تظهر إفريقيا على وجه العموم وزنجبار على وجه الخصوص في الكتابات العمانية بصورة مستمرة نظرا للأهمية التاريخية التي تحتلها هذه البقعة في نفوس العمانيين، كونها إحدى الممالك التي أسستها الإمبراطورية العمانية في اتساع حضارتها وقوتها السياسية والتاريخية. ولئن كانت الكتابات التاريخية عن زنجبار مثلا قد قدّمت لمحة عن الحياة على الأراضي الإفريقية وعلاقة الناس والنشاط البحري المستمر والحركة الاقتصادية التي كانت تربط بين الجانبين الإفريقي والعماني؛ فإنّ للكتابات الأدبية أهمية لا تقل عن الكتابات التاريخية؛ فقد أعطت أنموذجا متخيلا للجانب الاجتماعي هناك، وقدّمت صورة تاريخية لمرجعية مهمة في الكتابة تستند على التغيرات الحياتية والعلاقات التاريخية والأنشطة الثقافية والاجتماعية القائمة في حياة الإنسان العماني/ الإفريقي في تلك الفترة.

وبما أنّ النصوص الأدبية التي تناولت إفريقيا عديدة فإني سأكتفي هنا بقراءة نصين أحدهما سردي، والآخر شعري قراءة استكشافٍ لمكنون تلك الأرض في النص الأدبي.

تظهر إفريقيا في رواية (الطواف حيث الجمر) لبدرية الشحي مبكرا، منذ الصفحات الأولى التي تُظهر فيها زهرة، الشخصية الرئيسة في الرواية، سخطها على أدوارها المنزلية واقتصار دورها على ذلك العمل اليومي، كما تسترجع رحيل ابن عمها وحبيبها سالم إلى إفريقيا وزواجه بإفريقيّة، وهنا تطل إفريقيا/ زنجبار على القارئ مُشكّلةً أداة تعجب لدى زهرة: لماذا اختار سالم الإفريقية عليها؟ وما الذي امتازت به الإفريقية عنها حتى يتزوجها سالم؟ أسئلة عديدة ظلّت حائرة في ذهن زهرة التي كلما ذُكر سالم أطلّت أسئلة مثل هذه في ذاكرتها حتى ينتهي الحديث إلى حادثة غرق سالم في البحر.

لم تكن زهرة تعلم أن الطريق لإفريقيا / زنجبار سيكون مشروعا قائما في يوم ما، أو خيارا مهما للهروب من التقاليد التي فرضتها حياة الجبل، كما لم تكن تعلم أن إفريقيا ستكون المستقبل -أيا كان شكله- لأنثى فرّت من أهلها ووطنها رافضة الزواج بزوج يصغرها بسنوات طويلة، كانت تداعبه في المهد يوما ما.

لقد تغيّرت كلّ أحلام زهرة بعد خطبتها لابن عمها الصغير، وصار المكان/ الجبل طاردا لأحلامها، وهنا ستُصبح إفريقيا واقعا وحلما في الوقت نفسه؛ واقعا تفرضه الظروف الاجتماعية، والعادات والتقاليد التي تعمل على تهميش المرأة وتقييد حريتها وإلزامها بقيود مجتمعية صارمة. وحلما كان يُطلُّ عليها بين الحين والآخر تحاول معه الكشف عن المكان البعيد الذي اختطف حبيبها منها، وجعله يفضّل أخرى عليها. إنّ المكان الإفريقي اقترن في أعماق زهرة بقوته الواقعية، ودوافعه المتخيّلة ليؤسس رغبة جامحة في نفسها، متحدية الصعوبات في الوصول إليه.

في رحلة الذهاب إلى الشرق الإفريقي يتسع الصراع، وتبوح الشخصيات بما في داخلها؛ إذ كل شخصية تضمر في داخلها أهواءً مختلفة، لتصبح الرحلة مضمارا واسعا لصراع الشخصيات، وسقوط الأقنعة، وانكشاف الحقائق، هنا تعيش زهرة الأحداث وهي مقسّمة في ذاكرتها إلى مكانين مختلفين: صورة الجبل التي تراودها بين الحين والآخر ومعها يُطل خنجر العادات والتقاليد مهدّدا إياها بالموت نتيجة تمردها على أصالة المكان. والمكان الآخر هو الشرق الإفريقي الذي يمثّل لزهرة حلما تحاول معه إنشاء مملكتها الخاصة بها كملكة تتسيد عرشها، وهنا تتبدّل صورة زهرة الفتاة الجبلية التي كانت تنتقد العادات والتقاليد والعنصرية وشراء العبيد، إلى الفتاة صاحبة أملاك خاصة في إفريقيا، ترى من خلالها سيادتها على الناس.

وتبعًا لذلك تتبدل صورة الأرض الإفريقية من كونها حلما يحقق العدالة والمساواة والبحث عن المستقبل إلى حلم السيادة والسيطرة والهيمنة. لقد كانت النظرة الأولى لتلك السواحل الإفريقية قائمة على الحياة المرحة، بعيدا عن أيديولوجيات وضعها المجتمع، تنظر زهرة إلى الطفولة على ساحل إفريقيا فتتذكر طفولتها في الجبل فتقول: «لا يختلفون عن أهل بلدي في شيء، اللهم إلا هذه الطفلة العارية الساقين الراكضة بحرية، فما كنت أعرف أن أركض بحرية مثلما تفعل هي بلا رقيب، تتعارك في التراب وتشد شعورهم ضاحكة، ما جرؤت على مظهر كهذا، كنت ابنة شيوخ، غير كل البنات.

-لم ألعب هكذا يا ربيع، كان ذلك عيبا، لم أعرف سوى المطبخ وبئر كئيبة في الجوار».

هذه النظرة ستخلُفُها نظرات أخرى تغير من الواقع الذي كانت تؤمن به زهرة، إلى واقع طبقي وعنصري، نجدها تخاطب (كتمبوا) قائلة: «يعجبني هذا التفاني، ولكنكم، أعني لكنهم أصبحوا عبيدا ولا مغيّر لذلك، العبيد هم العبيد، والأسياد هم الأسياد».

إنها لذة التحول المكاني ودهشته التي طرأت على الشخصية الرئيسة، وجعلتها تؤمن بما لم تكن تؤمن به. إنّ تبدلات المكان أعطت لشخصية زهرة زهوا مطلقا تجاه الآخر، وتجاه المكان الجديد، فها هي تعلن عن تبدّل حالها قائلة: «بعد أن عرفت لذتها، لن أتخلى عنها بعد اليوم لأي كان. أحب كثيرا هذه الحياة، فاليوم أحس حقا أنني في المكان الذي أريد، المكان الذي أكون فيه ملكة أحكم بصولجاني الخاص، حيث لا يجرؤ فرد -باستثناء كتمبوا السخيف- أن يعارضني أو ألا يخلص لي، سأصنع من كل هذا حلما من دون نهايات، حلما تحقق أخيرا من العدم. آه كم أتحرق شوقا لأرى نفسي أميرة حقيقية».

إن العبارة السابقة على الرغم مما تحويه من أنساق مضمرة فإنها تحاول أن تُقدّم صورة واقعية عن المكان الإفريقي، المكان الذي يشهد تحولا حضاريا وإنسانيا والتي تؤكد عليه الهجرات الإنسانية المستمرة من عمان إلى شرق إفريقيا دالة على صلات بشرية متنوعة وحياة مختلفة.

لكن الرواية تحاول طرح أسئلة مهمة على القارئ، عن المكان الذي يحاول في صراعه المكاني إثبات أحقيته بالوجود البشري، والذي معه تتبدّل مفاهيم البشر في النظرة الدونية إلى الآخر. إنّ الصراع الطبقي الدائر بين البشر ينسج خيوط أحداثه وفق المسار الزمني للواقع، وإن مفاهيم الألوان لم يعد لها أي أهمية، هكذا تحاول الرواية تأسيس نظرتها إلى المكان الذي يبدو أنه هامشي التكوين لكنه سرعان ما يبدأ في أخذ نقطة المركز حتى يصبح مركز الأحداث وبناءها المتوالي؛ إذ يعمل على ترتيب رغبات الشخصيات وتهذيبها. فزهرة التي كانت تنتقد زواج ابن عمها سالم بالإفريقية تضعها الظروف أمام طريقين: إما الهرب من إفريقيا والعودة إلى عمان وهناك سيكون في انتظارها خنجر الشرف. أو البقاء في إفريقيا ومعه تتخلى عن سيادتها وكبريائها وهو الذي تؤكّده زهرة من خلال خدمة والدة كوزي وأخواته التسع، وهنا تنتهي الحكاية بما بدأت به، وهو الفعل الذي كانت تتذمر منه زهرة بخدمة أهلها الآن تقوم به راغمة لغير أهلها.

إنّ صورة الصراع في الساحل الإفريقي أيقظ لدى زهرة صورة المكان/ الجبل في قريتها مما دفعها إلى العودة إلى ذاكرة ملتهبة كالتهاب النار والرصاص المشتعل في زنجبار، فنجدها تقول: «قريتي الصغيرة النائمة على كتف الجبل، ودمية الطين المعجونة بماء الورد، وصياحات الديك المسكون بالأرق.. آه وملاحقات الصبية في السنوات الأولى، وأمي المضببة وأبي بمسبحة الفيروز.. والفجر الأبيض الندي، وأمان حضن الجبل.. وسالم.. وسالم.. وسالم، مهد المأساة، مسمار جحا الناخر في العظام، ذريعة الثورة البائسة سالم. كل هذا أودى بي لهذه الجلسة الذليلة بانتظار الموت، سدت منافذ الفردوس كلها وبقي أن ألتمس طريقا لموت كريم».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المکان الذی التی ت

إقرأ أيضاً:

سجال ودي مع نقاد رواية “إعدام جوزيف” (1-4)

الدكتور ضيو مطوك ديينق وول

بتاريخ 5 فبراير 2025 بالقاهرة تم تدشين رواية "إعدام جوزيف " وهي عملٌ إنساني، كُتِبَ بدارجةٍ سودانيةٍ، وكنتُ أخشي أنْ يجدَ النقادُ المصريون صعوبةً في التعاملِ معها، خاصةً الحواراتِ التي جرتْ بالعاميةِ السودانية داخلَ الكتابِ، لكنِّي تاكدتُ أنَّ الشعبَ في وادي النيلِ مُتَدَاخلٌ، يتمتعُ بمشتركاتٍ كثيرةٍ نتيجةً لأواصرِ التاريخِ والجغرافيا والحضارةِ الممتدةِ، ولذلك يستطيعُ أنْ يتعاملَ مع مفرداتِ اللغةِ بمحيطِ وداي النيل.
وأنا أبتدر هذا السجال الودي، لابد من التحيةُ والشكرُ للذين ساهموا في إخراج هذا العمل الأدبي وعلي رأسهم الأستاذان أسماءِ الحسيني ونبيل نجم الدين، لِجُهْدِهما في إقامةِ مناسبةِ التدشين والمناقشة والتوقيع علي الكتاب.
الشكرُ موصولٌ لمركز الفارابي للدراسات السياسية والتنموية والمنتدي الثقافي المصري لاستضافتِهِما هذا اللقاءِ المتميزِ، خاصة البروفيسور مدحت حماد الأستاذ بكلية الآداب بجامعة طنطا والأمين العام للمنتدي الثقافي المصري .
الشكرُ ممتدٌ لكلِ من شاركَ في مناقشة الكتاب وتقديم آراء ثرة، أعطت الرواية قيمتها الأدبية؛ النُقادِ، الدبلوماسين، الإعلاميين، أساتذةِ الجامعات والجمهورِ خاصةً أبناءِ جَنَوبِ السودان والسودان، بجمهورية مِصْرِ العربية وعلي رأسهم رئيس بعثة جنوب السودان بجمهورية مصر العربية السفير كوال نيوك والدكتور عبدالحميد موسي كاشا رئيس مركز كاشا لدراسات السلام والدكتور محمد عيسي علوة نائب حاكم إقليم دارفور والدكتورة إشراقة مصطفي الكاتبة والباحثة في القضايا السودانية والدبولماسي المصري السفير محمد النقلي وآخرين .
كما شهدت الفعاليات تكريم الكاتب من قبل اعضاء مجموعة مناصرة اللاجئين السودانيين برئاسة البروفسور صديق تلور عضو المجلس السيادي السوداني السابق، لدوره في دعم المبادرة.
ايضا شارك في التدشين، اعضاء المجموعة السودانية للدفاع عن الحقوق و الحريات برئاسة الاستاذ الصادق علي حسن المحامي.

شكرٌ خاصٌ لأستاذِنا أسامة إبراهيم رئيسِ مجلسِ إدارةِ ومديرِ دارِ النخبة العربيةِ، الذي كان من الأوائلِ الذين قرؤوا الروايةَ، ودفعوني إلى نشرِها، وَقَبِل تحدي كتابةِ المقدمةِ عندما طلبتً منه ذلك، وهي الآن تشكلُ جزءًا من النَقْدِ الذي تَضَمَّنَتْهُ الروايةُ بمفرداته الجميلةِ.
لابدَّ من شُكْرِ الدورِ الذي قام به البروفيسور قاسم نسيم حماد، أستاذُ الأدبِ والنقدِ بجامعةِ إفريقيا العالميةِ، والأستاذُ الصحفي غبريال جوزيف شدار، والأستاذُ الصحفي مثيانق شريلو، الذين قراءوا المخطوطةَ، وقدموا إرشاداتٍ مُهِمَّةٍ، ساهمت في إخراجِ الروايةِ بهذا الشَّكْلِ.
الشكرُ أخصُّه لأساتذتنا الذين قَبِلُوا دعوتَنا للمشاركةِ في التدشين، وتقديمِ آراء نقدية، وأدبية للرواية، وأخصُّ بالشكرِ الدكتور حسام عقل أستاذ النقد الأدبي بجامعة عين شمس ورئيس ملتقي السرد العربي، و الأستاذَ نادر السماني نقيبَ الصحفيين السودانيين والأستاذَ الكاتبَ الصحفي ديفيد داو أروب كوات وكل من قرأ الرواية ونشر رأيه في وسائط الإعلام المختلفة. أقولُ لهم جميعا: إنَّ آراءكم ستكونُ محلَّ تقديرِنا.
هذا السجال الودي عبارة عن تفاعل مع الكتاب الذين قدموا جهداً عظيمًا لتعطير الرواية ومنحها روحاً جديدةً تستطيع بها أن تدخل الواقع المعاش، وتساهم في معالجة قضايا سياسية و اجتماعية ليس للسودان فقط ولكن العالم أجمع. الأستاذ الصحفي أسامة إبراهيم رئيسِ مجلسِ إدارةِ ومديرِ دارِ النخبة العربيةِ كان من الأوئلِ الذين أكدوا هذا الأمر، ولخصَّ الروايةَ تحت عنوانٍ جديدٍ "اغتيالُ العدالةِ"وهذا الوصفُ يحملُ كثيرًا من المعاني في عالمنِا المُعَاصرِ، حيثُ إنَّ غيابَ العدالةِ يجردُنا من الإنسانيةِ، ويضعُنا في مقامِ أمَّةٍ غيرِ متحضرةٍ لا تحترمُ حقوقَ الإنسانِ وتتعاملُ مع البشريةِ بعقليةٍ وحشية.
الأستاذُ دينق ديت أيوك الناقدُ الأدبي، وهو أيضًا كاتبٌ صحفيٌ من جنوب السودان، ينظر لهذه القضيةِ بأنَّها نتاجٌ للإسلامِ السياسيِ في السودان، وهو رأيٌ تساندُه كثيرٌ من الأحداث التي جرتْ في السودانِ قَبْلَ و بعد استيلاء الإسلاميين علي مقاليدِ السلطةِ عام 1989 .
أجد نفسي متفق مع الأستاذ دينق ديت فيما ذهب إليه من اعتقاد لأن الأحزابِ السياسيةِ الكبيرةِ التي تقلدت السلطةَ بعدَ خروجِ المستعمرِ كانتْ قياداتُها من بيوتاتٍ إسلاميةٍ يتخذون العروبة كايدويولجية للدولة السودانية، تاركين القومية السودانية خلفهم ، سواء كان ذلك عند حزبِ الأمةِ بزعامةِ الإمامِ الراحل الحبيب الصادق المهدي أم الاتحادي الديمقراطي بقيادة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني ولاحقا الجبهة الاسلامية القومية بقيادة الشيخ الدكتور حسن عبدالله الترابي.
هذه التنظيمات السياسية لم تستفد من تجربة المستعمر البريطاني الذي حاول جاهدًا إيجاد معادلٍ مرضٍ لأهل السودان بخلق المناطق المقفولة حفاظا للتراث المحلي بعد شعورهم بتعرض هوية السكان الأصليين لطمس متعمد من قبل العروبة والإسلام. هذا الفعل تعززه توجههات رجال الاستقلال الذين وعدوا جنوب السودان بتطبيق النظام الفيدرالي بعد خروج المستعمر وعادوا ليصفوا المطالبة بالفيدرالية بالخيانة العظمي. لا نريد الخوض في هذا الاتجاه في هذه العجالة بحيث أرغب في كتابة مذكراتي وسأتطرق لهذا الجانب باستفاضة.
الكثيرُ من النقادِ الذين سنحت لهم فرصةُ قراءةِ الروايةِ وعلي رأسهم أستاذُنا حمدي الحسيني الإعلامي والكاتب الصحفي المصري الذي قال: إن هذا العمل "يكافح العنصرية والتمييز في السودان" أصابَ الهدفَ بهذا التلخيصِ، هذا يجسدُ واقعنا لأكثرَ من قرنين، حيث كانت حملاتُ الرقِ في مناطق الدينكا، وكاتب هذه الرواية واحدٌ من ضحايا هذه الحملات، حيثُ تَمَّ اختطافُ جدته ومعها توأم إلي اتجاه دارفور، لا أحدَ يعرفُ عنهم شيئًا إلى يومنا هذا. لكن من المؤسف أن يستمر هذا الوضع حتي الآن بحيث نشهد يوميا استهداف الأبرياء بسبب لون بشرتهم أو ديانتهم أو لغتهم. يجب على السياسيين السودانيين أن يستفيدوا من دروس تاريخهم الغني وينقذوا ما تبقي من الأمة بايقاف الاستهداف الممنهج علي أسس التمييز العنصري.
كما ذهب كثيرون، فإنَّ الروايةَ تشخصُ المشكلةَ السودانيةَ وتؤكدُ أنَّها مصطنعةٌ من الساسةِ وليس من قبل الشعبِ الذي يتمتعُ بمكارم الأخلاقِ، يحبُ الكرمَ ويخافُ من الخالقِ. فالشعبُ السوداني، شعبٌ مميزٌ يحبُ الخيرَ لغيرِه، وله إرثٌ اجتماعيٌ كبيرٌ في المسامحةِ والمواساةِ والتصالحِ والضيافةِ والتعايشِ السلمي مع الآخرين، إلا أنَّ الساسةَ الذين حكموا هذا البلدَ العظيمَ منذ استقلالِه من المستعمرِ البريطاني كانوا سببًا في إشعالِ الحروبِ العبثيةِ، وتقسيمُ المجتمعَ علي أساسِ العرقِ والدينِ والجغرافيا وحتي القبيلةِ. قد شهدنا هذا الأمرَ في أحداثِ الراويةِ، خاصةً مأساة الرقيب سانتو الذي خَدَمَ الجنديةَ بإخلاصٍ في الهجانة بالأبيض، لكنْ بسببِ ديانتِه ونسبةً لسياسات الحكوماتِ في الخرطومِ وجدَ نفسه عدوًا لمهنة أحبها منذ الصغر، وأصبحَ ضحيةً لاعتناقِ الديانةِ المسيحيةِ، كما جاء في أحداث الفصل الثاني. فالرقيب سانتو دخلَ في صدامٍ مع قائدِ الدفاع الشعبي- بالجبهة الغربية لعدم مشاركتِه المسلمين في صلاةِ الفجرِ، وكاد أنْ يُودي ذلك بحياتِه لولا تدخل الجندي محمد آدم الذي يسكنُ معه في ثُكنات الجيشِ.
جوزيف جون باك أُعدمَ بسببِ أنَّه جنوبي رغم أنّه لم يكنِ القاتل وهذا العملُ يثيرُ كثيرًا من الشكوك فيما نقومُ به بشكلٍ يومي من تطبيقٍ للعدالةِ داخل المجتمعات، وهل فعلًا نحن كبشرٍ حقا منصفين لبعضنا؟ ولذلك هذه الروايةُ تريدُ أنْ تُرسلَ رسالةً خاصةً مفادها أنَّ الموسسات العدلية في السودان تحتاج لإصلاح لما أصابها من تسيسٍ وانحرافٍ عن مسارها وأصبحت أدواتٍ للانتقامِ في قضايا وهميةٍ لم يكنْ لها وجود أصلًا وقد لحظنا ان المقالات التي كتبها أستاذنا الصادق علي حسن ركزت علي هذا الجانب وسناتي إليها لاحقا.

aromjok@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • ما هي الإمتيازات التي كانت تدافع عنها د. هنادي شهيدة معسكر زمزم
  • «المكان اللي برتاح فيه».. هند صبري تهنئ بعيد عيد تحرير سيناء بهذه الطريقة | صور
  • سجال ودي مع نقاد رواية “إعدام جوزيف” 2-4 
  • هل يجوز تعدد صلاة الجمعة بالمسجد الواحد لضيق المكان؟.. الإفتاء تجيب
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • محمد سمير ندا: رواية صلاة القلق رفضت من 6 دور نشر مصرية
  • أزمة رغيف الخبز تستعصي في غزة.. المخابز مغلقة والطحين بات حلما
  • أزمة رغيف الخبز تستعصي في غزة.. المخابز مغلقة والطحين حلما
  • سجال ودي مع نقاد رواية “إعدام جوزيف” (1-4)
  • الدفاع المدني بغزة يكشف كذب رواية العدو حول جريمته البشعة في رفح