جريدة الرؤية العمانية:
2024-10-02@05:31:10 GMT

نحن مُختلِفون لا مُتخلِّفون

تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT

نحن مُختلِفون لا مُتخلِّفون

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

ما بين الاختلاف والتخلُّف قطيعة كبيرة في المعنى والدلالة، وإن كانا كمفردتين لغويتين مشتقتين من تكوين يكاد أن يتطابق، وحين أتأملُ- شخصيًا- حالنا كعرب عبر التاريخ واليوم وأُقارنه بمن حولنا، أجدُ أننا نختلِف عنهم، ولسنا مُتخلِّفين عنهم.

التخلُّف والتطور مصطلحان يُطلقان اليوم بالمُطلق في التوصيف دون دلالة دقيقة ولا معنى لغوي وفلسفي حصري ودقيق؛ فالتخلُّف نسبيٌ وكذلك التطور، وهما أقرب في التوصيف والتشبيه من تعريف الأُمِّيَّة كمثال والتي دأبنا على حصرها في القراءة والكتابة، بينما الأُمِّيَّة هي كل ما يجهله الإنسان فيُعتبر أُمِّيًّا به، من لغات وعلوم وتقنية ومهارات.

...إلخ.

والتطور مصطلح نسبي كذلك في معناه الدلالي والفلسفي، فقد يكون شعب ما أو بلد ما متطور في جانب تنموي أو معرفي ما، وفي المقابل يعاني من تخلُّف قِيَمِيٍّ أو مادي أو أخلاقي معيب، وهنا أهمية تخصيص اللفظ لا تعميمه وإطلاقه بلا ضوابط.

شخصيًا، أتقززُ من لفظة الجاهلية حين ترد كتعريف تاريخي زمني أو فكري وهي في حقيقتها زمن الجهل بالإسلام أي قبل رسالته، فقد اختزل العقل العربي الجاهلية بكل سوء وجهالة وانحطاط وهي لم تكن كذلك أبدًا؛ حيث كان العرب في الجاهلية قوم تؤطر سلوكهم الأخلاق العربية الفطرية وقيم الحنيفيّة الإبراهيمية وأتت الرسالة المُحمَّدية منهم وإليهم وعبرهم للعالم لتتمم مكارم الأخلاق؛ بما ينسجم مع تعاليم الإسلام والموروث القيمي الفطري زمن الجهل بالإسلام، والمسمى بـ"الجاهلية".

حين يزورنا الغربي القادم من مدنيَّات الغرب يفقد صوابه ويتوه في مفردات وتفاصيل الحضارة العربية الإسلامية وما أنتجته لنفسها وللبشرية من قيم ومعارف وعلوم ينهل منها ويبني عليها الغربي اليوم مدنيّته وتطوره التقني وعلومه ومعارفه الإنسانية والتطبيقية والتي لم يكن له الفضل- غالبًا- في ابتكارها أصلًا.

حين يتحدث الغرب اليوم عن العولمة ونهاية التاريخ ويعززهما بالمفاهيم والثقافات الغربية العابرة للحدود والأجيال، وكأنها الملاذ الأخير والحتمي للإنسانية، فهو في حقيقته ينطلق من نظرة عنصرية نرجسية جعلته يعتقد أنه محور الكون ومن ليس معه فهو بالضرورة ضده، ومن لا يُشبهه ولا يقتدي به ولا يُقلده فهو على خطأ!

المدنيّة الغربية حالة استثنائية في التاريخ الإنساني؛ فالغرب بنرجسيته لم يستوعب بعد أن المدنيّات لا تتغلب على الحضارات ولا تتجاوزها ولا تطغى عليها؛ فالحضارات أتت بعظائم الأشياء والتي نقلت الإنسان من البدائية ووضعته على طريق التطور والتحضر والاستقرار والبناء، من تقنيات زراعة ووسائل ري وتشريعات وأعراف تنظم حياة الناس وتحمي حقوقهم، وصولًا إلى أدوات ووسائل سهّلت حياة الناس وجعلتهم في مرتبة أعلى وأقوى من مفردات شريكة لهم في الحياة من حيوان ونبات وجماد، كأدوات الطهي والصيد والملاحة وحرث الأرض...إلخ.

بينما أتت المدنيّات لاحقًا بمنافع عامة، من خلال تطوير تلك الأدوات الحضارية ولكنها ليست- وكما يتصور والغرب وطابورهم- مكاسب تعادل الحياة بالنسبة للإنسان، وكما كانت في حين ابتكارها في غابر الأزمان. وفوق هذا فإن التحسينات وأعمال التطوير التي أحدثتها مدنيّات الغرب اليوم لا تعني السبق أو الهوية الحضارية أو من الثقافات الأصيلة التي يمكن تعريفها بأنها تتبع هذا الشعب أو تُنسب إلى تلك الحضارة.

قبل اللقاء.. يتلعثمُ البعض ويسخر البعض الآخر حين أساله: أيهما أهم لحياة الإنسان، السكين أم الحاسوب (الكمبيوتر)؟! الجواب يُعبِّر عن وعي الشخص وإدراكه الفارق والاختلاف بين الحضارة والمدنيّة، والأهم والمُهم.

وبالشكر تدوم النعم.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

أوهام الديمقراطية 2

انتهيت في مقالي السابق إلى القول بأنه على الرغم انتقاد أفلاطون اللاذع لفكرة الديمقراطية، فقد تم استدعاء الديمقراطية منذ العصر الحديث باعتبارها النظام الأمثل الذي يمكن أن يحكم حياة البشر، وباعتبارها غاية ما وصل إليه التطور البشري، ومن ثم باعتبارها أمارة على تقدم الدول التي تتبنى النظام الديمقراطي. ولكني رأيت أن الترويج للديمقراطية بهذا الاعتبار هو نوع من الدعاية الأيديولوجية التي تريد تبرير النظام العالمي الذي تتبناه دول الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. ولهذا، فإن هذا التصور يستدعي تساؤلات عديدة تجعلنا نتشكك في مصداقيته. وسوف أحاول الإجابة عن هذه التساؤلات بالاستعانة بطريقة الفلسفة التحليلية للغة والمفاهيم المتداولة:

أول هذه التساؤلات وأهمها هو: هل الدول الديمقراطية هي الدول المتقدمة؟! الإشكالية هنا تكمن في أن "الدول التي تتبني نظمًا ديمقراطية هي دول متقدمة بالفعل"، ولكن هذه العبارة لا تعني من الناحية المنطقية أن "الدول التي تتبنى نظمًا ديمقراطية هي الدول المتقدمة بالفعل"، أعني: أنها ليست الدول الوحيدة التي تُعد متقدمة (وهذا هو الفارق الدلالي بين كلمة "دول" وكلمة "الدول"، وهو فارق كبير). ذلك أن هناك دولًا تتبنى نظمًا لا يمكن وصفها بأنها نظم ديمقراطية، ومع ذلك فإنها تُعد من أكثر الدول تقدمًا، بل تعد ضمن الدول الثلاث الأولى الأكثر تقدمًا على مستوى العالم. ولعل القارئ سوف يفطن على الفور إلى أن الدول التي أقصدها هنا في المقام الأول هي: روسيا والصين تحديدًا. وربما يجادل البعض في هذا بإثارة السؤال التالي: وما هو معيار التقدم هنا؟ إن دولة معينة قد تكون متقدمة في جانب أو جوانب ومتخلفة في جوانب أخرى. ولكيلا ندخل في مناقشات سوفسطائية عقيمة، فإنني أضع معيارًا بسيطًا للتقدم من خلال مفهوم "الغَلَبة"، وهو مفهوم قد استخدمه العرب، وعلى رأسهم ابن خلدون: فالدول المتقدمة هي الدول أو الأمم التي تكون لها "الغلبة" على غيرها، وهذه الغلبة هي تجعل لغتها غالبة على الشعوب الأخرى، وهذا هو أيضًا ما جرى حينما كانت اللغة العربية هي لغة الغالب في مرحلة تألق الحضارة العربية. حقًّا إن دولة مثل روسيا والصين يتحدث لغتها ملايين عديدة من أهلها، من دون سائر الشعوب الأخرى، ولكن اللغة هنا ليست هي المعيار الوحيد؛ لأن "الغلبة" هنا تتحقق في المقام الأول من خلال التقدم في الشؤون العسكرية والاقتصادية وفي شؤون التعليم والتكنولوجيا وفي الوفاء بالحاجات الاجتماعية. وإذا وضعنا هذا في الاعتبار، فإن دولة مثل روسيا أو الصين تنافس بقوة دول الغرب التي تدعي أنها متقدمة بسبب تبنيها نظمًا ديمقراطية. وعلى سبيل المثال، فإن دولة مثل روسيا تعد من أكبر القوى العسكرية في العالم، بل إنها تُعد أقوى دولة نووية في العالم، وهي متقدمة بشكل مذهل في شؤون التكنولوجيا والتعليم والفن، ويكفي أنها أعظم الدول في إرثها الفني والأدبي، حتى إنها تضم أعظم باليه في العالم: "البولوشوي". كما أنها تتمتع بتعليم متميز على الأصعدة كافة، وتتمتع الآن بحالة جيدة من القوة الاقتصادية والرعاية الاجتماعية التي تكفل للمواطن حياة كريمة، من بعد معاناة طويلة في هذا الصدد حينما ارتمت في حضن منظومة الغرب. ومثل هذا يمكن أن يُقال عن دولة الصين التي أصبحت المارد العملاق الذي يهدد الغرب نفسه في عقر داره، باعتبارها قوة اقتصادية جبارة تهدد هيمنة الاقتصاد الأمريكي نفسه، بل تتنامى قوتها العسكرية بمعدلات سريعة، بما في ذلك قوتها النووية. دع عنك كوريا الشمالية التي تتبنى نظامًا ديكتاتوريًّا بحق، ومع ذلك فإن قوتها العسكرية قد تنامت بشكل مذهل. وإذا وضعنا في الاعتبار أن هذه الدول قد أصبحت متحالفة الآن، فإن هذا يعني ببساطة أن هناك نظامًا عالميًّا جديدًا يتشكل من جديد بحيث تكون "الغلبة" فيه لنظم مغايرة لا تتبنى نموذج الديمقراطية الذي يروج له الغرب.

والحقيقة أننا لو تأملنا الديمقراطية كما تُمارس في الغرب، فسوف نجد أنها أوهام، ليس فقط بسبب أن الغرب لا يزال ينظر إلى الشعوب الأخرى، خاصةً المسلمين، باعتبارها شعوبًا أدنى؛ وإنما حتى بسبب ان هذا الغرب لا يزال يمارس سياسات عنصرية ومتحيزة إزاء الأصول العرقية المغايرة التي تعيش بين جنباته، حتى إن كانوا يحملون جنسية الدولة التي ينتمون إليها. يعرف هذا جيدًا كل من يعيشون في الغرب من أصول عرقية إفريقية أو عربية أو مسلمة. ولننتقل الآن إلى مثال صارخ آخر على أوهام الديمقراطية، وهي حالة الكيان الصهيوني المسمى بدولة إسرائيل التي لا يعرف أحد حدودًا جغرافية لها؛ ببساطة لأنها قامت على الاحتلال واغتصاب أرض الأغيار:

إسرائيل دول ديمقراطية بالفعل على مستوى النظام السياسي في الحكم. ولا شك أيضًا في أنها دولة متقدمة على كثير من الأصعدة، لعل أهمها تصنيع الأسلحة والتكنولوجيا. ولكن هل يبرر ذلك وصفها بأنها دولة ديمقراطية؟ فإذا كانت الديمقراطية تفترض المساواة بين الناس، فهل يمكن تصور هذه المساواة باعتبارها مقصورة على اليهود الذين يعيشون داخل دولة إسرائيل، في الوقت ذاته الذي تنظر فيه هذه الدولة إلى الآخرين باعتبارهم "الأغيار"، وتنظر إلى العرب- أصحاب الأرض التي تحتلها- باعتبارهم حيوانات لا تنتمي إلى البشر وينبغي القضاء عليهم والتنكيل بهم بلا رحمة؛ وليس هذا الكلام من عندي، وإنما هو كلام شائع ومنشور على ألسنة كثير من الصهاينة على شبكة المعلومات! فأية ديمقراطية هذه التي تقوم على التمييز بين البشر وفقًا لمعتقدات دينية ونزعات عنصرية وحشية؟! زد على ذلك أن هذه العنصرية نجدها داخل دولة إسرائيل نفسها؛ إذ إن هناك مراتب في تصنيف من ينتمون إلى الدولة ويحملون جنسيتها، فيأتي اليهود الأفارقة وعرب إسرائيل في مراتب دنيا داخل الدولة. هذا وغيره مما سبق هو مجرد أمثلة على أوهام الديمقراطية.

هل يعني كل هذا رفض الديمقراطية أو معاداتها. كلا، فإنه لا يعني سوى شيء واحد هو أن الديمقراطية تظل نموذجًا طوباويًّا لم يتحقق يومًا في عالمنا هذا، وهو لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كانت منهجًا في الفكر وأسلوب حياة في التعايش مع الذات ومع الآخرين.

مقالات مشابهة

  • أوهام الديمقراطية 2
  • روايات لوفينو تبرز جوانب خفية من الحضارة الفرعونية في صالون الأوبرا على المسرح الصغير
  • جامعة الدول العربية ترحب بالتفاهمات الليبية الأخيرة والتي أدت إلى حل أزمة مصرف ليبيا المركزي
  • "السياحة والآثار" تنظم جولات سياحية لفرق ملتقى أولادنا
  • روايات لوفينو تبرز جوانب خفية من الحضارة الفرعونية بصالون الأوبرا على المسرح الصغير
  • «السياحة» تنظم زيارات إلى الهرم للمشاركين في ملتقى «أولادنا» لذوي الهمم
  • جولات سياحية بمتحف الحضارة والأهرامات لفرق "أولادنا"
  • “الكتاب روح الحضارة” جلسة حوارية في مقهى الفجيرة الثقافي
  • الجامعة العربية: نرحب بالتفاهمات الليبية الأخيرة والتي أدت إلى حل أزمة المركزي
  • ما هو الفرق بين السيارات الكهربائية والهجينة والتي تعمل بالوقود الأحفوري؟