جريدة الرؤية العمانية:
2024-07-08@14:23:41 GMT

خوارق العادات بين الأمس واليوم

تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT

خوارق العادات بين الأمس واليوم

 

أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي **

من الملاحظات التي يُمكننا رصدها أن البشرية عمومًا، ومع مرور الوقت، تقل لديها الظواهر الخارقة والتفسيرات الغيبية، والتي تُعرف في ثقافتنا الإسلامية بـ"الكرامات"، فكأنما هناك علاقة عكسية بين تطور المعرفة البشرية وخاصة في مجال علوم الطبيعة وبين الظواهر الخارقة للعادة، فما السبب وراء هذه العلاقة العكسية؟

وإذا كانت هذه الخوارق التي رُصِدَتْ في كُتب التاريخ قد حدثت في فترات سابقة؛ فالمفترض أن عدد هذه الخوارق يرتفع إلى أضعاف مضاعفة نظرًا لتنامي الكثافة البشرية بشكل كبير جدًا وخاصة في القرنين الأخيرين.

البعض منَّا ينسب ذلك إلى تدني مستوى الإيمان؛ وذلك بسبب طغيان المادة؛ حيث إن تطور علوم الطبيعة جعل البشرية تعيش في رفاهٍ مادي جعلهم يتغافلون عن الجوانب الروحية والإيمانية، ولذا قلت البركة وقلت خوارق العادات!

بينما يرى آخرون أن سبب ذلك هو أن التطور العلمي الذي رافق البشرية استطاع تفسير عدد كبير من الظواهر، والتي كانت في السابق مجهولة السبب، ويُظّن أنها خوارق للعادة؛ وهي في حقيقة الأمر ليست كذلك، ولذا كلما زادت مساحة العلم والتطور العلمي، تقلصت مساحة خوارق العادات والكرامات.

فمثلًا من الظواهر الخارقة للعادة التي كانت تنتشر في قبائل ساوا في جزيرة فيجي قدرة أفراد هذه القبائل على المشي على الجمار المُشتعلة، وكانوا يعتقدون أن هذه القدرة الخارقة للعادة إنما هي منحة وكرامة إلهية وُهِبَت لأحد أسلاف القبيلة وانتقلت بعدها في عقبه وأنها مُختصة بهم وحدهم؛ اذ لم يُعهد أن أحدًا غيرهم يمتلكها في منطقتهم الجغرافية (1).

لكن مع التطور العلمي الذي جعل العالم قرية صغيرة، لوحظ أن هذه الظاهرة والتي كان أفراد قبيلة ساوا يظنون أنها منحة إلهية خاصة بهم، ليست كذلك، فيبدو أن آلهتهم وهبتها أيضًا لعدد كبير من سكان العالم ممن لا يؤمن بها ولا يعبدها؛ بل يحاربها، فهذه الظاهرة مُنتشرة وبصورة كبيرة في العالم بأسره، فهي منتشرة في شبه القارة الهندية ومالاي واليابان والصين وتاهيتي ونيوزيلاندا، وبلغاريا واليونان وأسبانيا والبرتغال والبرازيل وأستراليا (2)، وأغلبها مرتبط بديانات ومذاهب معينة. ويعزو هؤلاء الذين يقدمون على ممارسة هذه العادة الخارقة للعادة إلى الغاية النبيلة التي يسعون لتحقيقها من ممارستهم لها باعتبارها طقوسًا دينية، ولذا تبقى أرجلهم سليمة ومعافاة من كل سوء أو إصابة (1 ، 3).

واليوم غدت هذه الظاهرة مهارة يمكنك اكتسابها من خلال التدريب، فهناك معاهد مخصصة تقوم بتدريبك عليها، ولا تكتفي بذلك؛ بل تطرح لك التفسير العلمي وأهمية الحالة النفسية للقيام بذلك، فإذا كنت راغبًا في كسب هذه المهارة وتعلم المشي على الجمار الحارقة فإن شخصاً يدعى توني روبين (له موقع على الإنترنت باسمه) يمكنه أن يقوم بتدريبك على ذلك، فلقد تحولت طقوس المشي على الجمار من طقوس دينية إلى علوم ومهارات يمكن أن نتعلمها ببعض الجهد والتدريب.

ويبدو أن ظهور خوارق العادات عند غير الصالحين أمر لفت جمعًا من علماء المسلمين أيضًا، ولذا فمن الملاحظ أن بعضهم قام بتقسيم الكرامات إلى أقسام تظهر بعضها على يد الفاسقين وذلك لتبرئته من تهمة باطلة تُنسب له، ويُسمى هذا النوع من الكرامات بـ"المغوثة أو المعونة". وهناك صنف آخر من الكرامات أسموه "الاستدراج"؛ وهو أن يجري الله عادة خارقة على يد شخص غير صالح؛ كي يزداد ضلاله وانحرافه (4). ولا يخفى على القارئ اللبيب من أن ذلك يثير التساؤل التالي: هل الكرامة دليل على صحة المعتقد، أم أن العقيدة هي التي تحدد صنف الكرامة؟ فإذا كان صاحب الكرامة عقيدته كعقيدتك فهو من الصالحين، ولذا فقد وهبهُ الله وأنعم عليه بتلك الكرامة، وإذا كان على غير معتقدك، فقد أجرى الله على يده تلك الكرامة ليستدرجه وهي بذلك دليل على فساد عقيدته!

إنَّنا نعتقد أن هذا الصنف من الكرامات والتي تظهر حتى عند غير الصالحين، ربما تُشير إلى عمومية هذه الكرامات وأنها مهارات يمكن اكتسابها وليست كرامات أو ظواهر خارقة للعادة؛ لأن انتشارها بهذه الصورة يعد مؤشرًا على أنها ظاهرة طبيعية، فمن مميزات العلوم الطبيعية أنها لا تخضع لأيديولوجيات أو عقائد معينة، وقوانينها تسري على الجميع دون استثناء. وانتشار الظاهرة حتى بين غير الصالحين ربما يُوحي بذلك. غاية الأمر أن هؤلاء- غير الصالحين- تمكنوا من اكتساب مهارات معينة مكنتهم من القيام بذلك، وبذلك يُمكننا مثلًا تفسير ظاهرة المشي على الجمار الحارقة دون تكلف ودون الحاجة لإرجاعها لأسباب أيديولوجية، لذا فنجدها منتشرة عند المسلم والمسيحي والمُشرِك والمُلحد.

إنَّ إمكانية تفسير هذه الظواهر الخارقة للعادة بصورة علمية طبيعية تفرض علينا إعادة النظر في تفسير الكم الهائل من خوارق العادات التي تملأ كُتب التراث الإنساني عمومًا والإسلامي بشكل خاص، فقبل عدة قرون كان الإنسان في محاولات تفسيره لأغلب تلك الظواهر التي لا يعلمها يلجأ إلى الكرامات؛ فالتفكير الغيبي كان مُهيمنًا عليه، لذا لا عتب على علماء تلك العصور في محاولاتهم التفسيرية، لكن العتب يقع علينا نحن أبناء هذا العصر إذا ما تبنينا نفس تلك التفاسير التي تبناها علماء تلك القرون، ونعتمد عليها، على الرغم من التقدم العلمي الكبير الذي نعيشه اليوم.

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

************

المصادر:

You Are the Placebo: Making Your Mind Matter by Joe Dispenza Encyclopaedia Britannica The Burning Saints Cognition and Culture in the Fire-walking Rituals of the Anastenaria by Dimiris Xygalates

 

4- الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حيدر حب الله، كرامات الأولياء والأئمة، عرض وتحليل مختصر لوجهات النظر المختلفة

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

تكريم "المنشاوي" في إحتفالية رؤساء وممثلي الجامعات المدرجة في تصنيف «QS»

كرم الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي، الدكتور أحمد المنشاوي رئيس جامعة أسيوط، خلال الاحتفالية المقامة لتكريم رؤساء وممثلي الجامعات الـ 15 الذين تم إدراجهم في تصنيف QS العالمي، والتي نظمتها جامعة المستقبل برئاسة الدكتور عبادة سرحان، بمناسبة زيادة أعداد الجامعات المصرية بتصنيف QS العالمي.

جاء ذلك بحضور الدكتور حسام عثمان نائب وزير التعليم العالي والبحث العلمي لشئون الابتكار والبحث العلمي، والدكتور عمرو عزت سلامة أمين اتحاد الجامعات العربية، والدكتور علاء عشماوي رئيس الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، والدكتورة عبير الشاطر مساعد الوزير للشئون الفنية والمُشرف العام على بنك المعرفة المصري، ولفيف من رؤساء الجامعات وقيادات الوزارة والجامعات وأعضاء هيئة التدريس وعدد من الباحثين.

وخلال كلمته بهذه الاحتفالية، ثمن عاشور جهود الجامعات التي ساهمت في التواجد بتصنيف QS العالمي، مؤكّدًا أهمية استمرار الجامعات في تحسين جودة أبحاثها للتواجد في مراكز متقدمة، لافتًا إلى ضرورة سعي باقي الجامعات للتواجد في كُبرى التصنيفات الدولية المرموقة.

وشهد تصنيف (QS) العالمي تواجد 15 جامعة مصرية، حيث يعتمد التصنيف على عدة مؤشرات، وهي: السمعة الأكاديمية (30%)، وسمعة الخريجين (15%)، ونسبة أعضاء هيئة التدريس للطلاب (10٪) وحجم الاستشهادات من الأبحاث بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس (20%)، وأعضاء هيئة التدريس الأجانب (5%) والطلاب الأجانب (5%) وشبكة الأبحاث المنشورة بين باحثين ينتمون إلى أكثر من دولة هذا العام، كما قام هذا التصنيف بتحسين منهجية التقييم، حيث قدم ثلاثة مقاييس جديدة وهي: الاستدامة (5%)، ونتائج توظيف خريجي الجامعة (5%)، وشبكة الأبحاث الدولية (5%).

كما عقد وزير التعليم العالي والبحث العلمي؛ اجتماعًا مع ممثلي تصنيف QS العالمي، بحضور الدكتور أشوين فرنانديز الرئيس التنفيذي لتصنيف QS لمنطقة إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، والأستاذ رامي عواد المدير الإقليمي لمؤسسة QS للنقطة ورؤساء الجامعات المصرية الخمسة عشر التي تواجدت في التصنيف وفق أحدث إصداراته لعام 2025، والذي تضمن ترتيب 1500 جامعة من مختلف جامعات دول العالم.

وأكد عاشور أهمية الدعم الكبير الذي تقدمه القيادة السياسية لتطوير منظومة التعليم العالي خلال السنوات العشر الماضية، والذي كان دافعًا لتحقيق تقدم ملحوظ بالتصنيفات الدولية، في ظل سياسات البحث العلمي التي انتهجتها الوزارة تماشيًا مع الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي.

وأشاد الوزير بما تُحققه المؤسسات التعليمية من تقدم مُتواصل في نتائج التصنيفات الدولية، والذي يعكس حجم التطوير الكبير في منظومة التعليم العالي والبحث العلمي، والاهتمام بالنشر الدولي، مشيرًا إلى أن العمل على تحسين ترتيب الجامعات فى أنظمة تصنيف الجامعات العالمية المختلفة يأتي ضمن الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالى والبحث العلمي، والتي من مبادئها التركيز على المرجعية الدولية، وتحقيق معايير التنافسية العالمية للمؤسسات التعليمية والبحثية المصرية.

واستعرض عاشور الإجراءات التي اتخذتها الوزارة وبنك المعرفة المصري من التدريب على النشر الدولي، وتحفيز الجامعات والمراكز والهيئات البحثية للنشر في المجلات الدولية المرموقة، والتي يُعد هذا التقدم انعكاسًا لها.

وتناول الاجتماع عرض جهود بنك المعرفة المصري ودوره الهام في توفير الكم الهائل من المصادر العلمية اللازمة للباحثين، والعلماء المصريين، وصناع القرار من أجل تعزيز البحث العلمي في مصر، وتمكين المؤسسات البحثية من أن تصبح معروفة عالميًّا كمرجع للبحث العلمي، فضلاً عن المُساهمة في الارتقاء بتصنيف الجامعات والمؤسسات والمراكز البحثية دوليًا، وذلك تماشيًا مع رؤية مصر للتنمية المُستدامة 2030، والتي تستهدف إتاحة التعليم والتدريب من أجل خلق جيل من الشباب، يكون قادرًا على إحداث طفرة في كافة المجالات بمصر.

واستمع رؤساء الجامعات إلى عرض قدمه الدكتور أشوين فرنانديز حول الجهود التي يمكن أن تبذلها الجامعات للحصول على مراكز متقدمة في التصنيف، وأبرز المؤشرات التي تساعد على التقدم في التصنيفات، وألقى نظرة عامة حول ترتيب الجامعات المصرية مع نظيرتها بمختلف دول العالم وإبراز نقاط القوة لدى الجامعات المتواجدة في مقدمة التصنيف، فضلًا عن التأكيد على أهمية الاهتمام بجودة الأبحاث المُقدمة، وتقديم برامج تدريبية مُتقدمة للمسئولين عن كلف التصنيفات بالجامعات.

وشهد اللقاء تبادل الأفكار بين رؤساء الجامعات المصرية والوفد لتحسين ترتيب الجامعات المصرية في التصنيف.

 وتلقى الوزير ورؤساء الجامعات دعوة من الدكتور أشوين فرنانديز للمشاركة في المُلتقى العربي 2024 الذي سيجمع لفيفا من رؤساء الجامعات من مختلف دول العالم، والذي سيُقام في منطقة البحر الميت بالأردن خلال الفترة من 16 - 17 أكتوبر القادم.

مقالات مشابهة

  • رئيس جامعة دمياط يشهد ختام فعاليات "التغيرات المناخية"
  • وزير التعليم العالي يُكرم رئيس جامعة أسيوط لإدراجها في تصنيف «QS»
  • وزير التعليم العالي يكرم رئيس جامعة أسيوط
  • تكريم "المنشاوي" في إحتفالية رؤساء وممثلي الجامعات المدرجة في تصنيف «QS»
  • المشترى يقترن بـ"نجم الدوبران" في مشهد بديع .. الليلة
  • أمانة جدة تضبط سكن عمالة لتحضير المأكولات الفاسدة بالعزيزية
  • عاجل.. قرار مفاجئ من إبراهيم فايق بعد حلقة أحمد رفعت
  • أسلحة القسام الخارقة للدروع تغير قواعد الحرب الإسرائيلية
  • محلل فني: مباريات «يورو 2024» أمس الأقوى في العالم
  • بنات الموديلز في اليمن.. صدام مع المجتمع وقيود العادات والتشريع الديني (تقرير خاص)