المسلة:
2024-11-23@16:36:36 GMT

نحو تجديد واصلاح العمل الحزبي في العراق

تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT

نحو تجديد واصلاح العمل الحزبي في العراق

2 أكتوبر، 2023

بغداد/المسلة الحدث:

ابراهيم العبادي

يتطلع العراقيون الى بناء دولة بقوام ديمقراطي تعددي ،وبشرعية دستورية ونظام حكم تداولي ، وسلطات قادرة على بناء السياسات العامة وتنفيذها بما يحقق مطامح وامال الجمهور التائق الى العدالة والتنمية.

بعد التغيير السياسي الذي حصل عام 2003 ،تحققت الخطوات الاولى لبناء الشرعية الدستورية للنظام السياسي واعادة مأسسة الدولة على اسسس الفيدرالية والتعددية الحزبية والمشاركة الواسعة في السلطة رغم العيوب الكبيرة ،لكن عشرين عاما من التجربة السياسية كشفت ضعف البنية السياسية في البلاد، بسبب هشاشة البنى الحزبية ، وتخلف الثقافة السياسية وارتكاس المجتمع الى بنى ماقبل الدولة الحديثة ، وشيوع نزعة التغالب والتغانم والعطش الشديد للسلطة، والاستقواء باموال الدولة ومؤسساتها ،مازاد الطين بلة هو الصراع السياسي بين الاقطاب التي تتزعم المشهد السياسي بدوافع قومية وطائفية وجهوية وعشائرية، والتغلغل العميق لثقافة الصراع الفكري والايديولوجي لدى قطاع واسع من العراقيين.

مر العرب ودول المشرق عموما بمرحلة تاسيسية على انقاض حكم السلطنات ، لاسيما الحكم الطويل للسلطنة العثمانية ، ثم اقتبست الدول القومية والقطرية الجديدة التي اقيمت على انقاض السلطنة وبرعاية استعمارية، انظمة سياسية تحاكي تجارب دول الغرب ، دونما تجديد في البنى الاجتماعية والنظم الاقتصادية وانماط الفكر والسلوك الا ببطأ شديد، واحيانا بالعنف والقسوة والاجراءات السلطوية ،واشتد الصراع الفكري في البلاد المستعمرة بتعبير المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي ،وانقسمت القوى السياسية بين تيارات قومية وماركسية واشتراكية واخرى ليبرالية تقليدية وجديدة، وقوى محافظة اسلامية او اسلامية اصلاحية او محافظة تقليدية ،وماتزال الافكار وعالم المثل يسيطر على الكثير من القوى السياسية ،فالاولوية عندها للافكار لا المؤسسة الدولتية القادرة على تنمية البلاد، وحماية امنها واستقرارها وازدهارها معرفيا وثقافيا وتقنيا ، مع سياسات ثقافية ورمزية تصنع هوية حديثة جامعة لقيم الامة وتراثها وعصرانيتها بهدوء وتعقل.

نمت الدول وازدهرت الديمقراطيات وتحققت الحريات بالعقلانية السياسية التي تتيح نمو الطبقة الوسطى ، وتوازن انماط التنمية السياسية والاقتصادية، وادارة ناجحة للسياسات والعلاقات الخارجية التي تضمن المصالح الحقيقية للبلاد وشعبها ، وليس بالمثل الافلاطونية التي نادت بها الايديولوجيات المتصارعة في عمق المجتمع.

حينما انهارت دولة الحزب الواحد ونظام الاستبداد وحكم العشيرة او العشائر المتحالفة ،ظهرت كل مساويء ثقافة الحكم الاستبدادي كما تجلى في سلوك الطبقة السياسية والجمهور العام على حد سواء ،فالعقلانية والمصلحة والهدوء والتعلم من التجارب امور غائبة ،والحاضر هو الانفعال والهيجان والعقل المؤامراتي الشكاك المتربص مع انعدام للثقة واحتكار للشرف والوطنية واحتراب ايديولوجي عميق ،بين قوى تنادي بالتحرير والثورية والثأر من الغرب وزعيمته الولايات المتحدة ،وقوى تريد اقامة نظام اسلامي ، وقوى تعارض الاصولية الدينية ، واخرى ليبرالية او وطنية تخشى من هيمنة تيارات متشددة على السلطة ،وهكذا ازدحم العراق بعناوين حركية ومنظمات وفصائل واحزاب جديدة ، اصطفت الى جانب الاحزاب التاريخية القائمة، ودخل الجميع في سباق محموم على السلطة، واعيدت الى الواجهة صراعات اليمين واليسار ،الاسلام والعلمانية ،المدنية واللامدنية ،المقاومة المسلحة والمقاومة الناعمة .خط امريكي في مقابل خط ايراني ،وطنيون في مقابل امميين ، وليس غريبا على بيئة معروفة تاريخيا واجتماعيا رمزها التاريخي مجتمع الكوفة المنتج والمنفعل بالافكار والشعارات ، الا تدخل في صراع حزبي على خلفية فكرية او سياسية، فينقسم الناس بعواطفهم ومشاعرهم قبل افكارهم ومداركهم وعقولهم.

الدولة في العراق مأزومة ،والمجتمع مايزال يعيش اضطرابا واسعا وهو تائه بين الثنائيات المتعارضة ،والاحزاب تساهم في تعميق التيه السياسي بسبب الاختلاف الفاحش في الاولويات والثقافة السياسية والاهداف التي تسعى اليها.

يجمع خبراء السياسة ان الدولة العراقية لن تحقق اهدافها مالم يتم اصلاح النظام السياسي ذي العيوب التي تمنع الاستقرار والهدوء ،ومفتاح الاصلاح السياسي هو اصلاح البنية الحزبية في البلاد ،واعادة بناء الاحزاب وفق مقتضيات الدولة والهوية الوطنية ، ولتحقيق اهداق التنمية الوطنية في مجالاتها الاوسع . والمهمة الاصعب هي الانتقال من احزاب الافكار والشعارات الكبرى الى احزاب البرامج التنموية والسياسات البنائية والقطيعة مع تاريخ مفعم بالحماسة والهراء الثوري بلا منجز حقيقي.

لابديل عن الانتقال من حكم الاوليغارشيا الراهنة او بتعبير الباحث الانثروبولوجي علاء حميد حكم الرعاة الكبار ،الى حكم التنظيمات التمثيلية والاحزاب التنموية البرامجية ،وليس احزاب الايديولوجيات المتصارعة، صراعا وجوديا حد الموت ،امام الاسلاميين تجربة اسلاميي تركيا ونموذج حزب العدالة والتنمية الذي جعل التنمية الاقتصادية والبناء المادي مدخلا للتغيير الاجتماعي والاصلاح الثقافي والبناء القيمي ،ولم ينشغل بمصارعة العلمانية المهيمنة والدخول في صراع متعدد الجبهات ،مع علمانيي الداخل ، ومع الغرب وضغوطه ومع العسكر ومؤسساته باعتباره الضامن للعلمانية المتشددة ،وجاءت الحصيلة مستجيبة الى حدكبير مع استحقاقات مرحلة مابعد الاسلامويةحيث الانجاز التنموي هو المدخل للاصلاحات المنهجية الاخرى ،وامام المقاومين تجارب مرحلة التحرر الوطني في بلدان عديدة ، والتي كشفت ان معركة السلم وبناء الدولة اصعب بكثير من مرحلة حمل السلاح والتحول الى العمل السياسي ببرامج تنموية وفكر دولة ، وليس فكر منظمات سرية واستراتجية اضرب واهرب )،ثم الانغمار وسط الجمهور وتحميله كلفة باهضة من الحصارات والعقوبات والفقر والتخلف الاجتماعي والاقتصادي والتدهور الاخلاقي والمعرفي.

امام القوميين والشيوعيين فسحة صغيرة للتحول الى احزاب وطنية باولويات جديدة، قبل ان يسدل الستار على احزاب استنفدت طاقتها على اجتذاب محازبين وسط جيل العولمة المبتعد عن فكر اليسار الثوري والاحلام الكبرى !!.

احزاب العراق القديمة والجديدة مطالبة بتجديد بناها التنظيمية ومطابقة نفسها مع الاشتراطات المؤسسية للاحزاب العصرية وبفكر جديد وديناميكية اجتماعية وجيل مسؤول خاضع للمسائلة ومؤمن بحتمية التغيير والتداولية والديمقراطية ، لتجد لها مكانا في النظام الاجتماعي والسياسي السائر نحو التحول والتغيير بحكم الضرورة السياسية التي يتطلبها الاستقرار و تفرضها التنمية المستدامة والتحديات الناشئة منها.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

العراق في قلب الثورة الإقليمية: بوصلة جديدة في الصراع

23 نوفمبر، 2024

بغداد/المسلة: في خضم التحولات الجذرية التي يشهدها الشرق الأوسط، يتصدر العراق موقعًا استراتيجيًا في إعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية، فالعراق، الذي يمتلك تاريخًا حافلاً بالصراعات والتدخلات الخارجية، يتحول اليوم إلى ساحة توازن حساسة بين القوى الدولية والإقليمية. موقعه الجغرافي وثرواته الطبيعية، إلى جانب تأثيره السياسي والديني، جعلت منه نقطة ارتكاز رئيسية في معادلة الصراع الجديدة.

العراق لم يعد مجرد طرف مراقب في الأحداث، بل بات لاعبًا رئيسيًا في محور المقاومة الذي يسعى لتقويض الهيمنة الأمريكية في المنطقة.

والحركات العراقية المسلحة، التي تمتلك ولاءً فكريًا واستراتيجيًا لهذا المحور، تلعب دورًا بارزًا في استهداف المصالح الأمريكية والقواعد العسكرية المنتشرة على أراضيه.

وفي الوقت ذاته، يجد العراق نفسه في مواجهة ضغوط دولية ومحلية للحفاظ على استقراره الداخلي ومنع انزلاقه إلى صراع شامل قد يعصف ببنيته الأمنية والاقتصادية.

ومع تصاعد الأحداث الأخيرة، يتضح أن العراق يشكل معبرًا حيويًا لإعادة صياغة ديناميات القوة في الشرق الأوسط، حيث يمتلك القدرة على التأثير في مسار التوترات بين الولايات المتحدة ومحور المقاومة، مما يضعه أمام تحدٍ كبير بين الوفاء بالتزاماته الإقليمية وحماية سيادته الوطنية.

وفي عام حافل بالتحولات السياسية والأمنية، شكل الشرق الأوسط مركز الاهتمام العالمي، خاصة مع تصاعد التوترات في العراق والمنطقة.

وفي خضم هذا المشهد، عاد دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي السابق، ليثير الجدل مجددًا، مستحضرًا سياساته التي لطالما استهدفت استنزاف ثروات الخليج عبر صفقات مربحة للخزانة الأمريكية.

نهج ترامب التجاري المبني على المصالح المباشرة يواجه اليوم واقعًا جديدًا، حيث يعاد رسم الخريطة الإقليمية وسط تحديات تعصف بالهيمنة الأمريكية التقليدية.

الأحداث الأخيرة، وأبرزها عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة حماس في السابع من أكتوبر، كانت نقطة تحول في الصراع.

هذه العملية غير المسبوقة أفرزت تداعيات امتدت إلى جنوب لبنان والعراق، حيث لعبت الفصائل دورًا بارزًا في إعادة تشكيل موازين القوى، مع تصاعد الهجمات على المستوطنات واستهداف القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة.

محور المقاومة الذي يضم إيران وحزب الله وحماس وحركات عراقية مثل النجباء، بات أكثر تنسيقًا وفاعلية، مما أثار قلق الولايات المتحدة وحلفائها.

المشهد في العراق يعكس صورة معقدة من التحديات والفرص. فبينما تسعى الحركات المقاومة إلى تقويض الوجود الأمريكي في البلاد، تتزايد مخاوف دول الخليج من تأثيرات الصراع على أسواق الطاقة واستقرار المنطقة.

التوتر المتزايد دفع البعض إلى البحث عن حلول دبلوماسية لتجنب تصعيد أكبر، خاصة أن أي مواجهة شاملة قد تلحق أضرارًا جسيمة بالمصالح الاقتصادية الإقليمية والعالمية.

سيناريوهات مرجحة تطفو على السطح. الأول، يقترح وساطة خليجية، ربما تقودها دول مثل قطر أو سلطنة عمان، لفرض تهدئة غير رسمية.

الثاني، استمرار محور المقاومة في تكتيكات الاستنزاف المنظم دون الدخول في حرب شاملة.

أما السيناريو الثالث، وهو الأكثر خطورة، فيتمثل بمواجهة مباشرة ، مما قد يؤدي إلى استهداف القواعد الأمريكية في الخليج وإشعال صراع إقليمي أوسع.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • بارزاني: وقف صادرات نفط إقليم كوردستان أثر على العراق بأكمله
  • هل العراق مستعد لحرب عالمية ثالثة محتملة؟
  • العراق في قلب الثورة الإقليمية: بوصلة جديدة في الصراع
  • تركيا تحذر من جرّ العراق إلى دوامة العنف
  • طقس العراق.. أمطار ما قبل “الموجة القطبية”
  • برشان: الخلاف السياسي فتح الباب على مصراعيه للتدخلات الخارجية في ليبيا
  • القرصنة من العمل اللصوصي إلى التوظيف السياسي والحربي.. قراءة في كتاب
  • المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي: إسرائيل تعرقل وقف إطلاق النار
  • المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي: إسرائيل تفتح مساحات جديدة للصراع
  • بين الاتهامات الإسرائيلية وموقف بغداد: هل يتجه العراق إلى مواجهة دولية؟