هل يمكن تحويل أوكرانيا إلى النمسا؟ أو ربما إلى فنلندا؟.

الموقف اليوم أسوأ بكثير. فالأوكرانيون جميعاً يكرهون روسيا والروس

يجادل وزير المالية اليوناني السابق يانيس فاروفاكيس بأن أساس السلام بين روسيا وأوكرانيا يكمن في تحييد الأخيرة. وقد يُفضِّل كثيرون في أوروبا وأمريكا الشمالية نتيجة تتيح لأوكرانيا الحفاظ على مستوى ما من الاستقلال عن روسيا.






وفي هذا الإطار، رأى د. روبرت فارلي، الخبير الأمريكي المختص بالأمن والدبلوماسية، في مقاله بموقع "1945" أن جعل أوكرانيا دولة محادية على نسق ما كانت عليه النمسا أو فنلندا خلال فترة الحرب الباردة لا بد أن تفضي إلى كارثة.
ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، فَصَل الحلفاء النمسا عن ألمانيا وقسموها إلى أربع مناطق احتلال. وفي عام 1955، وقَّعَت النمسا معاهدة أنهت الاحتلال لكنها تركت الدولة محايدة دائماً ومنزوعة السلاح إلى حدٍ بعيد. ونجت الديمقراطية النمساوية وازدهرَ اقتصاد البلد رغم أنّ فيينا أمست مشهورة بأنها بقعة لصراعات التجسس خلال حقبة الحرب الباردة.

 

 

Trying to Turn Ukraine Into ‘Neutral’ Finland or Austria Would Be a Disaster https://t.co/20MTsWzWvZ

— joyce_macri (@MacriJoyce) October 1, 2023


وأوضح الكاتب أن مثال النمسا وثيق الصلة نظراً لعاملين اثنين: كانت النمسا دولة محتلة (ومذنبة) في نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم تكن تُعدُّ ذات أهمية استراتيجية لأمن أي من القوى الأوروبية العظمى. وعلى عكس أوكرانيا، شاركت النمسا بحماسٍ في حرب إبادة وحشية ضد اليهود والسلاف على الجبهة الشرقية.

النمسا تستحق ما ألمّ بها


وفي حين عدَّ الحلفاء النمسا رسميّاً ضحيةً للعدوان النازي، كان من المعلوم للقاصي والداني أن كثيراً من النمساويين قد شاركوا في الحرب مع الجانب الألماني عن طيب خاطر.
كانت فكرة أن النمساويين استحقوا ما ألمَّ بهم لمشاركتهم في آلة الحرب النازية حاسمةً لشرعية تحييدها. وكان هذا الاعتقاد راسخاً عند السوفييت، لكنه امتد أيضاً إلى الحلفاء الغربيين. ويرى الأوكرانيون أنفسهم ضحايا للعدوان وليسوا مرتكبيه، مما أفضى إلى سياق خطابيّ مختلف إلى حدٍ كبير.
وعلى عكس الأوضاع في أوكرانيا أيضاً، لم تَعدّ روسيا السيطرة على النمسا أمراً حاسماً لأمنها أو هويتها. فقد أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه في بداية الحرب الروسية الأوكرانية أن المخاطر لا تقتصر على الجانب الأمني، وإنما تشمل إلى حدٍ كبير حق روسيا الطبيعي في نطاق نفوذ ما عَدَّه بوتين أراض روسية ترجع إلى العصور البائدة.


هل يمكن أن تكون أوكرانيا مثل فنلندا؟


احتل الاتحاد السوفيتي فنلندا (وهي إقليم سابق كان ينتمي للإمبراطورية الروسية) كجزءٍ من الميثاق النازي السوفيتي لعام 1939. وبينما كان أداء الفنلنديين قويّاً في الأشهر الأولى من حرب الشتاء، فقد أُجبَروا لاحقاً على إبرام اتفاق سلام مع الاتحاد السوفيتي.
وعندما اندلعت الحرب مجدداً في يونيو (حزيران) 1941، انضمت فنلندا إلى القضية النازية وحاولت استعادة أراضيها المفقودة، وإذا بها تستسلم مجددًا في سبتمبر (أيلول) 1944. كان الاتحاد السوفيتي، كما في حالة النمسا، قادراً على فرض اتفاق على فنلندا لأن الأخيرة كانت تحارب إلى جوار الجانب الخاسر في حرب كارثية.

 

 


لم يكن موقف فنلندا كموقف النمسا بالضبط (إذ كانت سياسة الحرب الفنلندية محسوبة بدقةٍ وعناية، وتفادى الفنلنديون عموماً المشاركة في المحرقة). ورغم ذلك، فقد لاحقت فنلندا لعنة تعاونها مع النازيين.
سُمِحَ لفنلندا بالاحتفاظ بمؤسساتها الديموقراطية وإدارة شؤونها الداخلية. ورغم ذلك، فقد قُوِّضَت حريتها في ميدان السياسات الخارجية والأمنية إلى حدٍ كبير. فضلاً عن ذلك، لم تكن فنلندا حرة تماماً في إدارة شؤونها. وكان للتهديد الذي يلوح في الأفق بالتدخل الروسي تأثير سلبي على الخطاب الفنلندي والآداب وصناعة الأفلام وثقافة الدولة، ويرجع ذلك إلى حدٍ كبير إلى الخوف من الرقابة الحكومية وواقعها.
وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أن الفنلنديين أحبوا هويتهم وانتماءهم لبلدهم للغاية لدرجة أن فنلندا تقدَّمَت على الفور بطلبٍ للحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي فور اندلاع هذه الحرب.


ما الذي ستفعله كييف؟


فرض الاتحاد السوفيتي والحلفاء الغربيون الحياد على النمسا وفنلندا بقوة السلاح. وهذا الإكراه يحمل في طياته ،لا شرعية الكلمة الأخيرة للقوة وحسب، وإنما أيضاً إبادة أبشع نظام شوَّهَ السجلات التاريخية الحديثة. فضلاً عن ذلك، فقد قبلَ الفنلنديون والنمساويين عدالة هذا الحُكم.
ولكن، لن يقبل الأوكرانيون هذا الحكم، حسب الكاتب، فهم لا يعتقدون أنهم اقترفوا خطأً، ولا يظنون أنه يجب إبطال سيادتهم خوفاً على راحة جارتهم. وهم لا يرون أن روسيا ستمتنع عن تدخلها العسكري والسياسي والاقتصادي في أوكرانيا مُستقبلاً.
ويبدو أن المحللين الذين يصفون أنفسهم بـ "الواقعيين" يحبون فكرة تحييد أوكرانيا التي تقرُّ بحق روسيا في نطاق نفوذ، وتَحِدُّ من الالتزام الأمريكي تجاه المنطقة، وهي أهداف لطالما اعتزت بها مدرسة مناهضة الاشتباك.
غير أن هؤلاء الواقعيين قد يطالبون أيضاً بعشراتٍ من حاملات الطائرات العمودية من طراز "شيلد" وكتيبة من المحاربين الخارقين. كان إجبار أوكرانيا على قبول "تحييدها" بعد أن تكبّدت خسائر إقليمية كبيرة أمام روسيا في عام 2014 غير مُجدٍ، إذ فقدت كييف أي ثقة لديها في نوايا موسكو.
واختتم الكاتب مقاله بالقول: "الموقف اليوم أسوأ بكثير. فالأوكرانيون جميعاً يكرهون روسيا والروس، ولن يقبلوا اتفاقاً يقوّض أو يبطل قدرة أوكرانيا على حماية نفسها. على الواقعيين أن يخصصوا وقتاً أطول للتفكير في الآليات الفعلية للوضع السياسي والعسكري بين أوكرانيا وروسيا قبل التمسك بكيفية كبح جماح أوكرانيا وتقييدها".
 
 

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الحرب الأوكرانية الاتحاد السوفیتی إلى حد

إقرأ أيضاً:

"الجارديان" تبرز تحذير ماكرون من استسلام أوكرانيا لشروط روسيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

سلطت صحيفة "الجارديان" البريطانية، الضوء على تحذير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من استسلام أوكرانيا لشروط روسيا؛ من أجل التوصل لاتفاق سلام من لإنهاء الحرب المشتعلة بين الطرفين منذ ثلاثة أعوام.
وأشارت الصحيفة - في مقال للكاتب دافيد سميث - إلى أن تلك التصريحات تأتي في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استعداد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقبول "صفقة لصنع السلام" مع أوكرانيا تشمل نشر "قوات حفظ سلام أوروبية"، لافتة إلى أن ماكرون أعلن موقفه هذا خلال لقاء مع الرئيس الأمريكي في (واشنطن) أمس الاثنين.
وأشار المقال إلى أن ماكرون يعد أول رئيس لدولة أوروبية يزور البيت الأبيض منذ تولي ترامب منصبه الشهر الماضي، موضحا أن اللقاء بين الجانبين أظهر اختلاف وجهات النظر بشأن المساعدات العسكرية التي تقدمها الدول الغربية لأوكرانيا من أجل التوصل لاتفاق يضمن تحقيق سلام دائم في أوكرانيا.. مضيفا أن الخلاف بين الشركاء عبر الأطلنطي حول حرب أوكرانيا كان أوضح ما يكون خلال لقاء أمس الاثنين بين ماكرون وترامب بعد اختلاف الطرفين حول الدعم المقدم لأوكرانيا على الرغم من أن أجواء اللقاء كانت ودية للغاية.
ونوه إلى أنه مما زاد من هوة الخلاف بين الجانبين الفرنسي والأمريكي، أن اجتماع الأمس، أتى في أعقاب اعتراض الولايات المتحدة على مشروع قرار داخل الأمم المتحدة تقدمت به أوكرانيا والاتحاد الأوروبي يدين "الغزو الروسي" على أوكرانيا.
وأعاد المقال إلى الأذهان تصريحات ترامب الأسبوع الماضي من المكتب البيضاوي التي اتهم فيها الرئيس الأوكراني فلودومير زيلنيسكي بأنه "ديكتاتور" كما اتهم أوكرانيا بأنها هي التي أشعلت فتيل الحرب مع روسيا، في الوقت الذي أشاد فيه باستعداد الرئيس الروسي لقبول صفقة لصنع السلام في أوكرانيا تشمل نشر قوات أوروبية لحفظ السلام.
كما أبرز المقال تصريحات الرئيس الفرنسي في أعقاب مباحثاته مع ترامب في البيت الأبيض، أمس، والتي أكد فيها على ضرورة إحلال السلام شريطة ألا يعني هذا السلام استسلام أوكرانيا أو أن يؤدي فقط لوقف إطلاق النار دون الحصول على ضمانات أمنية لأوكرانيا تضمن سيادتها على أراضيها.
وفي سياق متصل.. لفت المقال إلى تصريحات الرئيس الروسي أمس التي أعلن فيها موافقته على اشتراك الدول الأوروبية في مباحثات السلام في المستقبل حول أوكرانيا، موضحا أنه يجب كذلك إشراك دول أخرى غير أوروبية في تلك المحادثات.
كما أشار المقال إلى أنه من المقرر أن يقوم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بزيارة لواشنطن خلال الأسبوع الجاري يلتقي خلالها بالرئيس ترامب وسط قلق بالغ ينتاب أوروبا بشأن مواقف ترامب المتشددة حول أوكرانيا في وقت تقوم فيه واشنطن بمبادرات منفردة تجاه موسكو من أجل وضع نهاية لتلك الحرب.
 

مقالات مشابهة

  • ما هي مخاطر السلام في أوكرانيا بـ "شروط روسيا"؟
  • «القاهرة الإخبارية»: عملية الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين الليلة ستكون تدريجية
  • روسيا ترفض نشر قوات حفظ سلام في أوكرانيا
  • رغم تأكيد ترامب..روسيا تجدد رفض نشر قوات حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا
  • روسيا: أوروبا فقدت حقها بالمشاركة في التفاوض بشأن أوكرانيا.. اختارت طريق العسكرة
  • مناورات أميركية كندية مشتركة مع فنلندا قرب الحدود الروسية
  • بعد وقف الحرب في أوكرانيا..روسيا: لدينا معادن نادرة كثيرة تحتاجها أمريكا
  • "الأكثر توازناً".. روسيا ترحب بموقف أمريكا بشأن أوكرانيا
  • "الجارديان" تبرز تحذير ماكرون من استسلام أوكرانيا لشروط روسيا
  • بوتين: روسيا تريد أوكرانيا دولة محايدة ولا تشكل خطرا عليها