نجاة عبد الرحمن تكتب: الهجرة المنظمة للأطباء
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
كشفت معركة انتخابات نقابة الاطباء التى مقرر عقدها فى 13 اكتوبر 2023 المقبل، عن وجود تنظيم يعمل على إقناع شباب الاطباء بالهجرة وترك العمل فى مصر ، هذا التنظيم يتولى إنهاء الاجراءات ودفع كافة الرسوم نيابة عن شباب الاطباء، بغرض احداث فجوة وقصور وعجز بالمنظومة الصحية وانهيار القطاع الطبي المصري .
كشف طبيب شهير وكان عضوا بمجلس نقابة الاطباء سابقا ضمن قائمة احد التيارات السياسية المسيطرة على النقابة لعدة دورات ومرشح حاليا كمستقل لمنصب نقيب الاطباء، عن المكاتب التابعة للتيار السياسي المعادي للدولة المصرية، تتولى تلك المكاتب مهمة استقطاب شباب الاطباء وإقناعهم بالهجرة مستغلين بعض الضغوط والأعباء التى يواجهها شباب الاطباء نتيجة عدة عوامل اقتصادية .
وكشف عضو مجلس النقابة السابق والمرشح الحالى لمنصب نقيب الاطباء عن دور تلك المكاتب فى تقديم عدة اغراءات تجعل شباب الاطباء يقبلون تلك العروض ويسارعون للهجرة دون النظر لاى اعتبارات اخرى .
و لتكتمل الصورة الوردية التى تنسج لشباب الاطباء لتشجيعهم على الهجرة نشرت صحيفة «واشنطن بوست» منذ أيام تحقيقا عن هجرة الأطباء المصريين الشباب إلى الخارج، وبخاصة دول أوروبا. ونٌقل عن طبيب شاب أن راتبه فى بريطانيا أربعين ضعف راتبه فى مصر، وذكر آخر أن الراتب الذى يحصل عليه فى المؤسسات الطبية فى مصر يكفى بالكاد لتغطيه المواصلات ووجبه الفطار، ولاسيما أن الكثير منهم يعمل طيلة أيام الأسبوع أو لساعات طويلة كل يوم.
وقد استقال أكثر من 11 ألف طبيب منذ عام 2019. بالطبع تتعدد أسباب هجرة الأطباء إلى الخارج، منها ما يتصل بتوافر الإمكانات، وبيئة العمل المشجعة، وحماية الأطقم الطبية من أى اعتداء، ولكن يأتى فى مقدمتها الاعتبارات المالية التى تتمثل فى تدنى رواتب الاطباء، رغم أن الدولة اتجهت فى الفترة الأخيرة إلى رفع رواتبهم، وتقديم حوافز لهم. وتعمل العديد من الدول الاوروبية على اجتذاب الأطباء المتميزين من دول أخرى لسد العجز فى الأطباء فى نظامها الصحى، الذى كان وباء كورونا كاشفا له.
بالطبع هناك نقص فى الأطباء وفق المعايير الدولية، حيث إن المتعارف عليه ان يكون هناك ٢٣ طبيبا لكل عشرة آلاف نسمة فى حين ان النسبة فى مصر تصل إلى ٨ أطباء تقريبا لكل عشرة آلاف شخص.
وقد اكتسب التحقيق المشار اليه أهمية نظرا لأهمية المطبوعة التى نشر بها، لكنه لم يأت فى الحقيقة بجديد إذ سبق أن تحدثت نقابة الأطباء فى هذا الموضوع مرارا وتكرارا، وأثار عددا من الكتاب الأمر.
ويصعب أن نعالج مسألة هجرة الأطباء المصريين للخارج بالإشارة إلى الاعتبارات الوطنية، والحديث عن حب الوطن اولا، ومخاطبة هؤلاء الأطباء الشباب الذين يبحثون عن حياة أفضل بالخارج بأنهم غير بارين بالدولة التى تحملت أكثر من 99% من مصروفات تعليمهم كما ذكر البعض (هذا الحديث غير دقيق خاصة مع انتشار التعليم الخاص والاهلى فى مجال الطب)، أو نتجه للتعامل معهم بنفس الذهنية التى تطالب المصريين العاملين بالخارج بسداد مبلغ اجبارى.
يتطلب الأمر نظرة مغايرة، وافق أكثر اتساعا، فمن ناحية اولى فإن المصريين بالخارج هم مصدر أساسى للعملة الصعبة، وبالامكان ان نتوسع فى الفرص الاقتصادية الجاذبة لهم. فقد يكونوا مصدرا مهما للاستثمار، وتطوير الخدمات العامة، ونقل الخبرات. وأتذكر انه منذ عدة سنوات أطلقت الأمم المتحدة مبادرة الهجرة والتنمية، والتى كانت تستند إلى قيام المهاجرين بنقل الخبرات الحديثة إلى مجتمعاتهم الأصلية.
من ناحية ثانية فإن المهاجرين المصريين يشكلون مصدرا مهما للدعم الإنسانى والاجتماعى فى مصر، وهناك العديد من المبادرات الاجتماعية المهمة التى يمولها مصريون فى الخارج بشكل تطوعى، لا يسلط عليها الضوء، وتجرى فى هدوء. فمثلا هناك مستوصفات فى احياء شعبية أو متوسطة الحال، تبرع اطباء مصريون فى الخارج بالاجهزة الطبية بها، وهناك مساعدات دوائية ومالية تصل دوريا لأسر فقيرة ومستترة، وغيرها من أوجه الرعاية الاجتماعية.
نحن بحاجة إلى امرين، الأول خلق بيئة مهنية مشجعة للأطباء، ماليا وفنيا حتى يبقوا فى مصر. وهنا يجب الإشارة إلى مسألة مهمة لا تأخذ عادة حقها فى النقاش أن المستشفيات المصرية احد مصادر العملة الصعبة، فيما يعرف بالسياحة العلاجية، والتى يجب أن نتوسع فيها، حيث يأتى إلى مصر أشقاء عرب للعلاج من السودان وليبيا والأراضى الفلسطينية، ونود ان نكون مقصدا طبيا مهما فى المنطقة.
الأمر الثانى ابتكار أشكال متعددة حتى يساهم الأطباء المصريون المغتربون فى الاستثمار والتنمية فى مصر. نموذج العالم الدكتور مجدى يعقوب، يجب أن يتكرر على مستويات مختلفة.
الأطباء المصريون سواء داخل مصر أو خارجها هم قوة ناعمة لمصر ينبغى الإفادة منها، واتاحة المجال أمامها للارتباط بوطنهم، ليس بالزجر والتبكيت، ولكن بالتحفيز والتشجيع واظن ان كثيرين منهم رغم ان هناك اسبابا عديدة دفعتهم إلى الهجرة، إلا أن بداخلهم روحا مصرية متقدة، ويودون خدمة بلدهم.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: فى مصر
إقرأ أيضاً:
د. ميادة ثروت تكتب: وداعًا قداسة البابا فرنسيس رجل الإنسانية والسلام
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
كان البابا فرنسيس رائدًا في بناء جسور الحوار بين الأديان والثقافات، في عام 2019 وقّع "وثيقة الأخوة الإنسانية" مع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في خطوة تاريخية عززت التفاهم بين المسيحيين والمسلمين؛ هذه الوثيقة التي وُصفت بأنها "منارة أمل"، كانت ثمرة نيته الصادقة لتعزيز التعايش السلمي.
وكوني أول باحثة تناولت هذه الوثيقة الملهمة فقد شرفت بدعوة رسمية للقاء قداسة البابا فرنسيس في 6/ 12/2023م بالمقر البابوي بالفاتيكان.
كان حديثي مع قداسته حول موضوع الأخوة الإنسانية وقد قمت بإهدائه نسخة من رسالتي للدكتوراه والتي جاءت تحت عنوان: "وثيقة الأخوة الإنسانية وأثرها على المسلمين في آسيا الروهينجا والإيغور أنموذجًا"،
وقد جاء هذا اللقاء انطلاقًا من جهود الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية برئاسة الشيخ مهاجري زيان في التواصل وترسيخ قيم التعايش والتسامح وترسيخ معاني الأخوة الإنسانية، وفي البداية قدم رئيس الهيئة الشيخ زيان أصدق التحيات والاحترام لقداسة البابا، ثم أشاد بجهود قداسته في مواجهة العنصرية ومواقفه النبيلة التي تدون في سجل التاريخ.
ووقوفه الدائم إلى جانب المظلومين، ورعاية الضعفاء والمساكين والمستضعفين، وقد ثمن رئيس الهيئة دعوة قداسة البابا فرنسيس للسلام وتحقيق الهدنة في قطاع غزة، والمطالبة بإطلاق سراح جميع الأسرى وتيسير دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وأخيرًا أهداه كتاب "اعتدالنا" كأول إصدار للهيئة.
لقد كان هذا اللقاء حدثًا كبيرًا بالنسبة لي ولا أنسى سعادة البابا وترحيبه والتصفح في رسالتي والاهتمام بها.
رحل البابا فرنسيس، لكنه ترك إرثًا سيظل خالدًا في قلوب الملايين، كان "بابا الشعب" الذي ألهم العالم بابتسامته الصادقة، وقلبه الرحيم، وإيمانه بأن الإنسانية قادرة على التغلب على الشر بالخير في آخر رسالة له بعيد الفصح، كتب: "هذه الكلمات تجسد المعنى الكامل لوجودنا، لأننا لم نخلق للموت، بل للحياة"
وداعًا، قداسة البابا فرنسيس. لقد كنت صوت الرحمة في زمن القسوة، ونور التواضع في عالم التباهي، ستظل رسالتك منارة تهدي الأجيال، وستبقى ذكراك محفورة في وجدان الإنسانية.
نسأل الله أن يلهم العالم للسير على دربك: درب السلام والمحبة.
_______________________
مستشارة رئيس الهيئة الأوروبية للمراكز الإسلامية
رئيس قسم مد الجسور بين الشعوب وتعزيز الأخوة الإنسانية بالهيئة
صاحبة أول رسالة عن «وثيقة الأخوة الإنسانية»