لجريدة عمان:
2025-03-16@06:37:38 GMT

أعداء الأدب ينتصرون

تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT

إذا مررت هذا الأسبوع بالقرب من أي متجر كتب أو مكتبة في أمريكا، فمن المرجح أن تجد لافتة تحثك أن «اقرأ كتابا محظورا».

ودائما ما أتساءل: أي هذه الكتب؟ كتاب قداس كاثوليكي روماني، كانت طباعته أو حيازته خروجا على القانون في إنجلترا الإليزابيثية؟ أم كتاب «بروتوكولات حكماء صهيون» الذي حوكم ناشره الإيطالي الأخير في عام 2010 وحكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر وتغريمه ألفي دولار؟ أم نقد ريان أندرسون لحركة المتحولين جنسيا في كتاب «عندما تحول هاري إلى سالي»، وهو من الكتب محظورة البيع على أمازون التي تنافس هيمنتها على تجارة الكتب سيطرة أشد أنظمة الحكم رقابة عبر التاريخ؟

لا.

ليست هذه هي الكتب المهربة التي تعنيها المكتبات والمكتبات.

لقد وجد الأمريكيون أنفسهم خاضعين لإغراء غامض إلى قراءة كتاب «محظور» منذ عام 1982، عندما بدأ اتحاد المكتبات الأمريكية ومجموعات أخرى في الترويج لـ(أسبوع الكتب المحظورة)، وهو مهرجان متخم لتعظيم الذات الليبرالية يقيمه الناشرون وبائعو الكتب سنويا على سبيل الاحتفاء (إذا كان الاحتفاء هو اللفظ الصحيح). ويقام هذا العام منذ الأول من أكتوبر وحتى السابع منه.

وأسبوع الكتب المحظورة مثير للسخرية، أو ينبغي أن يكون كذلك. يتاجر أنصاره بعملة التحدي الأخلاقية («انظروا إلى مدى شجاعتنا إذ ندعو الناس إلى قراءة هذه الكتب الجريئة!») ولكنهم عمليا يفعلون العكس ــ إذ يحاولون تجسيد إجماع.

فلنلق نظرة على الكتب «الأكثر حظرا وتحديا» منذ عام 2010 إلى عام 2019، وفقا لاتحاد المكتبات الأمريكية. كثير منها عبارة عن أعمال شهيرة في اللغة الإنجليزية، ومتوافرة في ملايين النسخ: «أن تقتل طائرا بريئا» رواية هاربر لي، و«عن الفئران والرجال»رواية جون شتاينبك، و«1984» رواية جورج أورويل. وهناك روايات فنتازيا أخرى رائجة من قبيل «حكاية خادمة» رواية مارجريت آتوود و«مباريات الجوع» رواية سوزان كولنز، التي تحولت إلى أفلام ومسلسلات تلفزيونية ذات شعبية كبيرة. وتهيمن على قائمة عام 2022 قصص ذات حمولات سياسية، جريئة جنسيا، وغالبا ما تكون في شكل الروايات المصورة وموجهة للشباب، وأغلبها وصل إلى قائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعا.

يصعب القول إن هذه نصوص منبوذة. فلم نشهد حالة منذ بداية (أسبوع الكتب المحظورة) بإصدار قانون محلي أو خاص بولاية في هذا البلد يحظر بيع أي من الكتب المعنية أو حيازتها بشكل عام. ولم تتعرض للحظر الذي تعرض له في الصين مثلا العديد من أعمال المؤرخ فرانك ديكوتير، مؤلف كتاب «مجاعة ماو الكبرى». إن ما يعنيه اتحاد المكتبات الأمريكية عندما يشير ضمنا إلى أن كتابا ما قد تعرض للحظر هو أن مكتبة أو مدرسة قد اشترته بأموال عامة، ثم تم «الاعتراض عليه» لاحقا - وهذا تعبير سخيف قد يعني أن عملا بريئا قد بات موضوعا لملاحظة نقدية واحدة من أحد الآباء أو الرعاة. وفي حال سحب كتاب من المكتبة، بعد هذا الاعتراض، أو تقييد الوصول إليه بطريقة أخرى، أو حتى إذا بقي ضمن مجموعة الكتب، فقد بات ينتمي إلى أسبوع الكتب المحظورة.

وهذا، بكل المقاييس، تعريف سخيف للحظر. وبغض النظر عن عزوف المسؤولين عن الاعتراف بهذا، فالحقيقة هي أن المكتبات مدينة بالفضل للمجتمعات التي تخدمها (وتعتمد عليها في التمويل) ومدينة بالمثل بالفضل لقيمها السائدة. وعندما تعترض مجموعات «حقوق الآباء» على إدراج كتب جنسية صريحة في المكتبات العامة أو المدرسية ـ مع الإشارة غالبا إلى أن تظل هذه الكتب متاحة في في متاجر الكتب وعلى الإنترنت ـ فإن هذه المجموعات تفعل بالضبط مثل ما تفعله مجموعات مماثلة حينما تطالب بإدراج كلاسيكيات حديثة من قبيل «دودة تحب دودة» من تأليف جيه جيه أوستريان.

في نهاية المطاف، إفساح مكان على الرف يعني التضحية بكتاب يعد أقل قيمة. والمكتبات مقيدة باعتبارات المساحة المادية (ومما يذكرنا كثيرا بذلك أنهم يتخلصون من الكتب القديمة بغض النظر عن جدارتها الأدبية). فمن المستحيل أن تمتلك أي مكتبة عامة جميع الكتب، أو حتى أغلبية الكتب القيِّمة. ولكن أن محض عدم توافر كتاب ما في مكتبة معينة يعني حظره، فمئات الآلاف من الكتب التي تنشر في أمريكا كل عام تقريبا قد وقعت تحت وطأة نظام الرقابة.

وتأملوا في ما تم استبعاده من القصة الناجحة المعيارية في مكافحة الرقابة. قبل بضع سنوات، في روستون بولاية لويزيانا، منعت مكتبة لينكون باريش من التداول العام العديد من كتب الأطفال، ومنها ما يتعلق موضوعه بقضايا مثلية. (فلم تعد هذه الكتب تتاح للأطفال إلا بإذن من أولياء أمورهم). فأدت حملة منتصرة في عام 2020 قام بها الائتلاف الوطني لمناهضة الرقابة إلى عودة الكتب إلى التداول العام.

وفي بيان أيدته مجموعات متنوعة تنوع اتحاد المكتبات الأمريكية والكنيسة العالمية الموحدة، زعم التحالف أن عمليات الإبعاد من المكتبات «لا تنتهك فقط حقوق حرية التعبير والمعلومات لجميع أفراد المجتمع، التي يحميها التعديل الأول [في الدستور] وإنما تعرض للخطر رفاهية أغلى مورد في البلاد: أي شبابها.

كلام مثير ولا شك. ولكن المرء ليتساءل أين هي الرسائل التي تتساءل عن غياب نسخ «القوة والمجد» لجراهام جرين في قائمة المكتبة الإلكترونية، أو «دون كيخوتة»، أو أي من روايات أنتوني ترولوب؟ ولماذا تغيب أعمال مارتن هايدجر ولودفيج فيتجنشتاين، وهما الفيلسوفان الأكثر تأثيرا في القرن العشرين؟ وحتى لو اقتصرنا على كتب الأطفال، أين نجد رواية «الأطفال الخمسة والشيء» الكلاسيكية لـ إ. نيسبت أو كتاب «حكايات من شكسبير» الخالد لتشارلز وماري لامب؟ وماذا عن «عوليس»، التي تعرضت لأهم محاكمة في القرن الماضي بتهمة الفحش؟ هل يعني غيابها أن الرواية، في الواقع، قد «حُظرت» من جديد؟

من المؤكد أنه من الممكن التشكيك في حكمة القرارات التنظيمية التي اتخذتها مكتبة لينكون باريش، ولكن من التدليس أن نفعل ذلك باسم «حرية التعبير والمعلومات».

من المؤكد أنه من الممكن التشكيك في حكمة القرارات التنظيمية التي اتخذتها مكتبة لينكون باريش، ولكن من التدليس أن نفعل ذلك باسم «حرية التعبير والمعلومات». فعندما يصبح الاعتراض على كتاب ما - أي وزنه مع احتمال القول بدنو قيمته - مرادفا لتعريض الأطفال للخطر، فإن ما يتضح عندئذ هو المزاج الأثير للتعامل مع النصوص في ظل الشمولية. فالكتب الوحيدة التي لم يقصد مؤلفوها أن تلقى اعتراضا ما هي الأعمال الدعائية، وهذه جوهريا هي نظرة أنصار كثير من الكتب المعاصرة المزعوم حظرها إلى هذه الكتب ولو عن غير قصد.

هذا الموقف من القراءة ـ الذي يجعل التفاعل الوحيد المقبول مع نص هو استحسانه دونما قيد أو شرط ويجعل كل ما دون ذلك معادلا للرقابة ـ ليس تدليسا وحسب لكنه في ظني ـ في نهاية المطاف ـ معاد للأدب نفسه. فلو أنه ما من كتب تثير استنكارنا، فما قيمة التقييم؟ ولو أننا نبذنا قدرتنا على إصدار أحكام أخلاقية، قد نجد أنفسنا عاجزين عن الوصول إلى أحكام جمالية أيضا، وعاجزين عن ممارسة الملكات النقدية لكلا نوعي الأحكام.

في قصيدة غنائية غير ذات محتوى أيديولوجي واضح المعالم، من قبيل قصيدة «الأحدعشرية» لألجرنون تشارلز سوينبورن، ثمة أبيات أشعر أنني على استعداد للموت من أجلها، برغم أنني لا أستطيع أن أتخيل لنفسي أي حق سياسي فيها (ناهيكم عن الدفاع النفعي عن قيمتها)، بما يتجاوز رجائي في رضا عضو بسيط في مجلس إدارة مدرسة اعترض على بيتها الأول: «في شهر ذبول الورد الطويل».

ولذلك، خير للأمريكيين، بدلا من الحملات الأدبية الشبيهة بـ (يوم الدونَت الوطني) أن يجدوا أنفسهم مرغمين على التساؤل عن الداعي إلى إكراه فعل القراءة على هذا السياق العام. فهل الاستمتاع بقراءة رواية أو سيرة عمل استعراضي شأن رفع علم أوكرانيا أو ارتداء قبعة عليها شعار ترامب (لنرجع عظمة أمريكا من جديد)؟ لو أن الأمر كذلك، فأعداء الأدب قد انتصروا بالفعل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه الکتب من الکتب

إقرأ أيضاً:

الاثنين.. أمسية غنائية وإنشاد ديني في مكتبة القاهرة الكبرى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تنظم مكتبة القاهرة الكبرى، برئاسة الكاتب يحيى رياض يوسف، مدير المكتبة، أمسية غنائية وإنشاد ديني مع الشاعر سامح هريدي والشاعر محمد طلعت والشاعره اسماء كامل يوم الإثنين الموافق 17 مارس في تمام الساعة 8 مساءً.

تجمع الأمسية الغنائية والإنشاد الديني والشعر في فعاليات مكتبة القاهرة الكبرى بين أصالة الفن وروحانية الشعر، حيث يقدم المشاركون مجموعة من الأناشيد الدينية التي تلامس القلوب، مع ألوان غنائية تنبض بالعاطفة والفن الرفيع.

ويشارك الشعراء مع الاحتفالية  بمجموعة من القصائد التي تتغنى بالوطن والحياة، مما يجعل من هذه الأمسية تجربة ثقافية وروحانية مميزة، تعكس جمال التقاليد الفنية المصرية والإبداع المعاصر.

بقصر الأميرة سمية كامل، مكتبة القاهرة الكبرى، شارع محمد مظهر، بالقرب من محطة مترو صفاء حجازي.

مقالات مشابهة

  • بول فون هايس .. لماذا فاز بجائزة نوبل في الأدب؟
  • عاجل: رواية أمريكية حول الغارات الجوية على صنعاء قبل قليل وماذا استهدفت؟
  • كاتب إسرائيلي: دعهم ينتصرون.. الفلسطينيون لن يذهبوا إلى أي مكان وانتصار إسرائيل الكامل وهم خطير
  • أعداء الشعب… ترامب يهاجم وسائل الإعلام ومعارضي سياساته
  • الاثنين.. أمسية غنائية وإنشاد ديني في مكتبة القاهرة الكبرى
  • هرب باستخدام معقم يدين وورق.. رواية صادمة لرجل حبسته زوجة أبيه لـ20 عاما
  • قائمة أعداء ترامب الطويلة
  • مكتبة مصر العامة الرئيسية تحصد جائزة التميز من أكاديمية سيسكو للشبكات
  • بالمخالفة للقانون.. القبض على مالك مطبعة يقلد الكتب الدراسية بالجيزة
  • ضبط مالك مطبعة بدون ترخيص بالجيزة لقيامه بنسخ وتقليد الكتب الدراسية