أخبار المناخ تبدو مؤلمة جدا أحيانا. لذلك كان عليّ إجبار نفسي على قراءة خبر في الشهر الماضي جاء فيه أن مستويات البحر الجليدي في قارة أنتاركتيكا يتقلص بسرعة مذهلة. لكن في حين تدعونا البيئة إلى التحرك بسرعة أكبر في محاربة احترار الكوكب يريد بعض القادة السياسيين التلكؤ وجرجرة أقدامهم.

الصحف مليئة بعناوين الأخبار التي تتحدث عن نكوص رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك على عقبيه بشأن سياسات حماية البيئة.

وهو ليس وحده. فالضغوط التي رضخ لها يواجهها أيضا القادة حول العالم الغربي.

المشكلة الأساسية هي أن ساسة الأحزاب الرئيسية تبنوا «نصف حقيقة» مريحة حول التغير المناخي. تقول نصف الحقيقة هذه أن الانتقال إلى صافي صفر كربون (الحياد الكربوني) ليس ضروريا للبيئة فقط ولكنه سيكون جيدا للاقتصاد كذلك. فوظائف المستقبل كما يُقال لنا وظائف «خضراء».

هذا القول صحيح إلى حد ما، لكنه يتجاهل تكاليف الانتقال. فالتحول بعيدا عن الوقود الأحفوري مكلف جدا. ومع اتضاح هذه الحقيقة بدأت المعارضة تشتد في أوساط الناس الذين يرفضون تكلفة التخلي عن سياراتهم القديمة أو استبدال سخانات الغاز.

يجادل الأكاديمي والناشط الشعبوي مات جودوين بأن السعي لتحقيق صافي صفر كربون سيحرض على «التمرد الشعبوي الكبير التالي في السياسة الغربية».

وكما يشير جودوين يؤيد عامة البريطانيين صافي صفر كطُموح وأمل يرتجى. لكن ذلك التأييد يتدنى إلى نسبة 16% إذا كان الانتقال إلى الموارد المتجددة ينطوي على زيادات في الفواتير المنزلية. ويرى حوالي 54% أن الأولوية القصوى يجب أن تذهب لتكلفة المعيشة وليس لصافي صفر كربون.

ينبغي ألا يكون هذا اكتشافا مفاجئا. فاحتجاجات أصحاب السترات الصفراء التي هزت فرنسا كان باعثها في البداية زيادة ضريبة الكربون على وقود السيارات. لخَّص المعضلة وقتها تعليق ينسب إلى أحد المحتجين (قد يكون ملفقا). يقول المتظاهر الفرنسي «إنهم يتحدثون عن نهاية العالم ونحن نتحدث عن نهاية الأسبوع».

في هذا العام يجيء الدور على ألمانيا. فخطط الحكومة لاستصدار قانون يمنع تركيب سخانات غاز جديدة ويفضل بدلا منها مضخات الحرارة أثارت غضب المستهلكين لأنها تخاطر بتحميلهم عبء سداد فواتير باهظة. وساهم ذلك في صعود شعبية حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف في استطلاعات الرأي والذي أدان «الفاشية الخضراء» للنخبة الألمانية. الآن اضطرت الحكومة على مضض إلى إبطاء التحول لمضخات الحرارة.

مع تردد الحكومات الأوروبية في اتخاذ إجراءات غير محبَّذة سياسيا لكنها ضرورية لتحقيق صافي صفر كربون تتعرض «الصفقة الجديدة الخضراء» التي دفع بها الاتحاد الأوروبي وأحيطت بدعاية صاخبة إلى ضغوط شديدة. وكما ذكرت الفاينانشال تايمز في الشهر الماضي فإن أحكامها إما يجري تخفيفها أو أنها تؤجَّل بسبب المعارضة الشديدة من الصناعة والمزارعين والشركات.

وتخاطر إدارة بايدن بتعرضها لضغوط مماثلة. فالفكرة التي تكمن خلف سياسة بايدن الاقتصادية هي أن الدعومات الحكومية الأمريكية ستساعد على إيجاد الكثير من الوظائف الصناعية المجزية في الصناعات الخضراء الجديدة. ويبدو الأمر وكأنه مكسب صاف لا تترتب عنه أية خسارة. لكن إضراب عمال السيارات الحالي مدفوع في جزء كبير منه بالمخاوف من أن يقود التحول من سيارات البنزين إلى السيارات الكهربائية إلى إنهاء خدمات أعداد كبيرة من العاملين واحتمال ألا تكون رواتب الوظائف الجديدة مجزية كالوظائف القديمة.

في الولايات المتحدة يعارض اليمين الشعبوي وبشدة هدف صافي صفر كربون. ومن المُرجح أن يستغل دونالد ترامب ذلك في الانتخابات الرئاسية لعام 2024. لكن السياسة فيما يتعلق بهدف صافي صفر لا تشير لاتجاه واحد فقط. فالساسة الذين يتخلون عن محاربة الاحترار العالمي يعرضون أنفسهم للعقاب أيضا خصوصا من ناخبي الطبقة الوسطي والفئات الثرية.

توني أبوت رئيس الوزراء الأسترالي السابق الذي أصبح معلما للمحافظين البريطانيين فقد مقعده في ضاحية ثرية من ضواحي سيدني لصالح مرشح مناصر لحماية المناخ في عام 2019. وانتزع المستقلون الذين يؤكدون على وجوب اتخاذ إجراءات لحماية المناخ المزيد من المقاعد من المحافظين في الأجزاء الأسترالية الأكثر ثراء في الانتخابات الأخيرة. لكن ذلك لم يمنع اليمينيين من مواصلة المطالبة بالصوت العالي بالتخلي عن تعهدات أستراليا «التي لا يمكن الدفاع عنها البتة» لبلوغ صافي صفر كربون بحلول عام 2050.

السعي نحو تحقيق هذا الهدف أيضا محفوف بتحديات جيوسياسية. كثيرا ما يقال إحدى ميزات التحول إلى الموارد المتجددة أنه سيجعل الغرب أقل اعتمادا على كبار منتجي النفط. لكنه لسوء الحظ سيجعله أكثر اعتمادا على الصين التي هي أهم منتج في العالم لألواح الخلايا الشمسية وبطاريات السيارات الكهربائية ومعادن الأرض النادرة.

الفوضى التي يُدخِل فيها الاتحاد الأوروبي نفسه وكذلك الولايات المتحدة تشكل تباينا لافتا مع التطوير السريع للطاقة المتجددة في الصين. لكن حتى بيجينج تبطئ الآن من خطى تحولها عن الوقود الأحفوري وخصوصا الفحم الحجري.

فالتوجه نحو أمن الطاقة في الصين أفضَى إلى «هوس جديد» بالفحم الحجري وإلى تسارعٍ في معدل افتتاح المحطات الجديدة التي تستخدمه لتوليد الكهرباء. وهذا يؤثر على المناخ بدرجة أكبر كثيرا من أية سياسات تبنَّتها بريطانيا أو ألمانيا لأن الصين تتسبب في انبعاثات تزيد عن تلك التي تطلقها بلدان مجموعة السبع في مجموعها.

إذن أين هو الخبر الجيد؟ ربما يكمن في حقيقة أنه لا يوجد حتى الآن أي اقتصاد من اقتصادات العالم الكبرى تحت قيادة من ينكرون التغير المناخي. فرئيس الوزراء البريطاني سوناك فيما كان يعلن عن إبطاء السياسات الخضراء في الشهر الماضي أكد مرارا أن حكومته لا تزال ملتزمة بهدف صافي صفر كربون.

لكن عندما يتعلق الأمر باتخاذ الإجراءات الفعلية لحماية المناخ يبدو سوناك، مثل القادة الغربيين الآخرين، منجذبا باطراد إلى نسخة جديدة من دعاء القديس أوجسطين (في بداية اعتناقه المسيحية) حين طلب أن يُوهَب العفاف والزهد «لكن ليس الآن».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

بـ 30 فيلما من 4 دول عربية.. انطلاق فعاليات مهرجان الإسكندرية للسينما الخضراء

انطلقت مساء اليوم الجمعة، فعاليات الدورة الأولى لمهرجان الإسكندرية للسينما الخضراء AGFF، الذي يستضيفه المتحف القومي بالإسكندرية، الذي يستمر على مدار 3 أيام بدءاً من اليوم حتى يوم 7 يوليو، تحت شعار "سينما من أجل العدالة المناخية".

بدأت فعاليات المهرجان بالوقوف دقيقة حداد علي أرواح شهداء فلسطين ثم الجلسة الافتتاحية التي تخللت كلمات نجلاء عبد اللطيف من مؤسسة صفر نفايات فلسطين و عادة الحسين منسقة مشروع في بالبلاستيك مصر و إسلام كمال صانع الأفلام و دارة الجلسة مريم الباز محاورة العلوم.

ومن جانبها قالت نور حازم، مديرة المهرجان في تصريحات لـ"الأسبوع"، أن الدورة الأولى من مهرجان الإسكندرية للسينما الخضراء، تحمل رسالة هامة لبيئتنا التي ظلمتها سلوكياتنا الخاطئة وعدم وعينا بخطورة التغيرات المناخية التي يشهدها العالم أجمع.

وأضافت، أننا تحملنا مسؤولية نشر الوعي البيئي للجميع ولكن بحثنا عن أفضل طريقة فوجدنا أن الفن بتأثيره الناعم هو السبيل الذي سيدعم التغيير الواجب لنشر القضايا البيئية الهامة وفهم التحول العادل والعدالة مناخية.

تابعت، أننا قررنا أن نكون نافذة للمبدعين والمواهب الشبابية وإشراكهم في رسالتنا البيئية، من خلال ورش عمل تدريبية شارك فيها فنانين من الشباب السكندري، بمساعدة شركاء من البحر المتوسط، لتشجيع دور الفنانين لترك أثر مجتمعي يساعد على حراك إجتماعي تجاه التحول الأخضر.

أكملت، أن الدورة الأولى انطلقت بمشاركة أكتر من 30 فيلماً قصيرًا، منهم الساخر، الرسوم المتحركة، والوثائقي من عدة دول هي مصر، المغرب، العراق، والجزائر، وهذا يؤكد أن قضية التغيرات المناخية تؤثر على الجميع وعلينا أن نعي لهذا جيدا دون استثناء.

وأكدت، أننا في الدورة الأولى لا نستطيع أن ننسى أرضنا المحتلة في دولة فلسطين وما يعيشوه أشقاءنا في قطاع غزة، من حرب قاسية لا تعرف الإنسانية، مؤكده أن الحروب التي يشهدها العالم لها تأثير خطير على زيادة أزمة التغيرات المناخية العالمية التي نعيشها جميعا بلا استثناء.

وفي نفس السياق، واصلت منار رمضان، الشريك المؤسس لبانلاستيك، أن المهرجان يحمل رسالة خضراء مدعمة بالمشروعات الفنية بضرورة الإلتفات للطبقات الإجتماعية المتأثرة بالتغيرات المناخية والتي تؤثر بشكل مباشر على مصدر أرزاقهم، فالتغيرات المناخية لا تؤثر فقط على زيادة درجات الحرارة وشدة حرارتها.

واضافت، أننا لامسنا هذا بالتفاعل المباشر والميداني من خلال زيارتنا لاحدى قرى أبيس، ومركز المعدية بين الإسكندرية والبحيرة وغيرها من المناطق والقرى المتضررة، ليكون هناك تواصل مباشر مع الفلاحين والصيادين ومعرفة كيف أثرت التغيرات المناخية على حياتهم، ومحاولة إبراز هذا في الأعمال الفنية ذات الرسالة البيئية الخضراء.

والجدير بالذكر أن مهرجان الإسكندرية للسينما الخضراء AGFF، منظم من قبل Banlastic Egypt ومشروع Upstage، برعاية عديد من المنظمات المؤثرة بيئيا بما في ذلك GlobalGreen Grants و Les têtes de l'art وبالتعاون مع المؤسسة الثقافية الأوروبية و معهد جوته، المركز الثقافي الفرنسي، و متحف الإسكندرية القومي.

مقالات مشابهة

  • انطلاق فعاليات مهرجان الإسكندرية للسينما الخضراء
  • افتتاح مهرجان الإسكندرية للسينما الخضراء.. 30 فيلما من 4 دول
  • بـ 30 فيلما من 4 دول عربية.. انطلاق فعاليات مهرجان الإسكندرية للسينما الخضراء
  • بوتين لرئيس وزراء المجر: مستعد لمناقشة الفروق الدقيقة بشأن الأزمة الأوكرانية
  • أستاذ هندسة بترول: التشكيل الوزاري الجديد به كفاءات يمكنها إدارة ملف إدارة الكهرباء
  • ارتفاع صافي أرباح "تعليم" القابضة 12.7% خلال تسعة أشهر
  • مدبولي: تكليفات رئاسية بإدخال قدرات كبيرة من الطاقة المتجددة إلى شبكة الكهرباء
  • حل لغز انقراض الحيوانات العملاقة.. ماذا فعل الإنسان قبل ملايين السنين؟
  • علماء يتوصلون لسبب انقراض الحيوانات الضخمة قبل 50 ألف سنة
  • حل لغز سبب انقراض الحيوانات الضخمة قبل 50 ألف سنة!