جريدة الوطن:
2024-09-29@11:30:08 GMT

رحاب : سحر صورة الذات

تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT

رحاب : سحر صورة الذات

منذ ما يقرب قرنًا من الزمن دأب ثلاثة صبيان إخوة وعمَّتهم التي كانت تكبرهم بسنوات معدودة أن يلعبوا معًا. وكشأن الأطفال في كلِّ مكان وزمان، بدأ الأولاد ومعهم عمَّتهم في تمثيل مستقبلهم، فكان أحدهم يصنع دمى تُمثِّل قطيعًا من البقر، وكذلك كان أخوه الثاني يفعل، بينما كان الأخ الثالث يصنع دمى من الحجارة تُمثِّل عددًا كبيرًا من الإبل، وكان يفاخر إخوته وعمَّته قائلًا: هذه نياقي، في حين جمعت عمَّتهم قطعًا صغيرة من الخزف تُمثِّل نقودًا فضية كانت شائعة في ذلك الوقت من بدايات القرن العشرين، كانت الفتاة تضع نقودها المزعومة في كيس وتهزه بجوار أذنها فتسمع صوتها الذي يُشبه صوت النقود المعدنية، وكانت تقول لأحدهم هذه فلوسي، فهل تريد (فلوس)؟ واستمر الصبيان وعمَّتهم يمارسون لعبة الرعاة والتاجرة، يحاكون بها المستقبل الذي كان يتشكل في خيالهم، ويكبر معهم يومًا بعد يوم.


أدركتُ اثنين منهم في أواخر أعمارهم وكذلك جمعتني الظروف بعمَّتهم بعد أن صاروا كبارًا، بينما تُوُفِّي الثالث وخلَّف أعدادًا كبيرة من البقر. كبرت الفتاة وتزوجَت تاجرًا وعاشت ثرية جدًّا تمتلك عقارات وأموالًا، وكانت تحكي لي قصَّتها مع أولاد أخيها، الذين حققوا ما كانوا يُمثِّلونه في لعبهم؛ فابن أخيها الذي كانت تعرض عليه النقود صار يملك أعدادًا كبيرة من الإبل، وصار يأتي إليها لتقرضه وتوفِّر لإبله أعلافًا من مزارعها، وعندما تُوُفِّي بعد أن عاش طويلًا، وخلَّف وراءه أكثر من 120 ناقة، ثم لحقت به عمَّته التي عاشت بعده عدَّة سنوات، تركت ثروة كبيرة. لقد تجسَّد المستقبل الذي تخيَّله الفتيان وعمَّتهم، شكَّلوه في عقولهم ببراءة الأطفال ومشاعرهم العفوية، فشربته عقولهم حتى صار صورة عقلية تُوَجِّه أفعالهم وتجسِّد أقدارهم. ولقد مارس أولئك الأطفال لعبة إرسال الأمنيات التي كان الأطفال في تلك الأيام وما بعدها يطلقونها ويكررونها يوميًّا في ألعابهم وحكاياتهم، ودأب الأطفال الأربعة يعيشون واقع الصور الذهنية التي رسَّخها كلُّ واحد منهم لمستقبله، وكان أن تحققت كلُّ تلك الأحلام والأمنيات.
إنَّ الذين يحملون صوَرًا مضيئة للمستقبل في عقولهم هم الفائزون في مسارات الحياة المختلفة؛ لأنَّهم يعرفون جيدًا إلى أين يتجهون، والعالم يفسح الطريق جيدًا للذين يعرفون إلى أين يتجهون. وتُمثِّل الصورة العقلية المفتاح الذهبي لتحقيق التميز والنجاح في جميع مجالات الحياة المختلفة، من دراسة أو عمل أو تدريب أو تجارة، فإذا كنت تحمل صورة ذهنية واضحة ومحدَّدة الملامح؛ فإنَّ عقلك يتفاعل معها. وتُمثِّل الخريطة العقلية المحرِّكة لها، فجميع الأفعال والتصرفات والاتجاهات تنطلق غالبًا من الصورة العقلية التي تبلورها التجارب والخبرات ويتمُّ ترسيخها في العقل الباطن للفرد، ويستطيع كلُّ إنسان يشرع الآن في بناء الصورة العقلية لمستقبله، وتعتمد الصورة الذهنية للفرد على الإدراك الذي يتبلور من مفهوم الذَّات لدَيْه، وما يحمل في عقله من معتقدات وقناعات.
عندما كنَّا ندرس في المرحلة الابتدائية كان لي زميل يُدعى (سالم)، وكنَّا نتبادل الحديث عن أحلامنا التي نتخيَّل تحقيقها، وكان ذلك الزميل يسرد لي أحلامه التي تتمثل في أن يكُونَ طيَّارًا عسكريًّا برتبة كبيرة، وعندما انتهى من دراسة المرحلة الثانوية في ثمانينيات القرن العشرين لم يتردد كثيرًا، بل سجَّل فورًا في سلاح الجوِّ السُّلطاني وخاض جميع مراحل التدريب بكفاءة وتفوّق وصار طيَّارًا وتمَّ تكريمه من بين أفراد دفعته. جدير بكُلِّ إنسان أن يضعَ لنفْسِه صورة عقلية إيجابية وأن يتخيَّلَها ويعيشَها ويندمجَ معها بالخيال والمشاعر واتخاذ خطوات عملية حتى تتجسَّدَ واقعًا ملموسًا.

د. أحمد بن علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

أستاذ علوم سياسية: العقلية الدموية الإسرائيلية تجاه غزة تتكرر في لبنان

قال دكتور سهيل دياب، أستاذ العلوم السياسية، إنّ العقلية الدموية الإسرائيلية في غزة تتكرر في لبنان، مشيرًا، إلى أنّ الذهاب للجبهة اللبنانية لمواجهة حزب الله فصل ثانٍ من حرب غزة، ومرتبطة ارتباط عضوي بها.


وأضاف «دياب» خلال مداخلة عبر قناة "القاهرة الإخبارية"، أن هناك عقبات كثيرة أمام الاحتلال في لبنان تختلف عن غزة، أهمها الجدوى من الدخول البري إلى لبنان، إذ يؤكد معظم المحللين العسكريين أن الاحتلال غير جاهز للاجتياح البري.

خبير سياسي: معظم اللبنانيين يقفون خلف المقاومة ويؤيدونها (فيديو) نتنياهو يتراجع بشأن مبادرة وقف إطلاق النار في لبنان


وتابع، أن الاجتياح يعني أن الوصول إلى مواجهة إقليمية أصبح قاب قوسين أو أدني، لافتًا، إلى أن إيران والحوثيين والعراقيين سينخرطون فيها، كما أن إسرائيل لا يمكنه دخول مثل هذه الحرب دون الولايات المتحدة.


وتابع أستاذ العلوم السياسية، أن اجتياح لبنان برا، يحتاج لإمكانيات لوجستية كبيرة لا تملكها إسرائيل، بعدما تعرضت للإنهاك في قطاع غزة، كما أن عددا كبيرا من أفراد جيش الاحتلال موجودون في غزة والضفة.

مقالات مشابهة

  • انتشار صورة مضللة لضابطة نفذت غارة تسببت بمقتل نصرالله
  • أهم 7 مهارات تطوير الذات.. سر النجاح في الحياة وتحقيق الأهداف
  • إسرائيل تنشر صورة لهرم قيادة حزب الله الذي قضت عليه
  • مع انطلاق موسم الدراسة.. روجينا تشارك جمهورها صورة نادرة
  • الانسجام مع الذات
  • المسائل الكبرى.. ما بين منطق منحرف ومنطق مفقود
  • أمن العيون يواصل حملته ضد الاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية
  • هاريس مع المطرب ديدي.. صورة مفبركة تشعل الجدل
  • أستاذ علوم سياسية: العقلية الدموية الإسرائيلية تجاه غزة تتكرر في لبنان
  • عالمٌ فى رحاب الإبداع