جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-26@11:01:02 GMT

حرية الأبناء.. متى تكون ومتى تتوقف؟

تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT

حرية الأبناء.. متى تكون ومتى تتوقف؟

 

سلطان بن ناصر القاسمي

تعد موضوعات الحرية والتربية للأبناء، من أكثر المسائل التي تثير الجدل في مجتمعاتنا اليوم؛ فحرية الأبناء هي قضية حيوية تمثل التوازن الصعب بين إعطاء الأبناء مساحة للتطور الشخصي وتطوير هويتهم، وبين وضع القواعد والحدود التي تحميهم وتوجههم نحو التصرف بشكل صحيح ومسؤول.

والحرية المطلقة تعني السماح للأبناء باتخاذ قراراتهم بشكل غير منقوص وبلا قيود كبيرة؛ حيث إن هذا النهج يعتمد على فهم عميق لقدرات واحتياجات الأبناء، ويعزز من مسؤوليتهم واستقلاليتهم، ومع ذلك، يجب ملاحظة أن الحرية المطلقة يمكن أن تكون مضرة إذا ارتبطت بانعدام التوجيه والمراقبة.

ومن ناحية أخرى، الحرية المقيدة تعني وضع قواعد وحدود لسلوك الأبناء وفرض توجيهات من قبل الوالدين، وهذا النهج يهدف إلى حماية الأبناء وتوجيههم نحو السلوك الصحيح والقرارات المسؤولة. ومع ذلك، يجب أن يتم ذلك بحذر لضمان أن الأبناء لا يشعرون بالقمع أو فقدان الثقة في أنفسهم.

وفي هذا السياق، يعد فهم التوازن بين الحرية والتقييد في تربية الأبناء أمرًا حيويًا. فالهدف الأسمى هو تمكين الأبناء من تطوير شخصياتهم وتحقيق إمكانياتهم، وفي الوقت نفسه توجيههم نحو النجاح والمسؤولية، وإن تحقيق هذا التوازن يعتمد على التفاهم العميق بين الوالدين والأبناء، وعلى تقديم الدعم والإرشاد في الأوقات الصعبة.

كما إن أساليب حياتنا وطرق تربيتنا لأبنائنا تختلف من فرد لآخر، وهناك عوامل متعددة تؤثر في هذه العملية، من بين هذه العوامل تأتي الأسرة في مقدمتها، حيث يمكن أن يؤدي غياب الأب عن المنزل بسبب التزاماته العملية والشخصية إلى تغيير دور الأم في توجيه وإدارة الأسرة، ويعتمد نجاح هذه الفترة على مدى تواصل الأب مع أبنائه ومشاركته في كافة الأمور المتعلقة بهم، نعم إذا بقي الأب على اتصال واطلاع دائم بشؤون أبنائه، يمكن اعتبار هذه الفترة ناجحة، ومن ناحية أخرى، إذ انشغل الأب عن ما يجري في المنزل، واتخذت الأم القرارات منفردة دون اطلاع الأب، فإنَّ هذه الفترة قد تصبح متعثرة، حيث يمكن أن تكون هذه المشكلة ناجمة عن مجموعة من الأسباب، بما في ذلك حفاظ الأم على هدوء الأب وراحته عند عودته من العمل بين جهد وعناء، لذا تبذل الأم طاقة أكبر لحل جميع المشاكل بمفردها.

وإضافة إلى الأسرة، تأتي بيئة المجتمع الأسري كعامل مؤثر آخر في تربية الأبناء، حيث يمكن أن يتعلم الأبناء العديد من العادات والسلوكيات من التفاعل مع أفراد العائلة والمجتمع المحيط بهم. لذا، من المهم أن يتولى الوالدان  تربية الأبناء معا، بحيث يمكن للجميع المشاركة الفعالة في جميع الأحداث والتجارب التي يمرون بها، سواء كانت هذه التجارب إيجابية أم سلبية، فإن قرب الأب ومشاركته سيساعد في توضيح الصورة بشكل أكبر لكيفية تربية الأبناء بشكل صحيح.

وعندما نناقش موضوع حرية الأبناء في سنوات الصغر، يجب أن نضع في اعتبارنا أنهم بحاجة إلى إشراف مباشر من قبل الوالدين، حيث إنه لا يمكننا أن نترك الأبناء يتصرفون بحرية تامة دون توجيه أو إشراف، فنحن كأولياء أمور ملزمون بأن نعلمهم الفرق بين التصرفات المسموح بها وتلك التي يجب تجنبها، فهذا التوجيه والإشراف يساعدان في بناء حسن التصرف عند الأطفال، حتى ينمو معهم ويكتسبون تفهمًا أفضل لأفعالهم وقراراتهم.

ومع مرور الوقت وبالتزامن مع نمو الأبناء، يجب أن تتغير طرق التوجيه والإشراف، لتأتي مرحلة تحمل معها متغيرات كبيرة في سلوكيات وتصرفات الأبناء، وهي التحول من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب والمراهقة، وفي هذه المرحلة، يجب على الوالدين تفهم أن عقلية المراهق تختلف عن الأطفال، حيث يمكن أن يصبح المراهق أكثر عنادًا وتمسكًا بآرائه ومعتقداته الخاصة، لذا يجب عليك أيها الابن العزيز أن تدرك أن عقلك الباطن يوجهك بطريقة قد تكون خاطئة وأن كل توجيهات الوالدين غير صحيحة وأن مكنونات أفكارك صحيحة وهنا تقع الكارثة، ومتى تنتبه أن توجيهات والديك صحيحة؟ فقط عند فوات الأوان! وعليه استمع بتمعن وحرص لهذه التوجيهات في هذه المرحلة لأنها مرحلة مفصلية في حياة الشاب إما أن يسلك الطريق الصحيح للحياة المستقبلية أو يتعثر ويكون عرضة لمواجهة مطبات الحياة مستقبلًا، حتى وإن وجهك عقلك اللاوعي إلى غير ذلك.

لهذا.. ننصح بشدة الوالدين بأن يكونوا على استعداد للتفاهم والحوار مع أبنائهم في هذه المرحلة الحرجة من النمو، و يجب على الوالدين أن يعملوا على إقامة علاقة قائمة على الثقة والاحترام، والاستماع بعناية إلى آراء واحتياجات أبنائهم، وللأبناء يجب أن يكونوا على استعداد للتفكير بعمق في توجيهات الوالدين والاستفادة منها في تطوير ذواتهم.

لتأتي مرحلة الدراسة الجامعية التي يطالب فيها الأبناء بالحرية الكاملة والمطلقة، لنجد أن الشاب والشابة في هذا العمر يرغب في أن يدير حياته الكاملة بنفسه دون توجيه أو إشراف مباشر من الأبوين لتأتي بعدها المشاكل التي تنجم عن تلك الحرية فتجد الابن أو الابنة يخفون أصدقاءهم أو حتى أمور دراستهم عن والديهم لنجد الكثير منهم قد دخل في الخطأ والمحظور والدخول في كثير من الأخطاء التي قد تتسبب في ضياع  مستقبل الشخص، والنتيجة النهائية طردهم أو تأخرهم في اجتياز مرحلة الدراسة الجامعية. وهنا ايضاً لا أعمم على الجميع طبعًا ولكن نصيحتي للآباء، عليكم متابعة الدراسة الجامعية مع أبنائكم حتى نبتعد عن مثل هذه المواقف التي من الممكن أن تجر هؤلاء الأبناء إلى فشل هذه المرحلة، نعم إن المراقبة المباشرة مطلوبة مع إعطاء الأبناء المرونة في اختيار قراراتهم الذاتية مع المشورة والمراقبة غير المباشرة.

لذلك.. ننصح الوالدين بأن يبقوا على اتصال وثيق مع أبنائهم أثناء فترة الدراسة الجامعية، كما يجب عليهم مشاركة الأبناء في اتخاذ القرارات وتقديم المشورة في اللحظات الحرجة، وهذا يمكن أن يساعد في تجنب المشاكل والانزلاق إلى الخطأ، كما أن تذكير الأبناء بأهمية القناعة والتفكير في إمكانيات وقدرات الوالدين يمكن أن يكون له تأثير كبير.

وفي الختام.. يجب أن تتطور حرية الأبناء تدريجياً مع نموهم وتطورهم، ويجب أن تكون متوازنة مع المسؤولية، ومع إمكانيات وقدرات الأسرة، والتوجيه والدعم من الوالدين هما العناصر الأساسية لضمان نمو أبنائكم بشكل صحي ومستدام، ومن خلال الحوار وتعزيز المهارات الحياتية، يمكن للوالدين أن يساعدوا أبناءهم في تحقيق النجاح والتفوق في حياتهم.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

بين أن تكون قائداً أو بائع آيس كريم !!

“إذا كنت تريد إرضاء الجميع، فلا تكن قائدًا، بل بع الآيس كريم.”
“If you want to make everyone happy, don’t be a leader, sell ice cream.”

هكذا قال ستيف جوبز، مؤسس شركة أبل – آيفون – وصاحب البصمة الفريدة في عالم التكنولوجيا. وربما لا يوجد وصف أدق لطبيعة القيادة من هذه الجملة القصيرة التي تجمع بين الطرافة والعمق.

القيادة ليست مهمة سهلة، وليست وظيفة مَن يبحث عن التصفيق الدائم والوجوه الراضية من حوله. لأن الحقيقة البسيطة هي: لا أحد يستطيع أن يُرضي الجميع، حتى لو كان نبياً أو عبقرياً. كل من اختبر موقعًا قياديًا، في أي مجال، يعرف جيدًا أن اللحظة التي تحاول فيها أن تُرضي الكل هي اللحظة التي تبدأ فيها بخسارة نفسك، ومبادئك، ومسارك.

في واقعنا، كثيرون يدخلون عالم القيادة معتقدين أنها مجرد توزيع للمهام، أو لعب دور الحكم بين الفرقاء. لكن سرعان ما يصطدمون بالحقيقة: القيادة قرارات. والقرارات، لا سيما الصعبة منها، لا تُرضي الجميع. فأحيانًا يجب أن تختار بين السيئ والأسوأ، أو بين ما هو شعبوي وما هو صحيح.

ستيف جوبز نفسه لم يكن ذلك المدير “المحبوب” في أبل. بل كان حادًا، حاسمًا، يقرر ويواجه العواصف، لأن رؤيته كانت واضحة: بناء شيء مختلف، عبقري، لا يشبه أحدًا. لذلك لم يكن يسعى إلى كسب القلوب بقدر ما كان يسعى لتحقيق الحلم. واليوم، نعرف النتيجة.

رغم أن ستيف جوبز توفي في العام 2011، إلا أنه وحتى أبريل 2025، تُقدّر القيمة السوقية لشركة أبل بنحو 3 تريليونات دولار أمريكي، ما يجعلها الشركة الأعلى قيمة في العالم من حيث رأس المال السوقي.
وذلك بفضل القيادة الملهمة القوية لستيف جوبز الذي أرسى دعائم استقرار ونظام عمل لم يتأثر برحيله، وهذه واحدة من سمات القائد الاستثنائي: خلق جيل يحمل الراية بعده.

القيادة تتطلب جرأة. تحتاج لقلب يتحمّل العزلة حين يصبح الطريق ضبابيًا، ولعقل يرى أبعد مما يراه الآخرون. وفي بعض الأحيان، يتطلب الأمر أن تقول “لا”، حتى حين تكون تلك الكلمة غير محبوبة. في مؤسسات الدولة، في الشركات، في الإدارات، بل حتى داخل الأسرة، هذه الحقيقة لا تتغير.

وفي هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ أمتنا، نحن في أمسِّ الحاجة إلى وزراء ومسؤولين لا يبحثون عن الأضواء، بل يتحمّلون المسؤولية بشجاعة وصدق. نحتاج إلى من تتجسّد فيهم صفات القيادة الحقيقية: وضوح الرؤية، والقدرة على اتخاذ القرار في أحلك الظروف، والاستعداد لتحمّل النقد والضغوط دون أن يتراجعوا عن المبادئ. نريد قادة يصغون للناس لا ليجاملوا، بل ليفهموا ويستجيبوا، يعملون بصمت وإخلاص، ويضعون مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية أو الحزبية. لقد آن الأوان أن يُدار الوطن بعقلية رجال دولة لا موظفي سلطة، بقيادات تصنع المستقبل، لا تُدار بالأزمات.

القيادة ليست تعنتًا ولا قسوة، ولكنها ليست أيضًا طبطبة دائمة. هي توازن دقيق بين الاستماع للجميع، واتخاذ ما تراه صائبًا، ثم تحمّل النتائج. القائد الحقيقي لا يتهرب من المسؤولية، ولا يُغريه رضا الآخرين عن قراراته بقدر ما يشغله أن تكون قراراته عادلة وصحيحة.

إذا كنت تطمح لأن تكون قائدًا، فاستعد أن تُنتقد، أن يُساء فَهمك، أن تُرفض أفكارك أحيانًا. لكن في النهاية، ما سيُذكرك به الناس ليس كم شخصًا أحبك، بل كم أثرًا تركته. أما إن كان همّك أن تسعد الجميع وتسمع كلمات المديح باستمرار، فقد يكون بيع الآيس كريم خيارًا ألطف، وأهدأ، وأقرب للسلام النفسي!

عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • “الحفاظ على حرية التعبير في العراق” .. عنوان ورشة عمل في العاصمة بغداد
  • جلسة حوارية حول تربية الأبناء على السمت العُماني بمعرض مسقط الدولي للكتاب
  • طريقة ذكية تساعد الأهل على اكتشاف تعرّض الأبناء للتنمر الإلكتروني
  • بين أن تكون قائداً أو بائع آيس كريم !!
  • البروفيسور التركي أوفجون أرجان يكشف: هل سيقع زلزال أكبر؟ ومتى يُتوقع الزلزال الكبير في إسطنبول؟
  • الطلاق لا يعني نهاية دور الرجل.. كيف يتعامل الأب مع أطفاله بعد الطلاق؟
  • هل يجوز الحج عن الوالدين المتوفيين في حجه واحدة.. الموقف الشرعي
  • جحود الأبناء.. قصة رجل ضحى بعمره من أجل أولاده فطردوه من المنزل
  • أب يعتدي على مدرب كرة سلة بعد تدخله لمنع شجاره مع آخر..فيديو
  • الرئيس الفلسطيني الى حماس: سلّموا الرهائن يا اولاد الكلب