صحيفة التغيير السودانية:
2024-07-07@06:13:50 GMT

طبيعة الحرب الدائرة في السودان

تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT

طبيعة الحرب الدائرة في السودان

د. الشفيع خضر سعيد

في مقالنا السابق، أشرنا إلى سببين رئيسيين وراء إستطالة أمد الحرب المدمرة في السودان، الأول هو توهم كل طرف بأنه سيحسمها بالضربة القاضية، في حين هذا غير وارد حتى الآن على الأقل، والثاني هو غياب الرؤية الواضحة حول كيفية إيقافها عبر التفاوض. وذهبنا أبعد من ذلك عندما قلنا بينما نجح منبر جدة في جمع الطرفين المتقاتلين للحوار والتفاوض إلا أنه لم يضع على مائدة التفاوض رؤية محددة لكيفية الوقف الدائم لإطلاق النار ووقف الحرب، واقتصر نشاطه على الهدن المؤقتة للسماح بمرور المساعدات الإنسانية، وحتى هذه لم يكتب لها النجاح.

أما الاتحاد الأفريقي ومجموعة الإيقاد، فأشرنا إلى أنهما توقفا عند المسائل الإجرائية والتنظيمية إضافة إلى خارطة الطريق التي اقتصرت على عناوين عامة وتأكيدات وتشديدات وتمنيات…الخ، دون أن يتقدما بأي رؤية حول كيفية وقف الحرب. وحتى يكون لإشاراتنا الناقدة هذه معنى ومعقولية، ضربنا مثلا ملموسا من الماضي القريب، قلنا فيه أن مبادرة الإيقاد لم تنجح في إيقاف الحرب الأهلية في جنوب السودان إلا بعد أن انتظمت المفاوضات بين الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الراحل دكتور قرنق وحكومة الإنقاذ على أساس الرؤية التي وفرها إعلان المبادئ الصادر من مجموعة دول الإيقاد بتاريخ 20 مايو/أيار 1994. ونوهنا إلى أن تلك الرؤية المضمنة في إعلان المبادئ، والتي صاغتها دول الإيقاد وقدمتها جاهزة إلى الطرفين ليوقعا عليها، لم تكن من وحي بنات أفكار علماء السياسة الدوليين والإقليميين بقدر ما كانت إعادة صياغة وترتيب وضبط وتدقيق للأطروحات المتناثرة في أدبيات الحركة السياسية السودانية حول الأزمة في جنوب البلاد، وخاصة أدبيات الحركة الشعبية لتحرير السودان.

ومنطلقا من قناعتي الراسخة بأن القوى المدنية والسياسية السودانية هي الأكثر تأهيلا لاجتراح الرؤية والمبادئ الموجهة لأي عملية تفاوضية لوقف الحرب، ووضع أسس عدم تجددها أو إعادة إنتاج الأزمة، وأن التوافق على هذه الرؤية الواضحة لإيقاف الحرب هي الأساس لانتظام هذه القوى في منبر يوحد أو ينسق نشاطها وخطابها، جاءت مناشدتي لمجموعات القوى المدنية والسياسية السودانية بأن تنتظم في حلقات نقاش بهدف التوافق حول الرؤية المشار إليها، وذلك من خلال طرح العديد من الأسئلة المتعلقة بكيفية وقف الحرب وما هي تداعيات ما بعدها، والتفاكر حول الإجابات المحتملة لهذه الأسئلة، آخذين في الاعتبار أن هذه الأسئلة ليست مجرد تهويمات نظرية بقدر ما هي نابعة من واقع البلاد المأزوم.

ولعل السؤال الأول، والذي تلعب الإجابة عليه دورا هاما ضمن آليات وقف الحرب، يتعلق بطبيعة هذه الحرب ومسبباتها الحقيقية. ومن جانبنا، نقول، إن السبب الحقيقي وراء إندلاع هذا الدمار لا يمكن اختزاله في الخلاف بين قيادتي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع حول الترتيبات العسكرية ومواقيت دمج القوات الثانية في الأولى.

السبب الحقيقي وراء إندلاع هذا الدمار لا يمكن اختزاله في الخلاف بين قيادتي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع حول الترتيبات العسكرية ومواقيت دمج القوات الثانية في الأولى

فالقيادتان رضعتا من ذات الثدي، وصنعا معا تاريخا مشتركا في دارفور وفي حرب اليمن، وكذلك أثناء ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 وما صاحبها من أحداث جسام بدءا بما جرى في 11 و13 أبريل/نيسان 2019 ومرورا بمذبحة فض اعتصام ميدان القيادة العامة في 3 يونيو/حزيران 2019 وإنقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، كما يتشاركان ذات العلاقة الخاصة مع حلفاء خارجيين، في الجزيرة العربية وفي شرق البحر الأبيض المتوسط. هذه السمات المشتركة، وغيرها كثر، كان من الممكن أن تجعل من الخلاف حول الترتيبات العسكرية أمرا يمكن معالجته بكل بسهولة، خاصة أن مسألة دمج القوات أصلا ليست بذلك التعقيد العصي على الحل.

وعلى عكس ما يروج له البعض من أحاديث مفخخة، فإن الحرب لم تندلع بسبب الخلافات حول الإتفاق الإطاري، وإنما إشتعلت لتحرقه ومعه مجمل العملية السياسية بصيغتها قبل الحرب، بل ولتصيب حراك الشارع بالشلل، تمهيدا لحرق ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، وعودة تحالف الفساد والاستبداد إلى سدة الحكم، إما عبر عصابات الموت وكتم أنفاس الشعب، أو عبر عملية سياسية جديدة وفق صيغة «لا تستثني أحدا» في إشارة إلى حزب النظام البائد. أنظر إلى اقتحام السجون وإطلاق سراح أركان النظام المباد والمحكومين في قضايا قتل شباب الثورة وتعذيب السودانيين حتى الموت.

وأنظر إلى من يؤججون النيران ويرفضون الهدنة ووقف إطلاق النار ويرفضون أي وساطة بين الطرفين، ويوصمون القوى السياسية المدنية بالخيانة ويطالبون بإعدامها!!

منذ فجر استقلاله والسودان يعاني أزمة وطنية عامة، عميقة وشاملة، طبعت بميسمها كل أوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والروحية في البلاد.

وتعود جذور أسباب هذه الأزمة إلى قصور رؤى النخب السودانية وفشلها في إنجاز المهام التأسيسية لبناء دولة ما بعد الاستقلال الوطنية، فظلت هذه المهام مؤجلة ومتراكمة، ثم تفاقمت بالمعالجات القاصرة والخاطئة على أيدي الأنظمة المدنية والعسكرية التي تعاقبت علي الحكم منذ الاستقلال، والتي لم تركز إلا على كيفية بقائها واستمرارها في السلطة.

وظلت هذه الأزمة تتجلى وتعبر عن نفسها بحالة الاضطراب وعدم الاستقرار في البلد، تعاقب الانقلابات العسكرية والانتفاضات الشعبية، النزاعات العرقية والحروب الأهلية وانفصال جنوب السودان، ثم جاءت هذه الحرب الأخيرة كشكل تجل آخر لهذه الأزمة الممسكة بتلابيب الوطن، ولكن وفق خصائص نوعية عنوانها تدمير البلاد وحرقها وربما تقسيمها. أما تلك المهام التأسيسية فتتضمن التوافق على نظام الحكم الذي يحقق المشاركة العادلة في السلطة بين مختلف الأعراق والإثنيات والمجموعات القومية والجهوية المكونة للكيان السوداني، ويحقق ممارسة سياسية صحية تستند على صيغة سودانية للديمقراطية التعددية توائم بين قيم الديمقراطية المطلقة والسمات الخاصة ببلادنا، وترتبط بتوفير لقمة العيش، والتوافق على كيفية التوزيع العادل للموارد والثروة بين ذات المكونات بما يحقق رفع معاناة المعيشة عن كاهل المواطن ورفع الإجحاف والإهمال عن الأطراف، والتوافق حول قضايا الهوية وعلاقة الدين بالدولة.

نقلا عن القدس العربي

الوسومد. الشفيع خضر سعيد

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

الشفيع خضر: القوى السياسية السودانية متفقة على حماية البلاد من الانهيار

قال الكاتب والمفكر السوداني، الشفيع خضر، إن القوى السياسية السودانية في حالة استقطاب حاد، ومسعاها الحالي في كيفية تخفيف هذا الاستقطاب عبر التفاهم بين الأطراف، لافتًا إلى أنّ هناك مناقشات تخص كيفية مخاطبة الجوانب الإنسانية والمجاعة في السودان، ومن ثم مناقشات حول وقف الحرب والقتال بالإضافة إلى العمليات السياسية.

الإيمان بوقف الحرب في السودان 

وأضاف «خضر»، خلال حديثه لـ«القاهرة الإخبارية»، أن الحاضرين في مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية في القاهرة، مؤمنين بوقف الحرب وكلهم في ضفة واحدة وهي الحفاظ على شعب السودان وعدم انهياره، لافتًا إلى أن أولوية الحوار هي مخاطبة القضية الإنسانية ويمكن أن يتم هذا حتى في ظل إطلاق النار.

التيارات المدنية تحتاج لوقفة لمحاسبة الذات

واختتم: «التيارات السياسية المدنية تسهم بدءً بكل تيار أو حزب بصنع وقفة لنقد الذات حول الأخطاء التي تمت في الماضي، لأن السودان في فترة انتقالية بعد ثورة ديسمبر، وهناك كثير من الأخطاء التي اقترفتها التيارات، ولكنها ليست ناتجة عن عدم الوطنية وإنما هي ناتج عن اختلاف التقديرات وعدم الخبرة ويجب البحث عن ماهو المشترك بين القوى».

مقالات مشابهة

  • “مؤتمر القاهرة” يطالب بوقف الحرب فورا في السودان
  • "مؤتمر القاهرة" يؤكد على ضرورة وقف الحرب فورا في السودان
  • الأمم المتحدة تؤكد دعم جميع مبادرات إنهاء الاقتتال في السودان
  • «الاتحاد الأوروبي» يثمن الجهود المصرية لحل الأزمة السودانية
  • الشفيع خضر: القوى السياسية السودانية متفقة على حماية البلاد من الانهيار
  • حمدوك لـ«الوطن »: مصر جمعت فرقاء كان من الصعب جلوسهم على طاولة مفاوضات
  • مصر تشدد على ضرورة وقف الحرب
  • مؤتمر القاهرة ورأى لابد أن يقال
  • السودان: رسائل إلى المجتمعين في القاهرة
  • مؤتمر القاهرة.. تحرك حثيث لرأب الصدع في السودان