شكلت اللقاحات التي تعتمد تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) التي أبرزتها أزمة كوفيد-19 ذروة ثورة علاجية، وقد حصل مطوراها على جائزة نوبل للطب، الاثنين. وهو اكتشاف قد يستخدم أيضا لمحاربة بعض أنواع السرطان والأمراض المعدية، بعد عقود من البحوث والنكسات المتعددة.

ما هي؟

و"الحمض النووي الريبوزي المرسال" هو عبارة عن جزيء ينقل الشفرة الجينية من الحمض النووي إلى الخلية لتنتج بروتينات.

وتعتمد اللقاحات التقليدية على مبدأ الفيروسات المعطلة، وتدرب هذه اللقاحات الجسم للتعرف على "المستضدات"، وهي بروتينات ينتجها الفيروس، ومن شأن ذلك أن يفعّل استجابة جهاز المناعة عند مواجهة الفيروس فعليا، بحسب فرانس برس.

وتنقل لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال تعليمات جينية لإنتاج هذه المستضدات مباشرة في الخلايا، ويتحول جسم الإنسان إلى مقر لإنتاج اللقاحات.

وفيما يتعلق بكوفيد-19، يتم إدخال "المرسال" إلى الخلية لجعلها تصنع "المستضدات" الخاصة بالفيروس التاجي المغلّف ببروتينات النتوءات الخارجية، وعند الاتصال بهذه البروتينات، يطور الجهاز المناعي أجساما مضادة لتُدافع عنه في حال تعرضه للفيروس.

واللافت أن نتائج التجارب على لقاحي "فايزر" و"موديرنا" فاقت التوقعات بكثير، فالحد الأدنى من الفعالية المطلوبة من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية (أف دي إيه) هو 50 في المئة، في حين أثبت اللقاحان فعالية وصلت إلى أكثر من 90 في المئة.

خبير الأمراض المعدية، أنتوني فاوتشي، قال لصحيفة واشنطن بوست، من قبل، إن النتائج كانت "استثنائية".

ولقاحات كوفيد-19 هي أولى اللقاحات التي تستخدم هذه التقنية رغم أن العلماء كانوا يدرسونها منذ عقود لعلاج أمراض مثل السرطان، ومع ثبوت أنها فعالة وآمنة، زادت إمكانية استخدامها لإنشاء علاجات يمكن أن تغير طريقة علاجنا للسرطان وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) وأمراض أخرى.

من أين أتت؟ 

أحرز أول تقدم كبير في هذا الشأن أواخر سبعينات القرن الماضي، عندما أدخل باحثون الحمض النووي الريبوزي المرسال في الخلايا مخبريا ونجحوا في جعلها تنتج بروتينات.

وبعد عقد، تمكن العلماء من الحصول على النتائج نفسها بعد اختبارها على فئران، لكن التوصّل إلى لقاحات بتقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال واجه عائقين رئيسيين: أولا، مقاومة خلايا الحيوانات الحية، ما يثار استجابة مناعية خطرة، وثانيا، جزيئات الحمض النووي الريبوزي المرسال غير مستقرة، ما يجعل وصولها إلى النظام من دون تعديل صعبا.

وفي عام 2005، نشرت المجرية كاتالين كاريكو، والأميركي درو وايزمان، اللذان فازا بجائز نوبل، هذا العام، وهما من جامعة ولاية بنسلفانيا دراسة رائدة تظهر أن الليبيد- أو الجزيء الدهني- يمكن أن ينقل الحمض النووي الريبوزي المرسال بأمان ومن دون آثار سلبية.

وأثار هذا البحث ضجة كبيرة في مجتمع صناعة الأدوية، وبدأت الشركات الناشئة المتخصصة في العلاجات بهذه التقنية بالظهور في كل أنحاء العالم.

وعلى مدار 15 سبقت جائحة كورونا، تعاونت كاريكو مع وايزمان، خبير الأمراض المعدية لتطبيق تقنية mRNA على اللقاحات.

كاريكو ووايزمان تعاونا لسنوات في تطوير استخدام تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال في اللقاحات

وأظهرت كاريكو بالتعاون مع وايزمان أن تعديل قاعدة النيوكليوزيد، وهي وحدات الجزيئات التي تحدد الشفرة الجينية لحمض النووي الريبوزي المرسال يمكن أن تبقي هذا الحمض تحت رقابة الجهاز المناعي.

واستثمرت شركات كبرى مثل "فايزر" و"موديرنا" في هذه التقنية، واستخدمتها لأول مرة في البشر بعد تفشي فيروس كورونا. 

أهم مميزاتها

من أهم مميزات التكنولوجيا الواعدة إمكانية استخدامها لتصنيع لقاحات بسرعة نسبيا، ما يعني سرعة الاستجابة لطفرات قد تحدث لفيروس كورونا وأي أوبئة مستقبلية.

فان موريس، اختصاصي أورام الجهاز الهضمي في مركز أندرسون للسرطان بجامعة تكساس الأميركية، قال إن مكونات لقاح "المرسال" يمكن "إعادة تصميمها بسهولة وإعادة تشفيرها بطريقة تواكب الفيروسات أثناء تحورها".

"المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها" (سي دي سي) تشير أيضا إلى أنه "يمكن تطويرها في المختبر باستخدام مواد متاحة بسهولة، وهذا يعني إمكانية توسيع نطاقها، ما يجعل تطوير اللقاح أسرع من الطرق التقليدية لصنع اللقاحات".

لقاحات mRNA أيضا أكثر استهدافا للأمراض والفيروسات من اللقاحات التقليدية، وتمكن من تطوير لقاح واحد ضد سلالات متعددة. وتقول "سي دي سي" إن هذا الأمر يقلل عدد الجرعات اللازمة للحماية من الأمراض الشائعة.

وقال وايزمان في تصريح، في عام 2021، لشبكة "سي أن أن" في هذا الصدد: "إذا كنت ترغب في صنع لقاح جديد للإنفلونزا باستخدام الطرق التقليدية، فعليك عزل الفيروس، وتعلم كيفية نموه، وتعلم كيفية تعطيله وتنقيته، وذلك  يستغرق شهورا. بينما مع هذه التقنية تحتاج فقط إلى التسلسل الجيني مواجهة المرض".

وأضاف "عندما أطلق الصينيون فيروس SARS-CoV-2، بدأنا عملية صنع "المرسال" في اليوم التالي، وبعد أسبوعين، بدأنا بحقن الحيوانات باللقاح".

على الرغم من أنها بدت ثورية، إلا أن الفكرة لم تكن جديدة على وايزمان وكاريكو وآخرين.

وقال العالم إن من أهم مميزات هذه التقنية الواعدة إمكانية استخدامها لتصنيع لقاحات بسرعة نسبيا، ما يعني سرعة الاستجابة لطفرات قد تحدث لفيروس كورونا وأي أوبئة مستقبلية، حيث كان إنتاج لقاح مضاد للفيروسات يستغرق في السابع سنوات عديدة. والآن لم يتعد تطوير لقاح لكوفيد-19، سوى أشهر قليلة بسبب هذه التقنية. 

وفي تقرير حول استخدام التقنية لأمراض أخرى غير كوفيد-19، قال موقع "إينفرس" إن الخصوصية التي تتمتع بها هذه التقنية يمكن أن تؤدي إلى "خرق هائل" في علاج السرطان. 

ويقود اختصاصي أورام الجهاز الهضمي في مركز أندرسون للسرطان بجامعة تكساس الأميركية، فان موريس، تجربة سريرية لاختبار لقاحات من هذا النوع بهدف تقليل مخاطر عودة السرطان للأشخاص الذين عولجوا منه، ويعمل فريقه على ملف تعريفي للطفرات الجينية الأكثر شيوعا المسؤولة عن المرض في الأورام التي يتم استئصالها من المصابين.

ويقول موريس إن ما يجعل لقاحات المرسال مفيدة بشكل خاص لهذا المرض أن الطفرات فيه فريدة ومحددة لكل شخص، حتى بين أولئك الذين لديهم النوع ذاته من السرطان، أي يمكن تخصيص لقاح لاحتياجات كل فرد.

ولا يوجد لقاد ضد فيروس متلازمة نقص المناعة المكتسبة "الإيدز" حتى الآن، وهذه التقنية تبعث بالأمل على إمكانية حدوث ذلك مستقبلا، لكن الأمر قد يحتاج إلى مزيد من الوقت، بحسب موريس.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الحمض النووی الریبوزی المرسال هذه التقنیة یمکن أن

إقرأ أيضاً:

فرنسا.. “شمس اصطناعية” تحقق إنجازا غير مسبوق في مجال الاندماج النووي

فرنسا – تمكن مفاعل “ويست” (WEST) في جنوب فرنسا من تحقيق إنجاز غير مسبوق في مجال الاندماج النووي، مع الحفاظ على البلازما لمدة 22 دقيقة و27 ثانية، محطما الرقم القياسي العالمي السابق.

يمثل هذا التقدم خطوة كبيرة نحو تحقيق اندماج نووي مستدام، وهو ما يعتبر أحد أبرز التحديات العلمية والهندسية في الوقت الحالي.

يتضمن الاندماج النووي العملية التي تندمج فيها نواتان ذريتان خفيفتان لتكوين نواة أثقل، وهي العملية نفسها التي تحدث داخل الشمس والنجوم، ما ينتج كميات هائلة من الطاقة.

ولإنتاج هذه الطاقة على الأرض، يجب تسخين وقود الاندماج – خليط من الديوتيريوم والتريتيوم (نظائر للهيدروجين) – إلى درجات حرارة تتجاوز 50 مليون درجة مئوية، ما يؤدي إلى تكوين بلازما، وهي الحالة الرابعة للمادة بعد الصلب والسائل والغاز.

ويواجه العلماء تحديا رئيسيا يتمثل في الحفاظ على البلازما في درجات الحرارة العالية هذه لفترات طويلة، وهو ما يعد شرطا أساسيا لجعل الاندماج النووي مصدرا عمليا ومستداما للطاقة. وقد نجح مفاعل “ويست” في تحقيق ذلك من خلال استخدام تقنية الاحتواء المغناطيسي، حيث يتم توليد مجالات مغناطيسية قوية لحصر البلازما داخل حجرة المفاعل ومنعها من التبريد أو التبدد.

ويعتمد المفاعل على تصميم يعرف باسم “توكاماك”، وهو جهاز يأخذ شكل حلقة “دونات”، يتم فيه تسخين البلازما وإبقاؤها تحت السيطرة باستخدام حقول مغناطيسية قوية. وحتى وقت قريب، لم يكن العلماء قادرين على الحفاظ على البلازما في مثل هذه المفاعلات إلا لبضع دقائق. لكن الإنجاز الجديد الذي حققه مفاعل “ويست” يمثل قفزة كبيرة، حيث تمكن من زيادة مدة احتواء البلازما بنسبة 25% مقارنة بالرقم القياسي السابق، الذي سجله المفاعل الصيني التجريبي EAST منذ بضعة أسابيع.

وبهذا الصدد، قالت آن إيزابيل إيتيانفر، مديرة الأبحاث الأساسية في لجنة الطاقات البديلة والطاقة الذرية الفرنسية (CEA): “لقد حقق مفاعل “ويست” إنجازا تقنيا رئيسيا جديدا من خلال الحفاظ على بلازما الهيدروجين لأكثر من عشرين دقيقة، مع ضخ 2 ميغاواط من طاقة التسخين. وهذه خطوة أساسية في طريق تطوير مفاعلات اندماجية قادرة على العمل لفترات أطول”.

كما أشارت إلى أن التجارب ستستمر مع زيادة مستويات الطاقة، ما قد يفتح آفاقا في تطوير مصادر طاقة نظيفة وفعالة.

يعتبر الاندماج النووي بديلا أكثر أمانا ونظافة مقارنة بالانشطار النووي المستخدم حاليا في محطات الطاقة النووية. والفرق الرئيسي بينهما هو أن “الانشطار النووي يعتمد على تقسيم ذرات ثقيلة مثل اليورانيوم أو البلوتونيوم، ما ينتج عنه كميات كبيرة من النفايات المشعة التي تتطلب معالجة وتخزينا آمنا لعشرات الآلاف من السنين. أما الاندماج النووي، فيعمل عن طريق دمج ذرات خفيفة مثل الهيدروجين، وينتج نفايات مشعة أقل بكثير، كما أنه لا ينتج كميات كبيرة من الغازات الدفيئة، ما يجعله خيارا أكثر استدامة للبيئة”.

وعلى الرغم من الإنجاز الكبير الذي تحقق، لا تزال هناك تحديات تقنية وهندسية يجب التغلب عليها قبل أن يصبح الاندماج النووي مصدرا رئيسيا للطاقة، ومن أبرز هذه التحديات: خفض تكاليف التشغيل، حيث أن إنشاء وتشغيل مفاعلات الاندماج لا يزال مكلفا للغاية. وتحقيق استقرار البلازما لفترات أطول، لمنع التفاعل من الانهيار. وتسخير الطاقة المنتجة بفعالية وتحويلها إلى كهرباء قابلة للاستخدام عبر الشبكة الوطنية.

يوصف مفاعل “ويست” بأنه “شمس اصطناعية” لأنه يحاكي العمليات النووية التي تحدث داخل الشمس، ما يجعله من أكثر المشاريع طموحا في مجال أبحاث الطاقة.

المصدر: ديلي ميل

مقالات مشابهة

  • لقاح قياسي يمنح مرضى سرطان البنكرياس الأمل
  • بتقنية المرسال.. لقاح واعد مضاد لسرطان البنكرياس
  • بعد سجنه 30 عاماً..تبرئة أمريكي من جريمة قتل
  • تخلص من حموضة المعدة الآن بهذه الطريقة الطبيعية الفعّالة!
  • من هو ملك الغابة المصرية القديمة وكيف انقرض؟
  • ثورة الجياع .. الدعوة لمليونية وتصعيد غير مسبوق في عدن
  • إيران ترفض تصريحات رئيس وكالة الطاقة الذرية بشأن ملفها النووي
  • إيران تهاجم مدير الطاقة الذرية: برنامجنا النووي لم يشهد انحرافا
  • فرنسا.. “شمس اصطناعية” تحقق إنجازا غير مسبوق في مجال الاندماج النووي
  • متلازمة جديدة مثيرة للقلق ترتبط بلقاحات فيروس كورونا