الانقلابات العسكرية المهذّبة
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
الانقلابات العسكرية المهذّبة
لماذا لا تحتقر الانقلابات العسكرية المهذّبة الأفريقية شعوبها، وتعتبر المعارضين منهم مجموعاتٍ من العملاء والأعداء، أو قطاعات من المغيّبين والمخدّرين؟
الملاحظة الجديرة بالتوقف أن الانقلابات الأفريقية تقع دون إراقة دماء الشعوب، ودون تحريض مكونات المجتمع على بعضها، وصولًا لارتكاب مذابح ومجازر.
الانقلابات ضد سلطات مدنية منتخبة، تؤدّي إلى تأخّر التطور الاجتماعي، وتقضي على فرص النمو الاقتصادي والسياسي، وتدخل البلاد في حالة من التخبّط المديد.
أسوأ ما يرمي به العسكر شعبًا تحت سلطتهم أنه لا يثور أو ينتفض إلا إذا توفّرت له جرعات مخدّرات ومبالغ مالية للانسياق وراء دعواتٍ، يراها المستبدّون تخريبًا وهدمًا للأوطان.
"كان يمكن أن تخرج فرنسا من البلاد ببساطة بعد الانقلاب، ثم تعود لاحقا لتتفاوض، لكن لماذا رفضت فرنسا الاعتراف بسلطة انقلاب النيجر وقبلته في الغابون وتشاد، هذا هو ما يثير غضبنا لأنها تتعامل معنا كحمقى".
* * *
في النيجر، رحلت فرنسا وبقي الانقلاب العسكري واقعًا يفرض نفسه على الجميع، بل ويجد له أخًا وحليفًا في الغابون التي شهدت انقلابًا مماثلًا في غمرة انشغال العالم بما حدث في النيجر.
كتبتُ مبكّرًا إن حضور باريس إلى المشهد في النيجر معتبرة نفسها الوصية على شعوب غرب أفريقيا يعني دعمًا هائلًا لفرص الانقلاب في البقاء والتمدّد، حتى وإن كانت تتبنّى خطابًا عنيفًا في رفضها السلطة العسكرية الانقلابية، وتحشد دول القارّة السمراء لإعلان التدخل عسكريًا ضد العسكرة.
تعلن فرنسا، الآن، الجلاء عن النيجر، عسكريًا ودبلوماسيًا، تاركة خلفها أسئلة عديدة ليس أهمها ما تحدّث به مواطن من النيجر للإذاعة البريطانية:
"كان من الممكن أن تخرج فرنسا من البلاد ببساطة بعد الانقلاب، ثم تعود لاحقا لتتفاوض، لكن لماذا رفضت فرنسا الاعتراف بسلطة الانقلاب عندنا وقبلته في الغابون وتشاد في السابق، هذا هو ما يثير غضبنا عليها، لأنها تتعامل معنا كأننا حمقى".
الملاحظة الجديرة بالتوقف في انقلابي النيجر والغابون، وقبلهما تشاد، أن الانقلابات الأفريقية في غالبيتها تقع من دون إراقة دماء الشعوب، ومن دون استدعاء استثمار في تحريض مكونات المجتمع على بعضها، وصولًا إلى ارتكاب مذابح ومجازر.
تقول أرقام شبه موثقة إن أكثر من مائتي انقلاب عسكري وقعت في دول أفريقيا خلال 60 عامًا مضت، من بينها مائة انقلاب في حقبتي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، لكنها لم تحوّل البلاد إلى بحور دماء وغابات كراهية مجتمعية، على العكس مما جرى في مناطق أخرى من القارّة ارتبط فيها الانقلاب العسكري بمذابح وجرائم ضد الإنسانية، عبأت هواء المجتمعات برائحة الدم.
هل يعني ذلك أن قادة هذه الانقلابات مصلحون اجتماعيون ووطنيون ومتحضّرون، أو أن الانقلابات مقبولة، ما دامت الدماء الغزيرة لا تسيل معها؟
بالطبع لا، فالانقلابات، خصوصًا تلك التي تحدُث ضد سلطات مدنية منتخبة، تؤدّي إلى تأخّر التطور الاجتماعي، وتقضي على فرص النمو الاقتصادي والسياسي، وتدخل البلاد في حالة من التخبّط تمتد سنوات، رغم ما تروّجه السلطة الانقلابية من شعاراتٍ عن السيادة واستقلال القرار الوطني، والذي يكون في الغالب استقلالًا عن جهات نفوذٍ خارجية، لاستدعاء نافذين آخرين، يحضرون بوصفهم داعمين اقتصاديًا وماليًا.
على أن ذلك كله لا يمنع من التأمل في حالة هذه الانقلابات التي تولد وتعيش ويستتب لها الأمر، من دون أن يُراق على جوانبها الدم، ومن دون أن ترى في الجماهير الرافضة لها أعداءً وتهديدًا وجوديًا، وبالتالي لا بد من استئصالها.
بمعنى آخر، لماذا لا تحتقر الانقلابات العسكرية (المهذّبة) الأفريقية شعوبها، وتعتبر المعارضين منهم مجموعاتٍ من العملاء والأعداء، أو قطاعات من المغيّبين والمخدّرين؟
إن أسوأ ما يمكن أن يرمي به حاكم عسكري شعبًا واقعًا تحت سلطته أنه لا يثور أو ينتفض إلا إذا ما وفّر له شخصٌ أو جهة ما جرعات مخدّرات ومبالغ مالية يسيل لعابه عليها ويصبح جاهزًا للانسياق وراء دعواتٍ، يراها المستبدّون تخريبًا وهدمًا للأوطان.
ليست مثل هذه النظرة إلى الشعوب فقط احتقارًا لها وتشويهًا لثورتها على الظلم والقمع والفساد، بل إنها أيضًا تحمل تحريضًا واستباحة لدماء كل من يفكّر في الاحتجاج والغضب، ويسعى إلى التغيير، من خلال التأسيس لحالة من الاحتراب المجتمعي، بغرض قسمة الشعب إلى شعبين يتبادلان الكراهية ونوازع الإقصاء والمحو: شعب محقون بجرعاتٍ مدمّرةٍ من أوهام الوطنية الفاسدة، وشعب آخر يؤمن بالثورة، ويعتنق حلم التغيير والخلاص من كابوس الفشل والاستبداد.
وتلك، بالضبط، هي الوصفة السحرية لصناعة مذبحةٍ جماعيةٍ تحت مزاعم حبّ الوطن والدفاع عن استقلاله.
*وائل قنديل كاتب صحفي مصري
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: انقلاب أفريقيا مذبحة جماعية جرائم ضد الإنسانية النمو الاقتصادي الانقلابات الأفريقية الانقلابات العسکریة انقلاب ا من دون
إقرأ أيضاً:
مصر تفوز بجائزة المنظمة الأفريقية للإدارة العامة في فئة الإدارة المبتكرة
فازت مصر، ممثَلة في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالمركز الرابع على مستوى أفريقيا في مسابقة جوائز المنظمة الأفريقية للإدارة العامة في فئة الإدارة المبتكرة وذلك عن مشروع منصة حياة كريمة رقمية "حكايتنا".
وجاء ذلك خلال فعاليات الدورة الثالثة والأربعين من مؤتمر المائدة المستديرة للمنظمة الأفريقية للإدارة العامة، التي انعقدت في مدينة كامبالا، أوغندا في الفترة من 26 إلى 29 نوفمبر، تحت شعار "الإدارة العامة المرنة من أجل التنمية المستدامة في أفريقيا". وشارك في حفل توزيع الجوائز وزراء من مختلف الدول الأفريقية ورؤساء الوفود المشاركة في المؤتمر، وقادة المنظمة، بالإضافة إلى أكثر من 500 خبير من 37 دولة أفريقية ومنظمة دولية وإقليمية.
وشاركت وزارة الاتصالات عن بُعد في فعاليات المؤتمر في إطار الحرص على تعزيز العلاقات مع الدول الأفريقية على كافة المستويات وفي جميع المجالات.
وكان قد تقدم للجائزة 96 مشروعًا من كافة أنحاء القارة الأفريقية، ووصل أفضل خمسة مشروعات للمرحلة النهائية، منهم منصة "حكايتنا". وجاء فوز وزارة الاتصالات تتويجًا لجهود الدولة المستمرة وإنجازاتها في مجال التحول الرقمي وتحقيق الشمول الرقمي للمواطنين، ونتيجة لتضافر الجهود والتعاون بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
وتُعد المنصة منظومة ذكية تفاعلية في بيئة رقمية وطنية مؤمّنة لرفع الوعي والتفاعل الرقمي وتعزيز المشاركة الرقمية للمواطنين. وتتيح المنصة العديد من الأنشطة والخدمات والمزايا مثل المحتوى المعرفي، والتثقيف والتدريب الرقمي، والتواصل الاجتماعي، والتفاعل الرقمي الفوري بين الدولة والمواطن.
وكانت وزارة الاتصالات قد أطلقت منصة وتطبيق "حياة كريمة رقمية" بهدف تعظيم استفادة المواطنين في قرى الريف المصري من جهود الدولة التنموية في مختلف القطاعات. وبدأت فكرة إنشائهما مع إطلاق المشروع القومي "حياة كريمة" لتطوير الريف المصري، وتمثل الهدف من تطويرهما في المساهمة في بناء مجتمع رقمي تفاعلي آمن ومنتج ومستدام بما يضمن التهيئة والاستيعاب والاستدامة لأعمال التحول الرقمي، ويعزز القبول والتأييد المجتمعي لنموذج الحياة الجديدة في القرى، فضلًا عن نشر الثقافة الرقمية وتنمية مهارات مختلف فئات المجتمع لاستخدام التقنيات الرقمية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتوظيفها من أجل التنمية، مع تعزيز التنافسية والتميز الرقمي للمواطن المصري محليًا وإقليميًا ودوليًا بما يحقق النمو الرقمي الاحتوائي والتنمية الشاملة والمستدامة.
وتلقّت منصة "حكايتنا" إشادة كبيرة من لجنة الحكام ومسؤولي المنظمة الأفريقية، وأبدى عددٌ من الدول الأفريقية الرغبة في الاستفادة من التجربة المصرية في هذا الشأن. وكان فريق وزارة الاتصالات قد قام بعرض تفاصيل المشروع على لجنة حكام المسابقة في شهر أكتوبر، واستكمل العرض على المؤتمر العام في شهر نوفمبر، واشتمل العرض على كافة تفاصيل تصميم المنصة ومكوناتها ودورها في التمكين والشمول الرقمي للمواطنين.
ومن المخطط تنفيذ النموذج التجريبي للمنصة ببعض القرى في محافظات المرحلة الأولى من مبادرة "حياة كريمة" بهدف دراسة واستخلاص كافة نتائج التجربة تمهيدًا للإطلاق الكامل للمنصة بكافة القرى المستهدفة على مستوي الجمهورية.