خوارق العادات بين الأمس واليوم
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي **
من الملاحظات التي يُمكننا رصدها أن البشرية عمومًا، ومع مرور الوقت، تقل لديها الظواهر الخارقة والتفسيرات الغيبية، والتي تُعرف في ثقافتنا الإسلامية بـ"الكرامات"، فكأنما هناك علاقة عكسية بين تطور المعرفة البشرية وخاصة في مجال علوم الطبيعة وبين الظواهر الخارقة للعادة، فما السبب وراء هذه العلاقة العكسية؟
وإذا كانت هذه الخوارق التي رُصِدَتْ في كُتب التاريخ قد حدثت في فترات سابقة؛ فالمفترض أن عدد هذه الخوارق يرتفع إلى أضعاف مضاعفة نظرًا لتنامي الكثافة البشرية بشكل كبير جدًا وخاصة في القرنين الأخيرين.
بينما يرى آخرون أن سبب ذلك هو أن التطور العلمي الذي رافق البشرية استطاع تفسير عدد كبير من الظواهر، والتي كانت في السابق مجهولة السبب، ويُظّن أنها خوارق للعادة؛ وهي في حقيقة الأمر ليست كذلك، ولذا كلما زادت مساحة العلم والتطور العلمي، تقلصت مساحة خوارق العادات والكرامات.
فمثلًا من الظواهر الخارقة للعادة التي كانت تنتشر في قبائل ساوا في جزيرة فيجي قدرة أفراد هذه القبائل على المشي على الجمار المُشتعلة، وكانوا يعتقدون أن هذه القدرة الخارقة للعادة إنما هي منحة وكرامة إلهية وُهِبَت لأحد أسلاف القبيلة وانتقلت بعدها في عقبه وأنها مُختصة بهم وحدهم؛ اذ لم يُعهد أن أحدًا غيرهم يمتلكها في منطقتهم الجغرافية (1).
لكن مع التطور العلمي الذي جعل العالم قرية صغيرة، لوحظ أن هذه الظاهرة والتي كان أفراد قبيلة ساوا يظنون أنها منحة إلهية خاصة بهم، ليست كذلك، فيبدو أن آلهتهم وهبتها أيضًا لعدد كبير من سكان العالم ممن لا يؤمن بها ولا يعبدها؛ بل يحاربها، فهذه الظاهرة مُنتشرة وبصورة كبيرة في العالم بأسره، فهي منتشرة في شبه القارة الهندية ومالاي واليابان والصين وتاهيتي ونيوزيلاندا، وبلغاريا واليونان وأسبانيا والبرتغال والبرازيل وأستراليا (2)، وأغلبها مرتبط بديانات ومذاهب معينة. ويعزو هؤلاء الذين يقدمون على ممارسة هذه العادة الخارقة للعادة إلى الغاية النبيلة التي يسعون لتحقيقها من ممارستهم لها باعتبارها طقوسًا دينية، ولذا تبقى أرجلهم سليمة ومعافاة من كل سوء أو إصابة (1 ، 3).
واليوم غدت هذه الظاهرة مهارة يمكنك اكتسابها من خلال التدريب، فهناك معاهد مخصصة تقوم بتدريبك عليها، ولا تكتفي بذلك؛ بل تطرح لك التفسير العلمي وأهمية الحالة النفسية للقيام بذلك، فإذا كنت راغبًا في كسب هذه المهارة وتعلم المشي على الجمار الحارقة فإن شخصاً يدعى توني روبين (له موقع على الإنترنت باسمه) يمكنه أن يقوم بتدريبك على ذلك، فلقد تحولت طقوس المشي على الجمار من طقوس دينية إلى علوم ومهارات يمكن أن نتعلمها ببعض الجهد والتدريب.
ويبدو أن ظهور خوارق العادات عند غير الصالحين أمر لفت جمعًا من علماء المسلمين أيضًا، ولذا فمن الملاحظ أن بعضهم قام بتقسيم الكرامات إلى أقسام تظهر بعضها على يد الفاسقين وذلك لتبرئته من تهمة باطلة تُنسب له، ويُسمى هذا النوع من الكرامات بـ"المغوثة أو المعونة". وهناك صنف آخر من الكرامات أسموه "الاستدراج"؛ وهو أن يجري الله عادة خارقة على يد شخص غير صالح؛ كي يزداد ضلاله وانحرافه (4). ولا يخفى على القارئ اللبيب من أن ذلك يثير التساؤل التالي: هل الكرامة دليل على صحة المعتقد، أم أن العقيدة هي التي تحدد صنف الكرامة؟ فإذا كان صاحب الكرامة عقيدته كعقيدتك فهو من الصالحين، ولذا فقد وهبهُ الله وأنعم عليه بتلك الكرامة، وإذا كان على غير معتقدك، فقد أجرى الله على يده تلك الكرامة ليستدرجه وهي بذلك دليل على فساد عقيدته!
إنَّنا نعتقد أن هذا الصنف من الكرامات والتي تظهر حتى عند غير الصالحين، ربما تُشير إلى عمومية هذه الكرامات وأنها مهارات يمكن اكتسابها وليست كرامات أو ظواهر خارقة للعادة؛ لأن انتشارها بهذه الصورة يعد مؤشرًا على أنها ظاهرة طبيعية، فمن مميزات العلوم الطبيعية أنها لا تخضع لأيديولوجيات أو عقائد معينة، وقوانينها تسري على الجميع دون استثناء. وانتشار الظاهرة حتى بين غير الصالحين ربما يُوحي بذلك. غاية الأمر أن هؤلاء- غير الصالحين- تمكنوا من اكتساب مهارات معينة مكنتهم من القيام بذلك، وبذلك يُمكننا مثلًا تفسير ظاهرة المشي على الجمار الحارقة دون تكلف ودون الحاجة لإرجاعها لأسباب أيديولوجية، لذا فنجدها منتشرة عند المسلم والمسيحي والمُشرِك والمُلحد.
إنَّ إمكانية تفسير هذه الظواهر الخارقة للعادة بصورة علمية طبيعية تفرض علينا إعادة النظر في تفسير الكم الهائل من خوارق العادات التي تملأ كُتب التراث الإنساني عمومًا والإسلامي بشكل خاص، فقبل عدة قرون كان الإنسان في محاولات تفسيره لأغلب تلك الظواهر التي لا يعلمها يلجأ إلى الكرامات؛ فالتفكير الغيبي كان مُهيمنًا عليه، لذا لا عتب على علماء تلك العصور في محاولاتهم التفسيرية، لكن العتب يقع علينا نحن أبناء هذا العصر إذا ما تبنينا نفس تلك التفاسير التي تبناها علماء تلك القرون، ونعتمد عليها، على الرغم من التقدم العلمي الكبير الذي نعيشه اليوم.
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
************
المصادر:
You Are the Placebo: Making Your Mind Matter by Joe Dispenza Encyclopaedia Britannica The Burning Saints Cognition and Culture in the Fire-walking Rituals of the Anastenaria by Dimiris Xygalates
4- الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حيدر حب الله، كرامات الأولياء والأئمة، عرض وتحليل مختصر لوجهات النظر المختلفة
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
خبراء: الظواهر المتطرفة كبدت العالم خسائر بالملايين.. التغيرات دمرت المحاصيل الزراعية وخفضت إنتاجيتها.. «علام»: مصر تكافح التغيرات بزراعة 4 ملايين فدان لتحقيق الأمن الغذائي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أجمع خبراء البيئة على أن قطاع الزراعة يعد الخاسر الأكبر من التغيرات المناخية، حيث أكد الدكتور مجدي علام، أمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب، أن التغيرات المناخية لها تأثيرات قوية على العناصر الأساسية المكونة لهذا الكون وهو الأرض والمياه والهواء، وبالتالي فإن خطورتها تتزايد يوما بعد يوم.
وأضاف "علام" فى تصريحاته لـ"البوابة" أنه خلال السنوات الأخيرة بدأ الوجه الآخر للتغيرات المناخية فى الظهر وهو الأمر الذى انعكس فى شكل ظواهر مناخية متطرفة تتسبب فى خسائر بشرية ومادية كبيرة بسبب الزلازل والعواصف والرياح القوية والتى تجسد التطرف المناخى فى أشرس صوره.
وتابع: "فى السنوات الأخيرة وجدنا ظواهر جوية تزيل مناطق بأكملها مثل سيول ليبيا التى جرفت مدينة درنة الليبية بالكامل وتسببت فى دمار مئات المنازل والمباني، وما يزيد من خطر التغيرات المناخية أنها أصبحت يصعب التنبؤ بها، مثل الزلازل العنيفة التى ضربت العديد من بقاع الأرض نتيجة تأثر القشرة الأرضية بارتفاع درجات الحرارة.
ولفت علام إلى أن التغيرات المناخية تؤثر بشدة على المحاصيل الزراعية، ومصر فى سبيل ذلك وضعت خطة لتأمين أمنها الغذائى من خلال زراعة ٤ ملايين فدان جديدة للتغلب على آثار التغير المناخى، بالإضافة إلى إنشاء منظومة متكاملة من الصوامع للحفاظ على الحبوب والغلال وخاصة محصول القمح.
من جهته، قال الدكتور علاء سرحان، الخبير البيئي، الأستاذ بجامعة عين شمس، إن التأثيرات السلبية الأكبر للتغيرات المناخية تتحملها المحاصيل الزراعية التى تنخفض إنتاجيتها بشدة نتيجة لتأثر المحاصيل الزراعية بالظواهر المناخية.
وأوضح الخبير البيئى فى تصريحاته لـ"البوابة" أن المحصول لكى ينمو يجب أن تتوافر له المياه والتربة الصالحة ودرجات الحرارة المناسبة، وفى ظل الظواهر الجوية المتطرفة نجد أن العديد من الدول تعرضت لموجات من الجفاف، كما أن هناك دولا أخرى تعرضت لدرجات حرارة مرتفعة أو سيول جارفة وعواصف وأمطار غزيرة وكل ذلك تسبب فى التأثير بالسلب على نمو المحاصيل وانخفاض إنتاجيتها.
ولفت "سرحان" إلى أن التغيرات المناخية من ضمن سلبياتها أيضا تغيير الظروف والتوزيع الجغرافي، لذلك رأينا هجرة للحشرات الضارة التى تصيب المحاصيل الزراعية بأمراض غريبة تتسبب فى مرض هذه النباتات، بالإضافة إلى ارتفاع ملوحة التربة وفقدانها للصلاحية للزراعة كنتيجة مباشرة لارتفاع سطح البحر.
أبرز المحاصيل المتأثرة بالتغيرات المناخية فى مصر
القمح:
سيتقلص الإنتاج بنسبة 9% عند ارتفاع الحرارة 2°م، و18% عند 3.5°م.
الشعير:
يتوقع انخفاض إنتاجه 18% بحلول عام 2050.
الذرة الشامية:
قد ينخفض إنتاجها 19% باستخدام نفس الظروف.
الأرز:
سيشهد انخفاضًا قدره 11% وزيادة فى استهلاك المياه بنسبة 16%.