«أرضاً سلاح».. عسكريون يفرضون حصاراً على «البرهان» لوقف الحرب
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
ضرب 182 ضابطاً متقاعداً في الجيش، طوقاً جديداً من الحصار على قائد الانقلاب والقوات المسلحة، الجنرال عبد الفتاح البرهان، بإعلانهم الانحياز للحل السلمي، ورفض الحرب المدمرة، ما يقدم صوتاً جديداً بخلاف النشاز الذي تصدره المدافع والبنادق لقرابة نصف العام.
الخرطوم: التغيير
أعلن 182 من قدامى محاربي الجيش السوداني، رفضهم للحرب الناشبة منذ منتصف أبريل الماضي، مطالبين طرفيها بإنهاء العملية العسكرية، ووقف حالة النزيف والخسائر المدمرة التي طالت كل شي تقريباً.
ويخوض الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، معركة لكسر العظم في عدة ولايات سودانية، على رأسها العاصمة الخرطوم، ما أدى إلى مقتل الآلاف ونزوح الملايين علاوة على تدمير كبير طال المباني والأعيان المدنية ومشروعات البنية التحتية.
ورغم أحاديثهما المتكررة عن تأييد الحل السلمي التفاوضي، يمضي الطرفان قدماً في الحرب كسيناريو أوحد لحل الصراع العسكري على أمل الانفراد بالسلطة، دون مبالاة بالآثار الوخيمة لاستمرار القتال، وتضمن توسع رقعة الحرب، وانخراط المدنيين في العملية العسكرية، وليس نهاية بتنامي شعارات الانفصال بعدد من الأقاليم.
أهميةيكتسب إعلان الضباط المتقاعدين، المطالب بوقف الحرب، أهميته من كونه أول حديث ذو صبغة عسكرية يتخذ الشكل الجمعي، ويصدر عن مكونات رئيسة في القتال، لاستبعاد السلاح كآلية للحل.
يصف المقدم متقاعد، خليفة السر، إعلان ضباط في الجيش، رفضهم للحرب، بأنه “أمر ذو وقع كبير في الأوساط العسكرية”.
يقول السر لـ(التغيير)، إن الضباط المعلن عنهم عرفوا بالاستقامة والنزاهة، وبعضهم جرت إحالته للتقاعد بسبب مواقفه المطالبة بتنزيه الجيش عن العمل السياسي، والانكفاء على بناء قوات كفؤة وذات عقيدة قتالية لنصرة الوطن والمواطن، وحماية البلاد من الأخطار الخارجية.
ولفت إلى أن الجيش عانى الأمرين من قرارات قادته بالانقلاب على النظم الديموقراطية، وقمع المطالبين باستعادة الحكم المدني، بدعوى الحفاظ على أمن البلاد، وهو ما حوّل الجيش كخصم لدى كثير من المواطنين.
وشدد السر على أن الإعلان يقدم عدة رسائل، الأولى للبرهان بعدم صحة أقواله عن تلقي الدعم والتأييد المطلق من قبل ضباط الجيش دعك من السودانيين برمتهم، والثانية للسودانيين لتعريفهم بأن الجيش مع تطلعاتهم في إنهاء الحرب معاناتهم المستمرة منذ 15 أبريل، والثالثة للأطراف التي تقود العملية التفاوضية بضرورة ممارسة مزيد من الضغوط على طرفيّ الصراع لحملهم على وقف جنون الحرب (على حد تعبيره).
ضد التقليلوعما إن كانت صفة التقاعد والإحالة للمعاش، تقلل من الإعلان، قال السر إن صلة الضباط المتقاعدين بالجيش لا تنقطع صلتهم بالمؤسسة العسكرية، حيث ينشط كثير من الضباط في تقديم المشورة والنصح للقادة الحاليين من باب الزمالة والحدب على مصلحة الوطن والقوات المسلحة، وفي ذات الوقت يعتبر كثير منهم نفسه رصيداً للجند يمكن إضافته متى دعا الداعي، مستدركاً بأن انخراط المتقاعدين في عملية عسكرية له أشراط، ويتم لغايات المصلحة الوطنية.
انقسامهل يمكن أن يؤدي إعلان الضباط لانقسام في صفوف الجيش؟ سؤال قبل الرد عليه، نحتاج إلى التذكير بصدور مذكرة من قبل ضباط متقاعدين تؤيد البرهان، وتفوضه بتشكيل حكومة لإدارة البلاد.
يشدد السر بأنّ الضباط المشاركين في الإعلان تحركهم المصلحة الوطنية، وعليه اقتصر الأمر بوضعهم في قائمة باعتبارهم مع الخيار السلمي وضد الحرب، دون تحول الأمر إلى مذكرة خشية اتخاذ الأمر لأبعاد سياسية.
وكشف عن تدشين حملة توقيعات داخل مجموعات التراسل الفوري الخاصة بقدامى المحاربين الرافضيين للحرب على مواقع التواصل الاجتماعي، في محاولة دفع طرفيّ النزاع نحو منابر التفاوض.
وتابع: ما يؤكد وطنية الـ 182 ضابطاً هو أن رسالتهم لوقف الحرب شملت قوات الدعم السريع، رغم الانتهاكات الموسعة التي مارستها بحق متقاعدي القوات المسلحة.
وبشأن مذكرة التفويض، قال إن معظم الموقعين عليها عناصر ذات ميول سلطوية، وذات صلات بقوى رافضة لتطلعات السودانيين في الحكم المدني.
وختم بالقول: في النهاية لن يصح إلا الصحيح، وسيعود الطرفان لرشدهما، ولكن كلما تأخر الوقت، كلما زادت الكلفة والفاتورة.
رأي سياسيهل يمكن أن تكون قائمة ضباط الجيش الرافضين للحرب، مكسباً للعملية التفاوضية؟
يرد الباحث السياسي، صلاح خيري، بالقول إن علو أيّ صوت رافض للحرب، مهم وحيوي في هذه المرحلة خاصة في ظل محاولات التغطية على هذه الأصوات من خلال قعقعة السلاح، وزاد: ما بالك بأن تكون هذه المذكرة صادرة عن عسكريين.
ويطالب خيري في حديثه مع (التغيير) بالعمل على نشر ثقافة السلام، والكشف عن الأهوال والانتهاكات التي صاحبت الحرب، وصولاً لإنهاء القتال، واستعادة المسار المدني الذي يضمن خروج نهائي للعسكر من معادلة السلطة.
هذا أو الطوفانرغم استماتته لحسم الحرب عسكرياً بما يضمن بقائه في السلطة؛ تضيق الدائرة على قائد الجيش يوماً بعد يوم، فرفاقه السابقين انضموا إلى ملايين السودانيين الذين سئموا الحرب التي وصفها ذات يوم بنفسه بأنه “عبثية”، ما يتركه أمام خيارين: العودة إلى منبر جدة التفاوضي، أو مواصلته بأخذ الأخطار المحيطة بالوطن بتطفيف وعدم جدية، في حرب قضت على الأخضر وبدأت في قضم اليابسة.
الوسومالجيش السوداني حرب الجيش والدعم السريع عبد الفتاح البرهانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجيش السوداني حرب الجيش والدعم السريع عبد الفتاح البرهان
إقرأ أيضاً:
أحمد ياسر يكتب: الذكاء الاصطناعي .. سلاح تدمير غزة
" إننا نعيش لحظة قد يكون فيها لأول مرة أشياء أكثر ذكاءً منا" .. هكذا فاجأ "جيفري هينتون"، عراب الذكاء الاصطناعي العالم بتصريحه الشهير عام 2023.
هذا التصريح جاء في عالم شهد دورة لا تنتهي من الحرب والعنف منذ بداية الزمان... وإذا كان الهدف النهائي هو أن يعيش الجميع في سلام ورخاء، فإن الحلقات التي لا تنتهي من الصراعات في غرفة صدى البشرية تركت دروسًا لا حصر لها يجب تعلمها.
ونتجه بشكل لا رجعة فيه نحو ساحة معركة لا رجعة فيها مع احتمال أكبر لحدوث النسخة الأكثر شراً من الحرب التي شهدتها البشرية على الإطلاق.
إن فكرة النسخة المحوسبة والذكاء الاصطناعي من الإبادة الجماعية التي ارتكبها الأصوليون اليمينيون الجالسين في "تل أبيب" لم تكن مصادفة، وفيما يتعلق بهذا، فإن أحدث نقطة تحول في الحرب عكست المبدأ الأساسي للمجتمع ما بعد "معاهدة وستفاليا" 1648 التي أنهت حرب الثلاثين عاما ً وشكلت النظام الدولي، فلم تعد المؤسسات تحظى بالاحترام، ولم تعد الأرواح البشرية موضع تقدير، مما يشير إلى الانهيار المحتمل للنظام العالمي المأمول في عالم السلام.
وعلاوة على ذلك، فإن الوثائق الأخيرة التي كشفت عنها "صحيفة واشنطن بوست " لم تترك مجالاً للشك حول كيفية تورط إسرائيل في مذبحة واسعة النطاق في "غزة" عن بعد.. بمساعدة نموذج متقدم من الذكاء الاصطناعي قدمته شركة "جوجل".
وحدثت هذه الكارثة عندما وقعت الشركة مشروع نيمبوس بقيمة 1.2 مليار دولار مع حكومة كيان الاحتلال، وقد عارض هذه الخطوة الثنائية بشدة عشرات من موظفي جوجل الذين تم طردهم من وظائفهم.
"لا تكنولوجيا لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي؛ لن نعمل من أجل الإبادة الجماعية".. كانت هذه الكلمات مكتوبة على لافتة رفعها عمال شركة "جاينت تيك" خلال احتجاج في مدينة نيويورك، ومع ذلك، يبدو أن جوجل ساعدت على عجل خدمات الحوسبة السحابية لوزارة الدفاع الإسرائيلية، التي سمحت لاحقًا باستخدامها لاستهداف سكان غزة بالكامل دون تمييز.
لا شك أنه لن يكون من الخطأ أن نقول إن المؤيدين لإسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي قدروا مرارًا وتكرارًا تدمير غزة، ويبدو أن المستوطنين الإسرائيليين سخروا من الفلسطينيين بسبب نقص المياه من خلال إنشاء مقاطع فيديو قصيرة على تيك توك، مما يعكس حقيقة قاسية وغير أخلاقية.
ومن المهم ألا نتجاهل كيف زرعت الكتائب الإسرائيلية متفجرات لتدمير المباني السكنية ونشرت اللقطات على وسائل التواصل الاجتماعي، وعرضت أفعالها اللاإنسانية ضد الفلسطينيين لبقية العالم؟ .. كل هذه الأحداث المؤلمة ترسم صورة واضحة لمجتمع مصاب بهوس الموت، حيث يتم الاحتفال بالموت والدمار علنًا وترسيخ نزع الصفة الإنسانية في نسيجه، وربما في حمضه النووي !!
ولكن.. كيف استخدمت إسرائيل الكثير من البرامج لاستهداف المدارس والمستشفيات والشقق وحتى مخيمات اللاجئين منذ اندلاع الحرب في غزة؟
هناك مجموعة واسعة من البرامج ذات أنماط العمل المختلفة، وإن كان الغرض هو التطهير العرقي للسكان البشريين فقط، يقع الناس في غزة والضفة الغربية تحت رحمة وحش لا يرحم يراقب كل تحركاتهم من خلال شبكة واسعة من المراقبة الجماعية.
قواعد البيانات المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل Gospel و Lavender وWhere’s Dady هي الأسلحة التكنولوجية الأكثر فتكًا التي يستخدمها جيش الدفاع الإسرائيلي لأغراض عسكرية أثناء الحرب.
إن هذه الأنظمة المتطورة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي تلعب دوراً محورياً في معالجة البيانات لتحديد الهدف على أساس الملف العرقي، إن قضية "لافون"، التي ادعت تل أبيب أنها صُممت لتحديد حماس، أدت بدلاً من ذلك إلى قصف غير مسبوق للفلسطينيين في مكان واحد.
إن مخرجات برمجة الذكاء الاصطناعي هذه في شكل قوائم اغتيالات تعتبر قراراً بشرياً دقيقاً أثناء العمليات العسكرية، وهذا يعني ضمناً أن الآلة نفسها حددت وأوصت بقتل هؤلاء الفلسطينيين، ووصفتهم بأنهم أسوأ الأعداء من وجهة نظر عسكرية.
إن الثنائي "Gospel و Lavender" عبارة عن أسلحة حرب همجية وليست بعيدة عن سباق الإجرام الإلكتروني، والفرق الأساسي بين النظامين يكمن في تعريف الهدف…
Gospel يميز المباني والهياكل التي يزعم الجيش أن المسلحين يعملون منها، في حين يميز Lavender الأشخاص ويضعهم على قائمة الاغتيال... وهذه الخوارزمية، المطبقة على عامة السكان، تشمل بشكل غير دقيق المدنيين كمشتبه بهم على أساس أنماط الاتصال وتعبيرات الوجه التي تشبه إلى حد ما أنماط وتعبيرات الوجه لدى العملاء.
وعلى العكس من ذلك، فقد أدرك بقية العالم أن حرق الفلسطينيين ليس عيباً في التكنولوجيا؛ بل هو ميزة !!
وعلاوة على ذلك، قصفت القوات العسكرية الإسرائيلية بشكل منهجي الأفراد الذين تم تحديدهم أثناء وجودهم في منازلهم مع عائلاتهم بأكملها، و تم استخدام النظام الآلي المسمى "أين أبي" أو بالترجمة الحرفية "أين دادي" .. خصيصًا لتحديد المشتبه بهم وتنفيذ التفجيرات عندما دخلوا مساكن عائلاتهم، وهذا يسلط الضوء على المدى الذي يمكن أن تصبح فيه هذه الأنظمة أدوات مروعة لتدمير الأرواح البريئة.
والسؤال الوحيد المتبقي هو كيف ستسود العدالة، نظرًا لأن دماء الفلسطينيين تم محوها بواسطة يد آلية غير مرئية؟؟
وختاما ً .. أثار ظهور آليات متقدمة للحرب مخاوف جدية بشأن المسار المستقبلي للصراع البشري، وخاصة أنها تتجاوز المساءلة القانونية والأخلاقية، والآن أكثر من أي وقت مضى، من الأهمية وضع معايير ولوائح دولية لدعم الكرامة الإنسانية… ومع تقدمنا إلى عصر الابتكار التكنولوجي السريع، يجب علينا رسم مسار يضمن أن تخدم هذه التطورات الصالح العالمي، بدلاً من المساهمة في الدمار الشامل.
وإذا لم تكن الدروس المستفادة من الحربين العالميتين كافية، فيتعين علينا أن نتأمل في كلمات أينشتاين الشهيرة: "لا أعرف ما هي الأسلحة التي ستُخاض بها الحرب العالمية الثالثة، ولكن الحرب العالمية الرابعة ستُخاض بالعصي والحجارة". ولكن إذا فشلنا في التعلم من التاريخ، فربما لانجد حتى العصي والحجارة !!