صفا

حقيقة انقطاع الانترنت عن العالم، ازداد البحث خلال الساعات الماضية عبر محركات "جوجل" حول حقيقة انقطاع الانترنت عن العالم، وذلك بعدما تصدرت انباء عن انقطاع الانترنت في جميع انحاء العالم خلال الفترة القادمة الامر الذي اثار حالة من الجدل والضجة كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

هل ينقطع الانترنت عن العالم قريبا؟

تصدر هذا السؤال محركات بحث جوجل وذلك بعدما تم تداول العديد من مستخدمي ومتابعي مواقع التواصل الاجتماعي تسربيات تشير إلى انقطاع خدمة الإنترنت عالمياً خلال الفترة القادمة تحديدا شهر أكتوبر 2023، حيث استندت التقارير والأخبار والمنشورات المتداولة حول انقطاع الإنترنت إلى تحذير وكالة ناسا من احتمالية حدوث عاصفة شمسية تؤثر على الأرض، حيث سيطرت حالة من القلق على العديد من مستخدمي شبكة الإنترنت العالمية، بعد تداول أنباء عن احتمالية انقطاع خدمات الإنترنت بسبب ظاهرة عالمية.

حقيقة انقطاع الانترنت عن العالم

صدرت انباء عن ان وكالة ناسا تحذر الناس من عاصفة شمسية شديدة متوقعة خلال يومي 10و11 أكتوبر 2023، حيث أعقب هذا التحذير مزاعم بأن العاصفة قد تتسبب في انقطاع الإنترنت عن العالم، والامر الذي جعل الكثيرون يتسائلون عن حقيقة هذا الامر، ونتيجة لهذه الانباء فقد خرجت وكالة وناسا بنفي هذا الانباء قائلة إنها عارية عن الصحة ووجهت رسالة لجميع المواطنين بعدم الانسياق وراء هذه الاشاعات ويجب تحري الدقة من مصادر موثوقة.

وأوضح البروفيسور ستيوارت بيل القائم بالدراسة في جامعة كاليفورنيا أن أهمية فهم الرياح الشمسية، تكمن في قدر المعلومات التي تتضح عن علاقة الشمس بالأرض، ومدى تأثير ذلك على قدرتنا على فهم كيفية إطلاق الشمس للطاقة ودفع العواصف المغناطيسية الأرضية، التي تشكل تهديدًا لشبكات اتصالاتنا.

نهاية العالم

وفي مهمة لتجنب "نهاية العالم" أطلقت وكالة ناسا مركبة فضائية كجزء من محاولات إيقاف محتملة للإنترنت، والتي قد تستمر عدة أشهر، فأطلقوا على المركبة الفضائية الأمريكية اسم Parker Solar Probe (PSP) التي كانت قادرة على التنقل عبر الرياح الشمسية.

ولمعرفة حقيقة انقطاع الانترنت عن العالم، علينا أولاً تفسير الظاهرة المتمثلة في الرياح الشمسية المتكونة من تيار مستمر من الجسيمات المشحونة المنبثقة من الغلاف الجوي الخارجي للشمس، وهذه المركبة الفضائية ذهبت في رحلة جعلتها قريبة من سطح الشمس، حيث تتولد الرياح الشمسية، رغم الظروف القاسية للحرارة الشديدة والإشعاع، لجمع المعلومات الحيوية حول عمل الشمس.

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: حقيقة انقطاع الانترنت عن العالم انقطاع الانترنت عن العالم الانترنت العالم نهاية العالم حقیقة انقطاع الانترنت عن العالم الریاح الشمسیة

إقرأ أيضاً:

بندقية في المحراب.. كيف صاغ التديّن جنود تحرير الشام؟ القصة كاملة

في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 أطيح بنظام بشار الأسد. تدفق الصحفيون على دمشق ليروا القصة التي ظلت حبيسة أهلها طوال 14 عاما. وانصبت أغلب الجهود في إنتاج مواد معمقة مع دبلوماسيين وعسكريين وساسة. لكنني عندما وصلت إلى دمشق، أردت البحث في الاتجاه الآخر. أردت البحث خلف صورة التحرير، والمِلاط الذي ثبت أحجار التحرير متماسكة حتى تم النصر، وأعني بذلك العقيدة الإيمانية التي تشرّبها الجُند.

في هذه المادة المطولة عدد من اللقاءات الصحفية المعمقة التي أجريتها مع شخصيات فاعلة ومشاركة في صناعة الحالة الدينية التي نشأت في إدلب وتربى عليها الثوار حتى بلغت بهم إلى تحرير سوريا كلها. عُقدت هذه اللقاءات بين دمشق وإدلب، وشارك فيها أكاديميون، ومسؤولون في الأوقاف، وأئمة وخطباء، وثوار سابقون، رجال دولة حاليون!

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل يمكن للصين أن تنتصر على أميركا في معركة التجارة؟list 2 of 2قاطف البنجر الذي انسحب من الجنائية الدولية لأجل نتنياهوend of list على جدران المسجد الأموي

كان أول يوم لي في الشام، والناس حديثو عهد بالنصر.. صليت العشاء في الجامع الأموي، وصلى بجواري أحد الثوار وقد وضع سلاحه أمامه. تلك هي المرة الأولى التي أصلي فيها وأمامي البندقية، حتى إني وثقت المشهد بصورة عابرة حتى تبقى ذكرى تلك الصلاة!

جنود ردع العدوان في المسجد الأموي (الجزيرة)

من قديم تُيّم المستشرقون بالمسجد الأموي، في مادة "العالم الإسلامي.. تاريخ وحاضر" (die Islamische Welt gegenwart und vergangenheit) درّسنا أستاذ تاريخ الفن الإسلامي لورزن كورن (Lorenz Korn) معمار هذا المسجد.. وأخبرنا أن الأمويين استخدموا في بنائه أعمدة وتيجانا وأقواسا وزخارف وفسيفساء رومانية أُعيد توظيفها في سياق إسلامي جديد. كتب كورون دراسة كاملة عن الأمويين ونشأة العمارة الإسلامية، وخلص فيها إلى أن الجامع الأموي ليس مجرد جامع للصلاة، وإنما هو رمز للسلطة السياسية، فمن ملكَ الأمويّ ملكَ الشام!

إعلان

وفي قاعات الاستشراق أيضا أخبرنا البروفيسور باتريك فرانكي (Patrick Franke) بأن المسجد الأموي بناه الوليد بن عبد الملك فوق صخرة مقدسة على أنقاض كنيسة نبي الله يحيى (أو يُوحنا المعمدان حسب التسمية المسيحية).. حين سمعت هذه المعلومة منه، لم أعِر كلامه اهتماما ولم أدقق في المرويات التاريخية خلفه، فماذا عليّ أن أفعل إن عرفت صحة المعلومة ولا أمل من الصلاة في الأموي؟

ثم المستشرقون الذين عرفناهم في ساحات الدرس يتحدثون عن إسلام عظيم، لكنه لا يتماسّ مع واقع الناس وحياتهم اليومية. فبينما كان السوريون تُمطَر فوق رؤوسهم البراميل المتفجرة من نظام الأسد، كانت قاعات الدرس الاستشراقي تهتم بأعداد مصابيح المسجد الأموي أكثر من عدد الشهداء!

لا أدري ما الذي ذكرني بهذه المعلومات وأنا في ساحة الأمويّ، وبنادق الثوار قد أحكمت قبضتها عليه. ربما لا يعرف المصلون في الجامع الأموي شيئا عن تاريخه ولا عن بنائه، لكنهم يعرفون المأساة المُسطرة على جدرانه. فعلى جدران الأموي عشرات الإعلانات لأمهات وآباء وأُسر تبحث عن أبنائها بعد التحرير.

إعلانات بسيطة مكتوبة بخط اليدّ، يحوي غالبها صور المفقودين، وبعضها لا تَحوِ صورًا، وكأن أُسر المفقودين قد تخلصوا من صور أبنائهم خشية الانتساب لهم بصلة خوفًا من نظام الأسد، أو ربما ضاعت صورهم مع التهجير والتشريد! لكنّ عينك لن تُخطئ ألفاظ الأمهات في الكلمات التي كُتبت بها هذه الإعلانات، وستجسد لك صورة سوريا الأسد على وجهها الحقيقي.

صور مفقودين معلقة على حيطان الأموي (الجزيرة)

 

 

نص المكتوب " بسم الله الرحمن الرحيم.. إخواني أرجوكم مَن يعرف أي شيء عن السجين الشاب هيثم جمال عبد الباقي والسجين إبراهيم المبيض الاتصال على هذا الرقم ….. وله مكأفاة كبيرة بإذن الله". (الجزيرة)

رجعت من الصلاة إلى غرفتي تعلوني كآبة.. كنت أتيت إلى دمشق في زيارة استكشافٍ لبلد عربي مسلم  حُرر لتوه، لكن كل ساعة في دمشق تُشعرك بأنّ عليك مسؤولية فعل شيئا ما، فكل شيء حولك قديم، وكل موطن حولك تشم منه رائحة الانتماء.. اتصلت بصديق لي أبثه الخبر.

إعلان

"اسمع، طالما وصلت الشام فعليك دور مهم.. عليك أن تكشف لنا كيف تربى هؤلاء الفاتحون! أنت ترى الجميع يتهافت على مقابلة السياسيين والعسكريين، فاجعل لك هدفًا آخر وهو أن تنقل لنا المعاني التي تربوا عليها! نريد أن نعرف الحالة الدينية التي عاشوها حتى بلغوا إلى غايتهم بتحرير بلادهم، وكيف حجزتهم أخلاقهم عن الإفساد في المدن التي دخلوها، فلم يسرقوا ولم ينهبوا كما كانت عصابات الأسد.. نحن لا نعلم شيئا عن الحالة الدينية في إدلب إلى هذه اللحظة، وبعد التحرري ستكون هذه الحالة جزءا من التاريخ الذي سينساه أهله، والذي ينبغي أن يوثق".

أوقدت هذه الكلمات -التي قالها لي صديقي بحزم- بداية طريق أردت فيه تتبع مَحكية الحالة الدينية في إدلب ورسم سرديتها.

من السيرة النبوية إلى معركة التحرير

كان اللقاء الأول على هامش لقاء صحفي مع بعض العسكرين في معركة التحرير. ضمن اللقاء كان أبو عمر.. شاب متين البنية، ذو لحية كثة، تغلب الألفاظ الشرعية على حديثه.. حين صافحته، عَرّف نفسه بأنه: عضو قيادة  في حركة أحرار الشام (قبل الحل)، وقائد لأحد ألويتها، وله اهتمام شرعي وفكري.

حين جلستُ إليه، سألته:

"كيف كانت بدايتك مع العلم الشرعي في ميدان القتال؟".

"منذ انضممت إلى الأحرار وقد أوصاني الشيخ أبو يزن الشامي -رحمه الله- (قيادي وشرعي في أحرار الشام) بتدبر السيرة النبوية، وليس فقط قراءة السيرة النبوية، ثم أوكل لي مهمة تدريسها. وكان الشيخ أبو عبد الله الحموي (حسن عبود) -مؤسس الأحرار- يرى أن الصدام مع الغلاة قادم لا محالة، وذلك قبل أن يظهر تنظيم الدولة، فكان يوصيني بالتمكن من أبواب الأسماء والأحكام، وأن أستبق ظهور الدواعش بتقديم هذه المفاهيم الشرعية ضمن دورات السيرة النبوية لشباب الأحرار.. فكانت السيرة خير مُعين لنا في الجهاد والسياسة الشرعية وإدارة شؤون الناس وتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وأعدائه".

إعلان "طالما أنك شاهد على الثورة من بدايتها، فدعنا نصل إلى لحظة إدلب.. كيف كان التدين في إدلب؟ وكيف تشكلت الحالة الدينية هناك؟"، سألته وأنا أقفز على سنوات الثورة للوصول إلى عام 2019 حين توحد المحرر.

"في المحرر، وبعد توحيد الفصائل، كان هناك مساحة للالتقاء بين كل المدارس الدينية.. كان المحرر سوريا المصغرة. واستوعبت وزارة الأوقاف كل الأطياف المختلفة تحتها مظلتها، وكانت الروح الشرعية العامة بوصلتها نحو الجهاد، ومستوعبة للجميع، حتى الخلافات العقدية كان هناك لون من ألوان التفاهم فيها، فالصوفي والسلفي لم يشعر أحد منهما أنه مغاير للآخر في هذه المعركة، بل شعر الجميع أنه واحد في مواجهة عدوّ واحد.

وأذكر هنا أن منهج حركة أحرار الشام بالخصوص كان يتسع لهذه النطاقات ما دام الكل على أرضية الإسلام والعمل له.. ليس ذلك فحسب، بل حتى مشايخ الشام الذين بقوا في الداخل ولم يكونوا في صف النظام، لولاهم -بعد فضل الله- لتشيعت بلاد الشام كلها. ومن فضل الله علينا أن صوفية بلاد الشام ليست صوفية تميل للتشيع، كان الجميع يرى أن عدوه الأسد، وأن العمل لقضية أكبر هو الجامع له".

"كيف تكوّن وعيُ عموم الشباب الديني في إدلب؟" سألته..

"معظم الشباب بين أعمار 15 و25 هم من تربية الثورة.. بعبارة أخرى، أغلب الجيل الذي دخل دمشق فاتحًا كان هو الجيل الذي تربى في الثورة، وكانت إدلب توفر جوًا من التدين العام. هذا الجو يُهيئ الناس بدوره لقبول شعائر الدين دون ضغط خارجي.. لقد فشلت الحسبة بصيغتها الخليجية في إدلب، لكن عموم النساء ارتدين النقاب في إدلب دون إجبار من السلطة. وفي رمضان، لم يكن المجتمع ليسمح لأحد بالفطر، دون تدخل من السلطة.. مجرد حريّة الدعوة كانت كفيلة بتغيير كل شيء، لكن لا ننسى أن إدلب مدينة محافِظة ابتداء، أي أن الجو الغالب عليها هو التدين".

أبو عمر (منتصف الصورة) عن يسار قائد الأحرار عامر الشيخ أبو عبيدة (يسار الصورة) (مواقع التواصل) "والسلطة، ما دور السلطة هنا؟"

"في آخر الأيام لم تتدخل إلا إذا هناك شكوى وردت إليها، وبقي دورها في حيز توجيه المجتمع نحو التدين، ومنع الفجور الصارخ الظاهر، أما غير ذلك، فقد تولى المجتمع إدارته". أجابني وهو يقاوم التثاؤب. فقد بدا الإرهاق عليه بعد يوم حافل، فأردت تحفيزه بسؤال، فسألته عن دور أحرار الشام في الساحة الدعوية:

"هل كان لأحرار الشام، دور خاص في الدعوة؟" إعلان

"أولا، لتعلم أن الأحرار الآن هي جزء من الدولة وليست حصة داخل الدولة، أما في المحرر فكانت الأحرار فصيلا أشمل من ذلك، فكان فيها المدني والدعوي والعسكري.. كان لنا في الأحرار معاهد شرعية مغلقة، وكان الشباب ينظمون بعض الأعمال الدعوية، وإلى جانب هذه الأنشطة الدعوية كان هناك أنشطة رياضية ومبادرات ثقافية، طبعا كل ذلك إلى جوار الشق العسكري".

"ما هي أبرز الأسماء المؤثرة من الدعاة والمشايخ عند شرائح من الشباب بحسب اطلاعك؟"

"الأسماء كثيرة، وأخشى أن أنسى بعضها وهي متنوعة المشارب، ولكن أول شيء يلفت في المحرر كثرة حلقات تحفيظ القرآن، فقد كانت هذه الحلقات من السمات الظاهرة في إدلب، وتفرع منها مؤسسات لتعليم الصغار. وقد نظمت الأوقاف بعض هذه الحلقات، لكن أغلبها كانت بمبادرات فردية أو من مؤسسات دعوية واجتماعية. ومن ذلك "معهد النور" لتحفيظ القرآن الكريم، ومدارس "دار الوحي الشريف" التي أسسها الشيخ هاشم الشيخ (أبو جابر الشريف قائد الأحرار السابق)

والتي تضم حوالي 20 ألف طالب، وفيها مناهج تربوية خاصة إضافية. ومن الجهود المميزة أيضا ما كان يقوم به الشيخ سراج الدين زريقات مع الشباب في عمر 12 إلى 17 عاما تحت اسم حلقات النور، وكانت الحلقات تشمل 250 إلى 300 شاب.. كذلك أساتذة كلية الشريعة في جامعة إدلب كان لهم دور مجتمعي كبير وسط الناس، وكان لهم دور في إدارة المؤسسات الدعوية في المحرر، وأذكر منهم مثلا د. أنس عيروط، ود. ياسين علوش. ود. أيمن هاروش.. بالطبع كان هناك شرعيون في المحرر لهم ثقل خاص مثل الشيخ عبد الرحيم عطون (وهو شرعيّ الهيئة الأول) ود. مظهر الويس، وكلاهما مقرب من الشيخ أبي محمد".

عبد الرحيم عطون (مواقع التواصل الاجتماعي)

"بعيدًا عن مدارس التعليم الشرعي وتحفيظ القرآن، إذا ذكرنا الدعاة المهتمين بفئة الشباب خاصة في المحرر فمن الذي يقفز إلى الذهن؟" سألته..

إعلان

"كل الأسماء التي ذكرتها كان لهم دور في المحرر، لكن من المشايخ الذين لهم عناية خاصة بالشباب الشيخ مصلح العلياني والجهد الذي يبذله معهم، وكذلك الشيخ عبد الله المحسني، وقد أسس عددًا من المعاهد في الساحة السورية. وهناك دعاة أيضا لم يكونوا في الساحة السورية، لكن كان لأفكارهم أثر وسط الشباب".

"مثل مَن؟"..

"مثل الشيخ أحمد السيد، فقد انتفع كثير من الشباب في إدلب ببرامجه. وكذلك الشيخ أحمد الهاجري والدروس الفكرية التي يقدمها على التلغرام وأعرف شبابا انتفعوا بها في الجانب الفكري".

"يرى البعض أن هناك تقدما في الوعي الديني في بعض الملفات في الساحة السورية، وضمورا في ملفات أخرى، فلأي مدى تتفق مع هذا؟"

"كلنا يعلم أن الاحتكاك بالواقع كان منعدمًا قبل الثورة، وبالتالي فإمكانية تكوين وعي كانت صفرًا في عهد النظام. في الحقيقة لم يكن ثمة فرصة لتكوين أي صورة من صور الوعي البتة. مع الثورة والاحتكاك بالأحداث، بدأ الوعي يتكون بالتدريج، وتطور الوعي الشرعي للجماعات عموما أثناء مسيرة الثورة"..

شعرت أننا على وشك إنهاء لقائنا، فقد غلب النعاس أبا عمر، فذهبت به إلى أثر القضية الأكثر حضورًا في بلاد الشام، إلى فلسطين.

"هل كان لطوفان الأقصى أثر على الحالة الدينية في المُحرر؟"

"عموم الخطاب الدعوي في المُحرر كان خطابا يحض على الجهاد، لكن الطوفان أكبر ما فعله أنه أشعر الناس أنهم قادرون. وأنا رأيت بعيني أن الناس تتأثر بحديث القائد أكثر من حديث الشيخ، فإذا خطب القائد في الناس وحضّهم على الجهاد كانوا أسرع استجابة له طالما كان معهم في الصفوف الأولى. وفي آخر 6 أشهر قبل المعركة، دخلنا حالة إعداد إيماني كامل مع المجتمع في إدلب.. كان حديث المشايخ والقادة عن الجهاد والعودة لديارنا وتحرير حلب، ثم كان ما شاء الله أن يكون من الوصول إلى الشام وتحرير أغلب سوريا.. كنا في هذه الأشهر الستة في عملية إعداد معنوي كبيرة يسّرت علينا الطريق لاحقا أثناء المعركة".

إعلان مع المعلم المهاجر

بعد أسبوع تقريبا من لقاء أبي عمر، كان اللقاء مع أحد الدعاة العرب يُكنى بأبي خالد.. قبل الجلوس إليه ، أخبرني منسّق اللقاء   بأن الشيخ بنى مدرسة لأبناء المهاجرين، وله عناية خاصة بالشباب، وهو محل اتفاق وحفاوة من الشباب في إدلب.

"كيف هو مع الفصائل؟" سألت المنسق..

"الكل يحب الشيخ، لكنه لا ينتمي إلى فصيل بعينه، يُساعد الجميع، ويعمل مع الجميع، لكنه لا ينتمي إلى فصيل، عمله فقط في التربية!.. ولما كانت مرحلة القتال بين الفصائل قبل التوحد في إدلب، رأى الشيخ أن هذا قتال فتنة، وأنكر على قادة الفصائل ثم خرج من البلد، ولم يعد حتى انتهى هذا القتال".

تلقيت رسالة على هاتفي، هل تستطيع أن تأتي بعد نصف ساعة؟ أمامنا ساعة واحدة متاحة مع الشيخ.

"أقل من نصف ساعة وأكون في بهو الفندق"، أجبت مسرعا.

في بهو الفندق، رأيت الشيخ بالزي الرياضي بدلا من لباس المشيخة..

"ماذا تشرب؟.. ولا تؤاخذنا فنحن لسنا في إدلب، وإلا دعوناك على مائدة".. سألني بكرم بالغ، وبيان فصيح.

"كلنا ما زلنا غرباء الشام، يكفينا الشاي حتى نلتقي مجددًا".. أجبته وأنا أمسك بجهازي اللوحي لتدوين حديثه.

"أنت أتيت إلى الشام بتكوين شرعي وتربوي مُعد سلفا، بمصطلح المصريين: (جيت جاهز)، ثم عايشت أغلب سنين الثورة.. الآن إن سألتك: ما الثغرة التي تراها في الساحة الشرعية في سوريا؟ بِم تخبرني؟"

نظر إليّ وبهدوء شديد وقال: "أكبر شيء أرى النقص فيه المساحة الفكرية.. القضايا الفكرية لا تُدرس بين الشباب جيدًا، وحتى إن دُرست نظريا في أبواب الجهاد نجد تخبطا في التطبيق.. قد ينعكس على الساحة من حولنا سريعا بعد التحرير.. ألم تر الفيديو الذي يظهر فيه رجل أمني واقفا على المنبر ويقول كلاما في حق المسيحيين، وبعض الطوائف ويجعلنا وإياهم على دين واحد.. نحن لا نريد أن نُسيء إليهم، لكن لهم دينهم واعتقاداتهم المختلفة عنا، هذا التخبط في التصورات مردُّه إلى الضمور الفكري في الساحة".

بدا لي أن الرجل من مدرسة دينية مختلفة عن المدرسة الشامية، فسألته: "كيف اتخذت قرار القدوم إلى سوريا؟"

إعلان

"نظر إليّ كالذي يتأمل السؤال ثم قال: "لقد اخترت مساري من أول يوم، اخترت أن أكون شيخا وداعية، وليس أي شيء آخر.. أوصاني أحد مشايخي بألا أتصور صورة واحدة بلباس عسكري، لأن العسكر كُثر، أما المربون لهم والمجاهدون في مساحات الوعي قلة.. يوم أتيت إلى سوريا، أتيت وفي عقلي الدين بشموله، وآمنت أن الدين لا يكون إلا بالحركة به، فكانت نظرتي للدين حركةً في حياة الناس وعملا وجهادًا به في يوميات الناس، فكان عندي شيء من الاتزان، بأن أنزل الورع في مكانه، والفقه في مكانه، لا أخلط بينهما.. تطورَ وعيي في الساحة السورية، لكنني أتيت وقد حددت هدفي".

"ولماذا لم تنضم إلى فصيل؟"

"أرى أن مكاني في مد الجسور للجميع، وأرى أن الاستقلالية مهمة لطلبة العلم، فالفصائل التي تستقبلني وتفتح لي الأبواب كنت أنتقدها على المنبر عندما تُخطئ في العلن، أما لو كنت ضمن فصيل معين لحُرمت هذا الدور، والناس تعرف الصادق من الكاذب في حديثه.. وكذلك عند قتال الفصائل، كان دوري هو بيان الحق..

كنت أرى أن هذا القتال أغلبه قتال بغيٍ لهيمنة فصيل على آخر، وليس قتالا على إيمان وكفر كما كان يُشاع بين بعض الشباب وقتها، فكان التكفير يُطلق أحيانا لمجرد كلمة مثل: هذا الفصيل عميل للروس، أو هذا متحالف مع الأتراك! لكن أرض الواقع أجبرت الجميع لاحقا على التواضع، والجميع عقد تحالفات مع الخصوم السابقين، وليس في هذا تنازل شرعي طالما عرفنا حدود الحركة والوقوف المطلوب منا في هذه المواقف، وهذا دور السياسة الشرعية.

كنت أرى أن هذه المساحة الشرعية من الواجب أن ينبري بعض الناس لبيانها ممن لهم شيء من الاستقلالية، فاخترت هذه المساحة من الجميع، حتى إن بعض الناس الذين لهم أياد كبيرة على الثورة السورية كنت أقول لهم: جزاك الله خيرًا، لكن احذر، ستقابل الله يوم القيامة وعندك حقبة زمانية من حياتك فيها قتال بغي على مسلمين، فأعدّ للسؤال جوابا".

إعلان  "كم النسبة التي ترى أنك حققتها من آمالك الدعوية في إدلب؟"..

"ندرة الهدوء والاستقرار في إدلب لم يُبلغنا الآمال الكاملة المرجوّ تحقيقها، ولا تنس أن الوضع الأمني أيضا له دور كبير في حالة الدعوة في المحرر".

"كيف؟"

"مثلا أتت فترة نشطَ فيها تنظيم الدولة جدًا، في هذه الفترة اضطررت للاختفاء عامين كاملين لا أرى أحدًا ولا أحد يعرف مكاني، ولم يكن لي أي نشاط دعوي. لكن إجمالا، يمكن القول بأنني حققت من 50 إلى 60% من مشاريعي الدعوية التي أردتها"

"حدثني عن نشاطك الدعوي، كيف كنت تصنع في برنامجك اليومي؟"..

"كان عملي متنوعا بين التدريس والدعوة والحركة بين الناس، وخاصة الشباب. في المحرر معهد للخطباء من الأوقاف، فكنت أدرس فيه مادة: كيف تكون خطيبا؟، وكذلك في الجامعة كنت أدرس الطلاب مادة أصول الدعوة.. وكان لنا مجموعة من حلقات التحفيظ الواسعة في المحرر، والتي حوت عشرات الآلاف من متعلمي القرآن.. يصل العدد بين 60 و70 ألف طالب.

وفي الدعوة المجتمعية كان لي تركيز على الشباب خاصة، وأركز على معاني الوعظ والتزكية.. كنت مشرفًا أيضا على بعض الأعمال النسائية التي تديرها زوجتي، كما أني أُدرس مجموعات النساء في الجامعة. وأذكر أنه أحيانا تأتينا في الجامعة نساء غير محجبات، فما تنتهي السنة إلا وقد تحجبن دون حديث عن الحجاب، وإنما هو الدين إذا خالطت بشاشته القلوب، وكنا نسعى -بما يسّر الله- في أمر الأرامل والفقراء".

"كيف كنت تصل لعموم الناس، وكيف كنت تخاطبهم؟" سألته..

"كان المنبر هو الذي أوجّه خطابي منه للجميع.. كنت أحرص أن تصل خطبي لعموم الناس وتلامس احتياجاتهم اليومية، خاصة والمنبر في المحرر له أهمية خاصة، ولذلك كنت أحرص على عناوين الخطب التي تهم جميع المسلمين، فلي خطبة مثلا بعنوان: القبر وحبسة الغار، وخطبة: ملكان وسؤال.. ولأن الوضع النفسي في المحرر كان صعبًا، فكان لا بد من تذكير الناس بالآخرة وربطهم بالله جلّ وعلا، ومن ذلك شرحي لحديث: اللهم إني اسألك حُبك.. ومثل هذه الموضوعات التي يجد الناس فيها بغيتهم على المنبر. وفي الأوقات الفاضلة، مثل رمضان والعشر من ذي الحجة، نذكر الناس بفضائل هذه الأيام"..

إعلان "إذا نزلنا من المنبر، وذهبنا إلى الشارع، حدثنا عن شيء من الأعمال الدعوية التي كانت في المحرر"

"بصورة شخصية، كنت أنوّع طبقات الدعوة الشبابية. فعلى سبيل المثال، لم تكن المخدرات منتشرة في المحرر، إنما المنتشر الأراكيل، لكني عرفت بمجموعة من الشباب، حوالي 15 شابا، يتعاطون المخدرات، فكنت أصاحبهم وأُجالسهم، وأنهاهم عن ذلك، وألعب معهم الكرة أحيانا، حتى رجعوا والحمد لله. وكان هناك عدد من الأفكار الدعوية التي نستهدف بها الشارع في إدلب، فكنا ننزل إلى المقاهي وننصح الشباب بترك الأراكيل، وننزل للأسواق وندعو الناس هناك.. كنا نحاول النزول إلى الشارع بأنشطة مختلفة ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا".

"أظن أن أول معرفتي بك كانت من خطبة لك بعنوان: لماذا يا حماس؟! وكنت تناصر فيها غزة من فوق منبر في إدلب المحاصرة، فخبرني كيف كان وقع الطوفان على خطابكم الدعوي في المحرر؟"..

"كان الطوفان يُخبر الجميع بأن المعركة حتمية.. لقد وصلنا إلى النقطة التي نقول فيها: لا بد من معركة.. ثم أنت في إدلب المحاصرة إما أن تهجم على خصمك أو أن يهجم هو عليك، لم تدع لك الجغرافيا خيارا آخر. ولذا كان الطوفان أول قطعة دومينو توالت على إثرها سقوط بقية القطع، حتى كان ما كان، ونحن الآن مجتمعون في الشام!".

صورة تعبيرية لطوفان الأقصى (الجزيرة) في الطريق إلى إدلب

مضت أيام على لقاء الشيخ أبي خالد، أردت بعدها أن انتقل من دمشق -أم الشام كما كان يُسميها مؤرخها ابن عساكر- إلى أطرافها، إلى إدلب التحرير، لأرى بعيني البلدة التي انطلقت منها جحافل التحرير.. كان الانتقال من دمشق إلى إدلب مغامرة في حد ذاته، فمُنذ نزلت إلى الشام وأنا أحاول استئجار سيارة للحركة بها، والجواب المتكرر: "لا أحد يؤجر في هذه الظروف، فلا تُحاول".

وكيف أتنقّل بين المحافظات إذا؟

"عليك أن تتنقل مع الشباب الذين تعرفهم والذين يتنقلون بين المحافظات، وإذا استأجرت سيارة فعليك أن تحمل بندقية تُدافع بها عن نفسك".. هكذا كنت أُجاب، فالطريق من دمشق إلى إدلب ليس مثل طرق السفر التي نعرفها، فهو طريق بلا مواصلات، وقطعك إياه يكون على مسؤوليتك الشخصية.

إعلان

وبعد محاورة إعلامية مع د. ياسين علوش عميد كلية الشريعة في إدلب، عرف حاجتي للرحيل إلى إدلب فاصطحبني معه في سيارته، وهي الوسيلة شبه الوحيدة للانتقال من دمشق إلى إدلب، أعني أن يصطحبك أحدٌ معه.. ركبنا السيارة وكان فيها شابان من عائلة الدكتور، أحدهما يدرس الفقه والآخر يدرس التاريخ، وإلى الجوار منهما صديق قديم للدكتور.

كان طريق السفر طويلا، والجو مهيأ للحديث عن الثورة والتحرير والشريعة والمجتمع والتدين في إدلب.

"كيف بدأت قصتك مع الثورة دكتور؟".. سألته وأنا أقص شريط الحديث.

"تربيت في السعودية، وهناك تلقيت العلوم الشرعية الأولى، ثم انتقلت إلى سوريا وتخرجت في كلية الشريعة بدمشق. بعد الجامعة، سكنت في حيّ التضامن في دمشق مع أسرتي، وعملت مُدرسًا، وإبان إقامتي في الشام درستُ على مشايخ في الشام. وبعد الثورة كنت أرى الظلم في كل مكان، ولا نستطيع أن نتحدث، وكنا نرى موقف الشيخ البوطي -وهو أستاذنا في الجامعة- فنأنف من موقف كهذا، فكان لي صورة مع البوطي وكنت أضعها على مكتبي، فلما قامت الثورة وكان موقف الدكتور ما كان، مزقتها!.. فدخل أحد الناس بيتي -ولا أدري من هو- فوجد الصورة ليست في مكانها فوشى بي عند الأمن، فأتوا إلى بيتي ليتحققوا: لماذا مزقت صورتي مع البوطي، ومن رحمة الله أنني لم أكن موجودًا في البيت، بل كانت زوجتي، وإلا ربما كنت معتقلا!"..

"لهذه الدرجة كان استنفار الأمر لصورة غُيّر مكانها؟"..

"نعم، هذا نظام مجرم لم يعرف غير الإجرام.. ومن يومها عقدت العزم على السفر من دمشق إلى إدلب، وبالفعل سافرت خلال 6 أشهر، ومن وقتها وأنا في إدلب".

"ماذا فعلت في إدلب؟" سألته..

"انضممنا للثورة، وناصرنا الثوار هناك بما استطعنا.. عملت فترة في القضاء، وكانت رسالتي في الدكتوراه عن نوازل الأقضية الأسرية في الثورة، كما عملنا في الأعمال التعليمية والإغاثية في عدد من الجمعيات التي نشطت في المحرر، ثم تأسست كلية الشريعة، وكنت من مؤسسيها، ثم ترأست عمادة الكلية إلى الآن.. انظر: نحن الآن نمر فوق جسر الرستن في حمص، والذي يربط البلاد ببعضها".

إعلان

"ما هذه الحُفر الكثيرة على الجسر؟" سألته مستفهما..

"هذه جراء القصف الروسي وقت التحرير.. حاول الروس تعويق تقدم الثوار بقصف الجسر بعشر غارات جوية لينهار، لكنه لم ينهَر، وهذه الحُفر كانت جراء هذا القصف، وحتى لو انهار هناك طرق ملتوية أخرى كان الثوار سيصلون منها".

لنعد إلى كلية الشريعة دكتور، كيف فكرتم في تأسيس هذه الكلية ولم يكن عندكم أدنى مقومات الحياة الطبيعية، فضلا عن تأسيس جامعة تعليمية؟

"الثورة والاحتكاك بالواقع علمنا العملية في خطواتنا، نحن أمضينا في الثورة قرابة 14 عاما، وتوحد المُحرر منذ عام 2019، وفي المحرر 5 ملايين إنسان، نسبة كبيرة منهم عاشت في المخيمات. إذا لم نستنقذ هؤلاء الشباب بالتعلم فإلى أي شيء سيتجه؟ إلى عالم الجريمة، فكانت إحدى الخطوات التي اتخذتها حكومة الإنقاذ إنعاش الحالة التعليمية وتفعيل المدارس لهؤلاء الأبناء، وكذلك تأسيس الجامعة والمعاهد المختصة لإمداد المُحرر بالكوادر المحتاج إليها. وفي الحقيقة تأسست الجامعة بين عامي 2015 و2016، أي قبل توحد المحرر، لكن استقرارها كان بعد توحد المُحرر".

لكن، كيف أسستم الجامعة ومنحتم شهادات في الشريعة دون اعتراف رسمي؟

"حين أسسنا الجامعة، كنا نعلم أننا نُلبي حاجة المجتمع قبل أن نبحث عن الاعترافات الدولية.. كان الناس بحاجة إلى من يرفع الجهل عنهم، فكانت كلية الشريعة، وكان الناس بحاجة إلى من يُداويهم فكانت كلية الطب، وكان الناس بحاجة إلى من يُعمّر بلدهم، فكانت كلية الهندسة، وهكذا في بقية التخصصات!.. لم نؤسس الجامعة في المحرر دفعةً واحدة، وإنما خطوة خطوة، فكلما توفر الكادر المطلوب فتحنا كلية أو فرعا تخصصيا داخل الكلية، فمنذ عاميْن مثلا توفر أساتذة المعلوماتية، ففتحنا قسم الهندسة المعلوماتية في كلية الهندسة، وكان الجميع يسعى بما يقدر عليه، ثم وفقنا الله وكانت جامعة إدلب التي تراها الآن".

إعلان "والاعتراف الأكاديمي؟ البعض كان يتهمكم بأنكم دكاكين تمنح شهادات من كارتون" قلتُ له مستفزًا

"نعم.. كنا نسمع هذا الكلام وكان يؤذينا، لأننا -أولا- كنا نسعى في خدمة مجتمعنا، وثانيا قد حصّلنا بعض اتفاقات الاعتراف وكنا حريصين على التواصل الأكاديمي، ثم -وهو الأهم- كنا نعي جيدًا أن مسألة الاعتراف هذه مسألة سياسية، فإذا انتصرت الثورة فسيتم الاعتراف بنا، وإذا لم ننتصر فلا يعني الاعتراف شيئا.. والحمد لله انتصرت الثورة، وسيتم الاعتراف بجامعات المُحرر

تعميم صدر بعد التحرير للجامعات المعترف بها (الجزيرة)

 

حدثني أكثر عن كلية الشريعة، هل ترى أن المناهج كانت تُلبي حاجة الطلاب؟

"أقول لك -وأنا على دراية بما أقول- أن كلية الشريعة في إدلب كانت في سنوات المُحرر أفضل من كليات الشريعة عند النظام، وهذا طبيعي، الأمن هو الذي تحكّم في المناهج الجامعية في مناطق النظام طيلة الثورة، فالمقررات لا تمر إلا بعد موافقة الأمن. أما في الجامعة عندنا فكانت الحرية كبيرة في المناهج، وروح الثورة حاضرة.. لم يكن هناك أي رقابة على المناهج، وحتى طلابنا، كنا نُربيهم على الحرية والجرأة في القول ما دام بعلم وأدب.. ولَكم أفرح عندما يخالف طالب عندي رأيي".

لكن، هل كانت مناهج الكلية تتبع منهجا معينا أم كانت انعكاسا حقيقيا للمجتمع؟

"مناهج كلية الشريعة كانت مناهج تُجمّع ولا تُفرق.. لم تعرف مناهج الكلية التحزب المذموم، وإنما كانت معظِّمة للعلم أيًّا كان مصدره، وكانت بوصلة المناهج نحو التحرير، وبحكم الكوادر المحدودة فكان تركيزنا الأكبر على الفقه وأصوله وتفعيله في واقع الناس، وكذلك مسائل الماليات المعاصرة والاقتصاد الإسلامي، والآن عندنا تخصص عقائد وأديان. لكن ما يميز جامعتنا أن رسائل الماجستير والدكتوراه نابعة من البيئة العملية التي يحتاجها الناس بصدق، وليست مثل الرسائل العلمية التي تُكتب لينال صاحبها الشهادة ثم لا يكون لها أثر في الوقع".

إعلان أعطني نماذج لرسائل الماجستير والدكتوراه عندكم

"سأمدّك بقائمة عناوين الدراسات العُليا، لكن إذا نظرت في عناوين رسائل الماجستير والدكتوراه فلن تجد فيها رسالة إلا لها صلة بواقع الناس. أنا -على سبيل المثال- كانت رسالتي عن "النوازل والمستجدات في الأحوال الشخصية في مناطق شمال غرب سوريا (المحرر السوري).. وعندنا أيضا قسم للحقوق، فالكلية هي كلية الشريعة والقانون، فإحدى أطروحات الدكتوراه التي نُوقشت قريبا كانت عن: جريمة تعذيب المعتقلين.. دراسة مقارنة في القوانين الدولية. وبالجملة، كانت هذه الرسائل والأطروحات التي تناقش في جامعة إدلب عموما وفي كلية الشريعة خصوصا تجيب عن هذه الأسئلة والحاجات التي تشغل الناس، فكل رسالة عندنا هي إجابة على مشكلة بحثية نابعة من الواقع، حتى إن بعض الرسائل كانت تستفيد منها جهات الحكومة المختلفة، فتُكتب رسالة في القضاء مثلا، فتطلبها وزارة العدل للاستفادة منها وتعميمها على القضاة.. وهكذا".

عناوين لرسائل جامعية في إدلب (الجزيرة) "والطلاب، كيف كان وعيهم؟ هل كان لأساتذة كلية الشريعة دور في مواجهة الأفكار المتشددة، كفكر تنظيم الدولة؟" سألته وأنا أحاول استكشاف دور أساتذة الكلية خارج نطاق أسوارها.

"طبعا، كان لكلية الشريعة دور كبير في صيانة المجتمع ضد هذا الفكر، وكنت أرى الطالب يدخل إلينا في السنة الأولى وهو محمل ببذرة هذا الفكر، فيتعلم شيئا فشيئا، فتقلّ غلواء هذا الفكر في السنة الثانية ثم الثالثة، وهكذا حتى يتخرج. أحد الطلاب كلمني مرة وقال لي: ما رأيك في الشيخ وهبة الزحيلي؟ قلت له: الدكتور وهبة الزحيلي عالم فقيه، فقال لي: لكني أراه كافرا"..

"لماذا كافر؟"

"لأنه في موسوعته للفقه الإسلامي بعدما يذكر المذاهب يتبعها برأي القانون الوضعي، فناقشته في الكلام وما زلت به نصف ساعة حتى أبيّن له منهج الأستاذ، وأنه إنما يفعل ذلك -على عادة الفقهاء القانونيين- حتى يُبين عظمة الشريعة، حتى بان له خطؤه وتراجع عن قوله. وهذا الطالب الآن تخلى عن هذا الفكر، وأصحبت أراه بوجه غير الذي عرفناه به في أول عام".

إعلان

توقفنا في الاستراحة لصلاة الظهر والعصر، بعد الصلاة نظرت إلى الشابين في الخلف: ماذا تدرسان؟ كان أحدهما يدرس الفقه، والآخر يدرس التاريخ.

"أنا مُحب للتاريخ؟".. قلتها لدارس التاريخ..

و"لي محبة خاصة لتاريخ صدر الإسلام، قرأت في حوليات الطبري وتاريخ ابن الأثير..  أما بلاد الشام فكل محب للتاريخ الإسلامي له عُلقة بها لكثرة حوادث الإسلام الكبرى التي حصلت فيها، ولمؤرخيها القدامى منّة عظيمة على التاريخ الإسلامي، مثل ابن عساكر مؤرخها الأول صاحب تاريخها، وابن كثير صاحب "البداية والنهاية"، والذهبي صاحب "سير أعلام النبلاء" و"تاريخ الإسلام"، وابن العماد صاحب "شذرات الذهب" الذي ولُد في صالحية دمشق قبل أن ينتقل إلى القاهرة.

أما المعاصرون من السوريين فقد طالعت أعمال عدد منهم، مثل كتابات يوسف العش وسهيل زكار ومحمود شاكر الحرستاني، لكن أكثر مؤرخ سوري استفدت منه، كان شاكر مصطفى في كتابه "التاريخ والمؤرخون.. لكني لا أحب تسمية الشام بالأموية، رغم انتشار هذه التسمية على ألسنة الناس في زماننا".. وجهت حديثي للدكتور.

"لمَ؟"..

"لأن الدولة الأموية دولة عظيمة، وقد نزل مُلك الإسلام إلى الشام في عهد الأمويين، لكن أخطاء هذه الدولة أيضا كبيرة، فإذا كنا نريد الانتساب فالانتساب إلى عصر الراشدين أولى. ثم إن هذه التسمية غالبا ما تكون مناكفةً للشيعة، ونحن وإن كنا ضد الشيعة فإننا ضد المظالم التي وقعت في العصر الأموي ضد بعض آل البيت، فيحتاج مثل هذا الإطلاق إلى حذر".

مررنا على لافتة مكتوب عليها "إدلب ترحب بكم" فعرفت أننا وصلنا إلى مأمننا.. فتحت الهاتف، فوجدت اتصال الإنترنت قد انقطع في الشريحة التي اشتريتها من دمشق، بينما بدأت الشريحة التركية في العمل، فإدلب كانت تستمد أغلب احتياجاتها الأساسية من الحدود التركية، بما فيها الإنترنت والكهرباء، قبل أن تتوسع الحكومة فيها في مجال اللوحات الشمسية.

إعلان كبينة.. مصنع الرجال

وصلت إلى المكان الذي سأنزل فيه في إدلب، وفي صباح اليوم التالي وصلت رسالة مستضيفي..

"السلام عليكم.. نورت إدلب، ننتظرك بالخارج"..

كانت هذه رسالة الواتساب التي تلقيتها من أبي خُبيب، مدير أوقاف أطمة والمخيمات سابقا، ومعاون مدير أوقاف دمشق حاليا.. تعرفت على أبي خبيب في زيارتي للشام.

خرجت إليه، فإذا هو باستقبالي في سيارته مع صديق له.

"أبو جعفر.. من قريتي، وصديق الطفولة، والآن هو القانوني المختص بأوقاف حلب بعد التحرير".. قالها أبو خبيب قبل أن ننطلق.

"إلى أين نحن ذاهبون؟"..

"إلى الفطور.. اليوم الجمعة وفطورنا الفول والفلافل والمسبّحة.. سنأخذك إلى مطعم "صلح وكرم"، هل تعرفه؟"..
لا..

"هو أشهر مطعم فول وفلافل في إدلب، فكرته أنك إذا اشتريت وجبتك ولم تشبع منها يزيدك حتى تشبع، لكنه يفضحك في الوقت نفسه"

كيف يفضحك؟

"لأنه يقول بصوت عالٍ يسمعه كل من في المطعم: صلّح للأستاذ.. هذه فكرة المطعم، أما سبب شهرته، فكانت بعد زيارة أبي محمد له والفطور فيه مع الناس قبل التحرير"

"مَن أبو محمد؟"، سألت وأنا أتناول قطعة ساخنة من الفلافل..

"الشيخ أبو محمد الجولاني، أميرنا الذين عرفناه في إدلب، أو الأستاذ أحمد الشرع كما تعرفونه الآن، رئيس الجمهورية.." قال أبو خُبيب.

انتهينا من الطعام دون أن نطلب المزيد حتى لا نُفضح بتصليح أصحاب المطعم لنا.

"ماذا تحب أن ترى في إدلب؟" سألني أبو جعفر..

"لا أدري شيئا عن إدلب، لكني أحب أن أرى ما لا يراه الزائر عادة.. اذهبوا بي إلى مكان خاص له ذكرى معكم ليس بمقدور أي أحد الوصول إليه من خارج إدلب" أجبته بحماسة

"نذهب به إلى كبينة؟".. قالها أبو خُبيب لأبي جعفر وهو يهزّ رأسه فرحًا، وكأنهما يتحدثان عن مكان عزيز عليهما

كانت كبينة، العقبة الكؤود أمام النظام والروس لاجتياح إدلب.. القرية الصغيرة التي تقع شمال مدينة اللاذقية، وعلى السفوح الشرقية لجبال الساحل السوري، وتحديداً في منطقة جبل الأكراد، والتي تطل على سهل الغاب وجبال التركمان. كانت كبينة البُعد الاستراتيجي لتحصين إدلب، فإذا سقطت كبينة تسقط إدلب مباشرة.

إعلان

أخذنا طريق جسر الشغور الذي كنت أسمع عن معاركه في الإعلام ولم أتوقع زيارته.. وقفنا عند محطة وقود: "هذه محطة وقود لهيئة تحرير الشام" قالها أبو خبيب..

"نحن معنا كارت هيئة، عندك مازوت؟"..

"لا، انتهى اليوم، اذهب إلى الأمام ربما تجد"..

"صورة مَن هذا الذي على هاتفك؟" سألت أبا حبيب..

"هذه صورة أبو تيم قاح… توأم روحي، وقد استشهد في معارك حلب.. تقبله الله.. كان أبو تيم أمير المدفعية في كبينة، هل تعلم أنه سقط منا 10 آلاف شهيد في كبينة فقط!".

بدأنا الدخول إلى منعرجات وعرة بين الجبال، ومع كل منعرج يستذكر أبو خبيب وأبو جعفر شيئا من ذكرياتهم في هذا المكان.

"أنتم تعملون في وزارة الأوقاف، فما الذي جعلكم عارفين بطريق كبينة بهذا الشكل؟" سألتهما..

"قبل التحرير، كنا جميعا مجاهدين.. الجميع له حظ من الرباط مهما كان عمله، نحن كنا نرابط هنا.. هل تعلم أن هذا الطريق الذي نقطعه بين الجبال بالسيارة الآن لم يكن بمقدورنا قطعه إلا بالدراجة النارية بسرعة تصل 100 كلم/ساعة.. هذه أول مرة نأتي فيها بالسيارة"..

"لمَ؟"..
"انظر هناك.. هذه الجبال من الجهة المقابلة كانت مع النظام، وأي تلكؤ ولو كان قليلا يعني أنك مقتول لا محالة، فالطريق مرصود 24 ساعة في اليوم.. لقد استقتل النظام وحاول من عام 2015 وحتى سقوطه امتلاك كبينة، لأنه يعلم أن امتلاك كبينة يعني اجتياح إدلب.. والطائرات الروسية لم تتوقف لحظة عن قصف أي هدف يتحرك حتى عام 2019.. هذه المنطقة أكثر منطقة قُصفت من الروس، وفيها جُربت الصواريخ الفراغية.. كانت هذ الصواريخ تخترق الصخر وتحاول أن تصل إلينا في الخنادق، لكن، الحمد لله كانت الجبال أكثر تحصينا بلطف الله، وكان الشباب يستبسلون في الدفاع عن كبينة"..

"هيا وصلنا"

أين وصلنا؟
من مطل رِباط المقاتلين في كبينة على الوادي(الجزيرة)

"هذه نقطة الرباط التي صنعتها أنا وأبو جعفر.. هنا في هذا المكان كان مبيتنا.. استغرقت هذه النقطة 6 أشهر من الحفر المتواصل، وكان نرابط على قذائف الهاون.. تذكرْ يا أبا جعفر، هناك أتتك القذيفة التي كادت أن تقتلك قبل أن ترمي نفسك في بركة الماء والطين".. قالها أبو خبيب وهو يضحك.

إعلان هل لنا أن ندخل نفقا من هذه الأنفاق، أو مخبأ من هذه المخابئ؟

"نعم بالطبع.. هذه الأنفاق كما ترى، هي في الصخر لأعماق عميقة تحت الأرض، لها ومخرج أو أكثر، ومكان للاستحمام لأن الشباب يبيتون هنا بالأسابيع، وآخر للذخيرة، ونقاط للرباط وانتظار العدو.. كل ما عليك فعله أن تقف في فاتحة الرباط وتقصف أي تقدم للنظام"

ما هذه الصورة؟

"هذه تعليمات للمجاهدين، ومصاحف للقراءة فيها في وقت الراحة.. هل تعرف أننا كنا نعتكف في هذا المكان؟"..

كيف؟

"اعتكاف كبينة كان أمرًا صعب المنال.. كنا نَحجِز قبلَها بثلاثة أشهر، ونتوسط الإخوة حتى نأتي إلى هذا المكان، لأنه أقرب نقطة للقاء العدو، فهو في عبادة طول الليل، وفي رباط بالليل والنهار. في أحد الأعوام اعتكفنا في هذا النفق مع أحد المشايخ الطاعنين في السن الذين جاوزوا الستين.. كان يقرأ في الليل بستة أجزاء على الأقل رغم سنه الكبير.. وأتذكر أنه وصلت مرةً تبرعات بمبلغ مليون ليرة تركية للمرابطين فقُسمت على 1000 مجاهد من المعتكفين في كبينة. فكان نصيب أحدهم 1000 ليرة، فلما أخذها بكى"..

تعليمات للمجاهدين في أحد أنفاق كبينة (الجزيرة) والسبب؟

"السبب أن العيد كان بعد أيام ولم يكن يدري مِن أين يأتي بالمال لأبنائه، فجاءه هذا المال من الله وأسعد قلبه، ووقتها صرف له الإخوة 1000 ليرة إضافية.. كان رباط كبينة مدرسة تزكوية لنا"..

"ما أخطر لحظة في رباط كبينة؟"..
"حين نخرج للخلاء خارج النفق.. ما دمنا في النفق فنحن محتمون بالجبال، لكن إذا خرجنا للخلاء أو الوضوء في رمضان فنحن عُرضة للقصف في أي لحظة".

"هل كان معكم قادة في هذه النقاط المتقدمة من الرباط من قبل؟"..

"نعم.. كان معنا مرة أبو محمد هنا، وما شهدت إلا بما علمت، وهل ترى هذه المنطقة المهدمة؟ كانت هنا غرفة قيادة العمليات في عام 2019! كان النظام يظن غرفة العمليات في إدلب، وهي كانت أقرب ما تكون إلى خطوط التماس معه!"..

أثار القصف الروسي 2019 على كبينة (الجزيرة) كيف كان أبو محمد يعبئكم معنويا في زياراته؟ إعلان

"كان يُرسل لنا الشيخ عطون.. الشيخ عبد الرحيم عطون هو لسان أبو محمد الشرعي، والذي كان يتولى بيان المسائل الفكرية المشكلة لنا.. كان يحدثنا عن تاريخ الشام، والصراع في فلسطين، وطبيعة النظام العالمي، وغير ذلك كثير"..

من كان يعظ العسكر؟

"كان هناك عدد من المشايخ المتداخلين مع العسكر، لكن التوجيه المعنوي للعسكر كان تحت إشراف د. مظهر الويس. وعلى مستواي الشخصي، استفدت من عدد من المشايخ في الداخل والخارج، ومنهم الشيخ أبو محمود الفلسطيني، لكن نصيحته كانت لزوم الجماعة ونبذ الفرقة، والحمد لله الذي استعملنا في تحرير الشام"..

في طريق العودة

مع عودتي من كبينة بدأت فصول هذه المادة تكتمل في ذهني لرسم الحالة الدينية التي شهدتها الثورة السورية، والتي لم يؤرخ لها بعد. فمن دروس السيرة النبوية التي نصح بها أبو يزن شباب الثورة -وقادتها مستقبلا- لمواجهة الغلاة، إلى اعتكاف كبينة مع فقراء المهاجرين من المجاهدين، كانت تغرس آمال الحرية والتحرير في نفوس هؤلاء الفاتحين حتى دخلوا المسجد الأموي بالتكبير. ومازالت الحالة الدينية في سنوات الثورة في سوريا بحاجة إلى تأريخ لم يُكتب بعد…

مقالات مشابهة

  • حقيقة منع الركاب من دخول مطار سفنكس الدولي.. بيان رسمي يكشف التفاصيل
  • الأمن يكشف كواليس دهس شاب لأسرة كاملة بالشرقية
  • بندقية في المحراب.. كيف صاغ التديّن جنود تحرير الشام؟ القصة كاملة
  • ملتقى توظيفي للشباب بالجيزة غدا - التفاصيل كاملة
  • فاجعة في البصرة.. مصرع عائلة كاملة بحريق منزل (فيديو)
  • موعد كسوف الشمس.. حدث فلكي نادر يرى في مصر وأجزاءً من العالم العربي
  • اخذقلك عينك.. مدير مدرسة العمرانية يكشف حقيقة قيام معلمة بصفعه على وجهه| القصة كاملة
  • تحذيرات من عواصف شمسية .. هل تشهد الأرض انقطاعات في الإنترنت؟
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: صورة ضد الشمس
  • الحكومة تكشف حقيقة وقف حجز تذاكر قطارات السكة الحديد على الإنترنت