الحرب في السودان: ما طبيعة الدعم التركي للبرهان وهل نتجه نحو تكرار السيناريو الليبي؟
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
بين تزويد أنقرة للجيش السوداني بالمسيّرات ودعمها العسكري لقائده أو حتى اللجوء إلى التدخل المباشر لحسم الحرب الدائرة هناك، تتوالى التساؤلات والتكهنات التي أعقبت خصوصا زيارة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان لتركيا. فهل سيتكرر السيناريو الليبي في السودان وما حقيقة وجود طلبيات وإبرام صفقة بين قيادات عسكرية من البلدين حول طائرات بيرقدار؟
أ ف ب/
تضاربت الأنباء مؤخرا حول نوايا تركيا تقديم دعم عسكري للجيش السوداني أو حتى التدخل مباشرة في البلد الغارق في الحرب منذ 15 أبريل/نيسان بين الجيش وقوات الدعم السريع، مع ما يطرحه ذلك من هواجس من تكرار للسيناريو الليبي.
يأتي هذا تعقيبا على نتائج الزيارة "الناجحة" التي أجراها الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى أنقرة في 13 سبتمبر/أيلول مصحوبا بوزير الخارجية المكلف ومدير الاستخبارات، ولقائه الرئيس رجب طيب أردوغان.
فبعد أن أفاد موقع عربي بوست بأن "مصادر سودانية كشفت بأن البرهان سيبحث مع تركيا تزويد الجيش السوداني بمسيرات تركية"، وقالت إن "الجيش السوداني يريد أن يستفيد من فعالية الطائرات المسيرة التركية"، نقل موقع قناة الجزيرة القطرية بدوره بأن تركيا استجابت "لجميع مطالب البرهان.. بتزويد الجيش السوداني بطائرات مسيرة تمكنه من فرض سيطرته، وإحراز تقدم قد يُفضي إلى إنهاء المعارك"، في إشارة إلى زيارة البرهان الأخيرة إلى تركيا.
وكانت مواقع أخرى قد أثارت أيضا مسألة تزود الجيش السوداني بطائرات بيرقدار المسيرة التركية، وقالت إن "الجيش السوداني قد تسلم دفعة أولى من طائرات بيرقدار التركية.. لم تدخل الخدمة العسكرية ولم تظهر في المعارك".
فهل فعلا زودت تركيا الجيش السوداني بهذه الطائرات المسيرة؟ وهل يمهد هذا لتدخل عسكري تركي مباشر على غرار ما حدث في ليبيا؟ وما هو موقف تركيا من الحرب الدائرة في السودان؟ أسئلة يجيبنا عنها كل من د. مهند حافظ أوغلو الباحث في العلاقات الدولية، ورضوان أوغلو الكاتب والمحلل السياسي، علي أسمر الصحافي والمحلل السياسي المختص بالشؤون التركية، و حسب النبي محمود القيادي في حركة "جيش تحرير السودان".
صفقة سودانية تركية حول المسيرات؟
أوضح د. مهند حافظ أوغلو بأن زيارة البرهان إلى تركيا كشفت عن كون الأخيرة تدعمه على أساس أنه يمثل الشرعية في مواجهة قوات الدعم السريع. وكشف محدثنا عن وجود "طلبات سودانية للحصول على المسيرات التركية" لترجيح كفة المعارك لصالحه. على الرغم من ذلك يرى حافظ أوغلو بأن أنقرة تريد العمل في مسار سياسي أكثر منه عسكري، "ضمن حدود التوافق الدولي على استقرار السودان". ليضيف أن احتمال أن يتحول الموقف التركي إلى دعم عسكري بأسلحة نوعية مثل المسيرات وغيرها غير مرجح "لأن الرؤية في الملف السوداني دوليا لم تتبلور بعد".
لكن هل فعلا سعى الجيش السوداني إلى الحصول على الطائرات المسيرة التركية؟ يقول رضوان أوغلو إنه ومنذ بداية الحرب في السودان "كانت هناك لقاءات بين ضباط من الجيش السوداني وبعض القيادات العسكرية في تركيا حول قضية المسيرات، أعتقد أنه قد تم حينها التوصل إلى صفقة حول هذا الموضوع بين الطرفين". كما أوضح نفس المتحدث بأن "العلاقات بين المؤسسة العسكرية السودانية وتركيا هي قديمة وكانت قائمة من قبل".
"طائرات مسيرة صينية وإيرانية في السودان"
ميدانيا، لطالما أفادت عدة تقارير وشهود عيان عن رصد هجمات تشنها طائرات مسيرة سواء على مواقع وأهداف تابعة للجيش السوداني، أو تلك التابعة لقوات الدعم السريع، لكن لم تتضح الجهة التي تقف وراء تسليم طرفي النزاع مثل هذا النوع من الأسلحة. في هذا السياق، أوضح علي أسمر بأن الجيش السوداني "يمتلك طائرات بدون طيار يقال إنها صينية أو إيرانية، لكن يجب عدم الخلط بينها وبين المسيرات التركية". ولا يستبعد أسمر أن يكون الجيش السوداني قد سعى فعلا لشراء بعض المسيرات من تركيا لدورها الفعال حسبه في صراعات أخرى مثل "ناغروني قره باغ وليبيا والصراع الروسي الأوكراني".
وبالنسبة إلى الأنباء المتداولة عن احتمال تدخل تركيا عسكريا بشكل مباشر في السودان على غرار السيناريو الليبي، قال أسمر إن "الوضع في السودان ضبابي داخليا ودوليا. لم نر بعد موقفا إقليميا ودوليا واضحا أو موحدا تجاه هذه الأزمة. لهذا، فأغلب الدول تكتفي حاليا بمراقبة الأزمة عن بعد من دون التدخل المباشر. ينطبق هذا الكلام على تركيا أيضا".
كما قال نفس المصدر إن "الاقتصاد والسياسة مرتبطان بشكل كبير في تركيا وبأن أي توتر سياسي ستتبعه آثار سلبية على الاقتصاد". لهذا فهو يستبعد أن تكون تركيا تنوي أن تنفذ تدخلا عسكريا في السودان، ويرى أنها لا تريد أن تدعم أي طرف دون التنسيق مع الأطراف الخارجية مثل السعودية ومصر، ما يفسر حسبه أيضا "لهذا لم نسمع إلى الآن أخبارا رسمية مؤكدة حول تسليم قوات الجيش السوداني طائرات مسيرة من طراز بيرقدار".
"تركيا لا تريد الانخراط عسكريا في السودان بل السلام"
في نفس الشأن، رجح محمود علوش بدوره أن أنقرة لا تنوي التدخل في السودان بشكل مباشر ردا على التقارير التي ألمحت إلى ذلك، وقال إن هذا "السيناريو مستبعد". وأكد محدثنا أيضا أن تركيا ليست لديها أية "رغبة في الانخراط العسكري في الصراع السوداني لصالح أي طرف، كما أن مصالحها وتأثيرها في الصراع محدودين مقارنة بالفاعلين الإقليميين الآخرين على عكس ما كان عليه الوضع في ليبيا قبل أربع سنوات".
وحلل علوش موقف تركيا بالإشارة إلى كون الظروف الإقليمية التي كانت قد دفعت أنقرة إلى الانخراط في الأزمة الليبية وصراعات أخرى في المنطقة، لم تعد اليوم قائمة، مشيرا في هذا الشأن إلى أن تركيا اليوم باتت "أكثر ميلا للدبلوماسية في سياساتها مع المنطقة العربية عموما". كذلك، يرى نفس المصدر بأن الأتراك يريدون اليوم تصفية المشاكل مع القوى الفاعلة في المنطقة، معتبرا بأن "أولوية تركيا هي إحلال السلام في السودان".
"تكلفة طائرات بيرقدار باهظة للجيش السوداني"
هذا، وقد أثار حسب النبي مسألة أخرى تتعلق بتكلفة الطائرات المسيرة التركية وطبيعة المسيرات التي يمكن أن تكون فعلا قد دخلت ساحة المعارك الدائرة في السودان. وهو يوضح في هذا الصدد بأن تركيا لم تسلم طائرات مسيرة من طراز بيرقدار للجيش السوداني، لكنه لم يستبعد أن تكون أنقرة قد زودت الجيش السوداني بطائرات مسيرة انتحارية أو طائرات استطلاع. مضيفا بأن هناك سببا آخر يحول دون حصول البرهان على تلك الطائرات وهو تكلفتها الباهظة.
وبالنسبة إلى مسألة التدخل العسكري المباشر لتركيا في السودان، يرى حسب النبي بأن هذه المسألة تتطلب التوصل إلى تفاهمات مسبقة بين تركيا ودول عربية أبرزها السعودية، الإمارات، ومصر، وهذا "لأن لديها تأثيرا كبير في المنطقة". وقال نفس المصدر إن تركيا تسعى إلى تحسين علاقاتها مع دول المنطقة وأيضا مع السودان الذي شهد تحولا كبيرا بعد أحداث الثورة والربيع العربي على حد قوله، مؤكدا بأن تركيا تريد "طي صفحة الخلافات التي أثارها دعمها لحركة الإخوان".
ميدانيا، قتل العديد من الأشخاص وجرح آخرون الخميس في الخرطوم إثر سقوط قذائف أطلقتها قوات الدعم السريع على مواقع للجيش في محطة للحافلات، وفق ما قال شهود لوكالة الأنباء الفرنسية، أكدوا أن "القذائف دمرت ثلاث حافلات محملة بالركاب" في محطة تقع بشمال أم درمان، شمال غرب العاصمة السودانية.
ومنذ اندلاع المعارك التي تركزت في مثلث العاصمة السودانية (الخرطوم وأم درمان وبحري)، وإقليم دارفور غرب البلاد، قُتل نحو 7500 شخص بينهم 435 طفلا على الأقل وفق بيانات رسمية، في حصيلة يرجح أن تكون أقل بكثير من عدد الضحايا الفعلي للنزاع.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الطائرات المسیرة المسیرة الترکیة للجیش السودانی طائرات بیرقدار الجیش السودانی الدعم السریع طائرات مسیرة فی السودان أن ترکیا أن تکون
إقرأ أيضاً:
حرب السودان.. آلام النساء معاناة صامتة
تحت تهديد السلاح واجهت فاطمة (اسم مستعار) تزويج ابنتها القاصر البالغة من العمر 12 عامًا لأحد منسوبي قوات الدعم السريع.
وعن معاناتهن تقول فاطمة -للجزيرة نت- تعرضنا للضرب والإذلال والقهر وتمت سرقة جميع ممتلكاتنا حتى الأبواب والنوافذ، لم يتركوا شيئًا، تزوجوا ابنتي تحت تهديد السلاح، آثرت الموافقة على ذلك خشية تعرضها للاغتصاب، تزوجها أحد منسوبي الدعم السريع مدة 35 يومًا وتركها بعد ذلك ولا نعلم إلى أين ذهب، لم تكن ابنتي وحدها من تعرضت لذلك، الكثير من النساء والفتيات في الحي تم تزويجهن تحت تهديد السلاح من قبل الدعم السريع.
اغتصاب وقتلومن فاطمة إلى راوية عبد القادر التي تحكي فصلا آخر من معاناتهن كنساء من انتهاكات الدعم السريع خلال تواجدهم بمنطقة الحلفايا بمدينة بحري، حيث فقدت راوية إحدى قريباتها بعد أن أطلق عليها منسوبون للدعم السريع الرصاص، وتعرض زوجها للضرب.
وتقول -للجزيرة نت- ذقنا كل أصناف العذاب من الدعم السريع، مارسوا الترهيب والتعذيب، اقتحام البيوت ليلا لاغتصاب النساء.
من جانبه، قالت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة إن النساء والفتيات في السودان يعشن أوضاعا مأساوية جراء الحرب والانتهاكات المروّعة التي ارتكبتها –وما تزال ترتكبها– عناصر "الدعم السريع" في الجزيرة ودارفور والخرطوم ومناطق أخرى في البلاد، لا سيما العنف الجنسي الذي رُصد ضمن تكتيكاتها الحربية منذ بدء الحرب منتصف أبريل/ نيسان 2023.
إعلان تحديات كبيرةوقالت مديرة الوحدة سليمى إسحق -للجزيرة نت- إن تعرض النساء للاعتداء له أثر كبير على الصحة الجسدية والنفسية للمرأة خاصة إذا لم تكن هناك تدخلات علاجية بعد تعرض المرأة للاعتداء والاسترقاق الجنسي، مما يجعلهن عرضة للإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا، وتعرض الصحة الإنجابية لخطر كبير.
وأضافت: هناك نساء لم يتلقين الخدمات الصحية ولم يتم الوصول إليهن، أما من الناحية النفسية فمعالجة الصدمات في حد ذاتها تحدٍ كبير في ظل الحرب المستمرة، التدخلات موجودة لكنها ليست بحجم الأزمة.
وكشفت سُليمى عن تعرض نحو 331 امرأة للاغتصاب منذ بدء الحرب على يد قوات الدعم السريع التي تستخدم العنف الجنسي سلاحا ضد المدنيين بهدف الإذلال العرقي أو الأيديولوجي والتهجير القسري.
البحث عن الأمانفي الوقت الذي اضطرت فيه عدد من النساء للنزوح بحثا عن الأمان فإن هناك مصاعب أخرى أحاطت بحياتهن.
وتقول الطبيبة والناشطة في مجال الصحة النفسية والإنجابية فاطمة عربي -للجزيرة نت- إن للحرب تداعيات على النساء منها زيادة المسؤوليات عليهن للقيام بدور المنتج للعائلة والاضطرار للعمل وأحيانا بأعمال شاقة قد تؤثر عليها جسديا.
وأضافت "النساء الحوامل قد يتأثرن جسديا بسبب قلة جودة ونوعية وكمية الغذاء، وقلة المتابعة صعوبة الوصول إليها. من ناحية أخرى، الأثر النفسي على الحوامل بسبب التغيرات الهرمونية التي تحدث لهن أثناء الحمل فتزيد لديهن نسبة القلق والتوتر، والاكتئاب، والاحتراق النفسي، واضطراب النوم وفقدان الشهية".
وضع معقدمن جانبه، قالت مديرة وحدة الأمومة الآمنة بالبرنامج القومي للصحة الإنجابية صفاء بخيت إن الحرب أدت إلى نقص حاد في الخدمات الصحية ودمرت عددا كبيرا من المؤسسات مع نزوح أغلب الكوادر الصحية من المناطق التي تحتلها مليشيات الدعم السريع التي استهدفت الكوادر الصحية بشكل خاص.
إعلانوفي حديثها -للجزيرة نت- قالت صفاء إن هذه الأحداث خلقت وضعًا بالغ التعقيد أسهم في زيادة معاناة النساء بصورة خاصة، ومع موجات النزوح من مناطق مليشيا الدعم السريع والسير لمسافات طويلة ونقص المواد الغذائية حصل تأثير كبير على الحوامل من النساء وزيادة معدلات الأنيميا السبب المباشر لكثير من المضاعفات.
وقالت المسؤولة بوحدة الأمومة الآمنة إن زيادة الضغط على الخدمات الصحية في الولايات الآمنة أثر على خدمة رعاية الحوامل، كما تتواجد عدد من النساء الحوامل في دور الإيواء وتبذل الوزارة جهدًا كبيرًا بمساعدة المنظمات لتقديم الخدمات لهن ولكن زيادة أعداد النازحين تجعل هذه الخدمات غير كافية.
وأكدت صفاء زيادة حالة وفيات النساء الحوامل في مناطق الدعم السريع لكن لصعوبة الوضع الأمني لا توجد إحصائيات دقيقة، مشيرةً إلى أن أكثر الأماكن تأثرا هي مناطق تواجد الدعم السريع في الخرطوم والجزيرة وولايات دارفور.
الرعاية الصحيةوحول جهود الصحة الاتحادية قالت صفاء بخيت إن الوزارة عملت على توفير معينات الولادة والقابلات في معسكرات الإيواء وربط المعسكرات بمؤسسات طوارئ الحمل والولادة، ودعم علاج النازحات من الحوامل وتوفير خدمات الولادة والعمليات القيصرية مجانا، وتدريب الكوادر على تقديم خدمات رعاية الحوامل والدعم النفسي والمعالجة السريرية لحالات الاغتصاب والعنف الجنسي.
من جهته، كشف وزير الرعاية والتنمية الاجتماعية بولاية الخرطوم صديق فريني عن ولادة عدد من الأطفال نتيجة حالات الاغتصاب التي وقعت على نساء من قبل الدعم السريع.
وفي حديثه -للجزيرة نت- قال فريني: لا يمكن التصريح حول إحصائيات عدد الأطفال، لاعتبارات اجتماعية لا يتم تداولها في النطاقات المفتوحة.
وتابع : نتعامل بحذرٍ عال رغم الألم الصامت الذى يعانين منه الضحايا.
الدعم النفسيوتحت وطأة الأثر النفسي للعنف الجنسي وتداعياته تحيا عدد من النساء. وتقول الناشطة في مجال الصحة النفسية فاطمة عربي -للجزيرة نت- إنه عندما تتعرض المرأة لهذه التجربة تشعر بالقمع، وقد تؤدي هذه الحادثة إلى اضطراب ما بعد الصدمة الذي قد يتفاقم إلى الاكتئاب، اضطراب القلق، تعاطي المخدرات بغرض الهروب، التفكير في إنهاء الحياة والانتحار.
إعلانوأضافت "حجم الأزمة الحالية وتداعيات الحرب مؤثر كبير جدا على الصحة النفسية والجسدية لكل فئات المجتمع ولكن المتضرر الأكبر هن النساء والأطفال على الصعيد الجسدي والنفسي ويحتجن للدعم على جميع المستويات".