أخبارنا المغربية- الرباط

وجه أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، رسالة سامية إلى السيد رئيس الحكومة، تتعلق بإعادة النظر في مدونة الأسرة.

وتأتي هذه الرسالة الملكية تفعيلا للقرار السامي الذي أعلن عنه جلالته في خطاب العرش لسنة 2022، وتجسيدا للعناية الكريمة التي ما فتئ يوليها، أعزه الله، للنهوض بقضايا المرأة وللأسرة بشكل عام.

وبموازاة مع تكليف جلالة الملك، حفظه الله، للسيد رئيس الحكومة، من خلال هذه الرسالة، فقد أسند جلالته الإشراف العملي على إعداد هذا الإصلاح الهام، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وذلك بالنظر لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع.

وفيما يلي النص الكامل للرسالة الملكية:

"الحمد لله وحده؛ والصلاة والسلام على مولانا رسول الله، وآله وصحبه.

خديمنا الأرضى

السيد عزيز أخنوش

رئيس الحكــــومة

أمنك الله ورعاك، وعلى طريق الخير والسداد ثبت خطاك،

وبعد، فقد مر على صدور مدونة الأسرة ما يقارب عقدين من الزمن. هذه المدونة التي كانت محل ترحيب مجمع عليه، اعتبارا لما حققته من مكاسب على مستوى النهوض بحقوق المرأة، وصون حقوق الأطفال، والحفاظ على كرامة الإنسان، ودعم دولة الحق والقانون، وبناء المجتمع الديمقراطي، وذلك في احترام تام لشريعتنا الإسلامية الغراء، ومراعاة للتطور الذي عرفه المجتمع المغربي.

ورغم ما جسدته من مميزات، وما أفرزته من دينامية تغيير إيجابي، من خلال منظورها للمساواة والتوازن الأسري، وما أتاحته من تقدم اجتماعي كبير، فإن مدونة الأسرة أضحت اليوم في حاجة إلى إعادة النظر بهدف تجاوز بعض العيوب والاختلالات، التي ظهرت عند تطبيقها القضائي، ومواءمة مقتضياتها مع تطور المجتمع المغربي ومتطلبات التنمية المستدامة، وتأمين انسجامها مع التقدم الحاصل في تشريعنا الوطني.

أجل، ما نطمح إليه من تأهيل للمدونة، يجب أن يستند على المبادئ الأساسية والتوجهات الرئيسية التي أطرت إعدادها، والتي حددنا مبادئها في خطاب جلالتنا المؤرخ في 10 أكتوبر 2003 أمام البرلمان، وجددنا التأكيد عليها في خطاب العرش الموجه إلى شعبنا العزيز في 30 يوليوز 2022.

فنحن حريصون على أن يتم ذلك، في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، وأن يتم الاعتماد على فضائل الاعتدال، والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.

وبالتالي، فإن التأهيل المنشود، يجب أن يقتصر على إصلاح الاختلالات التي أظهرها تطبيقها القضائي على مدى حوالي عشرين سنة، وعلى تعديل المقتضيات التي أصبحت متجاوزة بفعل تطور المجتمع المغربي والقوانين الوطنية.

ومن هذا المنطلق، فإن المرجعيات والمرتكزات تظل دون تغيير. ويتعلق الأمر بمبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام، النابعة من ديننا الإسلامي الحنيف، وكذا القيم الكونية المنبثقة من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.

وإننا واثقون بأن إعمال فضيلة الاجتهاد البناء هو السبيل الواجب سلوكه لتحقيق الملاءمة بين المرجعية الإسلامية ومقاصدها المثلى، وبين المستجدات الحقوقية المتفق عليها عالميا.

وكما أكدنا أكثر من مرة، فإننا، بصفتنا أمير المؤمنين، لا يمكننا أن نحل ما حرم الله ولا أن نحرم ما أحله جل وعلا.

وطبقا لأحكام الفصل 78 من الدستور، فإن الحكومة، مخولة لاتخاذ المبادرة التشريعية، في هذا الشأن، وهي التي يعود لها أمر القيام بهذه المهمة.

واعتبارا لمركزية الأبعاد القانونية والقضائية لهذا الموضوع، فقد ارتأينا أن نسند قيادة عملية التعديل، بشكل جماعي ومشترك، لكل من وزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة.

وفي هذا الإطار، ندعو هذه المؤسسات لأن تشرك بشكل وثيق في هذه العملية الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والسلطة الحكومية المكلفة بالتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة.

واعتبارا للطبيعة الخاصة لقانون الأسرة، الذي يهم جميع المواطنات والمواطنين، وبالنظر لأهمية ما ينطوي عليه الأمر من رهانات، فإنه ينبغي الانفتاح أيضا على هيئات وفعاليات المجتمع المدني، من خلال اعتماد مقاربة تشاركية واسعة.

وعلى هذا الأساس، فإن ما سيتم اقتراحه من تغييرات، وتعديلات، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار خلاصات الاستشارات الواسعة، وجلسات الاستماع المحكمة، التي ستنظم على الخصوص مع النسيج الجمعوي المعني بحقوق الإنسان، وحقوق المرأة والطفل، وكذا مع القضاة، والباحثين الأكاديميين، وباقي الممارسين في ميدان قانون الأسرة.

وإننا لننتظر أن تتم بلورة نتائج هذه اللقاءات، في شكل مقترحات تعديلات، يتم رفعها إلى نظرنا السامي، بصفتنا أمير المؤمنين، والضامن لحقوق وحريات المواطنين، في أجل أقصاه ستة أشهر، وذلك قبل إعداد الصيغة النهائية التي سيتم عرضها على مصادقة البرلمان.

وإذ نجدد لك الإعراب عن سابغ رضانا، فإننا نسأل الله جل وعلا أن يمدك بموصول سداده وحسن توفيقه.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

محمد السادس

ملك المغرب"

 

 

 

 

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: المجتمع المغربی مدونة الأسرة

إقرأ أيضاً:

لزرق لـRue20: إحالة الملك لمقترحات مدونة الأسرة على مجلس العلماء تفعيل لدولة المؤسسات و تجنيب للتضارب السياسوي

زنقة 20 ا عبد الرحيم المسكاوي

بعث أمير المؤمينن الملك محمد السادس، رسائل قوية وضمنية في التوجيهات التي جاء بها البلاغ الملكي والمتعلقة بـ”إصدار جلالته توجيهاته سامية للمجلس للمجلس العلمي الأعلى ، قصد دراسة المسائل الواردة في بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف”.

وحملت هذه التوجيهات الملكية مضامين ورسائل تواصلية متعلقة بموضوع الإحالة على المجلس العلمي الأعلى، تؤكد “حرص جلالته على إحترام الدستور وإشراك العلماء في تعديل مدونة الأسرة”.

وفي هذا الصدد قال رشيد لزرق أستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث و تقييم السياسات العمومية في تصريح لموقع Rue20، إن “بلاغ الديوان الملكي يؤكد أن جلالة الملك محمد السادس عمل بمبدأ الديمقراطية التشاركية باعتبار أن موضوع تعديل مدونة الأسرة موضوع مجتمعي على غرار باقي القضايا المجتمعية التي كان الملك يعتمد فيها على إشراك جميع أطياف المجتمع… وعلى سبيل المثال ما شهدناه خلال عملية إعداد دستور 2011.. وأيضا خلال عمل لجنة النموذج التنموي الذي شاركت فيه جميع حساسيات المجتمع المغربي بحس وطني وتشاركي”.

وأبزر لزرق أن “جلالة الملك حين أمر منذ اليوم الأول بتشكيل الهيئة المكلفة لمراجعة مدونة الأسرة حث على إشراك جميع هيئات المجمتع لإبداء الرأي وطرح الإقتراحات من منطلق تشاركي.. واليوم يواصل جلالته العمل بهذا المبدأ بإحالته لمقترحات مدونة الأسرة على المجلس العلمي الأعلى”.

وقال رئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث و تقييم السياسات العمومية في ذات التصريح لموقع Rue20، إن توجيهات الملك محمد السادس للمجلس العلمي الأعلى تأتي أيضا في إطار مواصلة تفعيل فصول دستور 2011 ، أي تفعيل الفصل 41 من الباب الثالث من الدستور”.

وأوضح رشيد لزرق أن “الفصل 41 من الدستور ينص على أن “الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية، ويرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه… ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى المعتمدة رسميا، بشأن المسائل المحالة عليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة.. وتحدد اختصاصات المجلس وتأليفه وكيفيات سيره بظهير.. ويمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر”. بالإضافة إلى تفعيل المادة 42 من الدستور التي تنص أن “الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة….”.

وأكد لزرق أنه “في ظل التنافس الواقع داخل المجتمع على بعض القضايا والمقترحات بمدونة الأسرة فإن الملك محمد السادس فعّل هذا الفصل من الدستور باعتبار أن إصدر الفتوى تبقى حكرا على المجلس العلمي الأعلى، وهي العملية التي تجنب تعدد الفتاوى الفردية التي تثير النعرات داخل المجتمع.. وبالتالي يحق لنا أن نفتخر بهذه الخطوة التي قام بها جلالة الملك”. مشددا على أن إحالة الملك لمقترحات مدونة الأسرة على المجلس العلمي الأعلى هو تفعيل لدولة المؤسسات باعتباره أمير المؤمنين”.

وأشار لزرق في ذات التصريح إلى أن “هذه المبادرة الملكية تضع حدا للتأويلات الدينية الفردية التي لا تراعي الواقع الاجتماعي وتطلبات العصر، ولا تستحضر التفسير المقاصدي للنصوص الدينية”. مضيفا أن “هذه المبادرة الملكية ستجنب التضارب السياسوي في التأويلات حول مضامين مسودة مدونة الأسرة الجديدة”.

وشدد لزرق على أن “الإحالة الملكية تحد من التضارب في التأويلات لأن المغرب ليس كباقي الدول الأخرى ك،(لبنان، العراق، سوريا.. إلخ)، مشيرا إلى أن “الإفتاء في المغرب له صبغة مؤسساتية والمجلس العلمي الأعلى هو مؤسسة ضمن مؤسسات الدولة المغربية”.

مقالات مشابهة

  • ما الذي تعنيه إحالة الملك محمد السادس بعض مقترحات تعديل مدونة الأسرة على المجلس العلمي الأعلى للفتوى؟
  • رئيس الحكومة يعزي في وفاة الأميرة للا لطيفة والدة الملك محمد السادس
  • رئيس الحكومة عزيز أخنوش يعزي في وفاة والدة جلالة الملك
  • ما هي خلفيات إحالة الملك لمقترحات مدونة الأسرة على المجلس العلمي الأعلى؟
  • الملك محمد السادس يدعو المجلس العلمي الأعلى إلى الإفتاء في مقترحات مدونة الأسرة
  • الملك يُحيل تعديلات مدونة الأسرة على المجلس العلمي الأعلى.. بنطلحة يُحلّل الدلالات
  • لزرق لـRue20: إحالة الملك لمقترحات مدونة الأسرة على مجلس العلماء تفعيل لدولة المؤسسات و تجنيب للتضارب السياسوي
  • مراجعة مدونة الأسرة.. الإحالة الملكية تعزز دور المغرب كمرجع للفكر السني الوسطي المعتدل القائم على الانفتاح والاجتهاد
  • جلالة الملك يكرس الحرص على إحترام الدستور بإحالة مقترحات مدونة الأسرة على المجلس العلمي
  • الملك محمد السادس يطالب المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى في شأن مقترحات هيئة مدونة الأسرة (بلاغ الديوان الملكي)