يمن مونيتور:
2024-11-26@16:23:53 GMT

إخناتون: أوبرا أمريكية بلسان الفراعنة

تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT

إخناتون: أوبرا أمريكية بلسان الفراعنة

يمن مونيتور/ قسم الأخبار

عُرضت أوبرا «إخناتون» للمرة الأولى في ألمانيا سنة 1984، وهي من إبداع الموسيقار الأمريكي المعاصر فيليب غلاس، الذي جعلها الجزء المتمم لثلاثيته الأوبرالية المعروفة (آينشتاين ـ غاندي ـ إخناتون) التي يمكن تسميتها أيضاً ثلاثية (العلم ـ السياسة ـ الدين). حيث تناول غلاس كل شخصية من هذه الشخصيات الثلاث، والأثر الذي صنعه من خلال مجاله، ومدى التغيير الذي حققه في العالم.

وإذا كان آينشتاين وغاندي قد عاصرا نهايات القرن التاسع عشر، وفترة غير قليلة من القرن العشرين، فإن إخناتون يرجع بنا آلاف السنين في عمر الزمن، ويذهب بنا إلى عصور ما قبل الميلاد، حيث توجد أعماق التاريخ. إخناتون هو الفرعون المصري أمنحوتب الرابع، صاحب الوجه القريب جداً إلينا، بملامحه المألوفة التي تجعل من ينظر إليها يتساءل، متى رأيت هذه الملامح من قبل؟ وبأي شخص يذكرني وجه هذا الفرعون؟ لا شك في أن إخناتون يعد من أشهر الفراعنة، فهو صاحب الحياة الدرامية المثيرة، وزوج الملكة الجميلة نفرتيتي، ووالد الملك الشاب توت عنخ آمون. يرتبط اسم إخناتون بالتوحيد، ويعرف بالملك الموحد، ليس موحد البلاد أو موحد القُطرين كالملك مينا، وإنما موحد الدين والإله، فإلى إخناتون ينسب الفضل في عبادة الإله الواحد، وهناك من يقول بأن التوحيد، كان موجوداً في مصر قبل زمن إخناتون، نظراً لوجود نص فرعوني قديم في «متون الأهرام» يكاد يتطابق معناه مع سورة الإخلاص في القرآن الكريم، عن الإله الواحد الأحد.

يمكن القول إن إخناتون خلق توحيداً خالصاً، يمنع معه عبادة أي آلهة أخرى، خصوصاً تلك الآلهة التي تجمع بين الهيئة البشرية والهيئة الحيوانية، فقبل إخناتون كان يُعبد آمون، وبعد سقوط إخناتون، عاد المصريون لعبادة آمون من جديد، لكنها كانت عبادة تتيح لهم وجود الكثير من الآلهة الأخرى. وهناك من يقول أيضاً، إن توحيد إخناتون كان بغرض سياسي في الأصل، يهدف إلى تحطيم السلطة الهائلة التي كان يحظى بها كهنة آمون، بالإضافة إلى الرغبة في فرض سلطانه على المصريين والتحكم في دينهم، وربما كان في توحيد الإله، توحيد له أيضاً، كفرعون يجلس على عرش مصر. ويُذكّر إخناتون أيضاً بالمجدد صاحب الانقلاب الثوري، الذي حطم قيوداً وقواعد راسخة، كان من الصعب جداً تحطيمها، لكنه لم يكن مجدداً في كل شيء، صحيح أنه انقلب على بعض التقاليد المصرية القديمة، لكنه تمسك ببعضها الآخر وحافظ عليه، كبناء العاصمة الجديدة على سبيل المثال، فبعد أن تولى الحكم خلفاً لأبيه الراحل أمنحوتب الثالث، شيّد إخناتون عاصمته الجديدة «تل العمارنة» متبعاً ذلك التقليد الفرعوني الخالص، أن يشيد كل فرعون جديد عاصمته الخاصة، التي تلغي العواصم القديمة، ومدن الفراعنة السابقين، ولهذا نجد لمصر القديمة في عصور الفراعنة، الكثير من العواصم الموزعة في أرجاء البلاد.

اعتمد الموسيقار الأمريكي فيليب غلاس، الذي قام بتأليف موسيقى أوبرا إخناتون، وإعداد نصها الغنائي أيضاً، على عدة مصادر أثناء عمله، من هذه المصادر، متون الأهرام، وألواح تل العمارنة، وكتاب الموتى (الخروج إلى النهار).

غناء النصوص المصرية القديمة

اعتمد الموسيقار الأمريكي فيليب غلاس، الذي قام بتأليف موسيقى أوبرا إخناتون، وإعداد نصها الغنائي أيضاً، على عدة مصادر أثناء عمله، من هذه المصادر، متون الأهرام، وألواح تل العمارنة، وكتاب الموتى (الخروج إلى النهار). واختار مجموعة من النصوص، التي نسمعها في الأوبرا ملحنة ومغناة بلغتها الأصلية، ونستمع أيضاً إلى اللغة الإنكليزية في أوبرا إخناتون، التي يتحدث بها الكاتب، أو الراوي في العمل، الذي يسرد بعض الأحداث، ويقود المتفرج إلى متابعة سلسة، ويفهمه ما يجري أمامه على المسرح، وما يقع من أحداث. الراوي بعيد تماماً عن الغناء، ومهمته هي الإلقاء فقط، وبعض ما يلقيه هو نصوص مصرية قديمة أيضاً، لكنها تكون مترجمة إلى اللغة الإنكليزية. الأوبرا حديثة أو حداثية تماماً، لا تلتزم بشروط الأوبرا الكلاسيكية، وأساليبها وقواعدها القديمة، وتختلف عن أي أوبرا تناولت الحضارة المصرية القديمة، كأوبرا عايدة، أو أوبرا موسى في مصر، أو أوبرا موسى وفرعون، وغيرها من الأوبرا الفرعونية.

يبدو أسلوب غلاس الحديث من خلال الموسيقى، وصياغة الدراما والنص الغنائي، حيث قدم قصة إخناتون بطريقة غير تقليدية، عبر مزيج من الموسيقى الحديثة والكلاسيكية، فالآلات هي الآلات الكلاسيكية، والأوركسترا هي الأوركسترا المتعارف عليها في فن الأوبرا، لكننا نلمح بعض التأثيرات الموسيقية، التي تعطي انطباعاً مختلفاً، ويمكن القول إن الموسيقى رغم غرابتها في بعض الأحيان، كانت معبرة عن روح العمل وفكرته، كما تم تقديمها. وكذلك الغناء الأوبرالي، اعتمد على تقنيات الأداء المعروفة، لكن نظراً لطبيعة اللغة القديمة المغناة، وطريقة التنغيم وتقطيع الكلمات، بدا الغناء غريباً أيضاً، ومختلفاً عن الغناء الأوبرالي التقليدي. والملاحظ في هذه الأوبرا، أن الغناء بشكل عام يعد قليلاً، فالنصوص المصرية القديمة معروفة بالتكثيف والاختصار، لهذا اعتمد الموسيقار فيليب غلاس على التكرار، إذ تُغنى الجملة الواحدة لعدة مرات، وربما سبّب ذلك بعض الملل، وهناك مساحات موسيقية كبيرة، نستمع فيها إلى الأنغام فقط دون غناء أو حتى إلقاء، وهناك بعض المشاهد التي نجد فيها غناء دون كلمات، كالآهات أو الهمهمات، أو بعض التنغيمات الموحية، من أجل خلق حوار درامي بين بعض الشخصيات.

للحب مكان في أوبرا إخناتون، إذ اختار الموسيقار الأمريكي فيليب غلاس، قصيدة حب مصرية قديمة، وجدت في ألواح تل العمارنة، يلقيها الراوي مترجمة إلى اللغة الإنكليزية، ثم يغنيها إخناتون ونفرتيتي، وهما يتبادلان الحب ومشاعر الغرام، يتغزل إخناتون في جمال نفرتيتي الذي ينظر إليه في كل يوم، وبعض مقاطع القصيدة في الجزء الأخير منها، تبدو كذلك كمناجاة للإله.

السرد الموسيقي لحياة إخناتون

تبدأ الأوبرا بمقدمة موسيقية طويلة إلى حد ما، يتخللها تدخلات الراوي، الذي يلقي بعض النصوص المصرية القديمة، مترجمة إلى اللغة الإنكليزية من متون الأهرام، تتحدث هذه النصوص عن أبواب الأفق التي فُتحت أقفالها، والسماء التي أظلمتها الغيوم، والنجوم والكواكب المضطربة، وهي ترى روح الملك الصاعدة إلى السماء، حتى لا يموت على الأرض بين البشر. ثم يتحدث الراوي في مقطع آخر، عن الملك الذي يطير ويحلق بعيداً عن البشر، فهو ليس من الأرض، بل هو من السماء، يتمايل في الهواء كطائر أبيس، ويصعد إلى السماء على جناح الريح، ثم نرى جنازة الملك أمنحوتب الثالث والد إخناتون، وموكب توديعه المهيب، ونسمع غناء الجموع بالمصرية القديمة، وهي تلتف حول تابوت الملك وتقول وتردد: «عنخ عنخ إن ميتاك» أو «عش الحياة، أنت لن تموت، سوف تعيش ملايين السنين». وفي جنازة أمنحوتب الثالث، يوجد كبير كهنة آمون، وحورمحب قائد جيش فرعون، اللذان سينفذان في ما بعد، انقلابهما ضد الملك أمنحوتب الرابع أو إخناتون. ثم يغني «آي» والد نفرتيتي زوجة إخناتون ومستشار الملك، عن مركب رع الذي سيحمل تابوت أمنحوتب الرابع، ويبحر به بسلام فوق بحيرة النار في العالم السفلي، ليصل هانئاً نحو الأبدية والخلود. وفي نهاية مشهد الجنازة، يظهر إخناتون للمرة الأولى على المسرح، ويقف بجوار تابوت أبيه، وكان حينذاك في السابعة عشرة من عمره، ويستعد لأن يتوج ملكاً لمصر. بعد ذلك يأتي مشهد التتويج، ويوضع تاج الملك مينا موحد القطرين (التاج المزدوج) على رأس إخناتون، ويبتهج شعب طيبة، وكبار كهنة آمون، وآي وحورمحب.
يغني إخناتون في نافذة الظهور، أحد أدعيته التي يناجي بها الإله، وتدور معانيها حول الواحد خالق كل شيء، والإله صانع كل الوجود. أما مشهد المعبد، فهو من أهم المشاهد الدرامية، الذي تنقلب عنده الأحداث، ويتغير خط سيرها تماماً. في هذا المشهد يكون كهنة وشعب طيبة، يعدون آلهتهم ويمجدون آمون، ويبتهلون إلى تماثيل مختلفة، تجمع هيئتها بين البشر والحيوان، ثم يدخل إخناتون ونفرتيتي، ويبدأ النقاش الحاد والجدل العنيف، بينهما وبين كهنة آمون، هذا النقاش الحاد يتم التعبير عنه بالغناء دون كلمات، والجدل العنيف يدل عليه بعض الإشارات الجسدية، وملامح الوجه التي تعكس الغضب والتوتر، ثم يقوم إخناتون بتحطيم تلك التماثيل الموجودة في المعبد، وسط غضب الجميع وصدمتهم من هول ما يجري أمامهم. وبعد أن ينتهي مشهد المعبد، تظهر الشمس على المسرح، وتُرفع الأكف وتمتد الأذرع نحوها، في إشارة إلى الإله الجديد «آتون» الإله الوحيد الذي صار مسموحاً بعبادته في مصر.

للحب مكان في أوبرا إخناتون، إذ اختار الموسيقار الأمريكي فيليب غلاس، قصيدة حب مصرية قديمة، وجدت في ألواح تل العمارنة، يلقيها الراوي مترجمة إلى اللغة الإنكليزية، ثم يغنيها إخناتون ونفرتيتي، وهما يتبادلان الحب ومشاعر الغرام، يتغزل إخناتون في جمال نفرتيتي الذي ينظر إليه في كل يوم، وبعض مقاطع القصيدة في الجزء الأخير منها، تبدو كذلك كمناجاة للإله. وفي مشهد المدينة أو العاصمة الجديدة، يُلقى أيضاً نص من ألواح تل العمارنة، يتحدث فيه إخناتون عن اختيار الإله لمكان تشييد العاصمة الجديدة، وطاعته لهذا الوحي، والتزامه بالمكان نفسه الذي قرره الإله، وأنه لن يستطيع أحد أن يجعله يذهب إلى مكان آخر، أو أن يقنعه بأن هناك مكاناً أفضل من هذا المكان، ويعبر عن إصراره على تشييد العاصمة في مكانها المحدد، ليس شرقه أو غربه، ولا شماله أو جنوبه.

بعد ذلك تأتي رقصة الاحتفال بتشييد العاصمة، ثم مشهد العائلة، حيث يجتمع إخناتون مع زوجته نفرتيتي وأبنائهما، ثم يأتي مشهد سقوط إخناتون والانقلاب عليه، من قبل الكهنة الذين تضررت مصالحهم، ومنافعهم المادية بسبب التوحيد، وكذلك الشعب الذي ضاق بالأوضاع كما يقال، وفي هذا المشهد يُلقى نص وجد في مقبرة آي، يقول إن شمس آمون أشرقت من جديد، بينما يحطم الكهنة والشعب عرش إخناتون ويهدمون مدينته.

القدس العربي

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: أمريكا أمطار أوبرا إخناتون الفراعنة مصر المصریة القدیمة تل العمارنة

إقرأ أيضاً:

5 أفلام روائية وتسجيلية فى نادى السينما علي مسرح أوبرا دمنهور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

فى إطار خطط وزارة الثقافة لتقديم كافة ألوان الفنون الرفيعة، تواصل دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتورة لمياء زايد، ضمن نشاطها الثقافى والفكرى فعاليات نادى السينما بالتعاون مع المركز القومى للسينما برئاسة الدكتور حسين بكر.

 وتعرض فيلمين روائيين قصيرين هما "موصلاح " إخراج سارة نصير و "الفستان "إخراج مينا غطاس، بجانب ٣ أفلام تسجيلية قصيرة هى " آخر أيام العيد"إخراج إسلام حداية ، "بين محطتين" إخراج هدى سمير ، "قوت" إخراج عبدالرحمن جمال وذلك فى السابعة مساء الاثنين ٢٥ نوفمبر على مسرح أوبرا دمنهور.

 ويعقبهم ندوة للمناقشة تستضيف مخرجي الأفلام، سارة نصير-عبد الرحمن جمال -مينا غطاس -إسلام حداية -هدى سمير، ويديرها الناقد احمد النبوى .

مقالات مشابهة

  • إحتفالية لعيد الطفولة فى أوبرا دمنهور
  • روائع فريد الأطرش على مسرح أوبرا إسكندرية
  • المنسق الإعلامي لمنتخب مصر الناشئين: هذا اللاعب سيكون لامين يامال الفراعنة
  • 5 أفلام روائية وتسجيلية فى نادى السينما علي مسرح أوبرا دمنهور
  • الشتاء قادم في أوروبا.. وتقلب أسعار الطاقة آت أيضا
  • ٥ أفلام روائية وتسجيلية في نادي سينما أوبرا دمنهور
  • اكتشاف أبجدية في سوريا أقدم من المصرية القديمة
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • السيدة الأولى لكولومبيا تتجول في شوارع الأقصر.. مجسم لقناع توت عنخ آمون هدية تذكارية
  • من كولومبوس إلى الفراعنة.. هل يعيد فحص الحمض النووي قراءة تاريخ البشرية؟