صدر حديثا عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف كتاب: "في رحاب السيرة النبوية المشرفة" من إعداد الدكتور أسامة فخري الجندي، وقدم له الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف.

علماء الأوقاف: الدين فن صناعة الحياة وليس الموت الأوقاف: 48 ندوة في الإفتاء والتثقيف الفقهي حول "أحكام الزكاة"

وجاءت في مقدمة، الكتاب، أن السيرة النبوية المشرفة هي التطبيق العملي لجوانب كثيرة من سنة نبينا (صلى الله عليه وسلم)، وهي نبراس مبين لنا إلى يوم الدين، غير أن أكثر الجماعات المتطرفة في عصرنا الحاضر قد ركزت في قراءة السيرة النبوية وكتابتها وتدريسها على موضوع الغزوات كجانب تكاد تجعله وحيدًا أو الأبرز - على الأقل - في السيرة النبوية، لأنها كانت تجيد استخدام هذا الجانب في تهييج مشاعر وإلهاب حماس عناصرها وكوادرها، بل تتخذ من ذلك وسيلة لإثارة العامة أحيانًا كثيرة.

 

كما جاء في المقدمة، أن القرآن الكريم قد سمى الأسماء بمسمياتها الأدق، فلم يرد في القرآن الكريم لفظ غزوة قط، إنما عبر بلفظ يوم عما كان من نصر المسلمين يوم بدر الذي سماه الحق سبحانه وتعالى يوم الفرقان، فقال سبحانه: " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".   

وهكذا أيضا تحدث القرآن الكريم عن يوم حنين، حيث يقول الحق سبحانه: " لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ"، فقد كانت حروب النبي (صلى الله عليه وسلم) دفاعية، إما دفعا لعدوان، أو ردا لاعتداء، أو دفعا لخيانة أو تآمر، أو لنقض الأعداء عهدهم معه (صلى الله عليه وسلم)، ولَم يكن أي منها اعتداء على أحد، فكان الأنسب والأدق التعبير عنها بلفظ يوم وليس بلفظ غزوة، وهو ما نعتمده ونراه الأدق في التعبير، وضعا للأمور في نصابها وتسميتها بمسمياتها التي سماها القرآن الكريم بها وآثرها على غيرها، وهو ما عبر عنه بعض الكتاب والمؤرخين المدققين في مؤلفاتهم تحت عنوان: " أيام العرب في الجاهلية والإسلام".

غيـر أن الحـرب قد تكون ضـرورة للدفـاع عن النفس والعرض، والمال، والديار والأوطان، وكيان الدول ووجودها، وحمايتها من الأخطار التي تتهددها.

وفي مقدمة الكتاب كذلك، أن في الحرب التي هي ردّ للاعتداء نهى الإسلام نهيًا صريحًا عن تخريب العامر، وهدم البنيان، وكان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين يجهزون جيوشهم يوصون قادتها ألا يقطعوا شجرًا، وألا يحرقوا زرعًا، أو يخربوا عامرًا، أو يهدموا بنيانًا، إلا إذا تحصن العدو به واضطرهم إلى ذلك ولم يجدوا عنه بديلا، وألا يتعرضوا للزرّاع في مزارعهم، ولا الرهبان في صوامعهم، وألا يقتلوا امرأة، ولا طفلا، ولا شيخًا فانيًا ما داموا لم يشتركوا في القتال، فقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يوصي قـادة جيشه بقـوله: ( انْطَلِقُـوا بِاسْمِ اللهِ وَبالله وَعَلَى مِلَّـةِ رَسُـولِ اللهِ، وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا طِفْلًا، وَلَا صَغِيرًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَغُلّوا) , وفي روايـة: (وَلَا تَغُلّـوا، وَلَا تَغْـدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُـوا، وَلَا تَقْتُلُـوا وَلِيدًا)، وفي وصية أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) لأحد قادة جنده: " وَإِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرٍ: لَا تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلَا صَبِيًّا، وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا، وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا، وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً، وَلَا بَعِيرًا، إِلَّا لِمَأْكَلَةٍ، وَلَا تَحْرِقَنَّ نَحْلًا، وَلَا تُغَرِّقَنَّهُ، وَلَا تَغْلُلْ، وَلَا تَجْبُنْ ". 

وجاء أيضًا، أنه قد شدد النبي (صلى الله عليه وسلم) في النهي عن قتل الأطفال أو الـذريـة تشـديدًا كبـيرًا، وبلغـه (صلى الله عليه وسلم) قتل بعض الأطفال فوقف يصيح في جنده: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ جَاوَزَ بِهِمُ الْقَتْلُ إِلَى الذُّرِّيَّةِ، أَلاَ لاَ تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً، أَلاَ لاَ تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً ). 

وقد نهى (صلى الله عليه وسلم) عن قتل جميع من لا يقاتل وخاصة النساء، فلما رأى امرأة مقتولة، وكان من حالها أنها لا تقوى على القتال استنكر (صلى الله عليه وسلم) ذلك بشدة، وقال: (مَنْ قَتَلَ هَذِهِ؟ مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ)، مما يؤكد أنه لا قتل على المعتقد قط , وأن القتل ليس مقابلًا للكفر، إنما هو مقابل لدفع القتل ورد الاعتداء , حيث يقول الحق سبحانه: { وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ َقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.

القتال في الإسلام مقصور على رد الاعتداء دون تجاوز

فالقتال في الإسلام مقصور على رد الاعتداء دون تجاوز، حيث يقول الحق سبحانه: {وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، ويقول سبحانه: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَـعَ الْمُتَّقِينَ }.

أما إذا فُرض علينا القتال فإننا لا يمكن أن نعطي الدنية في ديننا ولا أن نتخاذل عن الدفاع عن أوطاننا، إنما نفتديها بأنفسنا وشعارنا في ذلك: والله إنها لإحدى الحسنين إما النصر وإما الشهادة، حيث يقول الحق سبحانه مخاطبًا المسلمين في يوم بدر: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}, أي: ويقطع دابر الكافرين المعتدين عليكم المتربصين بكم الذين أخرجوكم من دياركم وأموالكم, لا ذنب لكم ولا جريرة إلا أنكم آمنتم بالله ورسوله , ويقول سبحانه: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا }, ويقول سبحانه:{ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَـرْحٌ فَقَـدْ مَسَّ الْقَـوْمَ قَـرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، ويقول سبحانه:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} , ويقول سبحانه: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِـينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُـوبِهِـمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًــــا مَا أَلَّفْـتَ بَيْنَ قُلُوبِهِــمْ وَلَكِـنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

وأكد الكتاب، أن إعلان حالة الحرب والسلم المعبر عنها في العصر الحديث بحالة التعبئة وعند الفقهاء بالجهاد القتالي، ليست أمرًا متروكًا لعامة الناس، وإنما هي سلطة الحاكم في ضوء ما يقرر قانون كل دولة ودستورها، وأنه ليس لأحد أن يخرج للقتال من تلقاء نفسه في غير ما ينظمه القانون والدستور، وإلا لصار الناس إلى أبواب من الفوضى لا تسد.

ويحاول الكاتب الدكتور أسامة فخري الجندي أن يقدم في هذا الكتاب رؤية وقراءة جديدة للسيرة النبوية المشرفة تتسع لكثير من جوانبها، نسأل الله العلي العظيم أن يتقبل هذا العمل، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: السيرة النبوية المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وزارة الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة القرآن الكريم صلى الله علیه وسلم النبویة المشرفة السیرة النبویة القرآن الکریم ویقول سبحانه

إقرأ أيضاً:

غدًا آخر موعد لتلقي طلبات الترشح لشعبة "محرري الاتصالات" بالصحفيين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 

أعلنت اللجنة المشرفة على انتخابات شعبة "محرري الاتصالات"، اليوم 1 أكتوبر أنها تلقت طلبًا للترشح على منصب "عضوية المكتب التنفيذي"،  وهي الزميلة / مروة أبوزاهر، من جريدة "الأنباء الدولية".
يذكر أنه منذ فتح باب الترشح أعلنت اللجنة المشرفة على انتخابات شعبة "محرري الاتصالات" أنها تلقت طلبين للترشح على منصب رئيس الشعبة، وهما: الزميلان خالد حسن من جريدة "عالم رقمي"، ومحمد لطفي من جريدة "العالم اليوم".
وتستمر اللجنة في تلقي طلبات الترشح بإدارة شئون المجلس والأعضاء بالدور الثاني في النقابة، حتى الأربعاء (2 أكتوبر) الساعة الثانية عشرة ظهرًا، على أن تعلن كشوف المرشحين من بعد ظهر اليوم نفسه.
ويتم فتح باب الطعون، والتنازلات لمدة ثلاثة أيام، من الإثنين 7 أكتوبر حتى الأربعاء 9 أكتوبر 2024م، وتعلن من بعد ظهر اليوم الأخير الكشوف النهائية للمرشحين، وأعضاء الشعبة، الذين لهم حق التصويت، والمسددين لاشتراك النقابة.
وقررت اللجنة إجراء انتخابات الشعبة بدءًا من الساعة الرابعة عصر يوم الثلاثاء (22 أكتوبر) وحتى السادسة مساءً. ويتم فرز الأصوات عقب انتهاء التصويت مباشرةً، بحضور الأغلبية القانونية (نصف عدد الأعضاء المسددين للاشتراك + واحد).
يذكر أن اللجنة المشرفة على الانتخابات، تضم ثلاثة من الصحفيين غير المرشحين، وهم: الأستاذ/ أحمد بكير، والأستاذة/ لمياء عبد الحميد، والأستاذ/ شريف عبد الباقي، إضافة إلى عضو المجلس المسئول عن لجنة المتابعة، وعضو المجلس المكلف بالإشراف على الشُعب والروابط، وتتولى اللجنة متابعة إجراءات الانتخابات وفق القواعد المقررة، وتقوم بفرز الأصوات وإعلان النتيجة.

 

مقالات مشابهة

  • وزير الأوقاف: عقد مجالس حديثيَّة دوريا لتنمية الجانب الأخلاقي مما يسهم في بناء الإنسان
  • غدًا آخر موعد لتلقي طلبات الترشح لشعبة "محرري الاتصالات" بالصحفيين
  • غدًا.. آخر موعد لتلقي طلبات الترشح لشعبة "محرري الاتصالات"
  • وزير الأوقاف يجتمع بلجنة السنة والسيرة النبوية بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية
  • استمرار الاحتفالات بميلاد النبي "صلى الله عليه وسلم" بأوقاف الفيوم.. صور
  • «البحوث الإسلامية» يواصل فعاليات «أسبوع الدعوة» حول مخاطر الإدمان
  • لليوم الثالث.. "البحوث الإسلامية" يواصل فعاليات أسبوع الدعوة عن مخاطر الإدمان
  • «الثقافة» تصدر كتاب «دم النار.. توقيعات على جدران غزة» بهيئة الكتاب
  • وقفات مَع وفاةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم
  • كيف تصدى شيخ الأزهر للتشكيك في السنة النبوية والنيل من الهوية الدينية؟