"في رحاب السيرة النبوية المشرفة".. كتاب جديد عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
صدر حديثا عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف كتاب: "في رحاب السيرة النبوية المشرفة" من إعداد الدكتور أسامة فخري الجندي، وقدم له الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف.
علماء الأوقاف: الدين فن صناعة الحياة وليس الموت الأوقاف: 48 ندوة في الإفتاء والتثقيف الفقهي حول "أحكام الزكاة"وجاءت في مقدمة، الكتاب، أن السيرة النبوية المشرفة هي التطبيق العملي لجوانب كثيرة من سنة نبينا (صلى الله عليه وسلم)، وهي نبراس مبين لنا إلى يوم الدين، غير أن أكثر الجماعات المتطرفة في عصرنا الحاضر قد ركزت في قراءة السيرة النبوية وكتابتها وتدريسها على موضوع الغزوات كجانب تكاد تجعله وحيدًا أو الأبرز - على الأقل - في السيرة النبوية، لأنها كانت تجيد استخدام هذا الجانب في تهييج مشاعر وإلهاب حماس عناصرها وكوادرها، بل تتخذ من ذلك وسيلة لإثارة العامة أحيانًا كثيرة.
كما جاء في المقدمة، أن القرآن الكريم قد سمى الأسماء بمسمياتها الأدق، فلم يرد في القرآن الكريم لفظ غزوة قط، إنما عبر بلفظ يوم عما كان من نصر المسلمين يوم بدر الذي سماه الحق سبحانه وتعالى يوم الفرقان، فقال سبحانه: " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
وهكذا أيضا تحدث القرآن الكريم عن يوم حنين، حيث يقول الحق سبحانه: " لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ"، فقد كانت حروب النبي (صلى الله عليه وسلم) دفاعية، إما دفعا لعدوان، أو ردا لاعتداء، أو دفعا لخيانة أو تآمر، أو لنقض الأعداء عهدهم معه (صلى الله عليه وسلم)، ولَم يكن أي منها اعتداء على أحد، فكان الأنسب والأدق التعبير عنها بلفظ يوم وليس بلفظ غزوة، وهو ما نعتمده ونراه الأدق في التعبير، وضعا للأمور في نصابها وتسميتها بمسمياتها التي سماها القرآن الكريم بها وآثرها على غيرها، وهو ما عبر عنه بعض الكتاب والمؤرخين المدققين في مؤلفاتهم تحت عنوان: " أيام العرب في الجاهلية والإسلام".
غيـر أن الحـرب قد تكون ضـرورة للدفـاع عن النفس والعرض، والمال، والديار والأوطان، وكيان الدول ووجودها، وحمايتها من الأخطار التي تتهددها.
وفي مقدمة الكتاب كذلك، أن في الحرب التي هي ردّ للاعتداء نهى الإسلام نهيًا صريحًا عن تخريب العامر، وهدم البنيان، وكان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين يجهزون جيوشهم يوصون قادتها ألا يقطعوا شجرًا، وألا يحرقوا زرعًا، أو يخربوا عامرًا، أو يهدموا بنيانًا، إلا إذا تحصن العدو به واضطرهم إلى ذلك ولم يجدوا عنه بديلا، وألا يتعرضوا للزرّاع في مزارعهم، ولا الرهبان في صوامعهم، وألا يقتلوا امرأة، ولا طفلا، ولا شيخًا فانيًا ما داموا لم يشتركوا في القتال، فقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يوصي قـادة جيشه بقـوله: ( انْطَلِقُـوا بِاسْمِ اللهِ وَبالله وَعَلَى مِلَّـةِ رَسُـولِ اللهِ، وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا، وَلَا صَغِيرًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَغُلّوا) , وفي روايـة: (وَلَا تَغُلّـوا، وَلَا تَغْـدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُـوا، وَلَا تَقْتُلُـوا وَلِيدًا)، وفي وصية أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) لأحد قادة جنده: " وَإِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرٍ: لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا، وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا، وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً، وَلَا بَعِيرًا، إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ، وَلَا تَحْرِقَنَّ نَحْلًا، وَلَا تُغَرِّقَنَّهُ، وَلَا تَغْلُلْ، وَلَا تَجْبُنْ ".
وجاء أيضًا، أنه قد شدد النبي (صلى الله عليه وسلم) في النهي عن قتل الأطفال أو الـذريـة تشـديدًا كبـيرًا، وبلغـه (صلى الله عليه وسلم) قتل بعض الأطفال فوقف يصيح في جنده: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ جَاوَزَ بِهِمُ الْقَتْلُ إِلَى الذُّرِّيَّةِ، أَلاَ لاَ تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً، أَلاَ لاَ تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً ).
وقد نهى (صلى الله عليه وسلم) عن قتل جميع من لا يقاتل وخاصة النساء، فلما رأى امرأة مقتولة، وكان من حالها أنها لا تقوى على القتال استنكر (صلى الله عليه وسلم) ذلك بشدة، وقال: (مَنْ قَتَلَ هَذِهِ؟ مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ)، مما يؤكد أنه لا قتل على المعتقد قط , وأن القتل ليس مقابلًا للكفر، إنما هو مقابل لدفع القتل ورد الاعتداء , حيث يقول الحق سبحانه: { وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ َقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
القتال في الإسلام مقصور على رد الاعتداء دون تجاوزفالقتال في الإسلام مقصور على رد الاعتداء دون تجاوز، حيث يقول الحق سبحانه: {وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، ويقول سبحانه: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَـعَ الْمُتَّقِينَ }.
أما إذا فُرض علينا القتال فإننا لا يمكن أن نعطي الدنية في ديننا ولا أن نتخاذل عن الدفاع عن أوطاننا، إنما نفتديها بأنفسنا وشعارنا في ذلك: والله إنها لإحدى الحسنين إما النصر وإما الشهادة، حيث يقول الحق سبحانه مخاطبًا المسلمين في يوم بدر: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}, أي: ويقطع دابر الكافرين المعتدين عليكم المتربصين بكم الذين أخرجوكم من دياركم وأموالكم, لا ذنب لكم ولا جريرة إلا أنكم آمنتم بالله ورسوله , ويقول سبحانه: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }, ويقول سبحانه:{ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَـرْحٌ فَقَـدْ مَسَّ الْقَـوْمَ قَـرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، ويقول سبحانه:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} , ويقول سبحانه: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِـينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُـوبِهِـمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًــــا مَا أَلَّفْـتَ بَيْنَ قُلُوبِهِــمْ وَلَكِـنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
وأكد الكتاب، أن إعلان حالة الحرب والسلم المعبر عنها في العصر الحديث بحالة التعبئة وعند الفقهاء بالجهاد القتالي، ليست أمرًا متروكًا لعامة الناس، وإنما هي سلطة الحاكم في ضوء ما يقرر قانون كل دولة ودستورها، وأنه ليس لأحد أن يخرج للقتال من تلقاء نفسه في غير ما ينظمه القانون والدستور، وإلا لصار الناس إلى أبواب من الفوضى لا تسد.
ويحاول الكاتب الدكتور أسامة فخري الجندي أن يقدم في هذا الكتاب رؤية وقراءة جديدة للسيرة النبوية المشرفة تتسع لكثير من جوانبها، نسأل الله العلي العظيم أن يتقبل هذا العمل، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: السيرة النبوية المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وزارة الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة القرآن الكريم صلى الله علیه وسلم النبویة المشرفة السیرة النبویة القرآن الکریم ویقول سبحانه
إقرأ أيضاً:
المدير الأكاديمي للمركز الإسلامي المسيحي في زيارة لجناح المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
في إطار مبادرة "لتعارفوا" التي أطلقتها وزارة الأوقاف ممثلة في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، قام اليوم البروفيسور ماثيو آندرسون، المدير الأكاديمي لمركز الإسلام المسيحي للتفاهم والشراكة، بزيارة لجناح المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب. وكان في استقباله الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
استمع البروفيسور آندرسون لشرح مفصل عن إصدارات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ومنها كتاب "حماية الكنائس" وكتاب "الإسلام والغرب"، مشيدًا بهذه الإصدارات القيمة التي تبرز وتعزز مبادئ التعارف والمحبة والأخوة بين الجميع، لاسيما في ظل التحديات التي تشهدها المنطقة والعالم في تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات.
وأعرب عن إعجابه بجهود المجلس المستمرة في نشر الفكر الوسطي والتعايش السلمي، مؤكدًا أهمية تبادل المعرفة والثقافات لتعزيز الفهم المتبادل بين الشعوب. وأضاف أن مثل هذه المبادرات تؤكد إيمانًا عميقًا بالسلام والتعايش المشترك.
وفي ختام الزيارة، قام الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، بإهداء البروفيسور آندرسون نسختين من الكتابين "حماية الكنائس" و"الإسلام والغرب"، تقديرًا لجهوده في تعزيز التفاهم بين الأديان وتعميق العلاقات بين المجتمع المسيحي والإسلامي.