ظهيرة ذلك اليوم الغائظ في شهر من شهور صيف العام 2016م ، تركت علي مكتبي كل ما كان علي إنجازه من مهام ، وتوجهت مسرعاً الي جامعة إفريقيا العالمية قاصداً المحاضرة التي سيلقيها الخبير ومستشار وزير الري وقتها بروفسير سيف الدين حمد. كانت المحاضرة من تنظيم معهد دراسات الكوارث و اللاجئين بالجامعة ضمن الانشطة والبرامج الراتبة التي تلي تخصصات الكوارث التي كان يقدمها المعهد.



كانت القاعة الفخيمة تغص بلفيف من هيئة التدريس بالجامعة، وحشد من طلاب الدراسات العليا ممن يدرسون دراسات الكوارث.... وكان أزيز مكيفات الهواء يصدر صوتا أشبه بحفيف الأشجار ، تبعث المكيفات هواء منعشاً يلطف الحنايا المرهقة من فرط الحر الذي كان يفرض نفسه علي العالم الخارجي ..
وصلت متأخرا بعض الشئ ، بالدرجة التي لم احصل فيها علي مقعد ، ولصلتي الممتدة لأكثر من عشر سنوات بمعهد الكوارث إذ كنت لآخر عهدي رئيس قسم به توجهت لأبعد نقطة وسط الطلاب حيث اجلسوني بينهم كنوع من الاحتفاء باستاذ قديم.
سارت المحاضرة بتركيز خاص علي فوائد السد وايجابياته علي السودان ، فقد كان يؤكد المحاضر بحماس دافق كأنه لاعب فريق كرة للقدم يلعب في ملعبه ووسط جماهيره. و بلهجة تتعالي ثقة كلما تحدث عما سيجنيه السودان من فوائد جمة من السد ، وقد تبين من خلال السرد المحفوظ عن ظهر قلب أن المحاضر قد القي هذا العرض لأكثر من جهة من الدوائر الحكومية وغير الحكومية.
كان دافعي نحو الحضور مزيج من هموم أكاديمية ومعرفية لجهة إهتمامي الخاص بالسد من حيث العواقب علي السودان ، ولفضول في نفسي لمعرفة تفاصيل موقف السودان من جهة فنية رسمية... في المجمل كانت المحاضرة تبشيرا بهذا الفتح الإثيوبي الذي (سيحمل الخير الوفير علي السودان ويكفيه شر مستطير).
كلما كنت أستمع للرجل كنت أتبين أن الذي يجري أمامي لا يعدو أن يكون حملة علاقات عامة لمناصرة السد. وأن الإيجابيات التي كانت تطرح علي مسامع الحضور لا تقوي علي دفع خطر ماثل قوامه الفناء الماحق من وجهة نظر مخاطر الكوارث.... لذلك قررت مهاجمة المحاضر ومحاصرته بلغة قد يفهمها أكثر الحضور من الدارسين لمخاطر الكوارث. فلما أتيحت الفرصة لي كي أدلي بدلوي بوصفي مختصا بتحليل المخاطر ... سألته مباشرة عن القدرات الفنية للكادر السوداني المفاوض في شؤون السدود... فما كان منه إلا أن قال بفخر إن الجانب السوداني أبدي بعض الملاحظات الفنية علي جسم السد ، وقد استجابت إثيوبيا لهذه الملاحظات التي كلفتها مبلغا قدّره بالملايين من الدولارات. بينما كنت استمع لرد المحاضر طرق اذني تعليق من أحد الطلاب لزميله ( الدكتور ده لاعب ضاغط شديد).
ولما شعرت بأن الأمر متجه نحو المماحكة والتبرير غير المنطقي.... قررت في دخيلة نفسي أن استعمل أسلوبا تعبوياً أزعم بأنني أجيده وقد تمرست عليه كثيرا بقلب الطاولة علي المحاضر ، فقلت له إذا كان لديكم كل تلك القدرات الفنية العالية التي تمكنكم من إجراء تعديلات على سد بهذه الضخامة، فلم استعنتم اذاً بالخبرات الصينية لبناء سد مروي ؟ ؟! ثم ذكرته بأنه لا يتحدث في دائرة حكومية ولا وسط العامة من الجماهير ، وإنما أمام باحثين في مؤسسة علمية تمنح الدرجات العليا في قضايا الكوارث .. هنا ضجت القاعة بالتصفيق حتي اضطر رئيس الجلسة للتنويه بعد التصفيق. ثم اردفت بسؤال مباغت كنت اعلم انه لا تجوز فيه المراوغة والتملص ، حيث وجهت له سؤالاً مباشراً .. هل تم استشارة مختصين بعلم المخاطر ليجروا لكم كلجنة فنية أي تحليل لمخاطر السد. أو هل يوجد وسط لجنتكم الفنية اختصاصيون في تقييم المخاطر؟ ؟! هنا تبدت أمام الملأ سوءات لم يكن بمقدور المحاضر أن يسترها ، فهو في ضيافة مؤسسة اختصاصها الأساسي تحليل المخاطر ، وأمام مجموعة من الأساتذة يعلمون تمام العلم أنه لم تجرَ أي تحليل لمخاطر السد. فما كان منه إلا الإعتراف بأنه لم تجرِ اللجنة الفنية أي تحليل أو تقدير للمخاطر. غير انه وعد بلهجة محتشمة علي غير النبرة التي كان يبشر فيها بفوائد السد، قال :(بأن اللجنة الفنية ستسأنس بآراء بعض المختصين في تحليل المخاطر).
وعند هذا الإعتراف أيقنت أن الإستراتيجية التي كان ينطلق منها المحاضر تنبع من الموقف السياسي أكثر من الفني ، وأن الغرض الأساسي من المحاضرة لم يكن إلا تعبئة لصالح الموقف الحكومي . وحين لحظة اليقين تلك تملكني شيء من الخوف وكثير من الحزن حتي أخذت أردد في نفسي... قلبي علي وطني.
د. محمد عبد الحميد

نشر هذا المقال بصحيفة سودانايل الالكترونية بتاريخ ٤ نوفمبر 2019  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التی کان

إقرأ أيضاً:

تحليل يكشف استخدام الاحتلال قنبلة نووية تكتيكية في قصف طرطوس السورية

#سواليف

أظهرت تقارير وتحليلات ميدانية حول احتمال استخدام #الاحتلال #قنبلة_نووية_تكتيكية من طراز B61-12 في هجومه الأخير على #مواقع_عسكرية بمحافظة #طرطوس السورية يوم 15 ديسمبر 2024. وفقاً لما نشره الخبير الأمني التركي خورشيد دينغل وعدد من الباحثين الدوليين، تم الاستناد إلى مجموعة من الأدلة العلمية والميدانية لدعم هذه الفرضية.
الأدلة والمعلومات المتوفرة

هزة أرضية بقوة 3.2 درجة على مقياس ريختر: سجلت #أجهزة_الرصد_الزلزالي #هزة_أرضية أعقبت الانفجار مباشرة، وهي هزة وصفها الخبراء بأنها غير طبيعية وتتطابق مع الآثار الناتجة عن #انفجار_نووي محدود. وأشار أحد التحليلات الجيوفيزيائية إلى أن قوة الهزة تعادل طاقة انفجار بقوة 0.2 كيلوطن إذا كان الانفجار تحت الأرض، ولكن بما أنه حدث على السطح، فإن التأثير كان أكبر.

ارتفاع مستويات الإشعاع في المنطقة: أظهرت الرسوم البيانية المنشورة زيادة حادة في مستويات الإشعاع في المنطقة بعد الهجوم، ما يؤكد استخدام سلاح يحتوي على مواد مشعة. وقد تم تسجيل هذه القيم من خلال أجهزة مراقبة الإشعاع المنتشرة في المناطق المحيطة.

صور الأقمار الصناعية ومشاهد الانفجار: أظهرت صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو سحابة ضخمة تشبه السحابة الفطرية (Mushroom Cloud) المرتبطة عادةً بالانفجارات النووية. كما أظهرت الصور ارتفاع الحرارة إلى مستويات شديدة في منطقة الانفجار.

تحليل نوع السلاح المستخدم: وفقاً للمعلومات المنشورة، تُعد القنبلة النووية التكتيكية B61-12 واحدة من أكثر الأسلحة تطوراً في الترسانة النووية، حيث يمكن استخدامها عبر طائرات مقاتلة من طراز F-35A وF-15E، والتي حصلت على شهادة التصميم النووي لهذا النوع من القنابل في وقت سابق هذا العام.

????️İsrail'in Suriye'de "taktik nükleer bomba (B61-12) kullandığına" dair bazı argümanlar/göstergeler
-Richter ölçeği (3 büyüklüğünde deprem)
-Radyasyon değişim grafiği
-Uydu görüntüleri
-Patlama görüntüleri 1/3..???? pic.twitter.com/dSpKr6gRLj

مقالات ذات صلة  التعليم العالي تسترد أكثر من ربع مليون دينار لصالح طلبة مشتكين على مكاتب خدمات جامعية 2024/12/19 — Hurşit Dingil (@hursitdingil) December 18, 2024

ومنذ سقوط الرئيس السوري، بشار الأسد، في 8 ديسمبر\كانون الأول 2024، تشهد سوريا اعتداءً إسرائيليًا غير مسبوق، نفذ خلاله جيش الاحتلال مئات الغارات الجوية والبحرية التي استهدفت البنية العسكرية السورية بشكل مكثف وشامل، ودمرت 80% من مقدرات الجيش السوري، في عملية وُصفت بأنها واحدة من أكبر الهجمات في تاريخ الاحتلال، بحسب إذاعة جيش الاحتلال

واستهدفت مواقع عسكرية واستراتيجية حيوية في مختلف أنحاء سوريا، وهو ما أكدته وسائل إعلام عبرية التي قالت إن الهدف القضاء التام على مقدرات الجيش السوري العسكرية.

ووفقًا للقناة 12 العبرية، فقد دمر جيش الاحتلال بشكل شبه كامل سلاح الجو السوري، بما في ذلك الطائرات والمروحيات.

وطالت الغارات مطار الشعيرات العسكري في حمص، ومواقع عسكرية في ريفي الرقة والحسكة شرق البلاد، بالإضافة إلى مقر إدارة الحرب الإلكترونية في منطقة البهدلية قرب السيدة زينب بدمشق، ومستودعات أسلحة في السومرية وعدرا وبرزة ومطار المروحيات في عقربا بريف دمشق، ومستودعات أخرى في الكورنيش والمشيرفة ورأس شمرا بريف اللاذقية.

كما نفذت السفن الحربية الإسرائيلية هجومًا واسع النطاق على البحرية السورية، حيث أُطلقت عشرات صواريخ بحر-بحر باتجاه ميناءي طرطوس واللاذقية، ما أسفر عن تدمير قدرات الأسطول السوري ومنع وقوع معداته في أيدي “العناصر المعادية”.

وهذا التصعيد لم يقتصر على الغارات الجوية والبحرية، بل شمل تحركات ميدانية، حيث واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي عملية التوغل البري داخل الأراضي السورية منذ أيام، في حين وصلت دبابات جيش الاحتلال ريف مدينة درعا الغربي الجنوبي.

وقالت مصاد سورية، إن آليات الاحتلال العسكرية دخلت صباح أمس الأربعاء، إلى قرية صيدا الجولان بريف درعا الغربي، وتحركت في شوارعها حتى استقرت في الساحة الرئيسية وسطها.

وأضافت المصادر أن قرية صيدا الجولان تبعد عن “خط وقف إطلاق النار” أكثر من 2 كيلو متر، بينما وصلت عمليات التوغل في القنيطرة إلى أكثر من 4 كيلو متر داخل الأراضي السورية.

مقالات مشابهة

  • ماكرون: فرنسا تشارك في عملية إعادة هيكلة الدين الإثيوبي
  • ضبط لحوم بلدية مذبوحة خارج المجازر الحكومية بالفيوم
  • مسلسل ساعته وتاريخه يفتح ملف الدارك ويب.. ما المخاطر التي يسببها؟
  • حماس: أسوأ الكوارث الإنسانية تحدث بغزة الآن
  • حماس: أسوأ الكوارث الإنسانية تحدث في غزة الآن
  • د.حماد عبدالله يكتب: المشروعات " الوطنية " الكبري !!
  • تركيا تتحرك لمواجهة كارثة محتملة
  • تحليل يكشف استخدام الاحتلال قنبلة نووية تكتيكية في قصف طرطوس السورية
  • خيارات مصر إزاء التقارب الصومالي الإثيوبي برعاية تركية
  • تحليل مبادرة الحزب الشيوعي السوداني لوقف الحرب واسترداد الثورة