ألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أيام خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان خطابه بمثابة كارثة، ولكن بعيدا عن كلماته الغريبة، فقد حمل رسالة واضحة مفادها أنه لن يكون هناك أي حل وسط إطلاقا عندما يتعلق الأمر بشأن أوكرانيا.

وهذا فعلا ما كان يجب قوله، فروسيا تعتقد أن العالم أجمع سيفقد شغفه بشأن أوكرانيا ثم سيسمح لها بالتعامل بوحشية مع أوكرانيا دون أن تمسها العواقب.

وهنا أطرح تساؤلا، إذا ما افترضنا أننا سنتخلى عن المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة لإرضاء المعتدي، فهل يمكن لأي دولة أن تكون واثقة بأنها محمية وفي أمان؟وإذا افترضنا أننا وافقنا على تقسيم أوكرانيا، فهل ستكون كل دولة مستقلة جديدة آمنة؟

والجواب الذي أضعه هنا هو«لا»، بل يجب علينا أن نواجه صور العدوان السافر اليوم لصد المعتدين سواء حاليا أو المعتدين المحتملين في المستقبل.

لذلك ستواصل الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائنا في العالم أجمع الوقوف إلى جانب أوكرانيا، ذلك الشعب الشجاع الذي يدافع عن سيادة بلاده وسلامته وحريته.

ويتضح من خلال كلمة بايدن التي قال فيها: «لن نسمح بتقسيم أوكرانيا» أنه يعني لا وجود لحل وسط في ما يتعلق بتسوية إقليمية في أوكرانيا.

خلال الأعوام الماضية، كانت أغلب خطط السلام التي قدمتها العديد من الأطراف تنص على أن التسوية الإقليمية هي خطوة نحو الحل، بل إنها السبيل الوحيد لذلك، بما في ذلك اتفاقية «مينسك» التي وقعتها أوكرانيا أول مرة في عام 2014 -وهي سلسلة من الاتفاقيات المتعلقة بإنهاء الحرب في منطقة دونباس الأوكرانية- ووقعتها ثانية في عام 2015، وقد نصت الاتفاقية على التوصل إلى تسوية بشأن الأراضي.

واليوم، استبعاد فكرة التسوية الإقليمية هو بمثابة رسالة شديدة الوضوح موجهة إلى روسيا، التي تشن حربا ضد أوكرانيا لسببين رئيسيين، «أ» حماية الناطقين باللغة الروسية في أوكرانيا، و«ب» إبعاد أوكرانيا خارج حلف الشمال الأطلسي، فوجود الناتو في أوكرانيا بمثابة خط أحمر بالنسبة لروسيا.

بالنسبة للسبب «أ» وهو حماية السكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا، فذلك ينطبق على مناطق محددة وهي «دونيتسك»، و«لوهانسك»، و«زافوريز» و«خيرسون» التي ضمتها مؤخرا من أوكرانيا، كما أعلنت روسيا سابقا ضم جزيرة القرم معتبرة أنها جزء من روسيا، وقامت بإجراء استفتاء بذلك.

عمليًا، لا يمكن لأوكرانيا استعادة تلك الأراضي ولا تملك أية فرصة لذلك، حتى إن عمليات القتال بين البلدين كانت في خطوط التماس تلك، خاصة في بداية الحرب، وكانت أغلب جهود القوات الأوكرانية هي محاولة اختراق خطوط الدفاع الروسية التي تحمي تلك الأراضي، واليوم هناك إجماع على أن الهجوم المضاد باء بالفشل ولم يحقق أية نتائج، وخلَّف عشرات الآلاف من القتلى الأوكرانيين واستنفد مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية التي تتلقاها أوكرانيا.

ولم يتضمن خطاب جو بايدن أي شيء حول عضوية حلف الشمال الأطلسي وأوكرانيا، رغم أن هذه هي المسألة الأبرز والخط الأحمر بالنسبة لروسيا، بل كانت تعزيزات الناتو العسكرية لأوكرانيا هي السبب الأول لبداية الحرب الروسية على أوكرانيا، وقبل ذلك قامت روسيا بإرسال خطابات التحذير إلى الولايات المتحدة وحلف الشمال الأطلسي بشأن تدخل الناتو في أوكرانيا، وذلك قبل حوالي شهر من إرسال روسيا قواتها إلى الأراضي الأوكرانية، ولكن الولايات المتحدة وحلف الشمال الأطلسي رفضا إجراء أي نقاش مع روسيا فيما يتعلق بهذا الموضوع.

وبعد ذلك لم يتم ضم أوكرانيا إلى حلف الشمال الأطلسي بشكل رسمي، ومن أسباب ذلك أن العديد من أعضاء الحلف يرفضون خطوة ضم أوكرانيا إليها، وبشكل خاص الألمان، وذلك خشيةً من أنه لو تم ضم أوكرانيا إلى الناتو فستكون الحرب الروسية ضد دول الحلف أكملها، وهذا يعني اشتعال الحرب في أوروبا.

كما لم يتطرق خطاب بايدن إلى أي عملية سلام، باستثناء قوله إن روسيا يمكنها أن تنفذ ما طالب به الرئيس الأوكراني «زيلينسكي» بأن تغادر القوات الروسية الأراضي الأوكرانية وأن يتم تنفيذ عقوبة على كبار القادة العسكريين الروس والمدنيين الروس الذين تسببوا بجرائم الحرب المزعومة، وقد كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يسعون إلى زعزعة الاستقرار الروسي من خلال الترويج لهجمات أوكرانية على الأراضي الروسية، وتبني أوكرانيا للعديد من الانفجارات والاغتيالات في روسيا، ولكن روسيا ردت على ذلك بإمكانية استخدام الأسلحة النووية كحل أخير لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية من خلال محو أوكرانيا من الخريطة.

وفي الأثناء تواصل روسيا حشد قواتها العسكرية في أوكرانيا، وتعزيزها بالأسلحة والعتاد، وذلك مواجهة للدعم الذي تتلقاه أوكرانيا من الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الشمال الأطلسي، هذا الدعم الذي عزز تطور الحرب وحدتها وغير استراتيجيات الدول الأوروبية، فروسيا من وجهة نظرها ترى أنها في حرب ضد الناتو، وتحديدا على وكيلها «أوكرانيا».

والمؤسف أن أوكرانيا تفشل في هذه الوكالة، ولكن هناك بالفعل مستشارين من حلف الشمال الأطلسي في أوكرانيا، كما فعلت أمريكا سابقا في حرب فيتنام، فقد أرسلت مستشاريها قبل أن ترسل قواتها البحرية وجيشها.

وفي حالة إعادة انتخاب بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، فمن شبه المؤكد أنه سيرسل قوات بلاده في محالة لإنقاذ أوكرانيا، فهذا سيعني حربا في أوروبا.

الوضع في أوكرانيا محاط بالمخاطر الكبيرة، خسرت أوكرانيا إلى الآن الكثير بداية من «باخموت»، وإلى هجومها المضاد، وما زالت أوكرانيا تسعى إلى تعزيز قواتها من خلال ضم الرجال وحتى النساء لمقاومة الروس، ولكن في حالة قررت روسيا أن الوقت قد حان لشن هجوم أكبر فذلك يعني انهيار أوكرانيا.

من المحتمل أن تتخذ روسيا العديد من الخطوات، منها شن هجمات أوسع على القوات الأوكرانية لإنهاء ما تبقى من قوته، وأن تتخذ خطوات سياسية مستقبلا في حال خسر جو بايدن الانتخابات، وتتمثل في فتح المفاوضات بشأن تقسيم الأراضي الأوكرانية، وهذا ما يقول الروس أنهم يريدونه.

من الأسئلة التي أطرحها هنا، إلى متى ستقبل روسيا بالهجمات المضادة على أراضيها، وإلى متى ستصب هذه الهجمات إلى صالحها لأنها تساعد بوتين في الحصول على دعم عسكري خاص؟

وتريد الولايات المتحدة تصعيد هذه الهجمات المضادة على روسيا -كما أوضحت فكتوريا نولاند- باعتبارها أنها ستروض روسيا، ولكن هذا لن يحدث، بل سيؤدي إلى مزيد من ردات الفعل الروسية على أوكرانيا، وربما على أصول الولايات المتحدة وحلف الشمال الأطلسي في أماكن أخرى.

ولسوء الحظ، كان خطاب جو بايدن بمثابة كارثة على مساعي الوصول إلى حل سلمي بشأن أوكرانيا، من الممكن أن يكون هذا الخطاب سببا في إعادة انتخابه، وليس أمامنا سوى أن ننتظر نتائج الانتخابات القادمة في ظل موقفه المتشدد بشأن أوكرانيا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بشأن أوکرانیا فی أوکرانیا أن أوکرانیا جو بایدن من خلال

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة: عواقب الحرب تهدد الأجيال القادمة في غزة

غزة (الاتحاد)

أخبار ذات صلة «الأونروا»: أطنان النفايات ومياه الصرف تحاصر خيام النازحين وسط غزة إسرائيل تصادر مساحات واسعة من أراضي شمال الضفة

اعتبرت كبيرة منسقي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، سيغريد كاخ، أمس، أن الحرب على غزة أطلقت دوامة من البؤس الإنساني انهار فيها نظام الصحة العامة وتعطل نظام التعليم ما يهدد الأجيال القادمة.
وشددت كاخ في إحاطتها أمام اجتماع مجلس الأمن حول الوضع في الشرق الأوسط، على أن التخطيط الطموح لإعادة الإعمار في غزة يتطلب تمويلاً سخياً، لافتة إلى الدور الحيوي الذي تؤديه السلطة الفلسطينية في القطاع لتنفيذ عملية التعافي.
وأوضحت أن إعادة الإعمار في غزة تعني بناء أو تجديد المزيد من المساكن الدائمة واستعادة أنظمة الصحة والصرف الصحي وإعادة تأهيل المدارس ودعم نحو 17 ألف طفل باتوا أيتاماً بسبب الحرب. 
وأشارت المسؤولة الأممية إلى نزوح أكثر من مليون شخص مرة أخرى من غزة في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح في مايو الماضي للبحث بشكل يائس عن الأمان والمأوى.
وأعربت كاخ عن القلق العميق إزاء التقارير التي تفيد بإصدار أوامر إخلاء جديدة في منطقة خان يونس وتأثيرها على السكان المدنيين كما تطرقت إلى تطبيق قرار مجلس الأمن 2720 الذي وضع إطاراً لتسريع وتعجيل وتبسيط توصيل المساعدات في مختلف أنحاء غزة. 
وأكدت أن هناك حاجة لتدفق مستمر للمساعدات إلى غزة لتسليم الإمدادات ذات الجودة والكمية عبر جميع المعابر البرية والبحرية بما في ذلك معبر رفح الحدودي. 
ونبهت إلى أنه منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح وإغلاق معبر رفح في مايو الماضي انخفض حجم المساعدات التي تدخل إلى غزة وتوزع عبرها بشكل كبير. 
ودعت كاخ في هذا الصدد إلى توسيع نطاق ممر الأردن وحجم المساعدات التي تدخل عبر معبري «زيكيم» و«إيريز» وفتح معابر إضافية، وخاصة إلى جنوب غزة بالإضافة إلى إعادة فتح معبر رفح بشكل عاجل. 
وطالبت المسؤولة الأممية كذلك باتخاذ إجراءات عاجلة فيما يتعلق بإنشاء نظام فعال وقابل للتنبؤ به لتفادي التضارب العسكري - الإنساني والتنسيق في جميع أنحاء غزة واستمرار الوصول إلى جميع معدات الأمن والاتصالات بالإضافة إلى المواد الإنسانية الحيوية اللازمة. 
وفي سياق متصل، أصيب أكثر من 150 ألف شخص في قطاع غزة بأمراض جلدية بسبب الظروف غير الصحية التي يعيشها النازحون في الملاجئ والخيام منذ بداية الحرب، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
وأكدت منظمة الصحة العالمية وجود 96417 إصابة بالجرب والقمل في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر، و9274 حالة جدري ماء، و60130 حالة طفح جلدي، و10038 حالة «قوباء».
وحذّرت منظمة الصحة العالمية من انتشار أمراض أخرى في مخيمات النازحين تنتج عن عدم النظافة، مشيرةً إلى إنه تم التبليغ عن 485 ألف حالة إسهال بسبب تفاقم سوء التغذية.

مقالات مشابهة

  • خلال لقائه برئيس الوزراء المجري.. بوتين يكشف موقفه من تسوية الأزمة الأوكرانية
  • بايدن يهنئ ستارمر على رئاسة حكومة بريطانيا.. ويجددان تعهدهما بدعم أوكرانيا
  • دون طرح موضوع العضوية.. اجتماع مرتقب للناتو لبحث استمرار الدعم لأوكرانيا
  • نيبينزيا: العملية العسكرية الروسية تحدد موقف الغرب من التسوية في أوكرانيا
  • قائد البحرية الأوكرانية: روسيا تفقد السيطرة على محور شبه جزيرة القرم
  • الأمم المتحدة: عواقب الحرب تهدد الأجيال القادمة في غزة
  • روسيا تعلن تحقيق تقدّم في شرق أوكرانيا
  • أوكرانيا لن تهزم روسيا .. استطلاع أوروبي يصدم الأوكرانيين
  • البنتاجون: سياسة واشنطن بشأن استخدام أسلحة بعيدة المدى داخل روسيا لم تتغير
  • ليتوانيا: طائرة روسية انتهكت المجال الجوي دون إذن