إصلاح الأمم المتحدة أكثر من أولوية وضرورة
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
وُلدت الأمم المتحدة وهي في حاجة إلى الإصلاح، فقد كانت ثمرة توافق بين الكبار المنتصرين في الحرب الكونية الثانية. ولأن التاريخ يكتبه على الدوام المنتصرون وليس المنهزمون، فقد رسم مؤتمر يالطا لعام 1945، المنعقد في منتجع مطل على البحر الأسود في الأراضي السوفييتية، صورة العالم ووزع الأدوار بين الكبار الثلاثة: الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والاتحاد السوفييتي، ما كرس الفلسفة اتي قام عليها النظام الدولي منذ أن نشأ قاريا بن الأمم الأوروبية في أعقاب لإعلان عن معاهدة وستفاليا سنة 1648، إلى أن أصبح عالميا بالتدريج مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، وصدور معاهدة فرساي لعام 1919، التي قضت أحكامها بإنشاء أول تنظيم دولي موسوم بـ"عصبة الأمم"، لم يعمر طويلا، إذ سرعان ما تحول إلى قوقعة فارغة لا روح فيها.
أقامت اتفاقية يالطا نظاما دوليا غير متوازن من حيث مراكز القوة، وقد كرس ميثاق الأمم المتحدة هذا الاختلال، حين جعل جهازه التنفيذي، مجلس الأمن، ناديا مغلقا، ومكّن أعضاءه الخمسة من حق الاعتراض أو الفيتو، ولم يسمح لغيرهم بالدخول إليه حتى الآن، والأكثر من ذلك صاغ مؤسسوه ميثاقا ضمّنُوه كل ما يكفي من الآليات القانونية والمؤسساتية والإجرائية، لتبقى غلبة المنتصرين المبدأ العام، والقاعدة الذهبية الناظمة لأداء المنظمة الأممية وأنشطة أجهزتها الرئيسية والفرعية والمساعدة. كما جاءت الأجهزة الأخرى مطبوعة بالاختلال من زاوية المهام والاختصاصات، كما هو حال الجمعية العامة التي تعتبر "برلمانا عالميا"، تمثل فيها كل الدول الأعضاء على قدم المساواة، وفي الآن معا لا تمتلك سلطة تقريرية، بل تكتفي بإصدار توصيات وتقديم اقتراحات ليس لها أية قوة إلزامية، حتى في المجالات ذات البعد الاستراتيجي، كما هو حال حفظ السلم والأمن الدولي، حيث توكل لمجلس الأمن دون سواه الكلمة الفصل، إما بصريح النصوص الواردة في الفصلين السادس والسابع من الميثاق، أو بناء على التأويلات التي تعرضت لها هذه الأحكام في الممارسة.
ليست المطالبة بإصلاح الأمم المتحدة موضوعا جديدا، بل هي دعوات قديمة ومتكررة، وقد نالت اهتماما كبيرا ومتزايدا من قبل الدول والمجموعات القارية، والأمناء العامين، والشخصيات الأكاديمية والباحثين، غير أنها ظلت في مجملها عبارة عن دعوات ومناشدات بالإصلاح ليس إلا. أما جوهر ما تضمنته مبادرات الإصلاح، فانصب على الأدوار المتعاظمة لمجلس الأمن، واستحواذ هذا الأخير على كل ما يتعلق بقضية الأمن والسلم، وآليات تدبيرهما، من خلال حق أعضائه في ممارسة الاعتراض أو الفيتو
ليست المطالبة بإصلاح الأمم المتحدة موضوعا جديدا، بل هي دعوات قديمة ومتكررة، وقد نالت اهتماما كبيرا ومتزايدا من قبل الدول والمجموعات القارية، والأمناء العامين، والشخصيات الأكاديمية والباحثين، غير أنها ظلت في مجملها عبارة عن دعوات ومناشدات بالإصلاح ليس إلا. أما جوهر ما تضمنته مبادرات الإصلاح، فانصب على الأدوار المتعاظمة لمجلس الأمن، واستحواذ هذا الأخير على كل ما يتعلق بقضية الأمن والسلم، وآليات تدبيرهما، من خلال حق أعضائه في ممارسة الاعتراض أو الفيتو، وعبر التوسع التدريجي لاختصاصاته على حساب ما للأجهزة الأخرى من إمكانيات مشتركة في هذا المجال، كما هو حال الجمعية العامة.
فمجلس الأمن، مقارنة مع غيره من أجهزة الدائمة للأمم المتحدة، ظل إما جهازا لحفظ القضايا باسم النقض، والإبقاء عليها عالقة دون التماس طريقها إلى الحل النهائي، أو مارس التأويل المفرط لأحكام الميثاق ذات الصلة بمركزه القانوني، فتغولت مهامه، وتوسعت مجالات تدخله، فأصبح المقرر الوحيد دون غيره. وفي الحالتين معا عمق هذا الواقع الاختلالات العميقة التي طالت بنية المنظومة الأممية، وعرّض شرعية استمرارها على ما هي عليه لسيل من التساؤلات النقدية، وأضعف ثقة الدول الأعضاء في أن تكون الأمم المتحدة فعلا بيت الجميع، وتنظيما دوليا لتمثيل إرادات الدول الأعضاء على قدم المساواة.
ثمة مبادرات كثيرة ومتنوعة سعت إلى تقديم اقتراحات ملموسة وعملية لإصلاح منظمة الأمم المتحدة، بعضها قامت دول بعينها بإعدادها والتسويق لها، وأخرى صاغتها تجمعات إقليمية وقارية، وهناك مشاريع من اقتراح الأمناء العامين للأمم المتحدة، أبرزها مبادرات كل من "خافيير دي كوييار"، و"كوفي عنان"، و"بان كي مون"، أيضا المشاريع التي تقدمت بها كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، والدول الإسكندنافية، ومجموعة دول عدم الانحياز، وغيرها من الدعوات وهي كثيرة، والتي سعت في عمومها إلى إصلاح منظومة الأمم المتحدة.
تشترك جل هذه المبادرات في سعيها إلى خلق نوع من التوازن بين أجهزة الأمم المتحدة، ومنحها قدرا من الفعالية على مستوى التقرير ولتنفيذ والإنجاز. فقد أبانت تجربة أكثر من ستة عقود من الممارسة الدولية كيف استحوذت الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن على عمليات صنع القرار في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، كما كشفت عن درجة الهيمنة التي طالت نشاط مجلس الأمن من قبل هذه القوى، وتحديدا من لدن الولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت الذي ظلت الجمعية العامة -وهي الجهاز الذي يضم كل دول العالم الأعضاء في الأمم المتحدة (193) وتتساوى بداخله التمثيلية، حيث يتمتع كل عضو بصوت واحد أسوة بغيره من الأعضاء- إطارا مفتوحا للمناقشة وإصدار التوصيات غير الملزمة ليس إلا. لذلك، لم تعد الدعوة إلى إصلاح الأمم المتحدة مجرد أولوية أو ضرورة حت، بل غدت أمرا لا يتحمل التأجيل ولا الإهمال.
فمن الجوانب الإصلاحية المستعجلة إعادة النظر في عضوية مجلس الأمن، كي يصبح هذا الجهاز إطارا مفتوحا وليس ناديا مغلقا، كي تستطيع دول العالم، إما فرادى أو مجموعات، أن تكون ممثلة بداخله. ثم هناك ضرورة قصوى لإعادة النظر في اختصاصات مجلس الأمن، وفي طبيعة العلاقة التي تربطه بالجمعية العامة، والأمانة العامة، وباقي الأجهزة الرئيسية الأخرى. أما إذا استمرت الوضعية على ما هي عليه، فإن صورة الأمم المتحدة ستزداد تقهقرا وتراجعا، وستصاب شرعيتها بالتآكل والضعف التدريجيين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأمم المتحدة الإصلاح مجلس الأمن الأمم المتحدة مجلس الأمن الإصلاح منظمات رياضة سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأمم المتحدة مجلس الأمن
إقرأ أيضاً:
مجلس الأمن الدولي يصوت على مشروع قرار بشأن غزة
يصوت مجلس الأمن الدولي اليوم الأربعاء على مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة، إلى جانب المطالبة بالإفراج عن جميع الأسرى.
ويهدف المشروع -الذي صاغه الأعضاء العشرة غير الدائمين في المجلس- إلى الضغط على إسرائيل لوقف الحرب، لكن الموقف الأميركي قد يعقّد فرص تمريره، حسب دبلوماسيين.
وانتقد السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون مشروع القرار ووصفه بـ"المعيب"، مشددا على أن إسرائيل "لن تتوقف عن القتال حتى تعيد جميع المخطوفين".
من جهته، أشار روبرت وود نائب السفير الأميركي إلى ضرورة وجود ترابط بين وقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى، مؤكدا أن هذا الموقف ثابت منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
صعوبات التنفيذويتزامن التصويت مع استمرار الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، إذ يدعو المشروع إلى إدخال آمن ودون عوائق للمساعدات الإنسانية، كما يطالب بوقف محاولات تجويع الفلسطينيين، وسط اتهامات لإسرائيل باستخدام الحصار وسيلة للضغط.
ورغم ذلك فإن النص يفتقر إلى أي إشارات إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يمنح المجلس صلاحيات لفرض قراراته من خلال عقوبات أو تدابير أخرى.
بدوره، وصف السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور الوضع في غزة بأنه "كارثة إنسانية ستطارد العالم لأجيال".
وحث منصور المجلس على تبني قرار صارم وملزم يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة.
ويظل الموقف الأميركي من مشروع القرار غامضا، وسط مخاوف من استخدام واشنطن حق النقض (الفيتو) لمنع تمريره، وهو ما قد يعكس استمرار الانقسام الدولي حيال حرب الإبادة الجماعية في غزة.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 يشن الجيش الإسرائيلي حملة عسكرية واسعة في القطاع تسببت في استشهاد وإصابة أكثر من 144 ألف فلسطيني -معظمهم من الأطفال والنساء- ونزوح أغلبية سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة.