أثير – فاطمة بنت ناصر، مترجمة وصحفية

 

 

 

 

سأحدثكم اليوم عن قصة: السمكة والثلاجة. أما السمكة فكانت تعيش في مياه الولايات المتحدة الأمريكية وتحديدا في المحيط الأطلسي الذي يحد الولايات المتحدة الأمريكية من جهة الغرب، واسم السمكة Chesapeake Bay shad. وهي سمكة نالت على رضا ذائقة السلطان سعيد بن تيمور.

وأما الثلاجة فكانت أول ثلاجة تصل إلى مسقط؛ فكيف بدأت القصة؟

مؤخرًا صادفت موضوعًا يعود لعام 1938، نشرته صحيفة Evening Star التي كانت تصدر من واشنطن حول هذه السمكة التي كانت من أهم أسباب أن يقطع السيد سعيد بن تيمور نصف العالم ليتذوقها في أمريكا. كنت أظن أن هذه ليست سوى مبالغة صحفية لا بد منها في صياغة الأخبار، غير أن الأمريكيين يثبتون هذا بعدة أدلة منها:

– قيامهم بسرد تاريخ علاقة السمك الأمريكي بعمان، التي سبقت عهد السلطان سعيد بن تيمور، فعلاقة عمان والسمك الأمريكي ترجع لما قبل تولي السيد سعيد بن تيمور لعرش عمان، ففي عام 1832م وتحديدا في عهد حكومة الرئيس الأمريكي السابع Andrew Jackson ( 1829-1837)، قام سفير أمريكا المتجول Edmund Roberts بجولة حول العالم استغرقت 445 يوما قطع خلالها 45،000 ألف ميل أي ما يعادل (72420.48 كم)، ولم تفضِ جولته إلى مفاوضة أية اتفاقيات تجارية عدا تلك التي قام بها مع سلطنة عمان والتي كانت زنجبار حينها تابعة لها، وقد كانت السمكة الأولى التي تصل إلى أرض الخليج عبر بوابة مسقط.

هذه السمكة تحديدًا لا يختلف حول مذاقها الشهي أي رئيس أمريكي بدءًا من الرئيس الأمريكي الأول George Washington وحتى رئيسها السابع الذي عاصر عهد رئاسته فترة حكم السلطان سعيد بن تيمور.

100 عام

بعد مرور 100 عام على قصة الاتفاقية التجارية بين أمريكا وسلطنة عمان في 1832م، وتحديدا في عهد السلطان سعيد بن سلطان، جاءت الاتفاقية الثانية في عام 1932م؛ فقد استقبل السلطان سعيد بن تيمور وفد التفاوض الأمريكي وأكرمهم بمأدبة عشاء في مسقط. كانت مأدبة فاخرة لكن دون ملاعق ولا أشواك ولا سكاكين!. وهذا أمر متعمد بالطبع ففي ذلك الوقت كانت هناك ملاعق وغيرها من أدوات الأكل، لكن من المعروف اعتزاز السلطان سعيد بن تيمور بأصله العربي ورسائله الضمنية في رفض الانقياد للغرب حتى في أبسط الأمور.
بعد أن غادر الوفد السلطنة عائدا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، قرروا أن يبعثوا بهدية تعبّر عن امتنانهم للسلطان سعيد بن تيمور، فكانت الهدية عبارة عن ثلاجة كهربائية حديثة.

الثلاجة

لم يكن حمل الثلاجة من الباخرة إلى القصر بمسقط بالأمر السهل، وذلك للطبيعة الجغرافية للميناء وبعد مرسى السفينة نسبيًا عنه، وقد تم الاستعانة بقارب لينقل الثلاجة إلى الشاطئ ومنه إلى قصر السلطان. كان القصر بمسقط قد زود حديثًا بالكهرباء وحين وصلت الثلاجة إلى القصر وتم فتحها أمام السلطان كانت المفاجأة، بوجود كمية من سمكة Chesapeake Bay shad. ومن هنا تأتي قصة أخرى تتعلق بعظام هذه السمكة.

سمكة بدون عظام

أراد الوفد الأمريكي إرسال هدية مميزة للسلطان لا تقتصر فقط على أول ثلاجة كهربائية تدخل إلى عُمان، لكن قرروا أن يملأوها بسمكتهم Chesapeake Bay shad الشهية التي كانت إلى جانب مذاقها اللذيذ معروفة بكثرة عظامها. وقد قرر الأمريكان أن يقدموا للسلطان سعيد بن تيمور أفضل تجربة لتذوق السمكة دون أن تشغله عظامها عن التلذذ بلحمها، ولهذا طلبوا طلبًا خاصًا من شركة الأسماك لتقوم بنزع كل العظام التي ستقدم هدية للسلطان سعيد، لتصل إلى مائدته بلحمها النقي لا تنغصه عظامها الكثيرة عن مذاقها الرائع.

من نزع العظام؟

يذكر المقال أن من قام بنزع عظام السمك المقدم للسلطان سعيد هو Cy Ellis وهو يعد أبرز من يتقنون هذا الأمر، وقد وصفت الصحيفة عمله بأنه “فن صعب ندرة من يجيدونه”. صورت الصحيفة Cy Ellis وهو يقوم بتجهيز السمكة تلو الأخرى لنزع عظامها، لم يكن يلبس لباس عامل في مصنع بل كان يرتدي بدلة فنان راقٍ. وقد أضافت الصحيفة أنه بلا شك فخور بأن توكل إليه مهمة تجهيز هدية سلطان عمان.

من كتب المقال؟

من قام بكتابة المقال ليس صحفيًا مبتدئًا يبحث عن الشهرة عن طريق المبالغة وكتابة العناوين اللافتة، بل هو صحفي مخضرم حاصل على عدة جوائز وله إنجازات كثيرة.
الشاعر والصحفي والمراسل والناقد John J. Daly وهو أحد أشهر الصحفيين في أمريكا. بدأ مسيرته الصحفية بالوقوف أمام والده مدافعا عن قناعته، فقد كان والده أحد العاملين في مطابع صحيفة Washington Post لمدة ١٠ أعوام (١٨٧٠- ١٨٨٠) وقد شهد النقلة في عالم الطباعة من الطباعة بواسطة آلة “الضرب بالقالب” وصولا إلى الطباعة بالكبس الحراري وأول آلة طباعة متنقلة عرفت باسم Linotype، وكان ذلك العمل الشاق سببا لرفض الأب نهائيا فكرة أن يعمل أي من أبنائه في عالم الصحافة، حيث قال صراحة: “لن يصبح أي من أبنائي صحفيًا”، وقد أنفق الأب مبالغ كبيرة حتى يتخرج ابنه من الجامعة الكاثوليكية في تخصص الهندسة الميكانيكية.

لم يخيّب الابن ظن والده لكنه تخرج من الجامعة وذهب للعمل في اليوم التالي في صحيفة Washington Post وعمل مراسلًا رياضيًا. أما سبب شهرته الكبيرة فتعود إلى تغطيته لحريق نشب في مسرح Knickerbocker – عرف بحريق واشنطن العظيم- في ٢٨-١- ١٩٢٢م، وقد كان من الناجيين من الحريق، وقام بكتابة قصة الحريق فور نجاته وكتب الليل بطوله تحقيقا كاملا من ٥٠٠٠ كلمة، ولم يتوقف عن الكتابة حتى تورمت أصابعه. بعد هذه التغطية الصحفية المميزة، انهالت عليه العروض من عدد كبير من الصحف والمجلات الأمريكية.

وما يعنينا هنا أن المقال كُتب في عام ١٩٣٨م أي بعد أن أصبح الكاتب أحد أشهر الصحفيين في أمريكا! ومن هنا تأتي أهمية المقال الذي كان مميزًا جدًا ويحمل العديد من الإضاءات التاريخية التي تدل على تمكّن ملحوظ وكتابة تجمع ما بين الرصانة والتشويق.

المصادر:
– أرشيف صحيفة Evening Star
‏-  https://www.washingtonpost.com/news/capital-weather-gang/wp/2013/04/26/knickerbocker-snowstorm-the-washington-posts-john-jay-daly/

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: التی کانت

إقرأ أيضاً:

وسام أبوعلي: سعيد لتسجيل الأهداف وحققنا فوز مهم على بلوزداد

عبر وسام أبو علي، لاعب الفريق الأول لكرة القدم بالنادي الأهلي، عن سعادته بالفوز الكبير الذي ‏حققه الأهلي على شباب بلوزداد الجزائري ضمن منافسات مباريات المجموعة الثالثة لدور المجموعات ‏بدوري أبطال إفريقيا بستة أهداف مقابل هدف، خلال المباراة التي جمعتهما ‏مساء اليوم، الأحد، بإستاد القاهرة.‏

وقال أبو علي: تم التحضير بشكل جيد لمباراة بلوزداد بعد إغلاق صفحة الماضي لم نقدم ‏المستوى المطلوب في الشوط الأول لكن قدمنا شوطًا ثانيًا جيدًا، ونجحنا في تسجيل 6 أهداف ‏وحققنا فوزًا مهمًّا ساهم في اعتلاء الأهلي صدارة المجموعة.‏

وأوضح مهاجم الأهلي أنه يحاول تقديم أقصى مستوى له في المباريات التي يشارك بها، ‏وأن مشاركة أي لاعب في المباراة قرار فني، والأهم مصلحة الفريق ومساعدته على الفوز. ‏

وأكد وسام أبو علي سعادته بتسجيل ثلاثة أهداف في مرمى الفريق الجزائري.

يعتلي الأهلي قمة المجموعة الثالثة برصيد 7 نقاط ، يليه أورلاندو بيراتس الجنوب إفريقي ‏بـ5 نقاط، ثم يأتي فريق شباب بلوزداد في المركز الثالث بـ3 نقاط، وأخيرًا يأتي استاد ‏أبيدجان الإيفواري في المركز الرابع والأخير بنقطة واحدة.‏

مقالات مشابهة

  • عبد المنعم سعيد: الحروب العالمية الحالية ليست استثنائية
  • نصائح لا تعرفها للوقاية من التسمم الغذائي في الكريسماس
  • الطائرات المسيّرة الصينية.. الحلول الفعالة التي تهدد الأمن القومي الأمريكي
  • حكاية السمكة والشبكة والحركة
  • قوة الردع اليمني..الأسطورة التي هزمت المشروع الأمريكي
  • السيارات الكهربائية تدفع هوندا ونيسان وميتسوبيشي على اتخاذ قرار تاريخي
  • اليمن.. أسطورة الردع التي هزمت المشروع الأمريكي
  • فاتن سعيد تبدأ تصوير شخصيتها في "ظلم المصطبة"
  • في أمريكا.. 944 مليون دولار تنتظر "سعيد الحظ"
  • وسام أبوعلي: سعيد لتسجيل الأهداف وحققنا فوز مهم على بلوزداد