أثير – الإعلامي العربي زاهي وهبي

التكلّس يصيب مفاصل التفكير مثلما يصيب مفاصل
الجسد. قد لا يشعر المرء بآلام التكلّس الفكري بالطريقة نفسها التي يحسّها حين تتكلّس مفاصله، علماً أن الأولى أشد وأدهى، لأن العمر متى تقدّم بنا لا يعود يسعفنا على تجديد أفكارنا ما لم نسعى إلى ذلك بشكل يومي. التمارين الفكرية لا تقل شأناً عن التمارين الجسدية.

كلّما بكّرنا في تجديد أفكارنا ورؤانا كان ذلك أفضل للصحة العقلية والنفسية. فطريقة عمل الدماغ في عمر الفتوة والشباب مختلفة عنها في عمر الكهولة والشيخوخة.

دماغ الإنسان أكثر قدرة على المرونة والاستيعاب
في عمر المراهقة والشباب، لكن كلَّما تقدَّم الإنسان عمراً وتجربةً يزدادُ حكمةً واستخلاصاً للنتائج والعِبر، مثلما يزدادُ استكانةً إلى ما يعرفُ وطمأنينةً إلى ما أنجز، قد تخفت حماسته للاكتشاف، يتضاعف توجسه من الجديد، وتتملكه خشية من التغيير. لذا من الضروري أن يتساءل المرء دائماً عن كيفية تجنب الركون والقنوط والكسل الفكري كي لا يصبح من حيث لا يدري رجعياً وتقليدياً في أفكاره ورؤيته للحياة ومستجداتها، مثلما عليه السعي لإبقاء عقله حياً نضراً في جاهزية دائمة لاستقبال الجديد والتفاعل معه من دون تحفّظ أو توجّس. وهذه مسألة ليست هينة ولا سهلة لأن الجديد دائماً متهم. نعم الجديد مدهش، لكنه متهم بالتخريب والهدم والخروج على (وعن) المألوف!

الإنسان خُلِقَ أَلُوفًا بالفطرة والسليقة يأنس لما يعرف، يرتاب في الجديد ويشكّك به. كلما طال عمره توطدت علاقته أكثر بما نشأ عليه، صار أكثر رفضاً لما هو طارىء ومستجد، وأشدّ تعلقاً بما يؤمن وبما ورث عن أهله وأسلافه، “…قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ”(المائدة ١٠٤). من دون انتباه أو دراية يتحوَّل المرء تقليدياً في نظرته للجديد وفي علاقته بهذا الجديد، جميعنا سمع عبارة: يا له من جيل. في استنكارٍ مُضمَرٍٍ لما يأتي به الجيل الجديد من سلوك وعادات وقيم، المفارقة أن كل جيل يقول عن لاحقه: يا له من جيل(!)، فيما سُنَّة الحياة اختلاف الأجيال. يقول جبران خليل جبران:”أولادكم ليسوا لكم أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها, بكم يأتون إلى العالم, ولكن ليس منكم. ومع أنهم يعيشون معكم, فهم ليسوا ملكاً لكم. أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم, ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم, لأن لهم أفكارًا خاصةً بهم. وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادكم. ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم. فهي تقطن في مسكن الغد, الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم. وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم. ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم. لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء, ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس…”.

حين تستطيب الإقامة في منزل الأمس لن تخرج منه إلى الغد. الغد يولد من رحم التجدد، لولا دوران الأرض لما تعاقبت الفصول والمواسم، وهكذا يفعل العقل كي يتجدد. مَن يرتاح لِيَقينيّاته يعيش بسلام وتصالُح مع تلك اليقينيات، لكن الشكّاك الباحث دوماً عما يشغله ويضنيه لا يكفّ عن طرح الأسئلة وعلامات الاستفهام. ميزةُ الأخير أنه أكثر تكيّفاً مع الجديد، لأنه أصلاً باحثٌ عنه وساعٍ اليه، يعرف مسبقاً أن الجديد متهم ومدان ومرذول، لكن ما أن يُثبِّت (الجديد) أقدامه حتى يُعترَف به ويغدو من أصحاب الحظوة لينتهي به المطاف قديماً يخشى جديداً.

قديم اليوم جديد الأمس وجديد اليوم قديم الغد. هذه هي سُنَّة الحياة ودورتها الدائمة، المهم كيف نتجنب أن يغدو الأمر متاهة أو كابوساً يلقي بثقله على الكائن البشري، خصوصاً غير المتصالح مع المستجدات والمتغيرات مُتشبِثاً بما يعرف ويركن اليه حتى يبدو كمن يحاول عبثاً إيقاف عجلة الأيام.

رغم صعوبة المراحل الانتقالية بين العصور، وفداحة ما يمكن للإنسان أن يعيشه من ضغوط هائلة، ومن تشتت بين مرحلة تأفل وأخرى تُقبِل، محظوظٌ مَن يجتاز عتبة الانتقال من عصر إلى عصر ومن “زمن” إلى آخر. فقط قبل عقدين كان معظم ما بين أيدينا اليوم، بما فيه الأجهزة الذكية التي نخط بها هذا الكلام، ضرباً من المستحيل. فتى في الثامنة عشر من عمره الآن لن يستوعب أن الحياة كانت ممكنة بلا آيفون وآي باد وتويتر وفيسبوك وواتس آب ويوتيوب وسناب شات وبقية التسميات في كتاب التكنولوجيا المعاصرة، فيما قد تجد عجوزاً ينظر بازدراء إلى كل ما ذكرناه. الصورة تختلف باختلاف الزاوية التي ننظر منها إلى الأشياء ونُقارب بها المسائل.

يقول أبو الفضل الميداني :”شكُّ العاقلِ خَيْرٌ من يقينِ الجاهل”. ما يعني أن الأولوية لدي العقل حتى لو كان يشقى بعقله بحسب قول جدنا المتنبي. اليقين المطلق كسلٌ مطلق، حين تكثر يقينياتك تكون كمن سلَّمَ بوضع عقله على الرفّ أو في الدُرج. الأفضل أن تُبقي عقلك حياً، ما من طريقة إلى ذلك أفضل من الشكّ. حين تكون دائم الشكّ، كثير السؤال فهذا يعني أنك على قيد الحياة. الشكّ هنا يختلف عن الرفض، رفض الجديد والتشكيك به لمجرد كونه جديداً. المقصود هو الشكّ بالذات وبما هي عليه، لا لأجل الشكّ بذاته، أو بوصفه هدفاً وغاية، بل لأجل حثّ النَّفْس على البحث والاكتشاف، والوقوف في زاوية أخرى غير الزاوية المألوفة المعتادة، والإصغاء إلى الآخر المختلف ومحاولة فهم وجهة نظره. الحقيقة ليست وجهة نظرك وحدك، لعلها معظم الأحيان تتشكّل من وجهات نظر متعددة، بل متناقضة. الحقيقية الوحيدة الراسخة في هذه الحياة هي الموت. مأزق الحياة كامن هنا في هذه النقطة بالذات: الموت حقيقة الحياة الجازمة.

عودٌ على بدء: علامات الاستفهام مشانق اليقين والطريق إليه في الوقت عينه. ودماغ الإنسان عرضة للخمول والكسل وللإصابة بالصَّدأ شأنَ أي آلة، لكن زيت الدماغ يختلف عن زيوت بقية الآلات. زيته المعرفة، والمعرفة لا تتحقق بغير البحث والسؤال. كُنْ دائم البحث، دائم السؤال، تكن دائم الحياة.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

الحلقة 9 من مسلسل إش إش ..ماجد المصري يعرف حقيقة مي عمر

شهدت الحلقة 9 من مسلسل “إش إش” تصاعدًا في الأحداث، حيث بدأت إش إش (مي عمر) في تنفيذ خطتها للانتقام من عائلة الجريتلي، مستغلة علاقتها بـ رجب الجريتلي.

مع بداية الحلقة، يقرر رجب الجريتلي الانسحاب من لقائه مع إش إش بمجرد أن يعلم أنها ابنة إخلاص كابوريا (انتصار)، الأمر الذي يثير فضول إش إش ويدفعها للإصرار أكثر على تنفيذ خطتها.

وفي سياق آخر، تعترف صفاء (شيماء سيف) بحبها لابن خالتها نُصة (عصام السقا) أمام والدتها، مما يضيف مزيدًا من التعقيد للعلاقات بين الشخصيات.

تحاول تيسير خالة إش إش (دينا) معرفة ما يدور في ذهنها، لكن إش إش ترفض الإفصاح عن مخططاتها، كما تؤكد لوالدتها أنها ترفض الزواج من نُصة حفاظًا على مشاعر شقيقتها صفاء، لكنها تطلب منها مساعدتها في جمع معلومات عن رجب الجريتلي للإيقاع به ضمن خطتها للانتقام.

بعد انسحابه الأول، يبدأ رجب الجريتلي في البحث عن إش إش مرة أخرى محاولًا معرفة كيف وصلت إلى منزله ولماذا تقترب منه، ورغم حذره، ينجذب إليها من جديد ويحاول التواصل معها، ليقع في شباكها خلال لقائه بها.

نهاية الحلقة 9

تنتهي الحلقة بمشهد مثير، حيث يذهب رجب الجريتلي للقاء إخلاص كابوريا، وتظهر على ملامحها علامات المفاجأة، مما يثير العديد من التساؤلات حول علاقتها بعائلة الجريتلي والماضي الذي يجمعهم.

 مسلسل “إش إش”

تدور أحداث المسلسل حول “إش إش”، الفتاة التي ورثت عن والدتها جمالها وفقرها، مما دفعها للعمل كراقصة. وخلال الأحداث، تجد نفسها متورطة في حياة عائلة الجريتلي، حيث تبدأ في كشف العديد من الأسرار الغامضة والماضي المعقد الذي يربطها بهذه العائلة.
 

أبطال المسلسل

المسلسل من بطولة مي عمر، إلى جانب ماجد المصري، هالة صدقي، انتصار، إيهاب فهمي، إدوارد، علاء مرسي، شيماء سيف، طارق النهري، عصام السقا، دينا، وهو من تأليف وإخراج محمد سامي

مقالات مشابهة

  • يـعـرف الـكـل أبو جـبـريـل إذَا حـذرّ
  • اتحاد الصناعات المصري يعلن بدء أعمال “التحالف العربي للاستثمار الصناعي” في ليبيا والعراق
  • تعزيزًا لنمط الحياة الصحي.. انطلاق النسخة الأولى من دوري “امش30” في 11 مارس بمشاركة مجتمعية شاملة
  • الحلقة 9 من مسلسل إش إش ..ماجد المصري يعرف حقيقة مي عمر
  • “الإعلامي الحكومي” بغزة: إزالة 38 ألفاً و 300 طن من الركام وفتح 417 شارعا خلال أسبوع
  • نقيب الصحفيين العراقيين رئيس اتحاد الصحفيين العرب الاستاذ مؤيد اللامي : غيًرنا صورة العراق في الإعلام العربي من ” بلد القتل والطائفية” إلى “بلد السلام والأمان”
  • عادل الباز يكتب: لماذا ستفشل الحكومة “المزازية”؟
  • بحضور آل الشيخ.. ألفاريز وسكول يتواجهان في المؤتمر الصحفي الأول قبل نزالهما المرتقب في”موسم الرياض”
  • “شِعب الجرار” إحدى المكونات الطبيعية التي تعزّز الحياة الفطرية والبيئية في جبل أحد بالمدينة المنورة
  • تحديث “شات جي بي تي” الجديد يقود الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة جديدة من التطور