جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-22@08:07:41 GMT

خوارق العادات بين الأمس واليوم

تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT

خوارق العادات بين الأمس واليوم

 

أ. د. حيدر بن أحمد اللواتي **

من الملاحظات التي يُمكننا رصدها أن البشرية عمومًا، ومع مرور الوقت، تقل لديها الظواهر الخارقة والتفسيرات الغيبية، والتي تُعرف في ثقافتنا الإسلامية بـ"الكرامات"، فكأنما هناك علاقة عكسية بين تطور المعرفة البشرية وخاصة في مجال علوم الطبيعة وبين الظواهر الخارقة للعادة، فما السبب وراء هذه العلاقة العكسية؟

وإذا كانت هذه الخوارق التي رُصِدَتْ في كُتب التاريخ قد حدثت في فترات سابقة؛ فالمفترض أن عدد هذه الخوارق يرتفع إلى أضعاف مضاعفة نظرًا لتنامي الكثافة البشرية بشكل كبير جدًا وخاصة في القرنين الأخيرين.

البعض منَّا ينسب ذلك إلى تدني مستوى الإيمان؛ وذلك بسبب طغيان المادة؛ حيث إن تطور علوم الطبيعة جعل البشرية تعيش في رفاهٍ مادي جعلهم يتغافلون عن الجوانب الروحية والإيمانية، ولذا قلت البركة وقلت خوارق العادات!

بينما يرى آخرون أن سبب ذلك هو أن التطور العلمي الذي رافق البشرية استطاع تفسير عدد كبير من الظواهر، والتي كانت في السابق مجهولة السبب، ويُظّن أنها خوارق للعادة؛ وهي في حقيقة الأمر ليست كذلك، ولذا كلما زادت مساحة العلم والتطور العلمي، تقلصت مساحة خوارق العادات والكرامات.

فمثلًا من الظواهر الخارقة للعادة التي كانت تنتشر في قبائل ساوا في جزيرة فيجي قدرة أفراد هذه القبائل على المشي على الجمار المُشتعلة، وكانوا يعتقدون أن هذه القدرة الخارقة للعادة إنما هي منحة وكرامة إلهية وُهِبَت لأحد أسلاف القبيلة وانتقلت بعدها في عقبه وأنها مُختصة بهم وحدهم؛ اذ لم يُعهد أن أحدًا غيرهم يمتلكها في منطقتهم الجغرافية (1).

لكن مع التطور العلمي الذي جعل العالم قرية صغيرة، لوحظ أن هذه الظاهرة والتي كان أفراد قبيلة ساوا يظنون أنها منحة إلهية خاصة بهم، ليست كذلك، فيبدو أن آلهتهم وهبتها أيضًا لعدد كبير من سكان العالم ممن لا يؤمن بها ولا يعبدها؛ بل يحاربها، فهذه الظاهرة مُنتشرة وبصورة كبيرة في العالم بأسره، فهي منتشرة في شبه القارة الهندية ومالاي واليابان والصين وتاهيتي ونيوزيلاندا، وبلغاريا واليونان وأسبانيا والبرتغال والبرازيل وأستراليا (2)، وأغلبها مرتبط بديانات ومذاهب معينة. ويعزو هؤلاء الذين يقدمون على ممارسة هذه العادة الخارقة للعادة إلى الغاية النبيلة التي يسعون لتحقيقها من ممارستهم لها باعتبارها طقوسًا دينية، ولذا تبقى أرجلهم سليمة ومعافاة من كل سوء أو إصابة (1 ، 3).

واليوم غدت هذه الظاهرة مهارة يمكنك اكتسابها من خلال التدريب، فهناك معاهد مخصصة تقوم بتدريبك عليها، ولا تكتفي بذلك؛ بل تطرح لك التفسير العلمي وأهمية الحالة النفسية للقيام بذلك، فإذا كنت راغبًا في كسب هذه المهارة وتعلم المشي على الجمار الحارقة فإن شخصاً يدعى توني روبين (له موقع على الإنترنت باسمه) يمكنه أن يقوم بتدريبك على ذلك، فلقد تحولت طقوس المشي على الجمار من طقوس دينية إلى علوم ومهارات يمكن أن نتعلمها ببعض الجهد والتدريب.

ويبدو أن ظهور خوارق العادات عند غير الصالحين أمر لفت جمعًا من علماء المسلمين أيضًا، ولذا فمن الملاحظ أن بعضهم قام بتقسيم الكرامات إلى أقسام تظهر بعضها على يد الفاسقين وذلك لتبرئته من تهمة باطلة تُنسب له، ويُسمى هذا النوع من الكرامات بـ"المغوثة أو المعونة". وهناك صنف آخر من الكرامات أسموه "الاستدراج"؛ وهو أن يجري الله عادة خارقة على يد شخص غير صالح؛ كي يزداد ضلاله وانحرافه (4). ولا يخفى على القارئ اللبيب من أن ذلك يثير التساؤل التالي: هل الكرامة دليل على صحة المعتقد، أم أن العقيدة هي التي تحدد صنف الكرامة؟ فإذا كان صاحب الكرامة عقيدته كعقيدتك فهو من الصالحين، ولذا فقد وهبهُ الله وأنعم عليه بتلك الكرامة، وإذا كان على غير معتقدك، فقد أجرى الله على يده تلك الكرامة ليستدرجه وهي بذلك دليل على فساد عقيدته!

إنَّنا نعتقد أن هذا الصنف من الكرامات والتي تظهر حتى عند غير الصالحين، ربما تُشير إلى عمومية هذه الكرامات وأنها مهارات يمكن اكتسابها وليست كرامات أو ظواهر خارقة للعادة؛ لأن انتشارها بهذه الصورة يعد مؤشرًا على أنها ظاهرة طبيعية، فمن مميزات العلوم الطبيعية أنها لا تخضع لأيديولوجيات أو عقائد معينة، وقوانينها تسري على الجميع دون استثناء. وانتشار الظاهرة حتى بين غير الصالحين ربما يُوحي بذلك. غاية الأمر أن هؤلاء- غير الصالحين- تمكنوا من اكتساب مهارات معينة مكنتهم من القيام بذلك، وبذلك يُمكننا مثلًا تفسير ظاهرة المشي على الجمار الحارقة دون تكلف ودون الحاجة لإرجاعها لأسباب أيديولوجية، لذا فنجدها منتشرة عند المسلم والمسيحي والمُشرِك والمُلحد.

إنَّ إمكانية تفسير هذه الظواهر الخارقة للعادة بصورة علمية طبيعية تفرض علينا إعادة النظر في تفسير الكم الهائل من خوارق العادات التي تملأ كُتب التراث الإنساني عمومًا والإسلامي بشكل خاص، فقبل عدة قرون كان الإنسان في محاولات تفسيره لأغلب تلك الظواهر التي لا يعلمها يلجأ إلى الكرامات؛ فالتفكير الغيبي كان مُهيمنًا عليه، لذا لا عتب على علماء تلك العصور في محاولاتهم التفسيرية، لكن العتب يقع علينا نحن أبناء هذا العصر إذا ما تبنينا نفس تلك التفاسير التي تبناها علماء تلك القرون، ونعتمد عليها، على الرغم من التقدم العلمي الكبير الذي نعيشه اليوم.

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

************

المصادر:

You Are the Placebo: Making Your Mind Matter by Joe Dispenza Encyclopaedia Britannica The Burning Saints Cognition and Culture in the Fire-walking Rituals of the Anastenaria by Dimiris Xygalates

 

4- الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حيدر حب الله، كرامات الأولياء والأئمة، عرض وتحليل مختصر لوجهات النظر المختلفة

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

العلمي: برلمان الطفل إبداع مغربي ومدرسة للتمرين على الديمقراطية

زنقة 20 ا الرباط

قال رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، اليوم الأربعاء، إنه “يحق لنا في المغرب، أن نفخرَ بما حققه المغرب خلال ربع قرن من حكم صاحب الجلالة نصره الله، من إنجازات وإصلاحات، كانت قضايا الطفولة، وصيانة حقوق الأطفال في صلبها، تشريعا وتمكينا من الخدمات الاجتماعية والثقافية”، مشدد على أن “ذلك يجسد الاهتمام الخاص الذي يوليه صاحب الجلالة للتنمية البشرية، والإدماج الاجتماعي وللطفولة”.

وأوضح العلمي في افتتاح الدورة الوطنية لبرلمان الطفل الأربعاء،برسم الولاية 2023-2025، وذلك بالقاعة الكبرى للجلسات بالمجلس، أن “برلمان الطفل يشكل إبداعا مغربيا متميزا من حيث تنظيمُه، وفلسفتُه وأهدافُه السامية”.

واعتبر العلمي أن “برلمان الطفل هو مدرسةٌ وإطار للتمرين على الديمقراطية، وعلى الحوار، والنقاش المؤسساتي، والمشاركة المواطِنة”، مضيفا أن ” الأمر لا يتعلق بمحاكاة البرلمان الوطني المنصوص عليه في الدستور فقط ولكنه أيضا إطار لإثارة الانتباه إلى قضايا مركزية في حياة الأطفال واهتماماتهم، ومناقشتها من قبل المعنيين بها، الذين تتوجه إليهم السياسات العمومية والتشريعات الوطنية”.

وشدد رئيس مجلس النواب على أن “برلمان الطفل راكم على مدى دوراته الوطنية والجهوية، ممارسة وخبرات عديدة في التمرين على النقاش العمومي ومساءلة السياسات القطاعية، خاصة منها ما يتوجه إلى الأطفال”.

مقالات مشابهة

  • صحة قنا تشارك في المؤتمر العلمي الدولي الثاني لكلية التمريض
  • أكاديمية البحث العلمي تشارك في جلسة بمؤتمر المناخ
  • جلالة الملك يأذن بانعقاد المجلس العلمي الأعلى
  • الجامعة المصرية الصينية تتقدم بـ7 مشروعات بحثية لأكاديمية البحث العلمي
  • الأولمبية السعودية تطلق مبادرة “أطلق قدراتك الخارقة”
  • قديما قالوا: الملافظ سعد.. واليوم نقول: الكلمة أمانة وعهد
  • العلمي: برلمان الطفل إبداع مغربي ومدرسة للتمرين على الديمقراطية
  • تعرف على السيارات الخارقة: بوغاتي شيرون
  • الحويج يطّلع على مستجدات اعتماد البرنامج العلمي للعام الدراسي بمعهد الدراسات الدبلوماسية
  • الأرصاد تعلن حالة الطقس من غدا الأربعاء وحتى منتصف الأسبوع المقبل.. تعرف على أبرز الظواهر