زيارة الأسد للصين.. انتصارات رمزية دون فوائد مالية
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
سلط الباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، داني مكي، الضوء على الزيارة التي أجراها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى مدينة هانغتشو، بتاريخ 21 سبتمبر/أيلول الماضي، في أول زيارة رسمية له إلى الصين منذ عام 2004، واصفا إياها بأنها "كانت أمل المسؤولين السوريين في الخروج بشكل أكبر من العزلة الدولية، في أعقاب إعادة قبول سوريا مؤخراً في جامعة الدول العربية".
وذكر مكي، في تحليل نشره بموقع "ميدل إيست آي" وترجمه "الخليج الجديد"، أن الصين أبقت قنوات الحوار والتعاون مفتوحة مع دمشق طوال الصراع السوري الذي دام 12 عاماً، إلا أن عضلات بكين بدأت تظهر بقوة أكبر في المنطقة، مع تحول التقارب الأخير بين السعودية وإيران بوساطة صينية إلى تطور تاريخي.
وأضاف: "يُعتقد أيضًا أن الصينيين ساعدوا في تشجيع الدول العربية على إعادة سوريا إلى الحظيرة. ويبقى أن نرى ما إذا كانت سوريا قادرة على تحقيق اختراقات مماثلة بدعم صيني في أعقاب زيارة الأسد".
وبدا أن الرئيس، شي جين بينغ، بذل قصارى جهده لتصوير الأسد كحليف موثوق به ومرحب به خلال رحلته التي استمرت أسبوعا، وأدى الإعلان المفاجئ عن "شراكة استراتيجية" إلى زيادة التوقعات بتوثيق العلاقات بين البلدين.
ولعبت سوريا دور الضيف المهذب في مدينة هانغتشو ــ موطن دورة الألعاب الآسيوية، التي حضرها الأسد وزوجته أسماء، في حين أغدق شي الثناء على نظيره السوري، قائلا: "أحيي صمودكم. لقد دافعت عن بلدك بشجاعة. نحن في الصين نتابع عن كثب كل ما يحدث في سوريا، ونحن معكم". وأضاف أن "الصين تدعم معارضة سوريا للتدخل الأجنبي (..) وستدعم إعادة إعمارها".
وفي رسالة مباشرة إلى الولايات المتحدة، قال شي جين بينغ: "إن الصين تحث جميع الدول المعنية على رفع العقوبات الأحادية غير القانونية المفروضة على سوريا على الفور"، وذلك قبل انعقاد قمة مشتركة تحدد تشكيل "الشراكة الاستراتيجية".
وبدا واضحا أن واشنطن كانت تنتبه لذلك، حيث رد السيناتور، مايكل ماكول: "أنا أدين بشدة زيارة الأسد للصين. إن استعداد الصين للترحيب بمجرم حرب وحشي يسلط الضوء على التهديد الذي تشكله الصين وأصدقاؤها في روسيا وإيران وسوريا".
ولم تقف رمزية زيارة الأسد عند هذا الحد، إذ شوهدت أسماء الأسد وهي ترتدي رداء دمشقي حريري مزركش، في إشارة إلى أن سوريا والصين لديهما تاريخ مشترك كدولتين على طريق الحرير.
كما أن صور أفراد الشعب الصيني وهم يهرعون لتحية عائلة الأسد في معبد خانجو جرى تقدميها كانتصار لعلاقات النظام السوري العامة.
اقرأ أيضاً
ميدل إيست آي: الصفقة السعودية الإيرانية تنضج في سوريا.. وهذا هو دور الصين
وفي السياق، قال المحلل، كميل أوتراكجي، إن توقيت الزيارة كان له معنى سياسي، موضحا: "لقد راقب مؤيدو الأسد ومعارضوه تطورات الزيارة عن كثب، وفي نهاية المطاف يمكن للجانبين التأكيد على أنها تلبي توقعاتهم وتفضيلاتهم".
وأضاف: "من ناحية، تم توقيع العديد من الاتفاقيات، بما في ذلك اتفاق التعاون الاستراتيجي، ولكن من ناحية أخرى: كان لا يوجد إجراءات ملموسة يمكن أن تترجم إلى تحول ملموس في الوضع السوري".
وفي حين توصف الصين بأنها داعم اقتصادي محتمل رئيسي لسوريا، فإن أي مساعدة فعلية ستواجه صعوبات وتعقيدات، بحسب أوتراكجي، مضيفا: "في هذه المرحلة، من غير المرجح أن تكون الحكومة الصينية مستعدة للذهاب إلى أبعد من ذلك ومواجهة الأمريكيين وإطارهم المعقد للعقوبات على سوريا. الوقت وحده هو الذي سيكشف ما إذا كانت هذه الزيارة ستحفز رابطة أعمق بكثير في العلاقات الصينية السورية في المستقبل".
الأمل للاقتصاد المتعثر
وبينما كانت أولوية الأسد في الصين اقتصادية على الأرجح، إلا أن العقوبات الغربية الخانقة والأزمة الاقتصادية في لبنان المجاور تركت الاقتصاد السوري في حالة يرثى لها.
ولطالما تطلعت دمشق إلى أن تتمكن بكين من دفع عملية إعادة الإعمار وتوفير الاستثمار الخارجي، رغم وجود قلق من الجانب الصيني، الذي لا يزال الأمن والعقوبات يشكلان مشكلة بالنسبة له.
ومع ذلك، قال ألكسندر لانجلوا، محلل شؤون الشرق الأوسط، لموقع "ميدل إيست آي" إنه يعتقد أن زيارة الأسد كانت مهمة، موضحا: "رغم أن دمشق شهدت تطورات دبلوماسية إقليمية كبيرة، إلا أنها لم تتلق مساعدة اقتصادية كبيرة بعد عودتها إلى الجامعة العربية في مايو/أيار".
وأضاف: "الأسد كان آملا في الحصول على أموال إعادة الإعمار من دول الخليج، لكن ذلك لم يتحقق أبداً، ربما بسبب عدم اهتمامه بأي تنازلات جادة".
وتابع لانجلوا: "تقع الرحلة إلى الصين ضمن هذا السياق، وتمثل لحظة مهمة لدمشق لحشد الدعم الاقتصادي. إن التجارة بين الصين وسوريا ليست كبيرة، لكننا رأينا شركات ومستثمرين صينيين أصغر حجماً على استعداد لتحمل مخاطر العقوبات والصراع ويقومون بتحركات تجارية في سوريا في السنوات الأخيرة".
وانضمت سوريا إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية في عام 2022، وخلال زيارة الأسد، تحدثت مساعدته، لونا الشبل، عن احتمال الشراكة، قائلة: "سوريا تشكل جزءاً أساسياً من الرؤية الصينية للاستقرار في العالم، باعتبار أن الصين أنشأت شكلاً جديداً في السياسة العالمية".
ومع ذلك، فإن المحنة الاقتصادية في سوريا تتطلب تواصلاً أكبر من أي وقت مضى، حيث يعيش أكثر من 90% من السكان الآن تحت خط الفقر العالمي، وتضطر الحكومة إلى إجراء سلسلة من التخفيضات الصعبة التي لا تحظى بشعبية.
وفي الوقت نفسه، لم تشهد دمشق بعد أي استثمارات أو أعمال بناء صينية كبيرة منذ انضمامها إلى مبادرة الحزام والطريق، وتدهور سعر صرف العملة السورية إلى درجة أن الضروريات الأساسية أصبحت نادرة.
وبحسب نقيب الصيادلة السوريين في دمشق، حسن ديروان، فقد قررت الحكومة زيادة أسعار الأدوية بنسبة 50%.
ويخلص مكي إلى أن زيارة الأسد إلى الصين تأخرت منذ فترة طويلة، في ظل مؤشرات على اهتمامه بتنمية علاقات قوية، بعيدًا عن روسيا وإيران، باعتبارهما "غير موثوقتين في بعض الأحيان وتفتقران إلى المبادرة الاقتصادية لمساعدة سوريا".
ومع ذلك، فإن الأولوية الرئيسية لسوريا هي الأموال، وإذا كانت أعين دمشق مسلطة على بكين بفارغ الصبر على أمل أن تأتي المساعدة، فإن الصين ستحتاج بلا شك إلى عائد ملموس وكبير، وربما تكون "الشراكة الاستراتيجية" هي البداية.
اقرأ أيضاً
أسماء الأسد تقود سوريا بمبادرة "الحزام والطريق".. وشركات الصين تترقب صفقات الإعمار
المصدر | ميدل إيست آي/ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: سوريا الصين بشار الأسد هانغتشو دورة الألعاب الآسيوية میدل إیست آی زیارة الأسد فی سوریا
إقرأ أيضاً:
وزير الدفاع السوري يرفض عرض قسد للانضمام إلى الجيش
أعلن وزير الدفاع في الإدارة السورية الجديدة، مرهف أبو قصرة، أن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة، لا يمكنها الاحتفاظ بـ"تكتل خاص" داخل القوات المسلحة السورية.
وخلال لقاء مع وكالة رويترز في مقر وزارة الدفاع بدمشق، أشار أبو قصرة إلى أن قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) تماطل في حسم موقفها من هذه القضية، مما يعقّد أي محاولات لإيجاد صيغة اندماج أو تسوية، مؤكدا على موقف الجيش السوري من ضم القوات كأفراد، ليس كتكتل كما عرضت "قسد".
وتأتي تصريحات وزير الدفاع السوري في وقت تسعى فيه دمشق، بدعم من حلفائها، إلى استعادة السيطرة على كافة أراضي البلاد، بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها "قسد" والتي تحظى بحماية ودعم مباشر من الولايات المتحدة. وتعد هذه المنطقة الغنية بالموارد نقطة توتر رئيسية بين الأطراف المحلية والإقليمية.
وعلى مدار السنوات الماضية، شهدت العلاقة بين الحكومة السورية و"قسد" تقلبات حادة، حيث حاولت دمشق استقطاب المقاتلين الأكراد وإدماجهم في جيشها، فيما طالبت "قسد" بضمانات سياسية وإدارية للحفاظ على قدر من الحكم الذاتي.
لكن تصريحات أبو قصرة تشير إلى أن الإدارة السورية الجديدة تتجه نحو موقف أكثر تشددًا، رافضةً فكرة منح الأكراد أي وضع خاص داخل الجيش السوري، وهو ما قد يفتح الباب أمام تصعيد جديد.
لم تعلّق "قسد" رسميًا بعد على تصريحات وزير الدفاع السوري، لكن مراقبين يرون أن هذه التصريحات قد تعني تصعيد الضغط على الأكراد للقبول بشروط دمشق، أو مواجهة عسكرية محتملة في ظل الوجود الأمريكي في المنطقة.
في المقابل، لا يزال الدور الأمريكي عاملًا حاسمًا في تحديد مآلات المشهد في شمال شرق سوريا، حيث تدعم واشنطن قوات "قسد" تحت مظلة "التحالف الدولي لمحاربة داعش"، مما يضع مزيدًا من التعقيدات أمام دمشق، في انتظار تنصيب ترامب غدا في البيت الأبيض.
وتواجه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) معضلة جيوسياسية معقدة، حيث تجد نفسها بين مطرقة التهديدات التركية وسندان الضغوط الأمريكية. فبينما تعتبرها أنقرة امتدادًا لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيًا، وتواصل شن عمليات عسكرية ضدها في شمال سوريا، تعتمد واشنطن عليها كحليف رئيسي في محاربة داعش، مقدمةً لها دعمًا عسكريًا ولوجستيًا.
ورغم هذا الدعم، فإن الولايات المتحدة تحاول تحقيق توازن حساس بين استمرار دعم "قسد" وبين احتواء الغضب التركي، خاصة مع الضغوط المتزايدة من أنقرة لتفكيك الكيان الكردي المسلح على حدودها. في المقابل، تحاول دمشق استغلال هذا التوتر، لإعادة فرض نفوذها في المنطقة عبر المفاوضات أو حتى من خلال الضغط العسكري، مما يجعل "قسد" في موقف شديد التعقيد بين الأطراف المتصارعة.