بوابة الوفد:
2025-04-08@22:41:30 GMT

محفوظ والسينما.. علاقة نفعية أم صراع لا ينتهي؟

تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT

كان أقرب الأدباء المصريين إلى السينما، حتى أن الناقد اللبنانى إبراهيم العريس أطلق عليه «أديب السينمائيين وسينمائى الأدباء». ويذكر أنه أول روائى مصرى تخرج رواياته إلى السينما العالمية، فقد قدمت السينما المكسيكية فيلمين عن روايتيه «زقاق المدق»، و«بداية ونهاية».

هكذا ربطت الأديب العالمى نجيب محفوظ والسينما علاقة خاصة، فقد قدمت السينما المصرية 27 فيلمًا عن 19رواية له.

وقد نفذت روايات محفوظ سينمائيا بشكل يناسب الحالة السائدة فى المجتمع، وعن علاقته بالسينما قال: «كنت دائمًا أنظر للسينما باعتبارها وسيلة فعالة فى الوصول إلى قطاعات من الجماهير لم أكن سأصل إليها بالأدب».

كتب محفوظ سيناريوهات لعدد من أبرز الأفلام التى تم إنتاجها خلال فترة الخمسينيات والستينيات، إضافة إلى أعمال مأخوذة عن رواياته الأدبية. بدأ محفوظ العمل فى المجال السينمائى مع نهاية المرحلة التاريخية فى أدبه، حيث التقى بالمخرج صلاح أبوسيف الذى لقب بـ«مخرج الواقعية»، وعرض عليه أن يكتب للسينما. فكانت أولى تجاربه فى الكتابة السينمائية فيلم «مغامرات عنتر وعبلة» عام 1945، وتوالت أعماله بعد ذلك، فقد كتب سيناريوهات لستة وعشرين فيلما من عيون السينما المصرية فى تلك الفترة، سواء بمفرده أو بمشاركة بعض المخرجين. وفى عام 1960، التفتت السينما إلى أعماله الروائية وتم تحويلها لأفلام. وكانت البداية مع فيلم «بداية ونهاية»، إخراج صلاح أبوسيف،   وصولا إلى «السكرية» (1973). من أفلام هذه المرحلة: «اللص والكلاب»، و«خان الخليلي»، و«ميرامار»، و«الحب تحت المطر»، و«الكرنك».

ولأن كلا من الأدب والسينما يظل فى علاقة نفعية تبادلية وطيدة مع الآخر، فالسينما تظل بحاجة إلى الأدب لأن النصوص الأدبية تقدم للسينما موضوعات جمالية جديدة، وإلهامات خيالية مهمة، لا تكتفى بما يتخيله المنتجون من مغازلة شباك التذاكر، ولا تولى ظهرها للمشاهد والقارئ، كما يتلخص احتياج الأدب للسينما فى أن الأخيرة يمكنها نقل العمل الأدبى إلى آفاق أرحب من الشهرة والوصول المباشر للمشاهد، الذى ما إن يعجب بعمل سينمائى حتى يبحث عنه مكتوبا، وهو ما يصب فى النهاية لصالح الكاتب والأدب عامة.

لكن إلى أى مدى نجحت السينما فى الاحتفاظ بروايات محفوظ ومضمونها؟ خاصة تلك الأعمال التى لم يكتب لها محفوظ السيناريو مثل «السكرية»، «قلب الليل»، وغيرهما، وأيهما استفاد أكثر من الآخر، السينما أم محفوظ؟ يرى البعض أن السينما جارت على أعمال نجيب محفوظ، وخاصة ما أخرجه حسن الإمام وحسام الدين مصطفى. وقد نال حسن الإمام القسط الأكبر من النقد حين صور «الثلاثية» على سبيل المثال، أو حسام الدين مصطفى حين صور «الطريق»، و«الشحاذ» وغيرهما. ولم ينج من النقد غير صلاح أبوسيف المخرج الواقعى الذى عرف نجيب محفوظ مبكرًا.

فيما يرى البعض الآخر أن محفوظ استفاد من السينما لأنها صنعت له شعبية كبيرة لدرجة أنها ساهمت فى رواج كتبه. ولكن بداية توظيف روايات محفوظ سينمائيا جاءت بعد ظهور «الثلاثية» وأثرها فى الوطن العربى، إضافة إلى «أولاد حارتنا»، وما أثارته من ضجة كبيرة.

بداية يقول الكاتب والناقد د.السيد نجم، إنه عندما وجه أحدهم للأستاذ محفوظ السؤال حول موضوع نقل الروايات إلى السينما حسم الأمر بشأنه، وقال إن السينما وسط وتقنية أخرى لها أسرارها وحرفيتها

مسئول عنها المخرج بالدرجة الأولى.

مع ذلك لم تحسم القضية سواء بالنسبة إلى أعمال محفوظ أو غيره.. واتضحت بعض الحقائق: أن الأفلام الجيدة ومنها أغلب أفضل 100 فيلم فى القرن الماضى هى التى وظفت الرواية الجيدة أولا، الأمر الآخر أن تلك الأفلام المنتجة بصفة عامة تعبر عن ذاتها فقط بالجودة أو السوء، والغالبية العظمى من الجمهور

لا تعنيه القضية وغير حريص على المقارنة التى يتعلق بها المثقف أو الناقد.

ويضيف د. السيد نجم: فى النهاية التغيير الذى يمارسه المخرج وكاتب السيناريو من حقهما لاعتبارات الميديا ومستلزماتها فى السينما، ومنها مطالب السوق،  ولا يقلقنى ما يحدث للرواية، بل ربما يكون ذلك الخلاف سببا لمحاولة البعض البحث عن الرواية

لقراءتها.

أما عن نتيجة الحوار الذى دار حول روايات محفوظ والأفلام المنتجة عنها، فقد استفاد منها محفوظ شخصيا وربما بعض المشاهدين الذين بحثوا عن الرواية حتى وإن كانوا قليلين، وبالعموم نختلف فى مثل تلك القضايا أفضل من الموات فى السينما والرواية معا.. الآن ضجيج بلا طحين!

فيما يرى الكاتب والناقد د.شريف صالح، والذى اعتمدت رسالته للماجستير على تحولات نص «اللص والكلاب» من القصة الصحفية إلى الرواية ثم الفيلم ثم المسلسل وكانت النتيجة المنطقية كما يقول هيراقليطس: لا أحد ينزل النهر مرتين، كذلك لا حكاية تروى مرتين.

يقول صالح: من المؤكد أن المعالجات السينمائية والتليفزيونية لروايات وقصص محفوظ مختلفة عنها كثيرا ومتباينة أيضا فى جودتها، وهذا طبيعى لأن لكل وسيط طبيعته وإكراهاته، فيصعب مثلا تصوير رواية ملحمة ضخمة من عشرة أجيال مثل «الحرافيش» فى فيلم من ساعتين. لذلك عالجتها السينما فى عدة أفلام.

كما تجد السينما صعوبة فى نقل الصوت الداخلى أو المونولوج مثلما تفعل الرواية أو الحفاظ على الحمولة الفلسفية للنصوص لأن السينما تهتم أكثر بالحركة والصراع بين الشخصيات؛ لذلك فكل فيلم لا يقدم ترجمة حرفية للنص وإنما هو تأويل مرئى للمكتوب وفقا لرؤية صناعه. وهو ما أكد عليه محفوظ مرارًا بأنه مسؤول فقط عن رواياته ولا علاقة له بالأفلام المأخوذة عنها، وهذا طبيعى ومفهوم، ومن ثم ليس غريبا أنه رغم عمله لأكثر من عشر سنوات فى كتابة السيناريو تحاشى إعداد نصوصه واختار دائما أن يعالج نصوص غيره؛ حتى لا يتعارض وعيه كروائى مع متطلبات عمله كسينارست.

وعن مدى إيجابية أو سلبية تحويل العمل الأدبى إلى سينمائى، يقول صالح: لا يمكن الجزم بسلبيات وإيجابيات تجربة التحويل للشاشة إجمالا لأن كل فيلم يقيم على حدة فى علاقته بنصه. هناك أفلام كانت بجودة الروايات مثل «بداية ونهاية» و«القاهرة 30» و»خان الخليلي»، وأفلام تعثرت بعض الشيء مثل «قلب الليل» فى نصفه الثانى. لكن إجمالا ضاعفت السينما من حضور محفوظ ونصه فى الوعى الجمعى ولدى شرائح واسعة لا تقرأ.

ويختتم د.شريف صالح قائلا: بالطبع أفاد محفوظ من السينما التى حسنت وضعه المادى وزادت شهرته مثلما ضخت نصوصه دماء مهمة فى السينما المصرية وبفضله أنتجت أعمال تعد من الكلاسيكيات. أى هى استفادة متبادلة خدمت محفوظ والأدب المصرى عموما مثلما خدمت السينما نفسها.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: السينما المصرية السكرية الكرنك ميرامار

إقرأ أيضاً:

صراع العقول

 

 

خالد بن حمد الرواحي

هل نحن أمام لحظةٍ مفصليةٍ في عالم التكنولوجيا؟ مع اشتداد المنافسة بين العمالقة، تبرز الصين كلاعبٍ أساسيٍّ في إعادة رسم خريطة الذكاء الاصطناعي العالمي. لم يعد الاحتكار الغربي لهذه التقنيات أمرًا مفروغًا منه، فمع صعود ديب سيك كمُنافسٍ مباشرٍ لـChatGPT، بات المشهد التقني أكثر تعقيدًا وإثارةً للتساؤلات حول المُستقبل.

خلال الأعوام الأخيرة، ضخت الصين استثماراتٍ هائلةً في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وها هي تجني ثمار ذلك. DeepSeek R1  برهن على تفوقه ليس فقط من حيث الأداء، بل أيضًا من حيث التكلفة التشغيلية. حينما أطلق رجل الأعمال الصيني ليانغ وينفنغ شركته "ديب سيك" عام 2023 برأس مالٍ لم يتجاوز 1.5 مليون دولار، لم يكن أحدٌ يتوقع أن تتحدى شركته عمالقة الذكاء الاصطناعي. وبرغم العقوبات الأمريكية والتضييق على تصدير الرقائق المتقدمة، تمكنت الشركة من تطوير نماذج مثل  DeepSeek R1 و V3 وZERo، التي لفتت أنظار المستثمرين والخبراء، وفقًا لما نشرته Forbes  عام 2025.

يعتمد DeepSeek R1  على 671  مليار مُعلمة، ما يمنحه قدرةً فائقةً على تحليل وفهم السياقات اللغوية. كما يتميز بقدرته على التعلم التعزيزي دون إشرافٍ بشري، ما يسمح له بتطوير نفسه تلقائيًا بمرور الوقت، بحسب تقريرٍ نشرته MIT Technology Review.   لكن السؤال هنا: هل يمكنه مجاراة  ChatGPT الذي يعتمد على كمياتٍ هائلةٍ من البيانات ويستفيد من دعم شركات عملاقة مثل Microsoft؟

إلى جانب الأداء، يلعب الجانب الاقتصادي دورًا جوهريًا في تحديد الفائز في هذا السباق. بينما تجاوزت تكلفة تطوير ChatGPT  حاجز  100 مليون دولار، تمكنت "ديب سيك" من بناء DeepSeek R1  بميزانيةٍ لم تتجاوز  5.6 مليون دولار، مستفيدةً من اعتمادها على رقائق NVIDIA H800 ، التي تُعد أقل تكلفةً من H100  المستخدمة في ChatGPT.  هذه الفجوة في التكاليف التشغيلية، التي سلطت Bloomberg  الضوء عليها، قد تمنح الصين ميزةً تنافسيةً غير مسبوقةٍ في سوق الذكاء الاصطناعي.

لكن الإنجازات الصينية لم تمر مرور الكرام على الأسواق المالية. فقد أدى تفوق "ديب سيك" إلى انخفاض سهم NVIDIA  بنسبة 17%، متسببًا في خسائر قدرها 593  مليار دولار من قيمتها السوقية، وسط مخاوف من تراجع هيمنتها على السوق الصيني، بحسب تقرير Reuters  عام 2025. هذا التطور دفع الشركات الأمريكية إلى                إعادة تقييم استراتيجياتها، حيث تتجه بعض الشركات إلى تقليل تكاليف الاشتراكات وجعل خدمات الذكاء الاصطناعي أكثر تنافسية، كما أوردت The Economist.

مع استمرار "ديب سيك" في تطوير تقنياتها وتوسيع نطاق استخدامها، يقترب العالم من واقعٍ جديدٍ يتسم بتعدد الأقطاب في مجال الذكاء الاصطناعي. فالصين، رغم العقوبات، أثبتت قدرتها على تقديم حلولٍ مبتكرةٍ بتكاليف أقل، ما قد يُحدث تحولًا جذريًا في ديناميكيات هذا القطاع خلال السنوات المقبلة. السؤال الذي يفرض نفسه: هل يتمكن الذكاء الاصطناعي الصيني من إزاحة الهيمنة الأمريكية، أم أن OpenAI سترد بقوةٍ من خلال إطلاق نماذج أكثر تطورًا؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف عن الفائز في هذا السباق التكنولوجي المحموم.

مقالات مشابهة

  • تامنغست.. قتيلان و11 جريحا في انقلاب سيارة نفعية
  • تامنغست.. قتيل و11 جريحا في انقلاب سيارة نفعية
  • دعوة لنشر الجمال برعاية وزارتيْ السياحة والآثار والثقافة
  • عشاء تاريخي.. حكاية مطعم نجيب محفوظ الذى جمع الرئيس السيسي وماكرون في خان الخليلي
  • عبدالله آل حامد يبحث مع قادة الإعلام والترفيه والسينما في لوس أنجلوس تعزيز التعاون والاستثمار في الإمارات
  • "الدولة" ينتهي من مناقشة 3 مشروعات قوانين
  • صراع العقول
  • مسلسل الجرائم في مصر لا ينتهي.. قتل رجل وتقطيع جثته داخل شقته!
  • لابيد: كل يوم تقضيه الحكومة الإسرائيلية في السلطة قد ينتهي بكارثة كبرى
  • صراع صالح جمعة وطليقته.. بدأ بملاحقته لسداد 3 ملايين نفقة.. والمحكمة تحسم اليوم