كشف تقرير بصحيفة واشنطن بوست عن استغلال الأحزاب والجماعات القومية المتطرفة في الهند وسائل التواصل الاجتماعي لبث رسائل تؤجج مشاعر الكراهية ضد المسلمين، في بلد يتباهى قادته بأنها أكبر ديمقراطية في العالم.

وذكرت الصحيفة أنه منذ وصول رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى سدة الحكم قبل قرابة عقد من الزمن، ظل مرارا وتكرارا يعمل على حشد الناخبين وترسيخ أقدام حزبه بهاراتيا جاناتا في السلطة، باستغلال الخلافات بين الأغلبية الهندوسية والأقلية المسلمة.

ولفتت في تقرير لمدير مكتبها في الهند جيري شيه، إلى أن التوترات الدينية ما انفكت حاضرة منذ استقلال البلاد في 1947، وأن أتباع مودي "المتطرفين" في حزبه وغيره لجؤوا إلى الخطب "النارية"، وأعمال العنف ضد المسلمين لاستنفار الدعم من الهندوس.


إحكام القبضة

ولطالما ظل حزب بهاراتيا جاناتا والمجموعات القومية الهندوسية التابعة له في طليعة مستخدمي التقنية في العالم "للترويج لأهداف السياسية، وإحكام قبضتهم" على السلطة "بأيديولوجية تعرض العلمانية التقليدية في الهند، والمساواة بين العقائد الدينية إلى الخطر".

وقالت الصحيفة الأميركية، إن المعلومات المضللة والمنشورات والمقاطع المرئية المحرضة على الانقسامات والمتعصبة في أغلب الأحيان، ظاهرة تفشت عبر الإنترنت.

وأضافت أن الرقابة الحكومية على الآراء الناقدة آخذة في الازدياد، وأن منصات التواصل الاجتماعي وشركات التقنية الكبرى الأخرى، التي تعمل على تحصين مواقفها في واحد من أكبر أسواق العالم، كثيرا ما منحت مودي وحلفاءه ما يريدون.

وعلى الرغم من المخاوف بشأن حملات القمع وتسارع وتيرة الاستبداد، ظلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن "تتودد بشدة" إلى الهند "كونها ثقلا موازنا" للصين حتى مع جنوح ناريندرا مودي السريع نحو الاستبداد.

وتردف الصحيفة القول، بأن الإدارة الأميركية تأمل في أن تتمكن الهند من المساعدة في احتواء التمدد الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادي.


إغراق

واستقطب سلوك حكومة مودي اهتمام العالم مؤخرا عقب مزاعم كندا أن عملاء هنود ربما اغتالوا زعيما انفصاليا بارزا من طائفة السيخ على أراضيها، مما أثار مرة أخرى تساؤلات حول الجهود التي تبذلها الدول الغربية للتقرب من نيودلهي.

وحسب تقرير واشنطن بوست، فقد كانت رسائل واتساب تروج في بادئ الأمر للطرق المعبدة، والمدارس المبنية، والأغذية التي توزع للفقراء بالمجان، وغيرها من أنواع الدعاية المعتادة من الحكومات المتعاقبة إبان موسم الانتخابات. ومع اقتراب شهر مايو/أيار المقبل -موعد الانتخابات العامة الهندية- أضحت تلك الرسائل أكثر قتامة.

ومن بين المنشورات الواسعة الانتشار التي وصلت إلى الهاتف النقال لمواطن هندي يدعى ساشين باتيل، رسالة احتوت على أسماء 24 رجلا هندوسيا قيل، إنهم قُتلوا على أيدي مسلمين.

وحذّرت رسالة عامة أخرى من أن ثمة رجالا مسلمين يُعدّون فتيات هندوسيات تمهيدا لإلحاقهن بتنظيم الدولة الإسلامية. وهناك منشور آخر واسع الانتشار على الإنترنت وصل إلى باتيل يوجه نداء عاجلا للناخبين مفاده، أنه إذا سيطر حزب بهاراتيا جاناتا على السلطة في ولاية كارناتاكا بجنوب الهند، فإن "أطفالكم سيكونون في مأمن، وكذلك الهندوس".


دعاية

ومع حلول يوم الانتخابات في الولاية، قال باتيل (25 عاما)، الذي يعمل صرافا بأحد البنوك، إنه يتلقى 125 رسالة سياسية في اليوم في 6 مجموعات على تطبيق واتساب.

وأضاف أن تلك الرسائل كانت بالتأكيد "تذكيرا" له بضرورة التصويت لصالح حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الذي يحكم الهند.

وزعمت واشنطن بوست أن أنصار الحزب الحاكم والجماعات القومية الهندوسية المؤيدة له، "أتقنوا على نطاق واسع بث المواد التي غالبا ما تكون تحريضية وزائفة ومتعصبة، مما أثار الحسد والشجب (معا) من خارج حدود الهند".

على أن جوهر نجاح بهاراتيا جاناتا -وهو حزب يضم في عضويته 180 مليون شخص يكمن في آلته الدعائية الضخمة التي تتصدر منصات التواصل الاجتماعي الأميركية، وفق الصحيفة التي ترى ذلك جزءا من جهد أوسع تبذله القوى اليمينية المناصرة لمودي، التي تسيطر على التقنية بطرق مختلفة -والحد من استخدام المعارضين لها- في سعيها لتحقيق "أجندة" قومية هندوسية تهدف إلى "تهميش" الأقليات الدينية، وكبح الانتقادات.

ومع تزايد خطاب الكراهية والمعلومات المضللة في الهند في السنوات الأخيرة، حاولت شركات وادي السيليكون الكبرى في بعض الأحيان مراقبة هذا المحتوى التحريضي، لكنها ظلت في الغالب تعاني، أو تغض الطرف عن تلك الممارسات.


فريق ضخم

ونبهت واشنطن بوست إلى أن صحفييها أمضوا أسابيع عدة في ولاية كارناتاكا عندما كانت تتأهب للانتخابات، حيث أتيحت لهم فرصة نادرة للوقوف على الآلية الواسعة لبث الرسائل عبر الإنترنت، وتعرّف الناشطين الذين يديرونها.

وقد كشف موظفو حزب بهاراتيا جاناتا وحلفاؤه -في مقابلة مكثفة مع أولئك الصحفيين- عن كيفية تصورهم وصياغتهم لمنشورات تهدف إلى استغلال مخاوف الأغلبية الهندوسية في الهند، وشرحوا بالتفصيل كيف جمعوا فريقا ضخما مكونا من 150 ألف عامل في وسائل التواصل الاجتماعي، لنشر هذا المحتوى عبر شبكة واسعة من مجموعات واتساب.

وباستخدام هذه البنية، تمكن حزب بهاراتيا جاناتا من إرسال رسائل تروج لإنجازاته وتشوه سمعة خصمه، حزب المؤتمر الوطني الهندي.

ولكن بمنأى عن جهود الحزب الرسمية على الإنترنت، كانت هناك -كذلك- حملة "موازية غامضة"، حيث كشف موظفوه وحلفاؤهم لواشنطن بوست أن بهاراتيا جاناتا يتعاون "سرا" مع صانعي محتوى يديرون ما يعرف بصفحات "الطرف الثالث"، أو "المتصيدين"، والمتخصصين في إنشاء منشورات تحريضية مصممة للانتشار على تطبيق واتساب، وإشعال غضب قاعدة الحزب الجماهيربة.


صورة كاذبة

وكثيرا ما رسموا صورة "مزرية وكاذبة" للهند زاعمين أن الأقلية المسلمة -التي تشكل 14% من سكان البلاد- "أهانت وقتلت أفرادا من الأغلبية الهندوسية بتحريض من حزب المؤتمر "العلماني الليبرالي". وزعموا -أيضا- أنه لا يمكن ضمان استتباب العدالة والأمن، إلا بالتصويت لحزب بهاراتيا جاناتا.

وتعدّ الهند اليوم -طبقا للصحيفة الأميركية- أكبر سوق لمنصة واتساب، حيث يزيد عدد مستخدميها على 500 مليون شخص.

إن ما يحدث على وجه التحديد داخل منظومة واتساب التابعة لحزب بهاراتيا جاناتا لطالما بدا "لغزا لعلماء السياسة وأحزاب المعارضة، التي ظلت تعمل جاهدة على استنساخ تجربة الحزب الناجحة" في مجال الإعلام الرقمي.

ويمضي التقرير إلى القول، إن مهندسي منصة واتساب سنّوا في 2018 قيودا جديد على عملية إعادة توجيه الرسائل في الهند، بعد أن شهدوا تفشيا سريعا للشائعات، التي كانت وراء عمليات قتل على أيدى "غوغاء"، وما أعقبها من تبعات "مأساوية". كما أجروا تغييرات فنية للحد من الرسائل الجماعية.

وحسب دراسة أجريت في 2020، أخبر المستخدمون الهنود باحثي شركة ميتا أنهم "رأوا قدرا كبيرا من المحتوى الذي يشجع على الصراع والكراهية والعنف"، الذي "كان يستهدف في الغالب المسلمين على مجموعات واتساب".

وحذرت الدراسة من أن "الخطاب المعادي للمسلمين من المرجح أن يظهر في الانتخابات المقبلة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حزب بهاراتیا جاناتا التواصل الاجتماعی واشنطن بوست فی الهند

إقرأ أيضاً:

المحتوى الرقمي بين التهليل والتحليل

صناعة المحتوى الرقمي من أهم التحديات التي تواجه الإعلام غير التقليدي اليوم، لا في قدرتها على الرواج اللحظي وسعة الانتشار وحسب، بل في خطورة إمكانية حشو المحتوى برسائل هدّامة مجتمعيا، أو دينيا أو حتى أمنيا، ومهما كانت مادة النقاش اليوم فلا يمكنها البعد عن توثيقها وتسويقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية، فإن كان الحديث عن القيم والمبادرات المجتمعية الإيجابية وجدتها حاضرة على مسرح التواصل الرقمي، كما تجد الابتكارات والإبداعات وسبل تطويرها، دورات التطوير المهني والتنمية الذاتية مع المعارف بشتى أنواعها ومختلف مستوياتها، العقيدة والآداب والفنون وحوارات مبدعيها وآخر مستجداتها، لكن صناعة المحتوى قد تنطوي على ما هو أخطر من ذلك متضمنة انحرافات سلوكية وعقائدية، كما قد تتضمن الجريمة بشتى أشكالها، وليست الجرائم الوحشية التي رصدت مؤخرا في مختلف دول العالم وارتباطها بالمواقع المظلمة ( The Dark Web ) عن ذلك ببعيدة، وفيها من تسويق تلك الأفكار ما يدق نواقيس الخطر فعليا لدى الأمم الواعية متجاوزا حدود المتابعة والمراقبة والعقاب.

وإذا ما تساءلنا عن تعريف الإنترنت المظلم ( The Dark Web) سيء السمعة مرتبطا بالفرار من الجريمة، وتوسيع مجالاتها، فالإنترنت المظلم يعتبر جزءاً مهماً من منظومة الإنترنت، حيث يسمح بإصدار المواقع الإلكترونية ونشر المعلومات بدون الكشف عن هوية الناشر أو موقعه، ويمكن الوصول إليه من خلال خدمات معينة مثل خدمة (Tor) وخدمات مماثلة طريقة لتوفير حرية التعبير عن الرأي والارتباط والوصول الى المعلومات وحق الخصوصية، وقد نشأ الإنترنت المظلم في منتصف التسعينيات، حين طور مختبر الأبحاث البحرية الأمريكية مشروع التوجيه البصلي The Onion Routing Project، المعروف اختصاراً بـ TOR، كوسيلة لحماية الاتصالات الأمنية الأمريكية عبر الإنترنت، وبمرور الوقت، بات TOR لا يخدم فقط مصالح الأمن القومي بل أصبح أيضاً أداة شائعة بين الأفراد الذين يسعون إلى الحفاظ على خصوصيتهم على الإنترنت، الويب المظلم، الذي بدأ كأداة للتواصل الآمن داخل وزارة الدفاع الأمريكية يستخدم اليوم بشكل واسع من قبل أفراد حول العالم لأغراض متنوعة، سواء كانت قانونية أو غير ذلك، عبر تقنية التوجيه البصلي التي تحمي المستخدمين من المراقبة والتعقب، وذلك بتوجيه البيانات عبر آلاف نقاط الترحيل لتغطية مسارات المستخدم وجعل التتبع شبه مستحيل، عبر هذه التقنية سعى البعض لهذه المواقع متنفسا لحرية الرأي هروبا من التضييق والحبس، فيما سعى لها آخرون وكرا للجريمة من ترويج للمخدرات والأسلحة والمواد الإباحية، وتسويق للشذوذ والوحشية، هذه الأنشطة غير القانونية جعلته محط أنظار الجهات الأمنية مكافحة للجريمة الإلكترونية وغيرها من الجرائم، ولا عجب حينها أن يوقع مستخدميه في مساءلات قانونية، فضلا عن إمكانية اختراق خصوصية مستخدميه عبر الفيروسات والخوارزميات المرتبطة بالموقع ذاته.

مع كل ذلك، حتى الإنترنت العادي سهل التتبع معروف المصدر لا يخلو من مخاطر مُحدقة إذا ما فكرنا في التركيز على المحتوى الرقمي وصعوبة تحقق المراقبة الدورية ( خصوصا تلك المقطعات القصيرة ذات التأثير السمعي البصري العميق)، أو أمعنا النظر في الخوارزميات الرقمية القادرة على نقل طفل من لعبة للتلوين والرسم إلى مواقع إباحية ومحتوى غير أخلاقي، القادرة يقينا على بث الكثير من الأفكار المزعزعة للثوابت القيمية، والمشتركات الأمنية مجتمعيا وفكريا، وفي ذلك كثير من الأمثلة التي تحكي ارتباطا وثيقا بين جرائم وقضايا مجتمعية (متضمنة اعتداءات وانحرافات سلوكية وقضايا إرهاب) ودور مواقع التواصل الاجتماعي التي سهلت سبلها وسرّعت نتيجتها مما لن تتسع هذه المقالة لسردها.

مع كل تلك السبل في تعقيدات العالم الرقمي وكل تفرع وتوزع المحتوى الرقمي فلا مناص من وجوب إنشاء وتفعيل وسائل لحماية المجتمعات من خطر المحتوى الهدّام، لا بد من خطط منظمة تستهدف متابعة المحتوى الرقمي ووضع آليات لتقييمه وأخرى لتقويمه إن اقتضى الأمر، خطط تنهض بها مجموعات من المختصين في مجالات مختلفة تشمل لجان حقوق الإنسان وحماية الطفل، والمؤسسات الاقتصادية وتنمية المجتمعات، الجهات المعنية بالأمن الوطني والقومي والمجتمعي والفكري، ولا تكتفي بالمتابعة إنما تستغرق في الربط والتحليل، ووضع مناهج وقائية وأخرى جزائية واضحة سعيا لحماية المجتمعات والأفراد والأوطان من مخاطر التحول المادي المُطلق منتصرا للمادة وتشكلاتها على حساب الإنسان وقيمه وعواطفه وتحديات واقعه.

حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية

مقالات مشابهة

  • واتساب يتيح ميزة جديدة تسهل التنقل بين الحسابات الشخصية على المواقع
  • (واتساب) سيتيح إضافة روابط حسابات مواقع التواصل للملف الشخصي
  • الفوزان: التعبير عن المشاعر ضرورة لتجنب الأمراض المزمنة .. فيديو
  • واتساب يكشف عن ميزة جديدة لترتيب فوضى الجروبات
  • المحتوى الرقمي بين التهليل والتحليل
  • فوضى الدردشات الجماعية انتهت!.. واتساب يطلق تحديثاً سيغير كل شيء
  • بين سجن المشاعر وتحريرها
  • عاجل | واشنطن بوست عن مصادر: إسرائيل تطبق قواعد جديدة صارمة على منظمات الإغاثة التي تساعد الفلسطينيين
  • الهند تحظر أكثر من 87 ألف حساب على واتساب وسكايب
  • واشنطن بوست: توتر بين القوميين المتطرفين الروسييين في ظل التقارب المفاجئ مع الولايات المتحدة