مدار أوّل:
"ستنتهي الحرب ويتصافح القادة.. وتبقي تلك العجوز، تنتظر ولدها الشهيد، وتلك الفتاة، تنتظر زوجها الحبيب .. وأؤلئك الأطفال، ينتظرون والدهم البطل.. لا أعلم من باع الوطن، ولكنني رأيت من دفع الثمن ! " ((محمود درويش))
-1-
يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر، يتأكّد للجميع - وبما لا يدع مجالاً للشك – أنّ طرفي الحرب "المليجيشية" الدائرة منذ اندلاعها – الأصح والأصدق "انفجارها" - فى 15 أبريل 2023، بين قوات الدعم السريع والجيش، ما زالا يصرّان على المضي بحربهما الكارثية نحو المزيد من "الجنون"، والكثير من االتهوُّر والضياع والغرق فى متاهات الإحتراب والإقتتال العبثي اللعين، غير آبهين، بمصير الوطن - "السودان الفضل" - ولا ببقائه "حيّاً يُرزق"، كما ينبغي له أن يكون، وقد بدأ يهاجمه ويداهمه بقوّة - وبقسوة وشراسة - شبح التقسيم وفيروس الزوال، أو لنقل مُتلازمة "الإنبشاق"، إن لم تنته هذه الحرب اللعين ("قريباً"، و"قريباً جدّاً") وقبل فوات الأوان !.


-2-
عبارة "قريباً" و"قريباً جدّاً" هذه، يراها (المتفائلون) – دعنا نقول - جُلّهم، أو بعضهم، أن يبدأ التفاوض الجاد بين قيادات الطرفين فى منبر جدّة، أو فى غيره من المبادرات المقترحة، فى تاريخ أقصاه نهاية أكتوبر الجاري، أو بداية نوفمبر المقبل ( 2023)، ولضمان النجاح يفترض أن يكون تفاوضاً مُثمراً وصادقاً و"غير مشروط"، يُوصِل لوقف الحرب نهائياً، خلال الشهرين المتبقيين من عام 2023، حتّي لا تقِل فُرص البقاء على السودان "الفضل" واحداً وموحّداً، قبل أن تزداد فُرص فرض التقسيم، أو تحويل البلد – وبخاصة ولايات دارفور - إلى "كانتونات" صغيرة، تُسيطر عليها قيادات مليشيات مختلفة بسياسة "وضع اليد"، يصعُب بعد ذلك "لملمة" أطراف الوطن المتناثرة لاحقاً !.
-3-
يري مراقبون كُثر أنّ (حُلم) وقف الحرب، ربّما لا يتحقق، إلّا بفقدان مقاتلي الطرفين شهية مواصلة الإقتتال، بوصولهم لمرحلة "توازن الضعف"، أو ما يُعرف عسكرياً بـ"الإجهاد الحربي"، بسبب المزيد من النقص المريع فى "الأنفس" و"الثمرات" العسكرية – والذي أصبح – الآن - أكثر وضوحاً، مما مضي- ، أو بهلاك أو انحسار أو فقدان المخزون الإستراتيجي، المتبقي من العتاد الحربي، لدى الجانبين، كنتيجة حتمية لاتساع مساحات ودوائر القصف العشوائي، على كل الأماكن المرجح أنّها مخازن عسكرية، وعلى طريقة (شمسون الجبار) "عليّ، وعلى أعدائي"، أو بوقفٍ مُفاجيءٍ للدعم والاِمداد الذي يصل من الخارج – المستفيد من استمرار الحرب – بطرق وأساليب مختلفة، لتحديد أجندات خارجية، أصبحت معروفة ومكشوفة بمرور الزمن للجميع !.
-4-
هذا الزعم - إن صدق - فهو مؤشر ودليل فاضح على سيادة عقلية "طفولة عسكرية" أو "طفولية عسكرية" ما زالت تعشعش فى أدمغة وأخيلة الماسكين بزمام الأمور والأوضاع والقرارات الصعبة فى غرف تحكّم إدارة الحرب فى الجانبين، يروج لها بسذاجة الخبراء الإستراتيجيين أو "الإصطراطيجيين"، الذين ظللنا نراهم ونشاهدهم، وهم يملؤون شاشات التلفزة العربية، بأحاديث دعاية و"بروباقاندا" عسكرية مُملة ومنتهية الصلاحية، وماحقة، وفاقدة القيمة، أكثر من كونها تحليلات لواقع عسكري وحربي مُعاش، أو تحليلات علمية مبنية على حقائق وأرقام واحصاءات وبيانات ومعلومات عسكرية مُتاحة، أو أنّها حصيلة استنتاجات موضوعية، أتت، وتاتي عبر – وبعد - إعمال العقل والتفكير الجاد فى قضايا الحرب والسلام، من منظور بحثي وأكاديمي ومعرفي جاد ومسؤول، كما نشاهد ذلك، فى تحليلات خبراء عسكريين محترفين – غير سودانيين - يتحدثون لذات القنوات، عن مصائر ومآلات حروب ومعارك قتالية تدور فى مناطق أُخري من العالم !.
-5-
مازلنا نذكُر – ونُذكّر - كيف كان يفكّر ويُدبّر – ولن نقول يُخطط - قادة طرفي الحرب، فى الجيش والدعم السريع، بأنّ هذه الحرب لن تطول، إذ هي فى تقديراتهم الإستخباراتية "المضروبة" ليست سوي معركة خاطفة قد تستمر لبضعة سويعات، يُقضي فيها على الطرف الآخرتماماً، بـ"ضربة لازب"، ضربةً يُذاق فيها العذاب ويُجرّع فيها طعم الهزيمة المُر، لتعود بعدها الأمور، تحت السيطرة الكاملة، للـ"منتصر"، ليفرض بعدها أجندته وسيطرته على الجميع، (عسكريين ومدنيين)، ولكن، هيهات، فقد ثبت لهم – كما علّمتنا وتعلمنا دوماً دروس الحروب - أنّ الخروج من دوائر الحرب، ليس كما الدخول في متاهاتها الضيِّقة !.
-6-
الواقع المعاش، يؤكّد أنّ التفكير السليم فى إنهاء هذه الحرب، ووقف صوت المدافع، وقصف الطائرات، وإلى الأبد، يتطلّب تفكيراً جديداً، رُبّما يُعيد كرة الحرب المتدحرجة، منذ 15 أبريل 2023، بين لاعبين غير محترفين، إلى الملعب الرئيسي، وهو الوصول للـ(منابع)، بدلاً عن إضاعة المزيد من الوقت فى التماهي مع رغبات زعماء وقادة (المصبّات)، وبلغة أُخري أكثر وضوحاً، الوصول لفيل الحرب، والجلوس المُباشر مع فيل الحرب، وإدارة حوار واضح وصريح وشفاف معه، بدلاً عن التعامل مع ظله، ونقصد - بهذا - أهمية التفكير فى بذل المزيد من الجهد فى إدارة الحوار مع (مموّلي) هذه الحرب، والمستفيدين الحقيقيين من استطالة أزمنتها، وتوسيع دائرة أمكنتها، وهم - بلا أدني شك - قوي إقليمية، ودولية، تقبع خارج الحدود.. وهذه القوي أصبحت معروفة للجميع، فلماذا إذن، إضاعة الوقت والجهد فى انتظار تسريبات، وتسريبات مُضادة مِن من لا يملكون الإرادة الحقيقية لوقف الحرب، ومن لا يستطيعون إتخاذ قرارات شجاعة وجريئة، تنظر لمصير الوطن، وليس مكاسب وخسارة الأشخاص؟!.
-7-
يبدو أنّ المسكوت عنه فى هذه الحرب "المليجيشية" الدائرة فى السودان، هو أن يتم توصيفها الصحيح، والأكثر دقّة، بأنّها حرب يخوضها الطرفان بالـ(وكالة)، وليس بــالـ(أصالة)، وعلى منبر جدّة (المُجمّد) – إن جدّ – أن يجتهد ويبحث فى كيفية إقناع (ممولي) الحرب، بالتوقف عن مد (الطرفين) المتقاتِلين بالعتاد و"التشوين" الحربي، والسلاح الفتاك، والأموال المهولة، والدعم المعنوي، بعد المادي، كما يتطلّب الأمر – كذلك - التفكير السريع فى كيفية التعامل مع من يعملون داخل السودان، على استمرار الحرب، وإطالة أمدها، خدمةً لمصالحهم الضيقة، ونقصد هنا - وعلى وجه الخصوص - كتائب ومليشيات النظام القديم، بمختلف مسمياتها ورموزها، وأُمراء حروبها !.
-8-
هناك قضية عالية الحساسية، يجب الإنتباه لها فى بذل أيّ مساعي جادة لوقف الحرب، وهي عدم التهاون فى مسألة المحاسبة والمساءلة، لكل من ارتكبوا جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم التطهير العرقي والإبادة الجماعية، لأنّ الإفلات من العقاب، سيعيق عملية الوصول للحل الأمثل والأطول، وسيُضعِف ذلك، احتمالات تحقيق التعايُش المجتمعي والتعافي المؤدي للاستقرار المستدام، ولهذا فإنّ قضية تحقيق العدالة والإنصاف للضحايا، يجب أن تكون فى قلب أجندة وقف الحرب، وأن لا تتم مساومة الإستقرار، بالإفلات من العقاب !.
-9-
يبقي أن نضيف، ونحن نكتب اليوم – الإثنين - الثاني من شهر أكتوبر 2023، علينا وعلى الجميع إعمال الفكر والعقل، فى تشجيع التفكير الجمعي فى بحث ومُناقشة قضايا وقف الحرب، وكذلك قضايا ما بعد وقف الحرب، وهي قضايا كثيرة ومعقدة، فيها الإقتصادي والإجتماعي والسياسي، وجميعها تحمل ذات الأهمية.. ولنبدأ اليوم، وقبل الغد، وقبل فوات الأوان، دون تأجيل أو تقليل من أهمية الإجابة على السؤالين المشروعين، كيف نوقف الحرب، وماذا بعد إيقاف الحرب؟!. بهذه الوصفة العملية والواقعية فى ذات الوقت، نكون قد خطونا الخطوة الاولي فى الطريق الصحيح لوقف الحرب، ويومها ستضع الحرب أوزارها، ويتخطّي السودان خطر التقسيم و"الإنبشاق"، عملاً، لا قولاً فقط !.
جرس أخير:
"بئس الوغى يجني الجنود حتوفهم ** فى ساحها، والفجر للتيجان ... ما أقبح الإنسان يقتُل جاره ** ويقول هذي سُنّة العمران" ((إيليا أبو ماضي))

فيصل الباقر
faisal.elbagir@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: لوقف الحرب وقف الحرب هذه الحرب المزید من

إقرأ أيضاً:

المقاومة الفلسطينية تستهدف بعبوة “ثاقب” آلية عسكرية للاحتلال الإسرائيلي غرب بيت لاهيا شمال قطاع غزة

2024-11-17haninسابق الهند تختبر بنجاح صاروخاً فرط صوتي بعيد المدى انظر ايضاً الهند تختبر بنجاح صاروخاً فرط صوتي بعيد المدى

نيودلهي-سانا اختبرت الهند بنجاح اليوم صاروخاً فرط صوتي بعيد المدى تم تطويره محلياً، ما يجعلها …

آخر الأخبار 2024-11-17الهند تختبر بنجاح صاروخاً فرط صوتي بعيد المدى 2024-11-17العدو الإسرائيلي يجدد اعتداءاته على بلدات وقرى لبنان 2024-11-17الولايات المتحدة الأمريكية تسجل أول إصابة بجدري القردة من سلالة جديدة 2024-11-17روسيا تدعو الدول لرفع العقوبات بدلاً من التحايل عليها 2024-11-17في العقد الخامس من عمرها… سيدة من السويداء تستثمر مهارتها بالخياطة وتؤسس مشروعاً صغيراً 2024-11-17الحرارة حول معدلاتها والجو غائم جزئياً إلى غائم ماطر 2024-11-1750 شهيداً على الأقل في مجزرة جديدة للاحتلال الإسرائيلي في بيت لاهيا 2024-11-17الدفاعات الروسية تدمر طائرات وزوارق أوكرانية مسيرة حاولت استهداف مقاطعة بيلغورود وشبه جزيرة القرم 2024-11-17المقاومة اللبنانية توقع إصابات في قوة للعدو الإسرائيلي عند الأطراف الشرقية لبلدة شمع 2024-11-1713 شهيداً وعدد من الجرحى جراء قصف الاحتلال مخيم البريج ورفح

مراسيم وقوانين الرئيس الأسد يصدر ثلاثة قوانين تسهم في تطوير آليات العمل بالقطاع السياحي 2024-11-14 الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بتنفيذ عقوبة العزل بحق قاضية في النياية العامة التمييزية 2024-11-02 مرسوم بتحديد الـ 7 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعدين شاغرين في دائرتي حلب وطرطوس 2024-11-02الأحداث على حقيقتها استشهاد 15 شخصاً جراء عدوان إسرائيلي استهدف مباني سكنية في المزة وقدسيا بدمشق وريفها 2024-11-14 عدوان إسرائيلي يستهدف جسوراً وطرقات على الحدود مع لبنان بريف حمص 2024-11-13صور من سورية منوعات مركبة الشحن الفضائية الصينية “تيانتشو-8″تلتحم مع محطة الفضاء الصينية تيانقونغ 2024-11-16 انبعاثات الكربون العالمية تصل إلى مستوى قياسي خلال العام الجاري 2024-11-13فرص عمل الخارجية تعلن عن برنامج تدريب المقبولين للتقدم إلى المرحلة الثالثة من مسابقتها 2024-11-06 التعليم العالي تسمح للجامعات الخاصة فتح التسجيل المباشر لملء الشواغر في كلياتها 2024-11-04الصحافة المسافة صفر.. مخرز في خاصرة الاحتلال – بقلم : جمال ظريفة 2024-11-16 هستيريا “الكيان”.. وصمت مجلس الأمن-بقلم: شعبان أحمد 2024-11-16حدث في مثل هذا اليوم 2024-11-1717 تشرين الثاني 1969 -مفاوضات بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة للحد من عدد الأسلحة الإستراتيجية على كلا الجانبين 2024-11-1616 تشرين الثاني 1970- قيام الحركة التصحيحية بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد 2024-11-1515 تشرين الثاني 1920-عقد أول اجتماع لعصبة الأمم في جنيف 2024-11-1414 تشرين الأول 1908- عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين يعلن عن نظرية كمية الضوء 2024-11-1313 تشرين الثاني 1935- اندلاع انتفاضة شعبية في مصر ضد الاحتلال البريطاني والحكومة التي يرأسها محمد توفيق نسيم باشا 2024-11-1212 تشرين الثاني 1847 – الطبيب البريطاني جيمس يانج سيمبسون يستخدم الكلوروفورم في التخدير لأول مرة في التاريخ
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2024, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • وزير الثقافة والاعلام “الأعيسر” يتسلم مهامه ويؤكد التعاون مع الجميع لخدمة الوطن
  • “لقاء الأربعاء”
  • قتيل واصابات ودمار في قواعد عسكرية نتيجة صواريخ من لبنان على “تل أبيب” و”كرميئيل” وصفد
  • “حزب الله” يستهدف قاعدة عسكرية إسرائيلية حساسة
  • حاخام إسرائيلي: ما يحصل حاليا هو حرب دينية وعلى اليهود حشد الدعم الدولي لبناء “الهيكل الثالث”
  • حزب الله ينشر مشاهد استهداف قواعد عسكرية للعدو بصواريخ “نصر 1″ و”فجر 5”
  • قيادات عسكرية تزور روضة الشهداء في بيت بوس بصنعاء
  • سفير الولايات المتحدة الأسبق لدى السودان لـ “الحرة”: الدعم الأميركي مهم لإنهاء الحرب في السودان
  • المقاومة الفلسطينية تستهدف بعبوة “ثاقب” آلية عسكرية للاحتلال الإسرائيلي غرب بيت لاهيا شمال قطاع غزة
  • “حزب الله” يعلن قصف 5 قواعد عسكرية إسرائيلية إحداها للمرة الأولى