انواء – رمضان محجوب – استاذي الهندي.. معلمي الأول
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
في منتصف العام 1999م حملت خطاب تدريب من الكلية لصحيفة الوان صوت الحق والخير والجمال “رد الله غربتها وبقية الصحف الورقية” .. وبعد مقابلة مدير التحرير الاستاذ احمد عبد الوهاب خيرني بين بداية التدريب في القسم السياسي الذي كان يرأسه استاذ الهندي وبين قسم الاخبار الذي كان يرأسه استاذنا الراحل زكريا حامد.،فاخترت البداية بالقسم السياسي لاهتمامي بشأن السياسة.
قبل التحاقي بالصحافة كنت مدمن قراءة لزاويتين الاولى ولألوان كلمة ” للاديب الاريب حسين خوجلي و” شهادتي لله” للهندي عز الدين ومن بعدهما ياتي الكتاب الآخرين.. كنت اعيد قراءة لالوان كلمة وشهادتي لله مرات عديدة لانهما كان يمثلان عندي” كاتلوج” العمود الصحفي ففيهما يجد طالب الصحافة ضالته ومتكأه وهو يحبو في بلاط صاحبة الجلالة.
اقتربت من استاذ الهندي ونهلت من خبرته وحنكته في ادارة القسم وابداعه في اعداد الملف السياسي لالوان والذي كان يضج بالمادة الصحافية ذات الفكرة الواضحة والمعلومة القيمة وقوة الطرح المقنع ووحدة الموضوع؛ وكان حريصا علي اسهام جميع محرري القسم في الملف حتى المتدربين الذين من بينهم؛ كنت اجري الحوارات السياسية بتوجيه منه وكتابة المقالات الصحفية باشرافه المباشر حيث دعمني الاستاذ في بداياتي ووضع بصمته في مسيرتي الصحافية التي اقتربت من خمسة وعشرين عاما.
كان لربان السياسي الالواني سهم لاتخطئه العين في ارتفاع نسبة توزيع لصحيفة الوان بشهادة صاحبها استاذ حسين خوجلي. فالهندي وقتها كان نجما لشباك الصحافة الامر الذي مكنه من الاستمرار في توهجه في سماء الصحافة السودانية الي يومنا هذا ..
بعد الوان تنقل الهندي في محطات عديدة في بلاط صاحبة الجلالة حتى امتلك بعصاميته صحيفة وهي صحيفة المجهر السياسي بعدما تدرج بالمشاركة في صحيفتي “اخر لحظة” و”الاهرام اليوم”. تلك العصامية التي جعلته متحررا من الاجندة في تناوله للشأن السياسي والعام فكان الانحياز المطلق للوطن والمواطن.
استاذنا الهندي اليوم هو ذات الهندي الذي عرفته قبل خمسة و َعشرين عاما من حيث الحضور الذهني واللياقة المهنية العالية بجانب معلوماته الدقيقة غير قابلة للنفي في تناوله لمجريات الراهن السياسي والاجتماعي والامني والاقتصادي؛ فهو الذي يسمي الاشياء باسماءها دونما مساحيق او رتوش.
كن بخير دوما استاذي الهندي مع عظيم مودتي التي تعلم.
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: انواء رمضان محجوب
إقرأ أيضاً:
طه الفشني.. القارئ الذي فقد صوته فاستعاده بمعجزة أمام قبر النبي
عندما يحل شهر رمضان المبارك، تتزين لياليه بصوت يأخذ القلوب إلى عالم من الخشوع والتأمل، إنه الشيخ طه الفشني، أحد أعظم المقرئين والمنشدين في تاريخ الإنشاد الديني، وصاحب الصوت الذي أصبح رمزاً من رموز الشهر الفضيل في مصر والعالم الإسلامي.
ارتبط اسم الفشني بالأذان والتواشيح الرمضانية، فكان صوته يملأ أجواء مسجد الحسين في ليالي المولد النبوي وليالي رمضان، حيث يجتمع المريدون والمحبون للاستماع إلى تلاواته وابتهالاته التي تحلق بالروح في ملكوت النغم والقرآن.من الفشن إلى عالم التلاوة والإنشاد
ولد الشيخ طه الفشني عام 1900 في مدينة الفشن، التي كانت تتبع قديماً محافظة المنيا قبل أن تصبح جزءاً من بني سويف في صعيد مصر.
ونشأ في أسرة متدينة، حيث كان والده تاجر أقمشة، بينما كانت والدته تنتمي إلى أسرة عريقة، فهي شقيقة عمدة قرية صفانية، وهذه البيئة المحافظة والملتزمة كان لها أثر عميق في تشكيل شخصية الشيخ طه منذ صغره.
وفي سن مبكرة، التحق الشيخ طه بكتّاب القرية، وهناك بدأ أولى خطواته مع القرآن الكريم، فقد كان صوته العذب ملفتاً للأنظار، وكان يردد الآيات بصوت قوي مميز، حتى لاحظ والده موهبته الفريدة، فقرر أن يهتم به ويشرف على حفظه للقرآن الكريم، وبالفعل أتم الطفل طه الفشني حفظه قبل أن يبلغ 12 عاماً.
ولم يمهل القدر والده الفرصة ليرى ابنه وهو يشق طريقه نحو المجد، فقد وافته المنية قبل أن يبلغ الصغير سن البلوغ، ليجد نفسه في رعاية خاله، الذي تبنى تربيته ورعايته، وساعده على استكمال مسيرته التعليمية حتى حصل على شهادة كفاءة المعلمين.
ومع أنه برع في دراسته، إلا أن صوته كان السبب في شهرته المبكرة، فقد ذاع صيته في مدارس المنيا وبني سويف، وأصبح حديث الجميع، حتى انتشرت شهرته في صعيد مصر، باعتباره القارئ صاحب الصوت الملائكي.
لم يكن طموح الشيخ طه يتوقف عند حدود الصعيد، فقد كان متعطشاً للعلم والمعرفة، وعندما بلغ 19 عاماً قرر أن يشد الرحال إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة دار العلوم، لكن جاءت ثورة 1919 لتعطل حلمه، فعاد إلى مسقط رأسه.
ولم يمكث طويلًا هناك، وسرعان ما عاد إلى القاهرة مرة أخرى، لكنه هذه المرة اتجه إلى الأزهر الشريف، حيث درس علوم القراءات على يد الشيخ عبد العزيز السحار، أحد كبار العلماء في الأزهر.
وخلال فترة دراسته في الأزهر، تزايدت شهرته، وأصبح ضيفاً دائماً على الحفلات والمناسبات الدينية في القاهرة. ولم يقتصر دوره على قراءة القرآن الكريم فقط، بل برع أيضاً في الإنشاد الديني والتواشيح، حيث امتلك صوتاً قادراً على أداء أعقد المقامات الموسيقية، مما جعله نجماً بين أقرانه.
كان مسجد سيدنا الحسين بمثابة البيت الثاني للشيخ طه الفشني، حيث اعتاد الصلاة والإنشاد وقراءة القرآن، حتى أصبح له مريدون وعشاق يأتون من أماكن بعيدة لسماع صوته الساحر.
وفي إحدى الليالي الرمضانية، كان الشيخ طه حاضراً للاحتفال السنوي بمولد الحسين، حين طلب الجمهور منه أن يقرأ ما تيسر من القرآن الكريم، لكنه رفض في البداية لأنه لم يكن معتمداً رسمياً للقراءة، لكن أحد موظفي وزارة الأوقاف أبلغ رئيس الإذاعة المصرية آنذاك، سعيد باشا لطفي، الذي أعطى الإذن له بقراءة خمس دقائق فقط.
وبمجرد أن بدأ الفشني في التلاوة، انبهر الجميع بصوته، حتى جاءه نفس الرجل ليقول له: "أكمل ولا تختم يا شيخ، رئيس الإذاعة مبسوط من صوتك". وبالفعل استمر الشيخ في التلاوة حتى وصلت مدتها إلى 20 دقيقة، وعندما أنهى القراءة، استدعاه رئيس الإذاعة وقال له: "تعالى يا شيخ طه.. أنا سمعتك، وأحب أعرفك إن الإذاعة محتاجة لك، وسأنتظرك غداً في مكتبي".
وهكذا، في عام 1937، تم اعتماد الشيخ طه الفشني رسمياً في الإذاعة المصرية، ليصبح أحد أعظم المقرئين والمنشدين في تاريخ الإذاعة، ومن أوائل من تم اعتمادهم في الطبقة الأولى الممتازة.
لم يكن الشيخ طه الفشني مجرد قارئ قرآن، بل كان أيضاً أعظم منشد ديني في عصره، إذ ارتبط اسمه بالأذان والتواشيح، خاصة في شهر رمضان، حيث كان صوته يملأ المساجد والمحافل الكبرى، لدرجة أن الملك فاروق اختاره لإحياء ليالي رمضان في قصر عابدين لمدة 9 سنوات متتالية.
كما أحبه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وكذلك محمد أنور السادات، وكان القارئ الرسمي للرئاسة، وسافر إلى الإمارات والسعودية والمغرب وسوريا وماليزيا لتقديم التلاوات والإنشاد الديني.
في عام 1948، تعرض الشيخ طه الفشني لمرض غامض أدى إلى احتباس صوته بالكامل، مما جعله يدخل في حالة حزن شديد. وبعد فشل الأطباء في علاجه، قرر السفر إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، وهناك وقعت المعجزة، فبينما كان واقفاً عند قبر النبي عاد إليه صوته فجأة، ليعود إلى مصر وهو يردد: "الحبيب المصطفى أعاد إليّ صوتي".
وفي 10 ديسمبر (كانون الأول) 1971، رحل الشيخ طه الفشني عن عالمنا بعد صراع مع المرض، لكنه ترك خلفه إرثاً ممتداً من التلاوات والتواشيح التي لا تزال تتردد في كل بيت ومسجد، داخل مصر وخارجها.