تفجيرات بلوشستان.. ابحث عن المستفيد
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
استهدف تفجيران مسجدين جرت فيهما فعاليات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في ولاية بلوشستان (جنوب غربي باكستان)، وراح ضحيتهما عشرات القتلى والمصابين، وأثارا كثيرا من علامات الاستفهام حول أسبابهما، خاصة أن الولاية عُرفت تاريخيا بكثير من العمليات الإرهابية، مما يعني بشكل آخر ضرورة وجود توقع مسبق لوقوع مثل هذه العمليات خلال مثل هذه المناسبات لدى الأجهزة الأمنية الباكستانية، التي تُعرف عنها قدرتها الاستخبارية العالية، والتي نجحت من قبل في إحباط عديد من العمليات الإرهابية.
توجد في باكستان عديد من الجماعات المسلحة والانفصالية، وبالطبع لكل منها أجندتها، ومع تنوعها تنوعت أيضا العمليات المسلحة ومن تستهدفهم، فتارة توجه ضد الجماعات الصوفية كما في هذا الحادث، وتارة ضد الأقليات المذهبية كالشيعة والأحمدية، وأخرى ضد الأقليات الدينية التي تستهدف الكنائس، وكثير منها تستهدف قوات الأمن.
هذا الإقليم يعد موردا اقتصاديا مهما لإسلام آباد، ومن ثم فإن التشويش عليه وتخويف المستثمرين منه، لا سيما الصينيين والروس، يهدف في الأساس للتأثير الاقتصادي على الدولة
أسباب قريبةالشواهد المباشرة تشير إلى احتمال وقوف تنظيم الدولة وراء الجريمة، فسِجله يحفل في كل البلدان التي كان فيها بمناصبة الحركات الصوفية العداء، ويعزز هذا الاتجاه أن حركة طالبان الباكستانية لا تنفذ أي عمليات عسكرية ضد أي أقليات أو حركات مذهبية ودينية وفكرية، ويقتصر نشاطها في صورة رد على قيام قوات الجيش والشرطة باعتقال قياداتها أو مهاجمة أماكن وجودهم، فضلا عن أن الحركة سارعت بنفي صلتها بالحادث فور وقوعه.
ومن المؤكد أن تنظيم الدولة- ولاية خراسان سيعلن تبنيه الحادث خلال الساعات المقبلة، خاصة أنه يتفاخر بمثل هذه الهجمات الإرهابية التي يريد إظهار نفسه من خلالها بأنه موجود على الأرض ويستطيع المهاجمة في أي وقت.
وقد يكون هذا التصور خاطئا أيضا، وهناك من يريد من وراء التفجيرات خلط الأوراق والحيلولة دون إعادة الزخم للحديث عن إجراء انتخابات إقليم البنجاب الذي تحظى فيه حركة الإنصاف وزعيمها رئيس الوزراء الأسبق عمران خان بقاعدة شعبية واسعة،. فهذه الانتخابات كان يجب أن تتم بعد مرور 90 يوما فقط من حكم المحكمة العليا بإجرائها أبريل/نيسان الماضي، وهو ما لم يحدث، بل حدثت استهدافات قضائية طالت معظم قادة حركة الإنصاف وأدت إلى حبس زعيمها نفسه في قضية تؤكد كل الشواهد أنها ملفقة، كما طالت الحركة نفسها تهديدات بالحظر.
وربما أيضا يتم استغلال هذا الهجوم في توجيه اتهامات لحركة إنصاف بالضلوع في الحادث بزعم رغبتها في زعزعة الأوضاع اعتراضا على تأجيل إجراء انتخابات إقليم البنجاب وربطها مع الانتخابات البرلمانية الشاملة نهاية يناير/كانون الثاني العام القادم.
طريق الحريرجدير بالذكر أن هناك منطقتين رئيسيتين تعدان مسرحا للتفجيرات التي تحدث بين الحين والآخر في باكستان، أولاهما إقليم بلوشستان الذي وقعت فيه التفجيرات الأخيرة. ولتوضيح أهمية هذا الإقليم، تكفي معرفة وجود استثمارات صينية هائلة فيه، وكان آخرها مشروع الحزام والطريق "المعروف بطريق الحرير"، الذي يربط مرفأ غوادار الإستراتيجي داخلها بمنطقة شينجيانغ في أقصى غرب الصين.
لذلك، فإن هذا الإقليم يعد موردا اقتصاديا مهما لإسلام آباد، ومن ثم فإن التشويش عليه وتخويف المستثمرين منه، لا سيما الصينيين والروس، يهدف في الأساس للتأثير الاقتصادي على الدولة، ومن ثم منعها من استمرار التوجه بشكل كامل إلى الصين. ويعزز ذلك أن الهجمات التي كانت تستهدف الشركات الصينية لفترة طويلة في الإقليم نجحت لفترة طويلة في تأخير التعاون الصيني الباكستاني في طريق الحرير، إلى أن استجابت الحكومة الباكستانية ونشرت آلاف الجنود لحمايته داخل أراضيها مؤخرا.
أما ثاني المناطق المستهدفة بالإرهاب في باكستان، فهي مدينة بيشاور التي تقع ضمن مقاطعة خيبر، ويكفي أيضا أن تعرف أنها الممر الوحيد الذي يربط بين باكستان وأفغانستان، ولذلك فقد يكون هناك من يحاول عقاب باكستان على فتحها المدينة للتواصل مع طالبان أفغانستان.
ولعل الأمر سيكون أكثر إثارة لو عرفت أن الأسباب الحقيقية وراء الإطاحة بعمران خان من منصبه هو سعيه لانفتاح أكبر على الصين وروسيا بدل الغرب، ودعمه دعوات التعاون مع حركة طالبان الأفغانية.
أسباب بعيدةإذا بحثنا في الأسباب الإستراتيجية البعيدة وراء تكرار العمليات المسلحة في هذا البلد، فعلينا أن ننظر بعين التأمل إلى كون باكستان تحتل المركز الثاني في العالم الإسلامي من حيث عدد السكان، وتنفرد بكونها "صاحبة القنبلة النووية" الوحيدة التي تمتلكها دولة إسلامية، ولعل هذه المزايا -التي تعطيها ثقلا عالميا- قد تكون هي في حد ذاتها السبب وراء استهدافها وحصارها بالصراعات العرقية والسياسية، بغية وضعها في دائرة الفشل، مما يمنعها من التقدم والتحرر من دائرة التبعية الغربية.
كما أن إصرار بعض النافذين في المؤسسات العسكرية والقضائية على إدارة الحكم من خلف الكواليس، واختيار وتحريك حكومات البلاد حسب إرادتهم الشخصية وتوجهاتهم الفكرية وولاءاتهم السياسية، كان سببا في إثارة القلاقل السياسية المستمرة في هذا البلد، ونجم عنه الشعور بالغبن والمحسوبية لدى قطاع كبير من الشعب الباكستاني، وهو ما فجر بالضرورة نار "النزاعات" المسلحة، كما هي الحال مع طالبان باكستان، و"النزعات" الانفصالية مثل "جيش تحرير بلوشستان"، والحركات الإرهابية كتنظيم الدولة.
في حين أن هذا الوضع صنع انسدادا سياسيا جعل البلاد تعيش منذ استقلالها في دوامة مستمرة للصراع على الحكم، ووجدنا رؤساء وزراء ينزلون من كرسي الحكم ليُعدموا، أو يُغتالوا، أو يُعتقلوا، حتى أن عبد القدير خان -صاحب القنبلة التي أعطت البلاد مجدها- تم سجنه لفترة طويلة بتهم واهية.
وفي النهاية، تسبب انشغال العسكريون بصراعات الحكم في إهمالهم تخصصهم الأصلي وهو توفير الحماية الأمنية للبلاد، مما أدى إلى نمو الجماعات المسلحة وارتكابها الجريمة وراء الجريمة دون رادع.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الكشف عن تفاصيل جديدة بشأن تفجيرات البيجر ضد حزب الله اللبناني
كشفت صحيفة "معاريف" العبرية، اليوم الأحد، عن تفاصيل جديدة تتعلق بتفجيرات "البيجر" التي استهدفت حزب الله اللبناني، قبيل العملية العسكرية البرية وتوسيع الحرب الإسرائيلية إلى لبنان، وما تخللها من اغتيال قيادات وازنة في الحزب بينهم الأمين العام حسن نصر الله.
وأشارت الصحيفة إلى أنه "سيُعرض في برنامج التحقيقات "60 دقيقة" على شبكة CBS الأمريكية، وسُيبث في إسرائيل عبر شبكة سلكوم TV، قصة عملاء من جهاز الموساد الذين تقاعدوا مؤخرًا وكانوا جزءًا من عملية البيجر وأجهزة الاتصال ضد حزب الله".
وأوضحت أنه "سيظهر في المقابلة لأول مرة ويكشفون تفاصيل جديدة عن العملية السرية التي استمرت عشر سنوات"، منوهة إلى أنه "في نهاية أحد المقاطع، قال أحد العملاء إنه عندما انتهوا من إعداد العملية، كانوا قد انتقلوا بالفعل للعمل على التحضير للعملية التالية".
رسالة ردع
وتابعت: "القرار بنشر هذه المعلومات والبث للملايين من المشاهدين في الولايات المتحدة والعالم هو لإرسال رسالة خاصة إلى قادة النظام في طهران، والحوثيين وكل أعضاء المحور. إسرائيل ستصل إليهم جميعًا بشكل إبداعي من أماكن لم يتوقعوها، وتقطع أيديهم في أفضل الأحوال، وفي أسوأ الأحوال، حياتهم".
وبيّنت "معاريف" أن "الهجوم بأجهزة البيجر هو واحدة من أكثر العمليات تعقيدًا التي نفذتها الاستخبارات في العالم. في جميع أنحاء العالم، كانت هناك دهشة من القدرة، والابتكار، والتعقيد في عملية الموساد. كانت العملية استراتيجية حيث استطاعت إسرائيل، بنقرة زر واحدة، تعطيل ما بين خُمس إلى ربع قوة حزب الله العسكرية".
ولفتت إلى أن "الهجمات كانت مصحوبة بسلسلة من الانفجارات المنسقة لآلاف أجهزة البيجر ومئات أجهزة الاتصال لعناصر حزب الله في لبنان وسوريا. وقعت الهجمات على البيجر وأجهزة الاتصال في 17-18 سبتمبر من هذا العام، وكانت بمثابة بداية لتحركات ميدانية عسكرية".
وأفادت بأن "العملية نفذها الموساد. في هذه العملية، قُتل ما لا يقل عن 59 شخصًا في لبنان وسوريا (منهم أربعة مدنيين)، وأصيب حوالي 4500 شخص، منهم مئات في حالة خطيرة أو حرجة. في وقت العملية، كان عدد مقاتلي حزب الله يقدر بحوالي عشرين ألفًا. بدأت العملية منذ عشر سنوات عندما بدأ الموساد في التخطيط لتلغيم أجهزة الاتصال التابعة لحزب الله".
وقالت الصحيفة: "تم تلغيم آلاف أجهزة الاتصال "ووكي توكي" بالمتفجرات. ولكن في الجيش الإسرائيلي، أدركوا أن تفعيل المتفجرات يمكن أن يتم فقط خلال معركة شرسة، عندما تكون الأجهزة موجودة في صدريات القتال على أجسام المقاتلين. بحث رئيس الموساد دادي برنياع عن طريقة للوصول إلى عدد كبير من الإرهابيين وإصابتهم، ليس فقط في ساحة المعركة، ولكن أيضًا عندما يرتدون الجينز والتيشيرتات".
تنفيذ العملية
وتابعت: "ثم ظهرت فكرة تصنيع أجهزة بيجر يمكن وضعها في حزام البنطال وعندما يتلقون رسالة مشفرة، يتم تفعيلها في توقيت يقرره الإسرائيليون".
وأشارت إلى أنه "في عام 2022، بدأ القسم التقني في الموساد بتنفيذ العملية. هنا يمكن للمرء أن يتخيل مدى الابتكار والإبداع الذي يتمتع به رجال الموساد. قاموا بتأسيس شركة فرعية لشركة تايوانية تصنع أجهزة البيجر، حيث تم إخفاء هوية من يقف وراء الشركة وهم رجال الموساد. وتم تصنيع أجهزة البيجر في إسرائيل. كانت أجهزة البيجر الجديدة هي الأكبر، والأثقل، والأبشع التي تم تصنيعها في عالم أجهزة البيجر".
وبحسب ما أوردته "معاريف"، "تم إدخال مادة متفجرة داخل الأجهزة، وكان من المفترض أن تعمل عند وصول رسالة مشفرة. لقراءة الرسالة، كان المستخدم بحاجة للضغط بأصابع يديه على زرين. فقط عندها يتم فتح الرسالة لعرض محتواها. ولكن هدف الموساد كان جعل الإصابة أكثر صعوبة، بحيث تعطل الجهاز بالكامل ويُفقد المستخدم القدرة على العمل بعد التفجير الذي يُفقد فيه القدرة على استخدام يديه على الأقل. معظم المصابين فقدوا أيضًا بصرهم. وبعضهم كما ذكرنا أصيبوا بجروح خطيرة وفتاكة. وكان هناك عدة عشرات من القتلى".
وتساءلت: "كيف يمكن إقناع حزب الله بشراء هذه الأجهزة القبيحة، الثقيلة، والكبيرة؟ الإجابة بسيطة. رجال الموساد الذين كانوا متخصصين أيضًا في التسويق عرضوا مزايا الجهاز: أنه الأكثر موثوقية، ويمكنه تلقي رسائل حتى تحت الماء، حيث تم عرض الجهاز داخل حوض مائي مليء بالماء. كما أخبروا أن الجهاز هو الأقوى ولا يمكن تحطيمه حتى بضربات مطرقة".
وذكرت أنه "عندما جاء رئيس الموساد لعرض الجهاز على رئيس الوزراء قبل الحصول على موافقته على العملية، أعرب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن شكوكه بشأن قوة الجهاز. سأل نتنياهو إذا كان سيرمي الجهاز على الجدار في مكتبه بقوة، هل سيظل سليمًا أم سيتحطم؟ اقترح رئيس الموساد دادي برنياع عليه أن يجرّب بنفسه. فقام نتنياهو برمي الجهاز بقوة شديدة على الجدار. كانت النتيجة: ثقب في الجدار في مكتب رئيس الوزراء. والذي لا يزال موجودًا حتى اليوم، والجهاز، كما يُقال، لم يتصدع".
وختمت "معاريف" بقولها: "قصة أجهزة البيجر أكبر بكثير من مجرد هجوم تكتيكي. لقد تسببت في حالة من الذعر في طهران، وبيروت، ودمشق، وفي أماكن أخرى في الشرق الأوسط. وقد خلقت معادلة جديدة: عدو إسرائيل لا يعرف من أين، ومتى، وكيف سيتعرض للهجوم. لقد أرسلت إسرائيل رسالة إلى العالم أجمع من خلال هجوم البيجر. اليوم، تُقَوي إسرائيل هذه الرسالة، ومن المهم جدًا الاستماع إلى رجال الموساد الذين يقولون إن عملية البيجر ليست الورقة الأخيرة في أيديهم".