التُقَابَةْ – «مروي» فيها شُفّت كل جديد – عوض أحمدان
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
منذ إندلاع الحرب المفروضه، علي بلادنا منتصف أبريل الماضي، احتجبت (التقابه) عن الظهور في صحيفة الانتباهه، صباح السبت، من كل أسبوع ، نتيجة توقف الصُحف نفسها عن الظهور، جراء الظروف القاسية التي تمر بها البلاد… تعرّضت الخرطوم، للدمار والتخريب، بصورة تعجز عن وصفها الكلمات، فقد المواطنون كل شئ، فهاموا علي وجوههم، الي وجهات مختلفه، ينشدون لأُسرهم السلامة والأمان، فيما بقي بعضهم، يعيشون حياة الرُعب، تحت زخات الرصاص، وسقوط الدانات، وأصوات المدافع، التي أقلّقت المضاجع، وحَصدَتْ كثيراً من النفوس البريئة…
الولاية الشمالية،بمُدِنها وقُرَاها، كمثِيِلاتِها الأُخريات، فتحت أبواب الترِحاب، لبنِيها ولغيِرهم من أبناء السودان، استقبلتهم في حنوٍ ظاهرٍ، رغم جنوح بعضهم عن المألوف، بفرضِ الإيجارات العاليه، بأرقام فلكية، للشقق والمنازل، التي آوت القادمين، بأسعارٍ لم نسمع بها في الغابرين، يدفعها المُستأجر، وهو صاغر، يبحث عن المأوى لأبنائه، في منزلٍ، عادي، أراد صاحبُه أن يملأ به جيبه المثقوب، بمئاتِ الآلاف ، دون وازع أو ضمير…
وسط هذه الأجواء، ومالآت الحُزن، الذي إندلق في النفوس، فالحياة بالطبع لن تتوقف، ولابد لها أن تمضي الي الأمام، يأمل الإنسان فيها أن تتبدد خيوط الظلام، وتشرق الشمس من جديد…
مروي.
من اشراقات المنتدي أمس، حوار هاتفي، مع عمود الثقافة، ورائد المعرفة، الخبير المعروف، بروفيسور علي شمو، الذي خاطب الحاضرين، وسط عاصفة من التصفيق، عن أهمية الثقافة، ودورها في حياة المجتمع، في كل الظروف والأوقات، مثمناً دور المنتدي ووزارة الثقافة بولاية الخرطوم، مستعرضاً البعد التاريخي والثقافي، لمدينة مروي،الذي جعل بعض أبنائها، يوقفون الوقت والمال، لمثل هذه المحافل، مطالباً بتعزيز العلاقة وتقويتها، بين ولاية الخرطوم، ومواعين الثقافة بالولاية الشمالية، ليعود النفع علي المواطن، الذي يستحق الكثير، وقد عبّر بروفيسور شمو، في خاتمة إطلالتة الهاتفية، عن عدم تأسفه وحزنه، علي نهب منزله، ومحتوياته، من الأثاث والعربات، بقدر تألمه الشديد، لضياع مكتبته وارثه الثقافي، الذي كان من المراجع المهمه، قبلةً للمثقفين، وطلاب المعرفه، فالمتاع يمكن تعويضه، والدار يمكن بنائه، ولكن أنى له، وللبلاد، تعويض هذا الفقد الأليم…
في منتدي مروي الثقافي، تداول الحاضرون، علي كثرتهم، النأي والبعد، عن التعصب والجهوية ونبذ الكراهية، مثلما نطق الشاعر يوسف مصطفي التني، من قبل، (مابندور عصبية القبيله.. تربي فينا ضغائن وبيله.. وتزيد مصايب الوطن العزيز)، وعرجوا علي ما أورده إبراهيم العبادي، في أبياته الشهيرة… (دنقلاوي وشايقي وجعلي إيه فايداني.. غير ولدت خلاف خلت أخوي عاداني… خلوا نبانا يسري مع القريب والداني…. يكفي النيل أبونا والجنس سوداني) …
هكذا تهادي الوقت، وتكاملت تفاصيل الفعالية، التي أمها حضورٌ مهيبٌ، من أحياء مروي، نوري، السقاي، البركل، القرير، اوسلي، ابودوم، تنقاسي، وغيرها، وكان لحضور ومخاطبة نائب المدير التنفيذي، لمحلية مروي، الاستاذ حسن حسين، أثر كبير، ازال بعضاً من العتب، الذي صوبناه من قبل ناحية المدير التفيذي للمحلية، الأستاذه سمية، فقد حفيت الأقدام، وكلّت الهواتف، لنظفر بلقائها، لا نبتغي منفعةً شخصيةً، بقدر ما نريد مساعدِتها في إلقاء حجرٍ كبيرٍ، في (بركة) الثقافة والإعلام،ٍالساكنه في محليتها.. قبل أن أدلف الي بوابة الخروج، لابد من رسالةٍ في بريد والي الشمالية، الأستاذ، الباقر أحمد علي، ليظهر إهتمامه العالي، بالثقافة علي نطاق الولاية، خاصة في هذه الظروف، ستكون الثقافة عوناً له، لتخطي كثير من العقبات الكؤود، فقد لمسنا للأمانة، حماساً ورغبةً وإصراراً، من جانب رئيس المجلس الأعلى للثقافة والإعلام، الاستاذة تقوي، التي لديها من الخطط والبرامج، لتعاطي الثقافة بمنظور، نقرأ من خلاله، صور المستقبل الثقافي، بعد ان تهِل بشارات النصر القادم، بإذن الله… وفي الختام كلمه، في حق (الغبش) الذين يتدفقون ثقافةً وفناً، وتواصلاً، استهواهم العمل الإجتماعي، فذابوا فيه، حولوا فكرة المنتدي الي واقع وكائن حي، يمشي علي خطي الإبداع، نذكر منهم، الفنان كباشي جعفر، التربوي(الوافد) صلاح عثمان، القدال، خليفه عثمان، أيمن، الفنان عبد الله حسن مدني، والإعلامي المخُضرم كرسني،الذي يسبقه دوماً، إسمه وكسبه، في مجالٍ هو من فِرسانه، وغيرهم من الذين لم تستوعب أسمائهم الذاكرة، سهواً وليس عمداً، أمس فقط عرفت لوحدي، لماذا كان يُصر، الدكتور عبد الكريم الكابلي، ليتم نقله الي إدارة المحاكم بمروي، أواخر الخمسينات، فقد وجد فيها، المرتع الخصب، والبيئة الصالحة، والباعث الإبداعي الذي الهمه عدداً من الأشعار والالحان، منها الأوبريت الشهير..
اللهم أنصر قواتنا المسلحة، وانشر علي ربوع البلاد كلها، الأمن والأمان….
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: الت ق اب ة شفت فيها مروي
إقرأ أيضاً:
العزيز عبد العزيز عثمان
في الاعوام ١٩٦٩ إلى ١٩٧٢ دفعت مدارس دنقلا ومروي الثانوية وبورتسودان باعداد مقدرة من ابناء منطقة دنقلا رفدت الاتجاه الاسلامي بقيادات تنظيمية متميزة كان منها الدكتور محمد خيري فقير والمهندس شريف سعيد والشهيد حسن عوض الله والمهندس مكاوي محمد عوض وشقيقه حجازي والمهندس خالد محمد خالد ومحمد صلاح الدين حسن والمهندس ساتي واحمد سليمان وفتحي السيد وعبد العزيز بشاشة وسيد الزبير والسفير عبد الله عمر وغيرهم ممن كانوا في قيادة مؤسسات الخدمة المدنية بعد التخرج ..
يبدو ان هذا الرافد الدفاق كان يلهمه من أبناء المنطقة الدكتور عبد الرحيم على والدكتور احمد علي الامام وحسن ساتي والدكتور محمود شريف … وكان من بين هؤلاء الطلاب ابن قرية كلمسيد بمنطقة دنقلا الزورات عبد العزيز عثمان الذي دخل معنا الى كلية الهندسة بجامعة الخرطوم … سطع نجمه فاعتقل مع من اعتقل من قيادات الاتجاه الاسلامي بكلية الهندسة في مطلع العام ١٩٧٦م ..
تقدم الصفوف بثبات في سجن دبك الذي خصص وقتها للطلاب المعتقلين من الجامعات فانبرى بعزيمة مجموعة من طلاب الاتجاه الاسلامي يقودها عبد العزيز لترفع من روح المعتقلين المعنوية وتدير نشاطا ثقافيا واجتماعيا ورياضيا واسعا ومسابقات فارتج السجن بحلقات التلاوة والحفظ والتجويد ودروس الفقه واصوله والتاريخ واللغة الفرنسية والصوتيات والثقافة السودانية والاحتفال بالمناسبات وبوادر برنامج الجبهة الاسلامية القومية في المجالات كافة بعد ان تجاوزت بنا القيادة شعار (الإسلام هو الحل) .
ولأن عبد العزيز كان فتى متعدد المواهب ككثير من السجناء من قيادات الطلاب إذ لم يكن احدهم يتخيل ان يكون عمر محمد زين طالب الزراعة حداد ماهر وفاروق احمد آدم سياسي وبيطري ولاعب ممتاز لكرة القدم وحموري السني الملتزم معلم وعازف ماهر على آلة الطمبور وطالب الهندسة حلاق له صالون تحت الشجر للطلاب وحرس السجن او عبد العزيز عثمان مخرج مسرحي بجانب تقديمه دروس حول اصول الفقه والتشريع يخرج مسرحية رائعة بعنوان (حاج محمود كيف حالك) تحكي معاناة مواطن سوداني مثل فيها طالب الفيزياء واول الشهادة السودانية احمد عبد القادر صالح دور حاج محمود ….
وعندما خرجنا من السجن في تدابير المصالحة الوطنية – بعد ستة عشر شهر قضيناها في سجون مايو – عام ١٩٧٧ كان الطلاب ينظرون إلينا بفخر واعزاز وأمل كالمنقذ ..
حينها قدم الاسلاميون عبد العزيز لقيادة الاتجاه الاسلامي وإمارته في جامعة الخرطوم فاحدث ثورة تنظيمية ومشاركة واسعة ووحد صف التيار الذي اثرت عليه الضغوط السياسية لنظام مايو ودبت إليه خلافات الساحة العامة في ظروف الانتقال من المعارضة الشرسة إلى المصالحة .
تخرج عبد العزيز في كلية الهندسة عام ١٩٧٩ فاختار على الوظيفة التي يتمناها الاهل التفرغ لقيادة العمل الاسلامي الطلابي في الجامعات ليكمل المهمة التي بدأها وتساكنا سويا في مجموعة من القيادات الإسلامية منهم امين حسن عمر ومحمد يوسف محمد وعبد الرحمن موسى وعبد المحمود نور الدائم الكرنكي والزبير احمد الحسن وآخرين كالتجاني عبد القادر وعاصم سيد احمد والمحبوب عبد السلام كنا نلتقي بهم في سوح الجامعات .
وعلى الرغم من انه لم يكن المسؤول الاول في مكتب الطلاب الا ان عبد العزيز كان مركزه وعمدته و(صمد) ساقيته التي تسقي زرع الاتجاه الاسلامي في وسط الطلاب في السودان كله في الخرطوم وقرى الجزيرة والنيل الازرق والقضارف وكسلا وبورتسودان وكوستى والابيض والفاشر والجنينة وعطبرة ومروي ودنقلا والجنوب … ابتعث بعد ذلك للدراسة فوق الجامعية مع كوكبة من الكوادر الى امريكا لتأهيل الحركة الاسلامية لمرحلة الدولة ويسدون حاجة الوطن للنهضة في مجالات عدة …
للامانة والنصح لم يكن عبد العزيز يسمح بعد ذلك للايام ان تفرق بينه وبين رفقائه في العمل حتى اعجزه اتساع دروب الحياة وكان يرى فيهم ما لا يراه أحدهم في نفسه فكنت كلما عملت في موقع ادركت انه كان وراء ترشيحي لهذا الموقع … التقينا كمهندسين جدد في تأسيس شركة التنمية العقارية التي كانت رائدا في مجال التشييد العقاري واقتسمنا إلى حين مكتبا صغيرا في مكتب المخصص لمجموعة حمدي الاستشارية في عمارة الفيحاء التي كانت تحت التشييد ليخرج بنا المهندس اسماعيل محمود منه مديرا لصرح سوداني جديد تألق في سماء الخرطوم بعدة بنايات … وانتقل بعدها عبد العزيز الى رئاسة مؤسسة انشأتها الانقاذ خرجت من رحمها كل مؤسسات التقنية المتطورة في الاتصال والتصنيع الحربي وغيرها من مجالات الصناعة .. استطاع بكوكبة اختارها من المهنيين ان يحقق نجاحا باهرا في هذا المجال ولكن صيته كان خفيضا كصوته اذ لم يكن يأبه لغير الانجاز وانتاج النظم والقيادات وتمكينها من البروز ويدفع ذلك ثمنا غاليا من وقته وجسده الذي انهكته (الأثما) ووضعته على شفا الموت عدة مرات ….
بالامس انتهت هذه الرحلة الطويلة بمعيار الكسب وانطوى هذا السفر الحافل بالإنجازات وانقضت سنوات عمر الاخ عبد العزيز وايامه المليئة بالنشاط وانتقل الى ربه راضيا مرضيا وانطفأ معها شهاب قبس كنا نهتدي بهديه وجذوة كنا نجد عندها الدفء ورجل من اصلب العناصر كنا نجد بجده ونتثبت بثباته وجلده وننعم بصحبته ونقتسم معه الزاد والحديث والكسوب فسبقنا بموته بعض منا الى الله حيث انتقلت معه الى الدار الإخرة ذكريات امتدت لعشرات السنين واحلام تشاركناها في عمر الشباب لا أشك في انه يذكرنا بها في الملأ الاعلى ويستبشر بنا ان نلحق به
ألا رحمة الله العزيز الرحيم وعفوه لعبد العزيز ولطفه بنا حتى لا نفتن بعده ولا نحرم من أجره
سليمان صديق علي
إنضم لقناة النيلين على واتساب