ماذا بعد الانسحاب الفرنسي من النيجر؟
تاريخ النشر: 3rd, October 2023 GMT
في حواره مع التلفزيون الفرنسي مساء الأحد 24 سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن السفير الفرنسي لدى النيجر سيعود إلى فرنسا، وأن القوات الفرنسية ستغادر النيجر بحلول نهاية العام. وكان واضحاً في حديثه شعوره بالمرارة، وبصفعة وُجهت له شخصياً اضطرته إلى اتخاذ تلك القرارات.
مشاعر المرارة تعود إلى أنه رأى في استسلامه لشروط قادة الانقلاب في النيجر -وهو الذي كان يكرر من دون ملل أنه لن يقوم بذلك الانسحاب إلا إذا طلبته منه السلطة الشرعية المنتخبة- شعوراً بالإهانة التي وُجهت لفرنسا الدولة العظمى ذات القوة النووية، والعضو الدائم في مجلس الأمن، وضرباً لسمعتها بوصفها دولة قيادية في الاتحاد الأوروبي، ولمكانتها العالمية أمام دولة نامية من أفريقيا السمراء التي فرضت شروطها عليها!
والمؤلم في الأمر -كما أقر كثير من المراقبين الفرنسيين- أن الولايات المتحدة الدولة الحليفة لم تقف إلى جانبها؛ بل ربما رأت في الانسحاب الفرنسي من الساحل الأفريقي أنه يصب في صالح استراتيجيتها في الانتشار في أفريقيا، وفي علاقتها بالساحل الأفريقي.
نعم فرنسا هي دولة حليفة، ولكن عند تضارب المصالح بين الدول ترعى الولايات المتحدة مصالحها أولاً، ثم تليها مصالح حلفائها وشركائها، وتتعامل معها بواقعية شديدة من دون أي دوغمائية.
أشار ماكرون في مقابلته المتلفزة إلى أنه قبل إعلان قراراته بفترة قصيرة، تحدث هاتفياً مع الرئيس المعزول محمد بازوم، من دون الإفصاح عما دار بينهما. ومن المحتمل أنه أبلغه بالقرارات التي سيعلن عنها. ولا شك في أن عوامل عدة دفعت باريس إلى اتخاذ قرار الانسحاب، منها قناعة ماكرون بأنه لن يستطيع الاعتماد على إمكانية تدخل قوات «الإيكواس» بقيادة الدولة الرئيسية (نيجيريا) في إعادة الرئيس المعزول، لكونها هي بذاتها تواجه تحديات أمنية من قبل جماعة «بوكو حرام»، ومن «داعش» فصيل غرب أفريقيا.
نجاح القيادة العسكرية بالنيجر في تعبئة الجماهير والشباب على وجه الخصوص ضد فرنسا، وفر لها قاعدة شعبية واسعة في البلاد.
وكذلك إعلان تأسيس «حلف دول الساحل» مؤخراً بتاريخ 16 سبتمبر، من قبل النيجر ومالي وبوركينا فاسو، والذي ينص على التضامن بين الدول الثلاث أمام أي اعتداء على أراضي أي منها، واعتباره بمثابة إعلان حرب ضدها.
وإعلان كل من مالي وبوركينا فاسو في انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة تضامنهما مع النيجر.
وهنا بالمقاربة مع السياسة الفرنسية، تعاملت السياسة الأميركية بحذر وبشكل مختلف عن فرنسا ورئيسها ماكرون، في إدارة تداعيات الأزمة في النيجر، لطموحات الرئيس ماكرون المبكرة في توسيع النفوذ الفرنسي في «أفريقيا الأخرى»؛ حيث إنه عند انتهائه بتفوق كبير من معهد النخب الفرنسية؛ بدلاً من قضاء فترة التدريب لمدة 6 أشهر في سفارة فرنسا في واشنطن أو في برلين، فضَّل الذهاب إلى أبوجا عاصمة نيجيريا، المستعمرة البريطانية سابقاً التي لم تكن لها علاقة بفرنسا، بدلاً من السفر إلى إحدى المستعمرتين سابقاً: ساحل العاج أو السنغال، وفضَّل عليهما نيجيريا في غرب أفريقيا!
كما أشار سفير فرنسا السابق لدى نيجيريا إلى أن ماكرون كان منبهراً بنيجيريا، الدولة الأفريقية الكبرى ذات الـ206 ملايين نسمة، التي تشكل بذاتها قارة، والغنية بمواردها الطبيعية والاقتصادية وسجلها الثقافي؛ حسب تعبيره. وكان واضحاً -حسبما أشار إليه السفير- حماس ماكرون واهتمامه في شبابه «بأفريقيا الأخرى» أكثر من اهتمامه بمستعمرات بلاده السابقة. والمدهش حقاً أن ماكرون الذي تولى الرئاسة الفرنسية وهو في سن 39 عاماً، ويعد أصغر رئيس في تاريخ فرنسا، يبدو أن تجربته في نيجيريا وطموحاته في توسيع النفوذ الفرنسي جعلته حين وصل إلى الرئاسة يتعامل بشكل مختلف، بين أفريقيا الفرنسية ومستعمرات أفريقيا الإنجليزية سابقاً، التي تعامل معها بواقعية أكثر في الدفاع عن مصالح فرنسا الاقتصادية والاستراتيجية، وهو ما جعل أحد الخبراء الفرنسيين يطالبه بأن تعامل أفريقيا الفرنسية بالمثل، من دون ادعاءات زائفة بأن وجودها في النيجر والساحل الأفريقي الهدف منه محاربة الإرهاب بناء على طلب المساعدة من حكوماتها، وليس من أجل حماية قادة أنظمتها من الانقلابات العسكرية.
وأظهرت الأحداث الأخيرة أن فرنسا خسرت الرهانين معاً، فلا هي استطاعت إعادة الرئيس الشرعي إلى السلطة، ولا استطاعت الحفاظ على قواعدها العسكرية لمحاربة الإرهاب، واضطرت مجدداً -كما حدث معها سابقاً في مالي وبوركينا فاسو- إلى البحث عن مكان آخر لتوطين قواتها التي من المحتمل أن تكون تشاد مقراً لها.
وإذا كانت الولايات المتحدة مثل فرنسا لم تعترف بمشروعية النظام العسكري في النيجر؛ فإنها -خلافاً لفرنسا- لم تصِف ما جرى في النيجر بأنه انقلاب عسكري؛ لأنه حينها ستكون ملزمة وفق القانون الأميركي بتعليق كل علاقاتها العسكرية مع النيجر، وتداعيات ذلك على قاعدتها للطائرات، ومراقبة الساحل الأفريقي الذي تكلف بناؤه 100 مليون دولار في أغاديز.
هل هناك وجه مقاربة ممكن بين الانسحاب الفرنسي من النيجر والانسحاب الأميركي من أفغانستان؟ وهل المنافسة واختلاف المصالح بين الولايات المتحدة وفرنسا، منذ عهد الجنرال ديغول، تجعلهما بسبب حرب أوكرانيا يتعايشان بسبب وجود قوات «فاغنر» في مالي وبوركينا فاسو واحتمال توسعها لتشمل النيجر، ما يجعل فرنسا تتجاوز محنتها وصراع مصالحها مع الولايات المتحدة؟ وهل ستقف فرنسا مع أميركا في مواجهة التغلغل الصيني في القارة؟ أم أن الحالة هنا مختلفة؟
ربما فقدت فرنسا مؤقتاً نفوذها في الساحل الأفريقي، ولكنها قطعاً لم تخسر كامل بقية أفريقيا!
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الولایات المتحدة الساحل الأفریقی وبورکینا فاسو فی النیجر من دون
إقرأ أيضاً:
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف الناتو في فلوريدا؟
(CNN)-- قال حلف شمال الأطلسي "الناتو"، إن الأمين العام للحلف، مارك روته التقى بالرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب في فلوريدا، الجمعة.
وذكر الحلف في بيان أن روته وترامب التقيا في بالم بيتش لمناقشة "مجموعة من القضايا الأمنية العالمية" التي تواجه التحالف. ونشر موقع حلف "الناتو" صورة لهما وهما يتصافحان.
وأضاف البيان أن روته وفريقه التقوا أيضا بعضو الكونغرس مايك والتز، الذي اختاره ترامب لمنصب مستشاره للأمن القومي.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يواجه فيه حلف الناتو أحد أصعب التحديات التي تواجهه في دعم أوكرانيا وسط الحرب الطاحنة التي تشنها روسيا، حيث أثار ترامب شكوكا حول استمرار التزام الولايات المتحدة تجاه كييف.
واختار ترامب مؤخرا ماثيو ويتاكر، الذي شغل منصب المدعي العام بالنيابة خلال فترة ولاية ترامب الأولى، ليكون سفيرا للولايات المتحدة لدى حلف الناتو.
وإذا تم تأكيد تعيينه بمنصبه، فمن المرجح أن يتم تكليف ويتاكر أيضا بزيادة الضغط على دول الحلف لزيادة إنفاقها الدفاعي، وتجديد جهود ترامب خلال ولايته الأولى.
وخلال حملته الانتخابية، أشار ترامب إلى أنه لن يمتثل إلا لالتزامات الدفاع المتبادلة لحلف الناتو تجاه البلدان التي تساهم بما يكفي من ميزانياتها السنوية للدفاع.