جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-22@11:07:07 GMT

خوارق العادات بين الأمس واليوم

تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT

خوارق العادات بين الأمس واليوم

 

أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي **

من الملاحظات التي يُمكننا رصدها أن البشرية عمومًا، ومع مرور الوقت، تقل لديها الظواهر الخارقة والتفسيرات الغيبية، والتي تُعرف في ثقافتنا الإسلامية بـ"الكرامات"، فكأنما هناك علاقة عكسية بين تطور المعرفة البشرية وخاصة في مجال علوم الطبيعة وبين الظواهر الخارقة للعادة، فما السبب وراء هذه العلاقة العكسية؟

وإذا كانت هذه الخوارق التي رُصِدَتْ في كُتب التاريخ قد حدثت في فترات سابقة؛ فالمفترض أن عدد هذه الخوارق يرتفع إلى أضعاف مضاعفة نظرًا لتنامي الكثافة البشرية بشكل كبير جدًا وخاصة في القرنين الأخيرين.

البعض منَّا ينسب ذلك إلى تدني مستوى الإيمان؛ وذلك بسبب طغيان المادة؛ حيث إن تطور علوم الطبيعة جعل البشرية تعيش في رفاهٍ مادي جعلهم يتغافلون عن الجوانب الروحية والإيمانية، ولذا قلت البركة وقلت خوارق العادات!

بينما يرى آخرون أن سبب ذلك هو أن التطور العلمي الذي رافق البشرية استطاع تفسير عدد كبير من الظواهر، والتي كانت في السابق مجهولة السبب، ويُظّن أنها خوارق للعادة؛ وهي في حقيقة الأمر ليست كذلك، ولذا كلما زادت مساحة العلم والتطور العلمي، تقلصت مساحة خوارق العادات والكرامات.

فمثلًا من الظواهر الخارقة للعادة التي كانت تنتشر في قبائل ساوا في جزيرة فيجي قدرة أفراد هذه القبائل على المشي على الجمار المُشتعلة، وكانوا يعتقدون أن هذه القدرة الخارقة للعادة إنما هي منحة وكرامة إلهية وُهِبَت لأحد أسلاف القبيلة وانتقلت بعدها في عقبه وأنها مُختصة بهم وحدهم؛ اذ لم يُعهد أن أحدًا غيرهم يمتلكها في منطقتهم الجغرافية (1).

لكن مع التطور العلمي الذي جعل العالم قرية صغيرة، لوحظ أن هذه الظاهرة والتي كان أفراد قبيلة ساوا يظنون أنها منحة إلهية خاصة بهم، ليست كذلك، فيبدو أن آلهتهم وهبتها أيضًا لعدد كبير من سكان العالم ممن لا يؤمن بها ولا يعبدها؛ بل يحاربها، فهذه الظاهرة مُنتشرة وبصورة كبيرة في العالم بأسره، فهي منتشرة في شبه القارة الهندية ومالاي واليابان والصين وتاهيتي ونيوزيلاندا، وبلغاريا واليونان وأسبانيا والبرتغال والبرازيل وأستراليا (2)، وأغلبها مرتبط بديانات ومذاهب معينة. ويعزو هؤلاء الذين يقدمون على ممارسة هذه العادة الخارقة للعادة إلى الغاية النبيلة التي يسعون لتحقيقها من ممارستهم لها باعتبارها طقوسًا دينية، ولذا تبقى أرجلهم سليمة ومعافاة من كل سوء أو إصابة (1 ، 3).

واليوم غدت هذه الظاهرة مهارة يمكنك اكتسابها من خلال التدريب، فهناك معاهد مخصصة تقوم بتدريبك عليها، ولا تكتفي بذلك؛ بل تطرح لك التفسير العلمي وأهمية الحالة النفسية للقيام بذلك، فإذا كنت راغبًا في كسب هذه المهارة وتعلم المشي على الجمار الحارقة فإن شخصاً يدعى توني روبين (له موقع على الإنترنت باسمه) يمكنه أن يقوم بتدريبك على ذلك، فلقد تحولت طقوس المشي على الجمار من طقوس دينية إلى علوم ومهارات يمكن أن نتعلمها ببعض الجهد والتدريب.

ويبدو أن ظهور خوارق العادات عند غير الصالحين أمر لفت جمعًا من علماء المسلمين أيضًا، ولذا فمن الملاحظ أن بعضهم قام بتقسيم الكرامات إلى أقسام تظهر بعضها على يد الفاسقين وذلك لتبرئته من تهمة باطلة تُنسب له، ويُسمى هذا النوع من الكرامات بـ"المغوثة أو المعونة". وهناك صنف آخر من الكرامات أسموه "الاستدراج"؛ وهو أن يجري الله عادة خارقة على يد شخص غير صالح؛ كي يزداد ضلاله وانحرافه (4). ولا يخفى على القارئ اللبيب من أن ذلك يثير التساؤل التالي: هل الكرامة دليل على صحة المعتقد، أم أن العقيدة هي التي تحدد صنف الكرامة؟ فإذا كان صاحب الكرامة عقيدته كعقيدتك فهو من الصالحين، ولذا فقد وهبهُ الله وأنعم عليه بتلك الكرامة، وإذا كان على غير معتقدك، فقد أجرى الله على يده تلك الكرامة ليستدرجه وهي بذلك دليل على فساد عقيدته!

إنَّنا نعتقد أن هذا الصنف من الكرامات والتي تظهر حتى عند غير الصالحين، ربما تُشير إلى عمومية هذه الكرامات وأنها مهارات يمكن اكتسابها وليست كرامات أو ظواهر خارقة للعادة؛ لأن انتشارها بهذه الصورة يعد مؤشرًا على أنها ظاهرة طبيعية، فمن مميزات العلوم الطبيعية أنها لا تخضع لأيديولوجيات أو عقائد معينة، وقوانينها تسري على الجميع دون استثناء. وانتشار الظاهرة حتى بين غير الصالحين ربما يُوحي بذلك. غاية الأمر أن هؤلاء- غير الصالحين- تمكنوا من اكتساب مهارات معينة مكنتهم من القيام بذلك، وبذلك يُمكننا مثلًا تفسير ظاهرة المشي على الجمار الحارقة دون تكلف ودون الحاجة لإرجاعها لأسباب أيديولوجية، لذا فنجدها منتشرة عند المسلم والمسيحي والمُشرِك والمُلحد.

إنَّ إمكانية تفسير هذه الظواهر الخارقة للعادة بصورة علمية طبيعية تفرض علينا إعادة النظر في تفسير الكم الهائل من خوارق العادات التي تملأ كُتب التراث الإنساني عمومًا والإسلامي بشكل خاص، فقبل عدة قرون كان الإنسان في محاولات تفسيره لأغلب تلك الظواهر التي لا يعلمها يلجأ إلى الكرامات؛ فالتفكير الغيبي كان مُهيمنًا عليه، لذا لا عتب على علماء تلك العصور في محاولاتهم التفسيرية، لكن العتب يقع علينا نحن أبناء هذا العصر إذا ما تبنينا نفس تلك التفاسير التي تبناها علماء تلك القرون، ونعتمد عليها، على الرغم من التقدم العلمي الكبير الذي نعيشه اليوم.

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

************

المصادر:

You Are the Placebo: Making Your Mind Matter by Joe Dispenza Encyclopaedia Britannica The Burning Saints Cognition and Culture in the Fire-walking Rituals of the Anastenaria by Dimiris Xygalates

 

4- الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حيدر حب الله، كرامات الأولياء والأئمة، عرض وتحليل مختصر لوجهات النظر المختلفة

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وزيرة التضامن الاجتماعي تشهد احتفالية اليوم العربي لكبار السن واليوم العالمي للتطوع

شهدت الدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي رئيس المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب احتفالية اليوم العربي لكبار السن تحت شعار " العطاء مستمر" واليوم العالمي للتطوع، تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية.

وجاء ذلك بحضور الدكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة رئيس المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشباب والرياضة العرب، والأستاذ أسامة بن صالح العلوي وزير التنمية الاجتماعية العرب رئيس الدورة الـ44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب، والسفيرة الدكتورة هيفاء أبو غزالة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية ورئيس قطاع الشؤون الاجتماعية العرب، والأستاذ عقيل محمد عقيل رئيس اللجنة التنسيقية العليا للاتحاد العربي للتطوع، والمستشارة أمل عمار رئيس المجلس القومي للمرأة، والسفيرة نبيلة مكرم المدير التنفيذي ورئيس الأمانة الفنية للتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي، والدكتور عادل العدوي وزير الصحة الأسبق، والنائب الدكتور طارق رضوان رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، ولفيف من الشخصيات العامة.

وشهدت وزيرة التضامن الاجتماعي رئيس المكتب التنفيذي  لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب، والسادة الحضور فيلما تسجيليا عن جهود الهلال الأحمر المصري الإغاثية في قطاع غزة، وكذلك فيلما عن دور صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، بالإضافة إلى عرض فيلم تسجيلي عن الخدمات التي تقدمها وزارة التضامن الاجتماعي لكبار السن، كما تم استعراض أنشطة وزارة الشباب والرياضة.

واستهلت وزيرة التضامن الاجتماعي رئيس المكتب التنفيذي  لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب كلمتها بالترحيب بالحضور في جمهورية مصر العربية، والسيد أسامة بن صالح العلوي وزير التنمية الاجتماعية بمملكة البحرين الذي حرص على المشاركة في هذا الحدث الذي يتم تنظيمه تحت رعاية فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية،تحت عنوان " العطاء مستمر"، في إطار إعلان عام 2024 عاما لكبار السن وإصدار قانون رعاية حقوق المسنين.

وأكدت الدكتورة مايا مرسي أن كبار السن هم الجذور الراسخة التي تمدّنا بالحكمة، والأيدي التي ساهمت في بناء الوطن، وهم ليسوا مجرد أعمارٍ مضت، بل قلوب تنبض بالتجارب، وعقول تحمل كنوز الماضي وأمل المستقبل، حيث تعاملت القيادة السياسية في مصر مع رعاية كبار السن كأولوية وطنية وإنسانية، وقد أطلق السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في سبتمبر 2021 والتي وردت حقوق المسنين بها ضمن المحور الثالث تحت عنوان تعزيز حقوق الإنسان للمرأة، والطفل، وذوي الإعاقة، والشباب، وكبار السن، وأعلن عام ٢٠٢٤ عاما لتكريم كبار السن وتفضل سيادته برعايته الكريمة لهذا العام.

وأوضحت وزيرة التضامن الاجتماعي أنه من  خلال جهود وزارة التضامن الاجتماعي، تسير مصر بخطى ثابتة نحو تمكين كبارنا، من خلال الحماية الاجتماعية، والدعم النفسي، والدمج المجتمعي، للتأكيد على أن العطاء لا عمر له، وأن الكرامة تظل حقًا محفوظًا لكل مواطن في هذا الوطن، مشيرة إلى أن وزارة التضامن الاجتماعي تقدم دعما لكبار السن، حيث يبلغ عدد المستفيدين من برنامج "كرامة" 546 ألف مسن  ومسنة بقيمة دعم سنوي: 3.36 مليار جنيه مصري، كما تقدم الوزارة خصم ٥٠٪  على مواصلات النقل العام لمن بلغوا 65 عامًا، وإعفاء كامل لمن بلغوا 70 عامًا، وتشرف الوزارة على 175  داراً للمسنين تقدم خدمات اجتماعية وصحية وترفيهية، كما هناك 191  نادي مسنين يخدم 56,000  عضو وعضوة ، و 28 مركز علاج طبيعي يوفر خدمات تأهيلية، وتعمل الوزارة على دمج كبار السن في المجتمع كنسيج لا ينفصل عن مصرنا جميعا.



كما أطلقت الوزارة مبادرات الحياة أمل والعمر الذهبي، والمشاركة في برنامج العباقرة، وأداء مناسك العمرة، والمصايف، وتنظيم مسابقات رياضية وفنية وثقافية،  كما أطلقت الوزارة مشروع رفيق المسن لتوفير الرعاية المنزلية، مع تدريب الشباب على تقديم الدعم اللازم وبهدف تعزيز الرعاية المجتمعية.
 
وأشارت الدكتورة مايا مرسي إلى أن وزارة التضامن الاجتماعي بجمهورية مصر العربية تؤكد  على حرصها من خلال رئاستها للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشئون الاجتماعية العرب على تنفيذ الاستراتيجية العربية لكبار السن التي أقرتها القمة العربية في الجمهورية التونسية عام 2019 والتي تهدف بشكل عام أنه بحلول عام 2029 يجب أن يعيش كبار السن من الجنسين برفاه في محيط دامج ويتمتعوا بكامل حقوقهم في خدمات جيدة في المجالين الاجتماعي والصحي وبحقهم في المشاركة الكاملة من دون أي شكل من أشكال الإقصاء أو التمييز.

وكذلك تحرص وزارة التضامن الاجتماعي على تنفيذ الاستراتيجية العربية للعمل التطوعي والتي أقرتها أيضا القمة العربية حيث تهتم مصر بتبادل الخبرات في هذا المجال، وقد لعب الهلال الأحمر المصري دورا كبيرا في تقديم الدعم الاجتماعي والإنساني للأشقاء في غزة وكل الدول العربية التي تحتاج للدعم والمساندة خاصة في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها العديد من الدول في المنطقة.

ووجهت الدكتورة مايا مرسي تحية خاصة للهلال الأحمر المصري على الدور الذي يؤديه في شمال سيناء، قائلة :" أشعر بالفخر ونحن نقوم بتعبئة المواد الغذائية والإغاثية لأهالينا في قطاع غزة وتنفيذ توجيهات القيادة السياسية بتكثيف جهود المساعدات ، حيث يقف  أكثر من 1500 متطوع من الهلال الأحمر في شمال سيناء  يقدمون كافة الخدمات الإغاثية والدعم النفسي ولم يتوقف هذا الجهد منذ اندلاع الأزمة، كما وقفنا خلال الزيارة الأخيرة لشمال سيناء بحضور نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان على جهود إدخال الهلال الأحمر المصري المساعدات الإغاثية الإنسانية لقطاع غزة".

وأوضحت أنه في ضوء توجيهات فخامة السيد الرئيس ساعدت جمهورية مصر العربية، تم توجيه عدد من قوافل المساعدات لأهلنا في قطاع غزة، وتسهيل وصول المساعدات من الأشقاء في الدول العربية التي تم تجهيزها والعمل عليها من قبل الهلال الأحمر المصري من المساعدات الغذائية والإغاثية والطبية.

وأعلنت وزيرة التضامن الاجتماعي عن اتفاقها والتأكيد على المقترح الذي تقدمت به السفيرة الدكتورة هيفاء أبو غزالة بشأن عقد اجتماع مشترك بين مجلس وزراء الشئون الاجتماعية العرب ومجلس وزراء الشباب والرياضة العرب لتنفيذ الاستراتيجية العربية للعمل التطوعي بالتعاون مع الشركاء في هذا المجال، والتنسيق مع دكتور أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة وبصفته رئيس المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشباب والرياضة  العرب، وكذلك التنسيق مع الأمانة الفنية لمجلس وزراء الشئون الاجتماعية العرب لتنظيم الفعاليات المشتركة في هذا المجال الهام.
 
وتوجهت وزيرة التضامن الاجتماعي  في ختام كلمتها مجدداً بالشكر للسيد  أسامة بن صالح العلوي وزير التنمية الاجتماعية بمملكة البحرين لحرصه على المشاركة في هذه الاحتفالية، وكذلك الشكر لجميع السادة الحضور.


 

مقالات مشابهة

  • حالة الطقس.. «الأرصاد » تكشف عن أخطر الظواهر الجوية خلال الأيام المقبلة
  • وزيرة التضامن الاجتماعي تشهد احتفالية اليوم العربي لكبار السن واليوم العالمي للتطوع
  • الاعتذار الثالث بسبب «فردة حلق».. ماذا قال أحمد سعد عن العادات والتقاليد؟
  • عاجل - طقس الغد في مصر.. تحذيرات عاجلة من هذه الظواهر
  • تحت رعاية رئيس الجمهورية: احتفالية اليوم العربي لكبار السن واليوم العالمي للتطوع
  • خمس عادات تحميك من الخرف
  • وزيرة التضامن تشهد احتفالية اليوم العربي لكبار السن واليوم العالمي للتطوع
  • هذه العادات تحافظ على صحة الكلى | تفاصيل
  • رصد العديد من الظواهر الفلكية بسماء الحدود الشمالية
  • أبوزريبة يناقش خطط مديرية أمن سبها لمكافحة الظواهر السلبية ومعالجة الاختناقات المرورية