ولايات السودان تأخذ الراية من الخرطوم.. حراك ثقافي واجتماعي في كوستي
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
إن كانت الحياة في العاصمة السودانية الخرطوم توقفت أو كادت، فإن مدنًا سودانية أخرى صارت أكثر حيوية، وتعددت مظاهر العطاء فيها، وتعد كوستي إحداها.
المدينة القائمة على النيل الأبيض -أحد رافدي نهر النيل الرئيسيين- احتوت القادمين من الخرطوم بالإيواء والإطعام والأنشطة الثقافية.
العودة للمنبعمنذ اتخاذها عاصمة للقُطر السوداني، ظلت الخرطوم تستقطب أبناء المدن الأخرى بما تقدمه من فرص للدراسة والعمل، وذلك شأن الحواضر في كل البلدان، مع زيادة في وتيرة الهجرة نحوها تتناسب مع اختلال ميزان التنمية.
ومع الحرب الجارية في الخرطوم، عادت غالبية سكانها إلى مدنها وقراها في الولايات، كما استوعبت هذه المدن الكثير من سكان الخرطوم الذين أجبرهم القصف المتبادل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على ترك منازلهم، فاتجهوا صوب مدن يمكن الوصول إليها بشكل آمن.
ونالت مدينة كوستي الواقعة على النيل الأبيض (نحو 320 كيلومترا جنوب الخرطوم) نصيبها من أبناء عائدين وضيوف وافدين.
القادمون من الخرطوم أحدثوا تغيرات في ليالي المدينة ونهاراتها على أكثر من صعيد، ويرى الروائي محمد خير عبد الله -أحد أبناء كوستي- في حديث للجزيرة نت أن كوستي استوعبت عددا كبيرًا من الروائيين والتشكيليين والصحفيين ومن المنتمين لشتى أجناس الأدب وضروب الثقافة.
ويقول عبد الله "الوافدون على كوستي انسجموا سريعا مع الفاعلين الثقافيين فيها، كما أحدثوا إضافة واضحة، وأسهموا في إطلاق حراك ثقافي كبير".
"رغيفة من كيسك" مبادرة لجمع تبرعات المواطنين من رغيف الخبز لضيوفهم في مراكز كوستي (الجزيرة) مسرح للضيوفلا توجد إحصاءات دقيقة تحدد أعداد من قدموا إلى مدينة كوستي من الخرطوم، لكن هناك من يتحدث عن عشرات الآلاف ممن يسميهم أهل كوستي ضيوفًا، رافضين إطلاق صفة نازح أو فارٍ عليهم.
إذ يقول القاص والناقد صلاح عوض الله النعمان "هؤلاء ضيوفنا، وأهل كوستي لا يصفون من وفد إليهم بغير هذه الصفة".
ومثلما يُكرم الضيف بالطعام، فإن "قِرى الضيف أنسه"، لذا كان أحد مراكز الإيواء بكوستي خشبةً لمهرجان المسرح الحر في يونيو/حزيران الماضي، واستمر 4 أيام بتنظيم من منظمة "بحر أبيض للثقافة والفنون وتنمية المجتمع".
وقال عضو المكتب التنفيذي للمنظمة صلاح النعمان "عندما أقيم المهرجان كان عدد مراكز الإيواء بكوستي 23 والآن يبلغ 73 مركزا، وقد أقيم في أكبرها حيث يؤوي أكثر من ألف ضيف"، قُدم خلال المهرجان عدد من العروض المسرحية، كان جمهورها الرئيسي الضيوف بمراكز الإيواء، إضافة للمثقفين والمهتمين وبعض السكان.
الناقد والقاص صلاح النعمان: كوستي عددا كبيرا من مركز إيواء (مواقع التواصل)ويرى النعمان في حديث للجزيرة نت أن أول أهداف هذه الدورة من المهرجان هو المساهمة في تغيير الحالة النفسية لمن يوجدون في المراكز.
يذكر أن المهرجان أطلق عام 2011 بتعاون بين عدد من الكيانات الثقافية والمهنية.
تاريخ من الحراكليس الفعل الثقافي بالجديد على كوستي، فقد عُرفت تاريخيا بالكثير من الحراك، وحوت مؤسسات ثقافية نشطة توقفت في العقود الماضية لأسباب مختلفة. لكن، وبعد الحراك الذي اتخذ أكثر من مظهر وكان مهرجان المسرح الحر من أكبرها، سعى أهل الثقافة في كوستي لتحقيق بعض أحلامهم على أرض الواقع، ومن أهمها إعادة الحياة لتلك المؤسسات.
وبعد 27 عامًا من الإغلاق، أُعيد في أغسطس/آب الماضي افتتاح سينما كوستي التي أنشئت عام 1951 فيما يشبه ملحمة الانتماء، بحسب وصف القاص نصر الدين عبد القادر في حديثه للجزيرة نت.
دروس للتلاميذ في كوستي (الجزيرة)ويقول نصر الدين عبد القادر "الحراك الثقافي بالمدينة أحدث حالة من الانتماء لجميع الوافدين إليها، أما العائدون إلى جذورهم من أبناء المدينة فقد نشطوا في إحياء ما أضمرته السنين، ومن صور ذلك صيانة السينما التي عادت لاستقبال الجمهور".
ولم تكن صيانة السينما وإعادة افتتاحها بالعمل السهل، إذ يقول النعمان "رغم وجود خلاف إداري وقانوني بين مجلسي إدارة سينما كوستي، فإن المتنازعين وافقوا على استغلال السينما منبرًا ثقافيا، فقمنا بصيانتها وإعادة إحيائها".
ومثلما أعيدت الروح لسينما كوستي وبدأت في تقديم عروض مختلفة، عادت الحياة أيضا لنادي كوستي الثقافي ومكتبته، التي تهيأت لاستقبال القراء وعُقدت فيها مناقشة لمجموعة قصصية، في وقت يجري فيه الترتيب لإطلاق منتدى نصف شهري بهذا النادي، الذي سيكمل بعد أشهر مئة عام على إنشائه عام 1924.
أحد العاملين في إعداد الطعام في المطبخ المركزي (الجزيرة) قلم وطعامجهد المثقفين ومنظماتهم في كوستي لا يقتصر على المسرح والسينما وغيرهما من المنابر الثقافية والفنية، بل تجاوز ذلك إلى التفاعل مع حاجيات الإنسان من إيواء وإطعام وغيرهما عبر منظمات مجتمعية، من أهمها منظمة كوستي للثقافة والتنمية، التي تعمل على إعداد الطعام في مطبخ مركزي والذي يوزع على مراكز الإيواء. وفي هذا العمل ستجد روائيين ومغنيين وممثلين وأطيافا ثقافية عديدة، مما "يجعل من ساعات إعداد الطعام صالونات ثقافية".
ويعتقد الروائي والقاص الهادي راضي، الذي وفد لكوستي بعد الحرب وهو أحد المداومين على إعداد الطعام في المطبخ، أن ما يقوم به هو من صميم عمله، ويقول للجزيرة نت "مفهوم التنمية الذي تعمل عليه المنظمة بالإضافة لعلمها الثقافي، مفهوم شامل تنضوي تحته عدة برامج، من ضمنها برامج الحماية (غذاء وصحة وتعليم). فالمطبخ المركزي يوفر الغذاء لمن نزح إلى كوستي".
جانب من المطبخ المركزي في كوستي (الجزيرة)العمل في إعداد الطعام لا ينسي الهادي راضي وفريقه من المتطوعين موعدهم مع صغار الوافدين في المدرسة المجاورة، في إطار مشروع تعليم وتأهيل الأطفال بمراكز الإيواء.
ويقول راضي "يمثل المشروع الشق الآخر من برنامج الحماية، ويهدف إلى محو آثار الحرب من ذاكرة الأطفال عبر التأهيل والدعم النفسي، بالإضافة إلى تطوير مهاراتهم في عدد من المواد الأساسية، بجانب الفنون والبرامج الترفيهية".
والغرض من ذلك، بحسب إفادة راضي، تعويض الأطفال عما فاتهم من دروس وإدخالهم في الجو المدرسي حتى يكونوا مهيئين نفسيا وتعليميا للانخراط في مدارسهم حال توقُّف الحرب.
فعاليات تلوين لتعليم الأطفال في كوستي (الجزيرة) تمددمثلما تنوعت أشكال الحراك الثقافي في كوستي، تنوعت جغرافيته كذلك، فلم تنحصر فعالياته على المدينة فقط، بل انطلقت من كوستي قوافل ثقافية إلى مدن مجاورة، حيث نظمت منظمة "بحر أبيض للثقافة والفنون" قافلة ثقافية إلى مدينة "الكوة" قدمت خلالها عرضًا مسرحيا، وأقامت ورشة للكتابة السردية، بالإضافة للقاءات مع مثقفي المدينة.
المنظمة ذاتها اتجهت جنوبًا لتقيم ورشة تحت اسم "إعداد الممثل الأول" في مدينة الفشاشوية بالتعاون مع المجلس الأعلى للشباب والرياضة. واستمرت الورشة مدة أسبوع من 12 إلى 19 سبتمبر/أيلول الماضي، إضافة إلى تنفيذ زيارات لمدن أخرى.
ويبدي القاص والصحفي نصر الدين عبد القادر إعجابه بحراك كوستي، قائلا "أهل كوستي متعطشون للثقافة، مفتونون بالفنون بمختلف أنواعها واتجاهاتها. وقد يصادف أن تقام فعاليتان ثقافيتان في يوم واحد".
نقص الدعم الماليهذا الحراك تقوم به منظمات عدة مثل "معًا" و"كوستي للثقافة والتنمية" و"بحر أبيض للثقافة والفنون" و"كل الخير"، ومثقفون مستقلون من كوستي وخارجها، إضافة لسكان من المدينة يهتمون بضيوف المهرجان.
لكن الدعم المالي بدأ في التناقص، مما ينذر بتقلص حجم العطاء خاصة في المطبخ المركزي، في وقت يخشى فيه الجميع أن يهزم المال هذه القلوب المجبولة على العطاء وألّا تحقّق مقولة رئيس منظمة "كوستي للثقافة والفنون" شهير أحمد عبد الله "لن نطفئ نار المطبخ حتى يعود آخر ضيوفنا إلى منزله".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: للثقافة والفنون مراکز الإیواء إعداد الطعام للجزیرة نت من الخرطوم
إقرأ أيضاً:
معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية: النشأة والتطور
أحمد إبراهيم أبوشوك
(1)
استنادًا إلى منجزات شعبة أبحاث السودان المتفردة وتوصيات المؤتمرات التي نظمتها، قَدَّم البروفيسور يُوسُف فضل حسن مقترحًا إلى إدارة جامعة الخرطوم لترفيع الشعبة التي أُسست عام 1963 إلى معهد باسم معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية. وبالفعل تمَّت إجازة الترفيع وتغيير اسم الشعبة إلى معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية في سبتمبر 1972، بوصفه وحدة أكاديمية-بحثية تابعة لكلية الآداب؛ لكن المعهدَ سرعان ما أصبح ذا شخصية اعتبارية مستقلة، تحت إشراف مديرٍ مسؤولٍ أمام مدير الجامعة ومجلس أساتذتها. وبموجب هذه النقلة النوعية، استمر يُوسُف مديرًا مؤسسًا للمعهد، الذي يتكون من ثلاثة أقسام أكاديمية-بحثية، تشمل: قسم الدراسات الأفريقية والآسيوية، وقسم اللغات السُّودانية، وقسم الفولكلور. وكُلِّف كل قسم منها بوضع برنامج أكاديمي على مستوى الدبلوم العالي، والماجستير، والدكتوراه. واحتوت هذه البرامج على مقررات لتدريس اللغات السواحلية، والهوساوية، والعبرية، والأمهرية. وإلى جانب هذه الأقسام الثلاثة تمّ تأسيس مكتبة المعهد، التي كانت الأستاذة الرضية آدم أول مديرة لها، وقامت بدور رائدٍ في إنمائها، فصارت فيما بعد قبلة للباحثين والدارسين من داخل المعهد وخارجه. وفي فترة إدارة يُوسُف (1972-1983) بلغت جملة منشورات المعهد والمتعاونين معه والراغبين في نشر مخطوطاتهم فيه نحو مئة وخمسين كتابًا في سلسلة "دراسات في التراث السوداني"، و"الكراسات غير الدورية"، و"مكتبة الدراسات السودانية" التي كانت تصدر بالتعاون مع قسم التأليف والنشر بجامعة الخرطوم. وكل هذه المنشورات كانت تُطبع بتصدير من يُوسُف، يُسهم في إعداده أحمد عبد الرحيم نصر، وسيد حامد حريز، وعبد الله علي إبراهيم. وبعد ذلك يقوم طلبة المعهد والمراسلات وعامل مطبعة الرونيو بطباعة 500 نسخة من كل عنوان، ثم إعدادها للنشر، وبعد ذلك تُرسل النسخة المطبوعة لمطبعة جامعة الخرطوم لتغليفها ووضع الأرقام المسلسلة عليها، واسم الناشر، وسنة النشر. ويضاف إلى سلسلة المنشورات المذكورة أعلاه، مجموعة أطروحات الماجستير (باللغتين العربية والإنجليزية) التي تعكس هوية المعهد والجهد الذي بُذل في وضع لبناته الأساسية، ونذكر منها: الأمين أبو منقة، "الجماعات اللغوية الهوساوية والفولانية في السُّودان: دراسة لمجتمع مايرنو في مديرية النيل الأزرق"، (1978)؛ إدوارد بول أيوم، "بعض مظاهر النظام الصوتي وعمليات تكوين جموع الأسماء في لغة دينكا بور"، (1980)؛ تيراب الشريف أحمد ناجي، "شعر بني هلبة الشعبي: أشكاله ومحتواه"، (1977)؛ رحمة الله محمد عثمان، "العون العربي لأفريقيا (1974-1977): التعاون بين الدول النامية"، (1979)؛ فاطمة سيد أحمد البيلي، "المشكلة الإرترية، 1941-1971 (1978)؛ جعفر طه حمزة، "المقاطعة العربية لإسرائيل"، (1979)؛ عثمان محمد بوقاجي، "دراسة مقارنة لحركة عثمان دان فوديو في أرض الهوسا في مطلع القرن التاسع عشر ومحمد أحمد المهدي في السودان في أواخر القرن التاسع عشر"، (1981)؛ سارة يُوسُف إسماعيل، "قريتان من جبال النوبة: دراسة لسانية اجتماعية لأم برمبيطة والفيض أم عبد الله"، (1978)؛ شرف الدين الأمين عبد السلام، "الهمبتة في السُّودان: أصولها، ودافعها وشعرها"، (1977)؛ عبد المتعال خليل مصطفى، "عادات الزواج عند البديرية"، (1977)؛ يُوسُف حسن مدني، "العنقريب: صناعة تقليدية للأسرة في السُّودان"، (1980).
(2)
إلى جانب السمنارات والندوات الدورية، حافظ المعهد على سُنَّة المؤتمرات الدولية التي وضعت شعبة أبحاث السودان لبناتها الأولى. ولذلك كانت فكرة المؤتمر الدولي الثالث عن "أواسط بلاد السُّودان: التقليد والتكيف"، الذي عُقد في 8-13 نوفمبر 1977م بالخرطوم، استجابةً لإحدى توصيات المؤتمر الثاني عن "اللغة والأدب في السودان". ولإنفاذ برنامج المؤتمر شكَّل يُوسُف عددًا من اللجان الفرعية وترأس لجنة التسيير التي أشرفت على أعمال اللجان الأخرى ووفرت الدعم المالي للمؤتمر من مؤسسة فورد (The Ford Foundation)، واليونسكو (UNESCO)، ومركز أبحاث التنمية الدولي (The International Centre). واشترك في المؤتمر أكاديميون وباحثون من الولايات المتحدة الأميريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، والنرويج، والسنغال، ومالي، والنيجر، ونيجيريا، وتشاد، والسودان البلد المضيف. وبعد انتهاء أعمال المؤتمر، انتقت اللجنة المنظمة تسع عشرة ورقة من أوراقه العلمية، حررها يُوسُف وبول دورنبُس (Paul Doornbos) ونشراها في كتاب بعنوان: بلاد أواسط السودان: التقليد والتكيف (The Central Bilad Al-Sudan: Tradition and Adaptation). عَرَّف المحرران في مقدمة الكتاب مصطلح "أواسط بلاد السودان" بأنه يعني شمال نيجيريا، والنيجر، وتشاد، وشمال الكاميرون، ودارفور في غرب السودان. وقدم المؤتمرون أوراقًا علمية باللغتين الإنجليزية والفرنسية، ناقشوا فيها واقع هذا الإقليم من خلال محورين أساسيين؛ ركز أحدهما على التركيبة الجغرافية وإفرازاتها السالبة (التصحر، والجفاف، والزحف الصحراوي) في الإقليم والمجتمع؛ وتناول ثانيهما التاريخ الاقتصادي والسياسي في الإقليم. وفي إطار هذين المحورين نظر بعض أوراق المؤتمر في ظاهرتي الجفاف والتصحر، وأكَّد على وجودهما التاريخي المتكرر في الإقليم، وعزا أسبابهما إلى الاستغلال المفرط للأراضي الزراعية، وإزالة الغابات التي تعمل على تماسك التربة، والرعي الجائر. وناقش تأثيرهما على مصادر الرزق المحدودة (الرعي والزراعية) في الإقليم، وكيف أفضى ذلك إلى انفجار صراعات موسمية بين الرعاة والمزارعين، كما طرح بعض الحلول الاستراتيجية لتجاوز مثل هذه المشكلات المتكررة وتداعياتها السالبة على سكان الإقليم. ومن زاوية أخرى، نظر بعض أوراق المؤتمر في دور ظاهرتي الجفاف والتصحر في حركة السكان من مواطن الطرد المعيشي والسياسي إلى مواطن الجذب التي تتوفر فيها سبل كسب عيش أفضل، كما قرن بعضهم الحركة السكانية بأسفار الحجاج لأداء مناسك الحج بالأراضي المقدسة (مكة والمدينة)، وعدم عودة بعضهم إلى مواطنهم الأصلية، وكذلك الحروب الجهادية والتجارة من طرف آخر. وتناول بعض الأوراق أنماط حيازة الأرض ودورها في الكفاية الإنتاجية والصراعات المحلية، وكذلك ظاهرة نشأة الدولة وانهيارها في الإقليم. وهنا برز مدخلان نظريان، حاول أحدهما أن يرجع ظاهرة الدولة ونشأتها وانهيارها في الإقليم في الفترة من القرن الثامن إلى السادس عشر الميلادي إلى الصراع الجدلي بين التنمية المستقلة عن وسائط الإنتاج، والقوى المنتجة، وتكوين الطبقة المجتمعية التي تسعى للسيطرة على المجتمع وموارده الإنتاجية. ويرى أصحاب هذه النظرة الماركسية أن النفوذ الخارجي المتمثل في الإسلام وأيديولوجيته السياسية والتجارة العابرة للأقاليم لم تكن سببًا رئيسًا في نشأة الدولة في الإقليم؛ ولكنها كانت من ضمن العناصر المؤثرة في استمراريتها سلبًا وإيجابًا. بينما أعطى أنصار المدخل الآخر أهمية كبرى للإسلام والحركات الجهادية التي أسهمت في نشأة بعض الممالك الأفريقية، وعزا بعضهم انهيارها إلى الاستعمار الأوروبي دون أن يكون هناك أثر واضح لمنظومة الصراع الجدلي الماركسي.
وإلى جانب المؤتمرات الثلاثة المشار إليها، أولى معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية اهتمامًا خاصًّا بالعلاقات العربية-الأفريقية، وتبلور هذا الاهتمام على أرض الواقع عندما تواصل يُوسُف مع وزارة الخارجية في دولة الإمارات العربية، واتفق الطرفان على عقد ندوة عن العلاقات العربية-الأفريقية في الشارقة، تحت رعاية صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، في الفترة من 14 إلى 18 ديسمبر 1976. ويذكر يُوسُف أن نخبة من العلماء والمفكرين الأفريقيين والعرب اشتركوا في ندوة الشارقة التي عُقدت فعاليات بقاعة "أفريقيا" بالشارقة، وقدموا أبحاثًا علمية تناولت الجوانب السياسية والاقتصادية، بدءًا بحركات التحرر الوطني في أفريقيا والعالم العربي، ودور المنظمات الإقليمية (منظمة الوحدة الأفريقية وجامعة الدولة العربية) في دعم العلاقات العربية-الأفريقية وتوثيق عرى الترابط الاقتصادي والأكاديمي بينها. وافتتح الندوة وقدم توصياتها الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وتضمنت توصيات "إعلان الشارقة" عددًا من المبادئ الخاصة بتطوير العلاقات العربية-الأفريقية وآليات تفعيلها. ونذكر منها على سبيل المثال، إنشاء مركز أفريقي-عربي لتوثيق وجمع البيانات الخاصة بالعلاقات العربية-الأفريقية، ويكون مقره في مدينة الشارقة، واختيار سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي رئيسًا فخريًّا للمركز. إلا أن المركز لم يؤسس حسب المواصفات التي أشار إليها "إعلان الشارقة"، ولكنه أُنشئ لاحقًا في عام 2018 باسم معهد أفريقيا، الذي "يُعْنَى بالبحث والتوثيق وإجراء الدراسـات وتدريس المناهج ذات الصلة بأفريقيا والشـتات الأفريقي، وذلك في حقول العلوم الإنسـانية والاجتماعية".
ويذكر يُوسُف أنَّ معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية قد بادر بمناقشة توصيات المؤتمر المشار إليه مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (أليكسو) التابعة لجامعة الدول العربية، ونتج عن ذلك تنظيم ندوة "العلاقة بين الثقافة العربية والثقافات الأفريقية" في الخرطوم في 4 فبرير 1981م. وقدم الأكاديميون والباحثون وخبراء المنظمات الإقليمية الذين اشتركوا في الندوة إحدى عشرة ورقة باللغتين العربية والإنجليزية، دارت في ثلاثة محاور رئيسة. ناقش المحور الأول منها جذور العلاقة بين الثقافة العربية والثقافات الأفريقية؛ وتطرق المحور الثاني إلى الآثار السلبية التي أفزرها الوجود الاستعماري في القارة الأفريقية والوطن العربي؛ وتناول المحور الثالث الآثار اللغوية والثقافية المتبادلة بين الوطن العربي والقارة السمراء. حرر يُوسُف الأوراق المشار إليها، ونشرها في كتاب بعنوان: "العلاقة بين الثقافة العربية والثقافات الأفريقية"، تونس: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1985. كتب الأستاذ الدكتور محيي الدين صابر، المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم آنذاك، تصديرًا للكتاب، تطرق فيها إلى جذور العلاقات الثقافية الأفريقية-العربية وأبعادها التاريخية، وانتقد الكتابات التي تروِّج إلى أنَّ العرب قد جاؤوا إلى القارة الأفريقية في شكل غزاة فاتحين، أو تجار رقيق؛ لأنه يرى أن العلاقة بين الطرفين تشكل ميراث "إنسانين توأمين متكاملين: هما الحضارة العربية والحضارة الأفريقية في مضمونيهما الشاملين فكرًا وروحًا".
(3)
يُقصد بهذا العرض أنَّ إسهام يُوسُف في نشأة معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية وتطويره لا يرتبط بشخصه فحسب، بل بقدرته على إنشاء شبكة واسعة من العلاقات الأكاديمية، واستقطاب كادر وظيفي أسهم بكفاءة عالية في بلورة رؤية المعهد ورسالته وأهدافه، ثم تحويل الأهداف إلى مبادرات وخطط عملية، تمَّ تنفيذها على أرض الواقع في شكل محاضرات عامة وندوات ومؤتمرات، ومنشورات علمية، وبرامج أكاديمية (دبلوم، وماجستير، ودكتوراه)، وخدمات قُدمت للجامعة والمجتمع. كل هذه الإنجازات ظلت ولا تزال تقف شاهدةً على أداء المعهد الوظيفي والعاملين الذين شكلوا خلية نحله الفاعلة في عهد إدارة يُوسُف (1965-1983).
ونذكر منهم: البروفيسور محمد عمر بشير (1926-1992)، الذي حصل على دبلوم الآداب في كلية الخرطوم الجامعية عام 1949، وبكالوريوس الاقتصاد في الكلية الملكية بلفاست-إيرلندا عام 1956، وماجستير الآداب في جامعة أكسفورد 1966. بدأ الأستاذ بشير حياته العملية بالتدريس في المدارس الثانوية، ثم انتقل إلى جامعة الخرطوم، حيث شغل منصب مساعد المسجل الأكاديمي (1956-1958)، ثم أول سكرتير أكاديمي سوداني بالجامعة (1958). وفي بداية عهد حكومة مايو (1969-1985) انتُدِبَ سفيرًا ومديرًا للإدارة الأفريقية بوزارة الخارجية (1970-1972)، وبعدها عاد إلى الجامعة وشغل منصب وكيلها (1972-1974). وبعد عامين من تأسيس معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية استقطبه يُوسُف للعمل بالمعهد، حيث قضى معظم سنوات حياته الأكاديمية باحثًا فاعلًا ومشاركًا نشطًا في فعاليات المعهد المتعددة إلى أن غادره عام 1981، عندما شرع في فكرة تأسيس جامعة أم درمان الأهلية. وأثناء عمله بالمعهد أصدر كتابه الشهير (Southern Sudan: From Conflict to Peace, London: Cristopher Hurst, 1975).
أما البروفيسور هيرمان بل (Herman Bell) فقد حصل على دكتوراه الفلسفة في اللغويات (اللغات النوبية والأسماء الجغرافية) في جامعة نورث وسترن (Northwestern) بالولايات المتحدة الأميركية عام 1968، وبعد تخرجه التحق بجامعة نورث كارولينا (1968-1971)، ثم مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن (1971-1972). وفي هذا الأثناء اتصل به يُوسُف وأقنعه بالانضمام إلى شعبة أبحاث السودان؛ لكنه وصل إلى الخرطوم عام 1973، أي بعد أن تحولت الشعبة إلى معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية. وظل بل (Bell) أستاذًا فاعلًا في المعهد إلى أن غادره عام 1979 إلى جامعة الملك فيصل بالمملكة العربية السعودية. في فترة عمله بالمعهد نشر العديد من الأبحاث ذات الصلة باللغات والثقافة النوبية، التي شكلت إضافة نوعية ضمن أدبيات المعهد. واشترك بل (Bell) في اللجنة العليا لإعداد المؤتمر الثاني عن اللغة والأدب في السودان، وحرر بالاشتراك مع الدكتور سيد حامد حريز أوراق المؤتمر، ونشراها في كتاب بعنوان: (Directions in Sudanese Linguistics and Folklore, Khartoum: Khartoum University Press, 1975.)
أشار يُوسُف في حديثه عن شعبة أبحاث السودان إلى تعيين سيد حامد حريز، وعبد الله علي إبراهيم، وأحمد عبد الرحيم نصر، بحكم أنهم الجيل المؤسس للشعبة. انضم حريز للشعبة بعد حصوله على بكالوريوس الآداب في اللغة الإنجليزية وآدابها، وذلك بطلب من يُوسُف؛ ليتخصص في مجال الفولكلور. وبعد التحاقه بالشعبة بفترة وجيزة حصل حريز على بعثة خارجية لإعداد أطروحة الماجستير في الفولكلور بجامعة ليدز (Leeds) البريطانية، وبعد حصوله على درجة الماجستير انتقل إلى جامعة إنديانا (Indiana) الأميركية، حيث نال درجة دكتوراه الفلسفة في الفولكلور، كأول سوداني في هذا المجال. وكان موضوع أطروحته لنيل درجة الماجستير عن ثلاثية "الميلاد والختان والزواج"، أو ما يسمى "طقوس العبور"، وأطروحة الدكتوراه عن "الحكاية الشعبية عند الجعليين: تداخل العناصر الأفريقية، والعربية والإسلامية". وبعد عودته للمعهد عُين الدكتور حريز رئيسًا لقسم الفولكلور، ثم مديرًا للمعهد (1983-1990)، خلفًا لأستاذه يُوسُف. أنجز حريز جملة من الأبحاث التأسيسية في مجال علم الفولكلور خلال عمله بالمعهد، ونذكر منها: "الحكاية الشعبية في السودان"؛ و"المؤثرات العربية في الثقافة السواحلية."
عقب التحاقه بشعبة أبحاث السودان عكف عبد الله علي إبراهيم على إنجاز بكالوريوس الشرف في التاريخ في جامعة الخرطوم، فكان عنوان أطروحته "الصراع بين المهدي والعلماء"، الأطروحة التي وصفها البروفيسور مكي شبيكة بأنها "بحث مبتكر"؛ لأن المؤلف قد سلك فيه "مسلكًا علميًّا، وتحليلًا بلغ درجة قصوى من الإتقان". ويقول المُؤلِف عن مُؤلَّفه: "كتبته في سنة الشرف في أخريات تدريبي بشعبة التاريخ بجامعة الخرطوم عام 1966، وأحسنت إليَّ شعبة أبحاث السودان، في عهد العالم الدقيق الشغوف يُوسُف فضل حسن، بنشره عام 1968". وكان هذا الكتاب-الأطروحة بمثابة منصَّة التأسيس التي انطلق عبد الله منها، نحو إعداد أطروحة الماجستير، ثم الدكتوراه في إنديانا بالولايات المتحدة الأميركية. وفي فترة وجوده بالشعبة ثم المعهد، أولى الأستاذ عبد الله اهتمامًا فائقًا للتاريخ الثقافي والاجتماعي في السودان، مخصصًا جلَّ وقته لأبحاثه الميدانية في بادية الكبابيش الرعاة في شمال كردفان، والرباطاب المزارعين على النيل في المديرية الشمالية، وكانت حصيلة ذلك عملين نفيسين، أولهما "أدب الرباطاب الشعبي"، وثانيها "فرسان كنجرت: ديوان نوراب الكبابيش وعقالاتهم في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر" والذي قدم أصله لأطروحة الماجستير، ثم نشره بالعنوان نفسه 1999.
أما أحمد عبد الرحيم نصر فقد حصل على بكالوريوس الشرف والماجستير في الفلسفة في جامعة الخرطوم. وبعد التحاقه بشعة أبحاث السودان، ابتُعِثَ إلى جامعة ويسكونسن (ماديسون) بالولايات المتحدة الأميركية، حيث حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الأدب الأفريقي الشفاهي. وبعد عودته إلى معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية عُيِّنَ محاضرًا بقسم الفولكلور، ثم رئيسًا للقسم نفسه. ومن الأبحاث المهمة التي نشرها أثناء فترة عمله بشعبة أبحاث السودان: "تاريخ العبدلاب من خلال رواياتهم السماعية، شعبة أبحاث السودان"، (الخرطوم، مطبعة جامعة الخرطوم، 1969)؛ و"مايرنو النيل الأزرق: دراسة سيرة شفاهية"، (الخرطوم: معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية، 1980).
التحقت محاسن حاج الصافي بمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بعد أن حصلت على درجة ماجستير الآداب في التاريخ، وكان موضوع أطروحتها عن "السياسة الخارجية البريطانية تجاه الدولة المهدية"، في جامعة أدنبرة بالمملكة المتحدة، وكذلك الدكتوراه عن "المسألة الصومالية في كينيا" بالجامعة نفسها. وبعد عودتها عملت أستاذًا مساعدًا للتاريخ الأفريقي شعبة التاريخ (1972-1975)، كلية الآداب، جامعة الخرطوم؛ ثم انتقلت إلى معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية، وشغلت منصب رئيس قسم الدراسات الأفريقية والآسيوية (1975-1979)، ثم مديرة للمعهد (1990-1995). ومن أهم إصداراتها في المعهد في فترة إدارة يُوسُف، "لورد روزبري والسياسة البريطانية في السودان، 1882–1895، مجلة الدراسات السودانية، مج 5، ع 1، 1975، ص 92-105.
وانضم إلى جانب هؤلاء المؤسسين في شعبة أبحاث السودان ومعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية الدكتور جيمس دهب قبجندا (James Dahab Gabjanda) المتخصص في اللغات الأفريقية؛ والدكتور ر.س. ستيفينسون (R.C. Stevenson) المتخصص في لغات جبال النوبة؛ والأستاذ جمال محمد أحمد في قسم الدراسات الأفريقية والآسيوية؛ ومارك دوفيلد (Mark Duffield)، المتخصص في مهاجري غرب أفريقيا في السودان؛ ويارد كيهور (Yared Kihore) المتخصص في اللغة السواحلية، وشعبان سنقو (Shaban Sengo). ولحق بهم آخرون قبل انتهاء فترة إدارة يُوسُف (1972-1983) للمعهد، ونذكر منهم: الدكتور شرف الدين الأمين عبد السلام، والدكتور الحاج بلال عمر، والدكتور الأمين أبو منقة، والدكتور الفاتح عبد الله عبد السلام، والدكتور عشاري أحمد محمود خليل، والدكتور يُوسُف حسن مدني، والدكتورة البقيع بدوي عبد الرحمن.
(4)
إلى جانب إسهامات هؤلاء العلماء والباحثين في مجال التدريس والبحث العلمي، نلحظ أن معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية قد أضحى أحد مراكز البحث العلمي التي يشار إليها بالبنان في مجال الفولكلور والروايات الشفوية. إذ بلغت حصيلة التسجيلات (40000) شريط، مودعة في أرشيف الفولكلور في المعهد، ووصلت "سلسلة دراسات في التراث الشعبي" إلى أربعين إصدارًا. كما وضع المعهد خطة لإنجاز المشروعات البحثية الآتية:
1. تسجيل المواد الفولكلورية والروايات الشفوية الخاصة بالمجتمع السُّوداني وتحليلها.
2. إنشاء متحف إثنوغرافي.
3. إعداد معجم للشخصيات السُّودانية.
4. إعداد دراسات عن أسماء الأماكن السُّودانية.
5. إنجاز ثمانية مجلدات عن السُّودان.
6. كتابة تاريخ الحركة الوطنية استنادًا إلى الروايات الشفوية.
7. إجراء مسح لغوي في السُّودان.
وتوضح الفهارس المرجعية أنَّ الروايات الشفوية التي جُمعت من مختلف أنحاء السودان، وأودعت بأرشيف معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية تشكل عددًا لا يستهان به، لكن حسب إفادة خبراء أرشيف الفولكلور في جامعة الخرطوم، أن المُسْتَثمر منها في أبحاث علمية منشورة ضئيل جدًا؛ وجلَّ هذه الروايات محفوظ في "أضابير الأرشيف، ولم يلامس أعين القراء". وهذه دعوة صريحة للباحثين المهتمين بقضايا الفولكلور السوداني أن يعيروا هذه المقتنيات المصدرية النادرة التفاتةً، ويوظفوها بقدر الإمكان في إنجاز أبحاثهم العلمية.
بالرغم من أنَّ يُوسُف قد غادر إدارة المعهد عام 1983؛ إلا أن صلته لم تنقطع البتَّة بهذا الصرح الأكاديمي، الذي تأسس على يديه، فعاد إليه في عقد التسعينيات، ليعمل جنبًا إلى جنبٍ مع طلابه الذين أعانوه في مرحلة التأسيس، وأصبحت لهم بصماتهم الواضحة في إدارة المعهد وعطائه الأكاديمي، أمثال الدكتورة محاسن حاج الصافي، والدكتور الفاتح عبد الله عبد السلام، والدكتور مدني محمد أحمد، والدكتور الحاج بلال عمر، والدكتور قيصر الزين. ومنذ عام 2002 ظل يُوسُف يشغل منصب رئيس كرسي الدراسات التركية، الذي يعمل تحت مظلة وحدة الدراسات التركية، التي أُسست بمعهد الدراسات الأفريقية والآسيوية عام 1998م، في ظل العلاقات المتطورة بين أنقرة والخرطوم، ونظرة أنقرة إلى السودان بوصفه جسرَ عبورٍ لاستثماراتها المستقبلية في القارة السمراء. وأن الوحدة ستكون واحدة من عناصر القوى الناعمة الداعمة لهذه النظرة التركية؛ لأن هدفها الأساس يتمثل في إجراء الدراسات المقارنة بين البلدين وجوارهما، ودعم التبادل الأكاديمي بين أساتذة جامعة الخرطوم ونُظرائهم من الجامعات التركية. وفي ضوء هذه الرؤية نظمت جامعة الخرطوم بالتعاون مع السفارة التركية ندوة كبرى في 4 ديسمبر 1999، بمناسبة العيد المئوي السابع لنشأة الدولة العثمانية (1299-1999). تناول محور الندوة الأول نشأة الدولة العثمانية، وتطور مؤسساتها الحاكمة، ثم توسعها في قارات العالم الثلاث (آسيا، وأوروبا وأفريقيا)، وبالتركيز على موانئ البحر الأحمر (سواكن ومصوع) التي كانت تشكل إحدى المعينات الداعمة لتعزيز النفوذ العثماني في المنطقة. وغطى المحور الثاني الأثر الإداري والثقافي للدولة العثمانية في السودان. بينما ناقش المحور الثالث العلاقات التركية الأفريقية، وبنظرة خاصة للعلاقات التركية-السودانية في المجال الاقتصادي. حرر يُوسُف أوراق هذه الندوة، نشرها في كتاب بعنوان: "تاريخ الدولة العثمانية: ملامح من العلاقات السودانية التركية"، (الخرطوم: دار جامعة الخرطوم للنشر، 2004).
(5)
مديرو معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية (1972- الآن):
بروفيسور يوسف فضل حسن: 1972-1983
بروفيسور سيد حامد حريز: 1983-1990
دكتورة محاسن عبد القادر حاج الصافي: 1990-1995
بروفيسور مدني محمد أحمد: 1995-2001
دكتور شرف الدين الأمين عبد السلام: 2001-2002
بروفيسور الأمين أبو منقة: 2002-2010
دكتور عبد الرحيم حامد المقدم: 2010-2016
دكتورة منى محمود أبو بكر: 2016-إلى الآن.
ahmedabushouk62@hotmail.com