي هو مجمع بحيرة زوتشيميلكو، قرب مدينة مكسيكو، وهو مهدد بالانقراض بشدة، ويُقدر أن ما تبقى من هذا الكائن يتراوح بين 50 إلى 1000 سمندل فقط.
السمندل المكسيكي آكل للحوم، ويتغذى على الأسماك الصغيرة والقشريات والحشرات، ينمو الفرد البالغ من هذه العائلة عادة إلى حوالي 15-45 سم في الطول، لكنه يظل محتفظا بسماته الشابة لا تتغير.
كائن بسيط بقدرات خارقةوما لفت انتباه العلماء في هذا الكائن منذ عقود، القدرة العجيبة على تجديد الأطراف بالكامل، بما في ذلك العظام والعضلات والأوعية الدموية والأعصاب والجلد الذي يغطيها، كما يمكنه تجديد الأعضاء بالكامل بما في ذلك عضلات القلب، وحتى أجزاء من الدماغ والحبل الشوكي، واستعادة الوظيفة العصبية إلى مستوى ما قبل الإصابة.
فقط فكر في الأمر، فهو يشبه قدرات أفلام الخيال العلمي، إذا جرح البطل في أي مكان بجسمه تعود الأنسجة لتلتئم بلا ندب، وإذا قطعت يداه أو قدماه تنمو من جديد، وإذا ضرب بسكين شفي جسمه وكأننا نرجع بالزمن للخلف.
ينتشر عفريت الماء في مناطق عدة حول العالم حيث تتم تربيته كحيوان أليف (بيكسابي)في الواقع، يمكن لخلايا عفريت الماء العودة إلى حالة تشبه الخلايا الجذعية بعد الإصابة، وهي خلايا غير متخصصة تتميز بقدرتها الفريدة على الانقسام والتجدد لتكوين خلايا جديدة، بالإضافة إلى قدرتها على التحول إلى أنواع مختلفة من الخلايا في الجسم.
تلعب هذه الخلايا دورا محوريا في النمو، تجديد الأنسجة، وإصلاح الأضرار، مما يجعلها محط اهتمام كبير في مجالات الطب والأبحاث.
ورغم العودة إلى حالة تشبه الخلايا الجذعية، تحتفظ هذه خلايا عفريت الماء "بالذاكرة الموضعية"، بمعنى أنها تتمكن من النمو لتجديد أنسجة معينة في المواقع الصحيحة، فإذا فقد الكائن قدما أمامية، فإن خلايا تلك المنطقة تنمو لتصنع قدما أمامية تمثل تقريبا نسخة من القدم المفقودة.
ولذلك، فإنه على عكس البشر والعديد من الحيوانات الأخرى، تلتئم جروح هذه الكائنات دون تكوين ندبة، مما يعني خلاص كامل وتام من أثر الإصابة بشكل يعد الأكثر مثالية في عالم الحيوان.
وإلى جانب ذلك، يتمتع سمندل المكسيك بجهاز مناعي يدعم عملية التجدد، حيث تعمل الخلايا البلعمية (نوع من الخلايا المناعية) على إزالة الحطام وبقايا التلف بشكل نشط وبذلك تعزز نمو الأنسجة، على عكس البشر، حيث تؤدي الاستجابات المناعية غالبا إلى الالتهابات.
وعلى عكس العديد من الأنواع الأخرى، يحتفظ السمندل المائي بقدراته التجديدية طوال حياته. في معظم الحيوانات، تقل القدرة التجديدية مع تقدم العمر، لكن السمندل المائي يظل قادرا على تجديد حتى الهياكل المعقدة مثل الحبل الشوكي أو أجزاء من الدماغ في أي مرحلة من مراحل الحياة.
سعي للفهمفي عام 2018، تم تحديد تسلسل الحمض النووي لعفريت الماء لأول مرة بشكل كامل، في قفزة علمية رائدة مثلت أولى الخطوات الهامة لفهم هذا الكائن، وتم الكشف عن أنه يحمل أكبر جينوم حيواني تمت دراسته على الإطلاق، وفورا بدأ العلماء في دراسة هذا الجينوم العملاق لفهم أسباب قدرة هذا الكائن على التجدد.
وفي عام 2020، حدد الباحثون الجينات التي يعتقدون أنها مسؤولة عن تجديد أنسجة سمندل المكسيك، وفي عام 2023 حقق باحثو جامعة ستانفورد قفزة إضافية إلى الأمام في فهم ما يميز السمندل عن الحيوانات الأخرى.
وبحسب الدراسة، التي نشرها الفريق في دورية نيتشر، ظهر أن السمندل لديه نسخة شديدة الحساسية من جزيء "إم تور"، الذي يعمل كمفتاح تشغيل وإيقاف لإنتاج البروتين.
ومثلما يفعل الناس في حالة الكوارث، عندما يملؤون أقبية منازلهم بأطعمة غير قابلة للتلف للأوقات الصعبة، تخزن خلايا السمندل جزيئات الحمض النووي الريبي، التي تحتوي على تعليمات وراثية لإنتاج البروتينات.
بعد الإصابة يفعّل هذا الجزيء، فيعطي إشارة لاستخراج الحمض النووي المخزن، واستخدامه لإنتاج البروتينات اللازمة لتجديد الأنسجة بسرعة.
على عكس البشر والعديد من الحيوانات الأخرى، تلتئم جروح هذه الكائنات دون تكوين ندبة (بيكسابي)ولفهم الفكرة، لا بد من معرفة ما تعنيه هذه الجينات، وهي ببساطة شفرات الحياة التي ترثها عن أبويك ويرثها السمندل عن أبويه، تخيل الجسم كفيلم سينما معروض على الشاشة، هذا الفيلم بالأصل يتكون من شريط طويل مشفر عليه المشاهد، هنا يلتقي البطل بحبيبته لأول مرة، وهنا يعترف لها بحبه، وفي موضع ثالث على الشريط تتركه لأحزانه وحيدا.
كذلك تحتوي خلايا كل كائن حي على شريط طويل من الوحدات الكيميائية الممثلة لما يعرف باسم "الحمض النووي"، يوجد في نواة كل خلية من خلاياه، وكل مجموعة من تلك الوحدات تمثل جينا، هنا جين يعبر عن لون الجلد، وهنا جين آخر يعبر عن طبيعة العينين، وهناك جين يعبر عن طول العظام.. إلخ، وصولا إلى أدق التشكلات الجزيئية والتفاعلات الكيميائية في أجسامها.
لكن مثلما يترجم شريط السينما على الشاشة إلى فيلم، فهناك طريقة في أجسادنا تترجم خلالها تلك الشفرات الجينية إلى بروتينات.
البروتين هو كل شيء في جسم الكائن الحي، بداية من مكونات العضلات والأجهزة ووصولا إلى أدق التكوينات العاملة في الخلايا الصغيرة، ولبنائه تترجم الخلية جزءا محددا من الشفرة الوراثية الموجودة داخل نواتها إلى بروتينات، عبر عملية النسخ عن طريق ما يسمى الحمض النووي الريبي، فكر في هذا المركب كرسول، يحمل المعلومات من الحمض النووي (الموجود في النواة) إلى أجزاء الخلية التي تترجمها لتصنع البروتينات.
أمل للبشريةلكن ما سبق ليس كل شيء، فالأمر معقد للغاية، والخطوات الواقعة ما بين الإصابة وتجديد الأنسجة تتضمن الكثير من الإشارات والمسارات الكيميائية التي تحفز تكاثر الخلايا وتمايزها وتنظيم الأنسجة بشكل شبه مثالي.
كما يعتمد التجديد في عفريت الماء على وجود الأعصاب، وهو أمر ما زال يخضع للدراسة، حيث تطلق الأعصاب عوامل نمو محددة توجه نمو الأنسجة، وإذا تضررت الأعصاب أو غابت، فقد يضعف التجديد، مما يدل على التفاعل الحاسم بين الجهاز العصبي والعمليات التجديدية.
وفي حال تمكن العلماء من فك شفرة قدرة هذا الكائن المدهشة، فإن ذلك سيفتح الباب للكثير من الإنجازات في مجال الطب التجديدي، والذي يهدف إلى إصلاح أو استبدال الأنسجة والأعضاء التالفة أو المريضة أو التي تواجه أعراض الشيخوخة.
ومن الأمثلة على ذلك، تعديل الجينات لعلاج الأمراض الوراثية أو تعزيز قدرة الجسم على الشفاء، وتطوير أدوية تحفز الجسم على تجديد أنسجته بشكل طبيعي، مثل الأدوية التي تعزز نمو العظام أو الغضاريف، واستخدام الخلايا الجذعية لإعادة بناء الأنسجة التالفة، مثل إصلاح القلب بعد النوبات القلبية، أو علاج أمراض الأعصاب كالتصلب المتعدد.