يبدو أن عام 2023 سيكون عاما كئيبًا آخر للديمقراطية. لقد حدثت عدة انقلابات في أفريقيا ويبدو أن دونالد ترامب في طريقه لتأمين ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2024.
إن الكيفية التي نصف بها مثل هذه التطورات مهمة، ففي نهاية المطاف فإن هناك عواقب للكلمات. إن من المؤسف أن جزءا من اللغة المستخدمة لتحليل الركود الديمقراطي العالمي يعطي انطباعًا خاطئًا تمامًا، ويُعَد مصطلح «التراجع» ــ الذي ساهم في خلق حالة من السلبية الغريبة بين القوى المؤيدة للديمقراطية ــ مثالاً واضحاً على ذلك.
إن المستبدين الحاليين يتجنبون استخدام القمع العلني من أجل تحصين مواقعهم كما أنهم يتجنبون ارتكاب انتهاكات واضحة للقانون، بل ويستخدمون القانون لتحقيق أهدافهم الخاصة وهو ما يطلق عليه الباحثون «القانونية الاستبدادية». يركّز هؤلاء المستبدون على التلاعب بالرأي العام بينما يعملون تدريجيا على إضعاف المعايير والمؤسسات الديمقراطية التي يزعمون أنهم يستمدون شرعيتهم منها، فعلى سبيل المثال، بدلاً من اللجوء إلى القمع الصريح على الطراز القديم، قد يستخدمون تقنيات المراقبة الحديثة مثل برامج التجسس لتحديد المنشقين المحتملين، وبدلاً من إرسال الأجهزة الأمنية للطرق على أبواب المنشقين في وقت متأخر من الليل، فإنهم قد يرسلون السلطات الضريبية للعثور على أي خطأ يتعلق بمنظمة غير حكومية أو صحيفة. يقوم الطغاة الذين يتلاعبون بالمعلومات ويتظاهرون بالديمقراطية أيضًا بتلفيق «حقائق» جديدة على الأرض. على سبيل المثال، تمكّن الشعبويون اليمينيون المتطرفون في بولندا وهنغاريا من خداع الاتحاد الأوروبي لفترة تكفي لإعادة هيكلة المؤسسات المحلية وتغيير الموظفين لصالح ترسيخ حكمهم، وفي حين أن التراجع عن هذا الضرر ليس مستحيلا، إلا أنه يصبح أكثر صعوبة مع مرور الوقت.
إن هذا لا يعني أن المستبدين اليوم هم سحرة سياسيون قادرون على خداع كل الناس طوال الوقت، فهم يرتكبون الكثير من الأخطاء الفادحة التي يمكن أن تعرض حكمهم للخطر مع الاحتفاظ بإمكانية استخدام العنف وغيره من وسائل القمع العلني.
إذا كانت كلمة « العودة» مضللة، فإن كلمة «الانزلاق» مضللة كذلك، وكما هو الحال مع عبارة «تآكل الديمقراطية»، يوحي مصطلح «الانزلاق» بأننا نتعامل مع حادث ما أو حتى عملية شبه طبيعية، لكن العديد من المستبدين الطموحين لديهم خطة، وغالباً ما تتضمن هذه الخطة عناصر مأخوذة من الآخرين، وبمجرد أن أثبت رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان كيف يمكن خداع الاتحاد الأوروبي وكسب الوقت في حين كان يعمل على ترسيخ حكمه الاستبدادي، أصبح بوسع الآخرين أن يقلدوه بسهولة ــ كما فعل الحزب الحاكم في بولندا. ويشير مصطلح «التراجع» أيضاً إلى أن الركود الديمقراطي الحالي عبارة عن عملية تشبه الخط المستقيم، وكما لاحظ شون هانلي وليسيا سيانيتي، فإن هذا التصور «يخاطر بإعادة إنتاج القيود الفكرية لنموذج التحول في التسعينيات على نحو عكسي»، وفي كلتا الحالتين، كان هناك افتراض بأن الجميع يتحركون بشكل حتمي على نفس المسار، ولكن التفاؤل غير المبرر (الجميع يسعون لتحقيق ديمقراطية أكثر قوة) أفسح المجال للتشاؤم غير المبرر (الديمقراطية لدى الجميع «تتآكل»). وفي واقع الأمر فإن العالم اليوم لا يشهد تحولاً شاملاً، ناهيك عن كونه حتمياً نحو الاستبداد كما لا يشهد إنقاذاً حاسماً للديمقراطية.
إن حقيقة أن الشعبويين المستبدين يخسرون الانتخابات في بعض الأحيان - ولكن ليس دائما - تجعل هذا الأمر واضحا بشكل صارخ. إن بوسع المرء أن يرى هذه الديناميكية المتقلبة في جمهورية التشيك وسلوفاكيا. أما في سلوفاكيا وبعد فترة من المقاومة الليبرالية للاستبداد والفساد، فإن من الممكن أن يعود روبرت فيكو، الشعبوي المؤيد لبوتين إلى السلطة في الانتخابات المبكرة المقبلة، وربما يتعين علينا أن نستبدل مصطلح «يتراجع» بمصطلح «يترنح» وهو المصطلح الذي اقترحه هانلي وسيانيتي للتعبير عن مسار متعرج لا يمكن التنبؤ به غالبًا. إذا افترضنا أن الديمقراطيات تسير على شكل خط مستقيم لا مفر منه عملياً للعودة إلى مسار الاستبداد على الطراز القديم، فإننا نفشل في التفكير مليًا بالمسارات المحتملة للخروج من الاستبداد الجديد، فقبل الانتخابات التي يشارك فيها الحكام الحاليون المستبدون ــ كما حدث في هنغاريا العام الماضي عادة ما يكون المراقبون الليبراليون واضحين بشأن النتائج المرجوة؛ لكنهم نادراً ما يقدمون أي خطة تذكر لمرحلة ما بعد الانتخابات. وقد نعزو هذا الفشل للتسليم بالأمر الواقع فلا أحد يتوقع حقاً أن يتم تداول السلطة، ولكن قد يكون ذلك أيضاً علامة على الكسل الفكري حيث يفترض المراقبون أن المرء يستطيع ببساطة أن يطبق دروساً جاهزة من التحولات السابقة ــ وبالتالي يُظهِر قدراً ضئيلاً من الاهتمام بالعناصر الجديدة التي تتألف منها الأنظمة الاستبدادية اليوم، علمًا أن من الأفضل لهؤلاء أن يقروا بأن أنصار المستبدين الجدد قد يكون لديهم حوافز ودوافع مختلفة تمامًا عن تلك التي كانت لدى الطبقة الحاكمة في العصر الشيوعي، على سبيل المثال، وربما يتردد أولئك الذين لديهم مصلحة في دول المافيا الكليبتوقراطية والجيوش الفاسدة في الجلوس على طاولات مستديرة للتفاوض. قد تكون مثل هذه التعميمات ــ كتلك القائمة على تجارب سابقة ــ مضللة، ولكن هذه هي النقطة المهمة، فمن أجل الحفاظ على الديمقراطية أو استعادتها أو تعزيزها على مستوى العالم، نحتاج إلى تحليلات متأنية للحالات الفردية وليس مجرد افتراضات عامة حول «الاتجاهات العالمية».
جان فيرنر مولر أستاذ السياسة في جامعة برينستون، صدر له مؤخرا كتاب بعنوان «قواعد الديمقراطية».
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أسعار الذهب عالميا تتراجع بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية
سجلت أسعار الذهب عالميا تراجعا كبيرا، بقيمة أكثر من 12 دولار في الأوقية الواحدة، إذ وصل سعر الذهب الآن لمستوى 2,731 دولار للأوقية بنسبة هبوط بلغت 0.44%، بعد فوز المرشح دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية للمرة الثانية على كامالا هاريس.
تراجع الأسعار عالمياوجاءت تراجعات أسعار عالميا بعد فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، نتيجة الارتفاع الكبير الذي شهده سعر الدولار مقابل سلات العملات العالمية الأخرى في البورصات العالمية، والذي حقق مكاسب كبيرة عقب الإعلان عن هوية الرئيس الأمريكي الجديد.
وحلل مجلس الذهب العالمي أداء أسعار الذهب عالميا قبل وبعد الانتخابات الرئاسية الأميركية منذ عام 1972 إلى عام 2022، والتي كشف خلالها أنه دائما ما تحدث نتيجة الانتخابات قد يزيد من تقلبات السوق في الأمد القريب، ومع ذلك يشير التاريخ إلى أن أداء السوق كان موثوقًا به إلى حد ما على الرغم من عدم اليقين في الأمد القريب.
توقعات أسعار الذهب خلال الفترة المقبلةتميل أسعار الذهب عالميا إلى الانخفاض في اليوم التالي للانتخابات بشكل دائم خلال الانتخابات السابقة، ومن المتوقع ان ينخفض الذهب بمقدار 2%، ومع ذلك تتعافى الأسواق عادةً بحلول شهر ديسمبر او مارس، وعلى المدى الطويل من المتوقع أن يستفيد الذهب من فوز ترامب، ويرجع ذلك في الغالب إلى آثار الإنفاق الكبير، وكذلك لاحتمالية أن تكون السياسة الخارجية الأمريكية أكثر غموضا، وتراجع أسعار الفائدة التي تزيد من جاذبية شراء الذهب.