تصريحات العبادي..حرب طيّبة ضد الإطار وشرّيرة ضد المالكي
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
آخر تحديث: 3 أكتوبر 2023 - 11:08 صبقلم:مسار عبد المحسن راضي سئُل شو إن لاي، أول رئيس وزراء في جمهورية الصين الشعبية، عن رأيه في أحاديث هنري كيسنجر الدبلوماسية، فأجاب بما مفادُه “الشخص الوحيد الذي يتحدث نصف ساعة دون أن يقول شيئًا”. كيسنجر ذكر بأريحية ما قالهُ شو في مُذكَّراته.رئيس وزراء العراق الأسبق حيدر العبادي أُصيب في فترة ولايته الحكومية بموهبة الحديث دون قول شيء.
وجدت وقتها أنَّهُ يستحقُ التعريف التالي “حيدر العبادي.. حيدر كيسنجر”، كان ذلك عنوان مقالٍ كتبتهُ عنه منذُ سنين.مضت سنين أُخرى قبل أن أجري حِوارا معه، في زمن رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، وكان قد انتهى كما يبدو من “ركمجة” كلماته على لوح تزلج أسلوب كيسنجر في الحديث والذي احترفهُ الأخير للسيطرة على ما يدلو به، أثناء الأزمات العالمية أو عندما يُحشِّدُ قواه لتحقيق انتصاراتٍ دبلوماسيَّة. العبادي في حديثه يوم الـ22 من أيلول – سبتمبر الماضي، في لقاءٍ مع إحدى الفضائيات العراقية أكَّد طلاقه بالثلاث مع عاداته في الحديث السياسي. الغريب اختيارهُ لفضائية اُشتُهِرت بأنها عاشت لسنين طويلة في كنَفِ رعاية المال السياسي لرئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، ولا توجد معلومات حتَّى كتابة هذه السطور إن كانت قد انتقلت إلى إحسان راعٍ آخر. الخطوط العريضة لحديثه كانت هذه المرَّة مليئة بأخاديد تفصيلات كثيرة، كان منها فضحهُ لفلسفة ساسة البلاد في التعاطي مع العراقيين “الله كريم لكن العراقيين غير كرماء”. كذلك إشارتهُ إلى أن “المرجعيات الدينية في كربلاء” هي العُقدة الحقيقية التي تمنع عودة النازحين إلى منطقة “جرف الصخر” بسبب “هواجسِها الأمنيَّة”. “الحيَّدَرة” التصريحية للعبادي تزامنت مع هجومٍ سياسيٍ شامل، للأحزاب السياسية الشيعية على الجغرافيا السُّنية. قراقع أصوات الدِفاع كانت عالية هذه المرَّة، لأن هذه الهجمة السياسية كانت ضد معقلين.. أحدهما سُنّي صافٍ متمثلٌ في الأنبار، والآخر سُنّي بشراكةٍ كُردية متمثلٌ في الموصل. هذا الصوت العالي صدح من إحدى الفضائيات المموَّلة من قبل رئيس تحالف السيادة يوم الـ26 من أيلول – سبتمبر الماضي، والتي ادَّعت فيما يخص الأنبار أن “هذه المحافظة ملك للرئيس النيابي الحالي محمد الحلبوسي وخميس الخنجر”. توقعتُ في مقالٍ سابق بعنوان “الحلبوسي.. نيزك شيعي أم ساعة رملية للزعامة السنية” هجمة سياسية شيعية على المحافظات السُّنية، متخذا من الأنبار مثالا بارزا. ذكرتُ فيه باختصارٍ وبتصرُّف يصلحُ لسياق الطرح أنَّ “الأحزاب الشيعية تحتاجُ المناطق السُّنية كي تكون لها اليد العُليا، بينها أولاً، وحتّى في الفضاء الإقليمي والدولي”. الجديد اليوم في تصريحات العبادي وصُراخ الحلبوسي باستخدام مُكبِّرات الخنجر، أنَّ جميع الزعماء السياسيين الشيعة التقليديين قد اتفقوا كما يبدو على حلاقة رأس نفوذ الميليشيات الإيرانية أو “الثوريين”، بحسب تعبير العبادي، من أيَّ شعرٍ سُنّي في محافظات العراق الغربيَّة. المُراد حصرُ هؤلاء “الثوريين” في البيت الشيعي المختنق بكثرتِهم مثل عصائب أهل الحق. في هذا البيت يتوزع الأوكسجين السياسي بحسب رضا لاعبين معروفين مثل المالكي، لكن في فضاء المحافظات الغربيَّة التي كان السياسيون السُّنة فيها مجرَّد رئات تعمل في صدر المالكي السياسي، هناك خطر أن تزاحم رئات “الثوريين” هذا الصدر. طبعاً، الحلبوسي والخنجر وبحسب الواقع العراقي الطائفي والمُحاصصاتي، مُجرَّد رئات تبحث عن حصَّة أكبر من الأوكسجين السياسي يرى المالكي أنَّهُ لا داعي لزيادتها، خاصَّةً وأن الخنجر مشهودٌ له بتصريف هذا الـO2 وبسرعة إلى صفقات “بيزنس” مُربِحة. اللطيف أيضا أنَّ الأصوات العراقية في المناطق الوسطى والجنوبية كفرت بالصناديق الانتخابية التي لا تخرِجُ سوى بطَّات عرجاء معروفة، ليس لأدائها السياسي أي صدى شعبي. إذًا من الأفضل الاستعانة بالأصوات العراقيَّة في مناطق العراق الغربيَّة عن طريق شخصيات سياسيَّة سُنّية مثل رافع العيساوي، تعمل كسِنَّارات تصيد الأصوات وتُلقيها في الصندوق الشيعي. السبب الآخر هو أنَّ المالكي أكمل تقريبا وبواسطة مصنع المال السياسي الضخم الذي يمتلكه، صُنْع عناوين سياسية مستقلة.. حركات وتيارات وتحالفات، ليس لـ”الثوريين” القُدرة أو الرغبة في دفع ثمنها، أو تشغيل طاقة البراغماتية لديهم لاستهلاكهم ولو ظرفيا كما فعل التيار الصدري سابقا مع الشيوعيين. هكذا كان على الزعامات السياسية الشيعية التقليدية غير الراغبة في تشغيل مصانعها من المال السياسي، أو الحصول على سِنَّارات سُنّية لا تستطيع سوى اصطياد أصوات بحجم عُلبة سردين، أو تكبير رأس “الثوريين”، أن تفضح اللعبة بالكامل. العبادي فضح مثلاً وفيما يخصُّ وثائق الاتفاقات السياسية، وهي اختراعٌ مالكي، أنَّها بلا قيمة ما دام أوّلُ سطرٍ في ديباجتها “شريطة أن تتفق فقراتُها مع الدستور”. هذا الاختراع كان الأرجوحة السياسية المُفضَّلة لأربيل في تعاطيها مع بغداد، بعيداً عن صنم الدستور الذي تصنعهُ في الإعلام. أمّا فيما يخصُّ مسألة المخفيين قسراً وداعش والنازحين فهو قد أحبط من جانب مساعي السِنَّارات السُّنية بالحصول على أصوات مُعتبرة العدد في مناطقها، بتوضيح أن هذه المسألة ليست وقفاً على وعود المالكي إنما على تقاطع معلومات وبيانات أمنيَّة عراقية، وإقليمية ودولية بالضرورة. وفي جانبٍ آخر حمَّر إحدى عينيه لـ”الثوريين” بالإشارة إلى أن موافقتهم على وثيقة الاتفاق السياسي التي ذهبت إلى اعتبار “قتلى داعش شهداء” أكَّدت لجمهورهم ولو بأضعف الإيمان فقدانهم لشبابهم الثوري واستحالتهُم شيوخاً سياسيين! لكنه سبَّل لهم عينهُ الأُخرى بإشارته إلى أن من يسمعون الصوت المعتدل الذي يمثِّلُه يستطيعون النجاة من فخ الاشتراطات الدولية وألعاب المالكي. بعضُ المُحلّلين السياسيين استخدمت الأنبار وأربيل حناجِرهم للقول بأنهما قد فَهِمَتا اللعبة، وتحركتا سريعاً. هما من جانبٍ دعتا العبادي إلى ترك سفينة حزب الدعوة كي تُصدِّقا به وهذا هدفٌ إعلامي. الحقيقة أنهما تريدان الحصول على دور لاعب وسط يلعب لمصلحة فريقين في نفس اللعبة.. أي مع فريق “الإطار التنسيقي” والمالكي ضد العبادي والعكس ممكن أيضاً بحسب الثمن السياسي. ربّما عليهما أن تتذكرا أنَّ صراعات الأجنحة داخل حزب الدعوة وإلى حدِّ الآن تشبهُ معارك القرن الخامس عشر التي تحدث عنها مكيافيللي “كان لبعضها أهمية تاريخية كبرى، ومع ذلك لم يقتل في هذه المعارك أحد، وإن قُتِل فرجل واحد ليس إلا، وكان قتله بطريقة الخطأ لا نتيجة عمل العدو”. العبادي خبيرٌ بالحروب السياسية التي تندرج ضمن “الحروب الطيبة” وهو تعبيرٌ آخر لهذا النوع من حروب القرن الخامس عشر التي تحدث مكيافيللي عنها، وعن وجهها الآخر “الحروب الشريرة” ضد المالكي. ما نستطيع قوله وبكل أريحية، إنّ هناك سيناريوهيْن لا ثالث لهما؛ إمَّا حكومة مالكية، وإمَّا حكومة اتحادية تحترم العراق ومكوِّناته دون إلباس الدستور ملابس رقص الاتفاقات السياسية، أو عباءة المُرشد الإيراني الذي يرتدي عِمامة الحرس الثوري ويُسبِّح في مستقبل البلاد بالفصائل الولائية.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: ة التی
إقرأ أيضاً:
مصر: السُّلطوية ونفي المواطنة عن الجسد السياسي (3)
هذا هو المقال الثالث، ضمن أربعة مقالات أناقش فيها كيف استخدمت الدولة المصرية، تاريخيا وإلى الآن، التقنيات الحداثية في إيجاد ونفي أجساد وأسماء المصريين من أجل بقائها وهيمنتها.
نفي الجسد ومحو الاسم
من بعد تموز/ يوليو 2013، أي بعد الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي، هرب كثيرٌ من المصريين خارج البلاد، لتفادي القمع أو حتى خوفا من عودته، أي تكرار اعتقالهم واختفائهم، وتعذيبهم، وحتى من احتمالية قتلهم. وبمجرد خروجهم من مصر، كانوا يظنون أنهم قد ارتاحوا من القمع الجسدي المباشر على أجسادهم. لكن مع الوقت اتضح لهم أن هناك قمعا آخر، تستخدمه السُلطوية ضد المواطنين، لأنهم مواطنون مصريون لا أكثر، يجب عليهم تخليص أوراقهم في البلاد الجديدة التي وصلوا إليها من خلال السفارات والقنصليات المصرية.
لكن هذه السفارات والقنصليات، التي من المفترض دستوريا أن دورها هي مساعدة المواطنين خارج البلاد، في تخليص أوراقهم الدراسية والعملية وحل إشكالياتهِم القانونية والأمنية وغير ذلك، تكون هي عبئا عليهم، وسُلطوية قمعية ممتدة للنظام الأمني، إذ تراقبهم وتتجسس على أنشطتهم، بهدف السيطرة والإخضاع لكلِّ ما لا يتماهى مع سياسات النظام، كما تعرقل تخليص أوراقهم وممارسة حقوقهم السياسية.
لكن هذه السفارات والقنصليات، التي من المفترض دستوريا أن دورها هي مساعدة المواطنين خارج البلاد، في تخليص أوراقهم الدراسية والعملية وحل إشكالياتهِم القانونية والأمنية وغير ذلك، تكون هي عبئا عليهم، وسُلطوية قمعية ممتدة للنظام الأمني، إذ تراقبهم وتتجسس على أنشطتهم، بهدف السيطرة والإخضاع لكلِّ ما لا يتماهى مع سياسات النظام، كما تعرقل تخليص أوراقهم وممارسة حقوقهم السياسية
منذ سنوات كثيرة، حسب منظمة هيومن رايتس ووتش، يعاني مصريون كُثر في الخارج من استخراج أوراقهم ومُستنداتهم، إذ تخضع كل الإجراءات اللازمة للمُوافقات الأمنية سواء داخل السفارة أو حتى بإرسالها لأخذ الموافقة من جهاز الأمن الوطني داخل مصر. تُرسل صفة المعاملة للمواطن المغترب المصري، وتصدر التعليمات إما بالموافقة أو الرفض أو عدم الإجابة، وهذا ما تجلَّى بشكل واضح في استخراج جوازات السفر للمصريين في الخارج، حيث واجه الآلاف إشكالية في تجديد جوازات سفرهم، ودائما ما كان يأتي الرد على المتقدمين أنه لم يُستخرج بعد، وأن كل ما تستطيع السفارة تقديمه هو وثيقة سفر للعودة إلى مصر.
في ذات السياق، يحكي إبراهيم (اسم مستعار)، وهو أحد المعارضين السياسيين خارج مصر، تجربته مع السفارة المصرية، فيقول: "في البداية، أُراسل السفارة وأعطيهم بياناتي، وبعد استعلامِهم عني أمنيا، يوافقون أو لا يوافقون لذهابي إلى السفارة. وبعد أن ماطلوا شهورا في الرد عليّ، ذهبت إليهم وقدَّمت أوراق طلب تجديد جواز سفري إلى موظفي السفارة، بالإضافة إلى الرسوم اللازمة، وانتظرت. ويفوت شهر تلو الآخر، وحين أذهب للسؤال، يقول إن الورق ما زال في مصر، ولم يأت رد بإصدار جواز سفر جديد، وحين تتكرر الزيارات والأسئلة والمشادات الكلامية عن السياسة والمعارضة في مصر، يخبرني موظفو السفارة أن كل ما لديهم هو إعطائي وثيقة سفر للرجوع إلى مصر، وهذا بالطبع مُستحيل، فهم يعطوني وثيقة سفر للرجوع إلى السجن مرة أُخرى".
لا تكتفي السفارات والقنصليات المصرية في الخارج بممارسات المُمَاطلة فحسب، بل حتى وصل الأمر إلى محاولة احتجاز إحدى الشباب خلال سؤاله عن تجديد جواز سفره. إذ في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2020، وثَّق المواطن المصري عمرو حشاد، المقيم في تركيا، محاولة موظفي القنصلية التركية احتجازه دون أي سند قانوني، وهذا أثناء محاولة استخراج جواز سفره، قبل أن يتمكّن من الهرب، وقد رفع دعوى ضد موظفي القنصلية في إسطنبول أمام المحكمة العليا، ما دلَّ على أن القنصليات لا تعطّل وترفض استخراج أوراق المواطنين فقط، بل في أوقات تُصبح مقرَّات للتحقيق والاحتجاز وربما الترحيل إلى مصر. [16]
تعطيل ممارسة الحق السياسي
أما فيما يخص ممارسة المواطنين لحقّهم السياسي والدستوري، فهذا إجراء روتيني يقوم به المغتربون، إذ يتوجهون إلى مقرات السفارات والقنصليات المصرية حول العالم، بهدف ترشيح مرشح للرئاسة والتصويت على انتخابه فيما بعد. في الانتخابات الرئاسية الماضية أواخر عام 2023، شهد المواطنون المصريون في الداخل وفي الخارج تضييقا في استخراج توكيلات باسم المرشح أحمد الطنطاوي، حيث كانت السفارات تُغلق في وجوههم، ويتعنّت الموظّفون في عمل إجراءات التوكيلات، من خلال الأسئلة الكثيرة ذات الطابع التحقيقي، أو بتأجيل ميعاد العمل من خلال مقولات مثل "تعالوا بكرا"، أو برفض عمل التوكيل بشكل مباشر، بهدف منع عمل التوكيلات لمرشح آخر غير مرشح السُلطة وهو الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
هنا السُلطة تتحكم في رأي المواطنين السياسيين، فإن كان يتماشى مع زعيمها السياسي، تعتبرك مواطنا صالحا مُطيعا وتسمح لك بممارسة حقك الدستوري، أما إن كنت تمارسه بما لا يتوافق معها أو يعارضها، فتمنع عنك مواطنتك، وتقول لك حُججا كثيرة لمنعك من ممارسة حقك كمواطن مصري حرّ.
تُعطي هنا السُلطوية في مصر، أمثلة كثيرة لانتقالها من امتلاك أجساد المصريين، وممارسة كافة أنماط حالة الاستثناء غير القانونية بحق المواطنين، إلى امتلاكها سمة مواطنتهم، وتستطع عبر هذا الامتلاك نفي المواطنة كلّية أو تعطيلها في أوقات بعينها أو إثباتها إن أرادت، فكل شيء بيدها
يقول محمد (اسم مستعار)، وهو أحد المواطنين الذين توجَّهوا إلى السفارة المصرية في بيروت بهدف عمل التوكيل: "تعرضنا لبضعة مضايقات، مثل سؤال الموظف لأي مرشح تريدون عمل التوكيل، وعندما قلت لأحمد الطنطاوي ردَّ بأن التوكيلات ليس عملها اليوم، وعندما أصررت ومن معي على عمل التوكيل، جرت محادثات بين ضابط الأمن وموظف السفارة، ثم سمح لـي الثاني بعمل التوكيل، لكن بامتعاض وبنظرات مريبة، بهدف الذعر والترهيب. وأخيرا تمكنت من عمل التوكيل وخرجت بسلام، بالرغم من خوفي من التحقيق أو حتى انتهاك أي حق لـي داخل السفارة بواسطة الأمن".
هذا الرعب المترسِّخ في أرواح وأجساد المصريين أثناء التعامل مع مؤسسة مصرية، كون آرائهم لا تتفق وتنتقد سياسات النظام، ما هو إلَّا نتاج سنواتٍ من تنكيل السُلطوية بهم، واستمرارها على نهج قمع من لا يتفق معها بكل الطرق والوسائل سواء داخل مصر أو خارجها.
تُعطي هنا السُلطوية في مصر، أمثلة كثيرة لانتقالها من امتلاك أجساد المصريين، وممارسة كافة أنماط حالة الاستثناء غير القانونية بحق المواطنين، إلى امتلاكها سمة مواطنتهم، وتستطع عبر هذا الامتلاك نفي المواطنة كلّية أو تعطيلها في أوقات بعينها أو إثباتها إن أرادت، فكل شيء بيدها، وبيد رأسها الأعلى عبد الفتاح السيسي، إذ هي تسجن من تشاء، وتنفي من تشاء، سواء نفيا جسديا فحسب، أو جسديا وهُوية أيضا. إذ ترى السُلطوية حق منح المواطنة، فتمنحُها لمن يؤيدها في المُطلق، وتمنعها عن من يعارضها، حتى وإن عارضها بشكل جزئي أو لفترة زمنية محددة، وانتهت معارضته وهرب من البلاد، لكن بالنسبة لها لا غفران على هذه المعارضة السابقة، وتنفي عنه مواطنته، بعد أن تسببت في نقي جسده.
في المقال القادم، وهو الرابع والأخير، سوف أتناول مفهوميّ الاغتراب والاستلاب وعلاقتهما بالمواطنين، أسمائهم وأجسادهم، الذين تعرضوا لسياسات السلطوية القمعية.