الخليج الجديد:
2025-03-10@10:48:07 GMT

الانقلابات العسكرية المهذّبة

تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT

الانقلابات العسكرية المهذّبة

الانقلابات العسكرية المهذّبة

لماذا لا تحتقر الانقلابات العسكرية المهذّبة الأفريقية شعوبها، وتعتبر المعارضين منهم مجموعاتٍ من العملاء والأعداء، أو قطاعات من المغيّبين والمخدّرين؟

الملاحظة الجديرة بالتوقف أن الانقلابات الأفريقية تقع دون إراقة دماء الشعوب، ودون تحريض مكونات المجتمع على بعضها، وصولًا لارتكاب مذابح ومجازر.

الانقلابات ضد سلطات مدنية منتخبة، تؤدّي إلى تأخّر التطور الاجتماعي، وتقضي على فرص النمو الاقتصادي والسياسي، وتدخل البلاد في حالة من التخبّط المديد.

أسوأ ما يرمي به العسكر شعبًا تحت سلطتهم أنه لا يثور أو ينتفض إلا إذا توفّرت له جرعات مخدّرات ومبالغ مالية للانسياق وراء دعواتٍ، يراها المستبدّون تخريبًا وهدمًا للأوطان.

"كان يمكن أن تخرج فرنسا من البلاد ببساطة بعد الانقلاب، ثم تعود لاحقا لتتفاوض، لكن لماذا رفضت فرنسا الاعتراف بسلطة انقلاب النيجر وقبلته في الغابون وتشاد، هذا هو ما يثير غضبنا لأنها تتعامل معنا كحمقى".

* * *

في النيجر، رحلت فرنسا وبقي الانقلاب العسكري واقعًا يفرض نفسه على الجميع، بل ويجد له أخًا وحليفًا في الغابون التي شهدت انقلابًا مماثلًا في غمرة انشغال العالم بما حدث في النيجر.

كتبتُ مبكّرًا إن حضور باريس إلى المشهد في النيجر معتبرة نفسها الوصية على شعوب غرب أفريقيا يعني دعمًا هائلًا لفرص الانقلاب في البقاء والتمدّد، حتى وإن كانت تتبنّى خطابًا عنيفًا في رفضها السلطة العسكرية الانقلابية، وتحشد دول القارّة السمراء لإعلان التدخل عسكريًا ضد العسكرة.

تعلن فرنسا، الآن، الجلاء عن النيجر، عسكريًا ودبلوماسيًا، تاركة خلفها أسئلة عديدة ليس أهمها ما تحدّث به مواطن من النيجر للإذاعة البريطانية:

"كان من الممكن أن تخرج فرنسا من البلاد ببساطة بعد الانقلاب، ثم تعود لاحقا لتتفاوض، لكن لماذا رفضت فرنسا الاعتراف بسلطة الانقلاب عندنا وقبلته في الغابون وتشاد في السابق، هذا هو ما يثير غضبنا عليها، لأنها تتعامل معنا كأننا حمقى".

الملاحظة الجديرة بالتوقف في انقلابي النيجر والغابون، وقبلهما تشاد، أن الانقلابات الأفريقية في غالبيتها تقع من دون إراقة دماء الشعوب، ومن دون استدعاء استثمار في تحريض مكونات المجتمع على بعضها، وصولًا إلى ارتكاب مذابح ومجازر.

تقول أرقام شبه موثقة إن أكثر من مائتي انقلاب عسكري وقعت في دول أفريقيا خلال 60 عامًا مضت، من بينها مائة انقلاب في حقبتي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، لكنها لم تحوّل البلاد إلى بحور دماء وغابات كراهية مجتمعية، على العكس مما جرى في مناطق أخرى من القارّة ارتبط فيها الانقلاب العسكري بمذابح وجرائم ضد الإنسانية، عبأت هواء المجتمعات برائحة الدم.

هل يعني ذلك أن قادة هذه الانقلابات مصلحون اجتماعيون ووطنيون ومتحضّرون، أو أن الانقلابات مقبولة، ما دامت الدماء الغزيرة لا تسيل معها؟

بالطبع لا، فالانقلابات، خصوصًا تلك التي تحدُث ضد سلطات مدنية منتخبة، تؤدّي إلى تأخّر التطور الاجتماعي، وتقضي على فرص النمو الاقتصادي والسياسي، وتدخل البلاد في حالة من التخبّط تمتد سنوات، رغم ما تروّجه السلطة الانقلابية من شعاراتٍ عن السيادة واستقلال القرار الوطني، والذي يكون في الغالب استقلالًا عن جهات نفوذٍ خارجية، لاستدعاء نافذين آخرين، يحضرون بوصفهم داعمين اقتصاديًا وماليًا.

على أن ذلك كله لا يمنع من التأمل في حالة هذه الانقلابات التي تولد وتعيش ويستتب لها الأمر، من دون أن يُراق على جوانبها الدم، ومن دون أن ترى في الجماهير الرافضة لها أعداءً وتهديدًا وجوديًا، وبالتالي لا بد من استئصالها.

بمعنى آخر، لماذا لا تحتقر الانقلابات العسكرية (المهذّبة) الأفريقية شعوبها، وتعتبر المعارضين منهم مجموعاتٍ من العملاء والأعداء، أو قطاعات من المغيّبين والمخدّرين؟

إن أسوأ ما يمكن أن يرمي به حاكم عسكري شعبًا واقعًا تحت سلطته أنه لا يثور أو ينتفض إلا إذا ما وفّر له شخصٌ أو جهة ما جرعات مخدّرات ومبالغ مالية يسيل لعابه عليها ويصبح جاهزًا للانسياق وراء دعواتٍ، يراها المستبدّون تخريبًا وهدمًا للأوطان.

ليست مثل هذه النظرة إلى الشعوب فقط احتقارًا لها وتشويهًا لثورتها على الظلم والقمع والفساد، بل إنها أيضًا تحمل تحريضًا واستباحة لدماء كل من يفكّر في الاحتجاج والغضب، ويسعى إلى التغيير، من خلال التأسيس لحالة من الاحتراب المجتمعي، بغرض قسمة الشعب إلى شعبين يتبادلان الكراهية ونوازع الإقصاء والمحو: شعب محقون بجرعاتٍ مدمّرةٍ من أوهام الوطنية الفاسدة، وشعب آخر يؤمن بالثورة، ويعتنق حلم التغيير والخلاص من كابوس الفشل والاستبداد.

وتلك، بالضبط، هي الوصفة السحرية لصناعة مذبحةٍ جماعيةٍ تحت مزاعم حبّ الوطن والدفاع عن استقلاله.

*وائل قنديل كاتب صحفي مصري

المصدر | العربي الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: انقلاب أفريقيا مذبحة جماعية جرائم ضد الإنسانية النمو الاقتصادي الانقلابات الأفريقية الانقلابات العسکریة انقلاب ا من دون

إقرأ أيضاً:

البعثة الأممية في ليبيا: الأولوية لتوحيد المؤسسة العسكرية داخل البلاد

طرابلس - شددت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، هانا تيتيه، على ضرورة أن تظل قضية توحيد المؤسسة العسكرية أولوية للسلطات في جميع أنحاء ليبيا.

وذكرت بوابة "الوسط" أن تصريحات هانا تيتيه جاءت خلال لقائها برئيس أركان القوات التابعة لحكومة "الوحدة الوطنية المؤقتة" الفريق أول محمد الحداد، أمس الخميس 6مارس2025، وفق وكالة سبوتنيك الروسية.

وأكدت بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا أن اللقاء الذي جمع المبعوثة الأممية في العاصمة طرابلس والفريق الحداد، نوقشت خلاله التطورات الراهنة في البلاد.

وأشارت المبعوثة الأممية إلى أن أمن واستقرار البلاد أمران حاسمان لأي عملية سياسية للمضي قدما"، في وقت بحث اللقاء السبل التي يمكن من خلالها للبعثة الأممية دعم بفاعلية أكثر جهود ليبيا نحو توحيد المؤسسات العسكرية، وتعزيز أمن الحدود ومعالجة المجالات الرئيسية الأخرى للأمن القومي.

ومن جانبه، أكد رئيس أركان القوات التابعة لحكومة "الوحدة الوطنية المؤقتة" الفريق أول محمد الحداد، للممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، هانا تيتيه، دعمه الخطوات التي تحافظ على سيادة ليبيا.

ويأتي هذا في وقت احتضنت العاصمة المصرية القاهرة، الأحد قبل الماضي، الاجتماعات التشاورية بين مجلس النواب والدولة الليبي، لتعزيز الحل السياسي وإنهاء الانقسام في البلاد، جاء ذلك بناءً على دعوة من مجلس النواب المصري.

وتناول الاجتماع التشاور حول مختلف القضايا وسبل دفع العملية السياسية الليبية نحو حل شامل يسهم في إنهاء حالة الانقسام في مؤسسات الدولة ويقود إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

وتوجد حكومتان في ليبيا، لا تعترفان ببعضهما بعضا، الأولى هي حكومة الوحدة الوطنية ومقرها طرابلس، والتي تدعمها الأمم المتحدة ويرأسها عبد الحميد دبيبة، والثانية، التي عينها مجلس النواب ومقرها بنغازي، ويقودها أسامة حماد.

ومنذ الإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، في عام 2011، توقفت ليبيا عن العمل كدولة موحدة. وفي السنوات الأخيرة، كان هناك مواجهة بين السلطات في طرابلس غربي البلاد والسلطات في الشرق، والتي يدعمها الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وفي عام 2021، انتخب منتدى الحوار السياسي الليبي، الذي تستضيفه الأمم المتحدة في جنيف، سلطة تنفيذية انتقالية في انتظار الانتخابات العامة، والتي لم تُعقد بعد.

Your browser does not support the video tag.

مقالات مشابهة

  • انتهاء العمليات العسكرية بالساحل السوري.. الشرع: لن نسمح في جرّ البلاد إلى الحرب الأهلية
  • وزارة الدفاع السورية تعلن انتهاء العملية العسكرية في غرب البلاد
  • هل تمثل التدريبات العسكرية “الفرنسية – المغربية” تهديدات للجزائر؟
  • خبير عسكري: المشهد في سوريا يزداد تعقيدًا والتدخلات الخارجية تهدد استقرار المنطقة
  • خبير عسكري: المشهد في سوريا يزداد تعقيدا والتدخلات الخارجية تهدد استقرار المنطقة
  • فرنسا تطالب بالتحقيق في جرائم غرب سوريا
  • خبراء: تسليم فرنسا طائرات ميراج 2000 لأوكرانيا يعزز قدراتها العسكرية
  • السلطات السنغالية تتسلم ثكنتين عسكريتين بعد انسحاب فرنسا منهما
  • البعثة الأممية في ليبيا: الأولوية لتوحيد المؤسسة العسكرية داخل البلاد
  • الجزائر تحذر فرنسا من مناوراتها العسكرية مع المغرب وتصفها بـالاستفزازية