العراق – من المفارقات الخطيرة في العصر الحديث أن الولايات المتحدة الأمريكية أمنت لنفسها موقعا خاصا غلفته بشكل محكم وهي تتصرف من خلاله كما يحلو لها ولا أحد يستطيع محاسبتها.

هذا الوضع يظهر بشكل واشح في النهج الي اتبعه مع العراق ويتمثل في تشويه الخصم والتهويل من خطورته وتجريمه إلى درجة تحييد الجميع بتعريضهم لصدمات متتالية.

ما جرى مع العراق وأفضى إلى احتلاله وتدميره وقتل مئات الآلاف من الأبرياء بحجج باطلة عن وجود أسلحة دمار شامل لدى صدام حسين، يتكرر ولا يتوقف.

السؤال الملح يقول، ما فائدة التاريخ البشري إذا كانت مصائر الشعوب والدول تبقى رهينة بـ “تقارير” دولة واحدة، أعطت الحق لنفسها في أن تكون “شرطي العالم” لأنها الأقوى والأغنى، والوحيدة القادرة على اتهام نظام لا يعجبها بكل الآثام ثم القضاء عليه بقسوة وعنف، وبعد ذلك الاعتراف بأن “الأدلة ” التي ساقتها سابقا بحماسة لتنفيذ حكم “الإعدام” لم تكن دقيقة ولا يوجد ما يثبتها؟

ما فائدة التاريخ البشري، إذا تفرج الجميع على ما يجري، وصدقوا الدولة العظيمة “الديمقراطية” جدا في اتهاماتها، وكرهوا خصومها بل وأرسل البعض قواته لمساعدتها في القضاء على هذا الخصم “البشع”؟

وحين يتبين أن كل ما قيل عن هذا الخصم محض افتراء، يسارع “الجميع” إلى الصفح عن “الدولة العظمى”، لأنها أعلنت بنفسها وأقرت على الملأ بصيغة، “في الأمر خطأ ما”.

لن يجدي نفعا بطبيعة الحال الحديث عن التاريخ، لأن المنتصر هو من يتولى كتابته، وما يسري على اللاعبين الدوليين الآخرين لا يطاله، لأنه محمي بقواعد دولية له الدور الأكبر في إعدادها وترسيخها والترويج لها، ووسائل إعلام قوية وماكرة تصوره على أنه “منظومة ديمقراطية” طيبة ونزيهة حتى لو قتلت الملايين.

بعد أن تم عزو العراق واحتلاله وتدمير مقدراته بمزاعم وجود أسلحة بيولوجية وصواريخ باليستية وما شابه، أعلن في 2 أكتوبر عام 2003 فريق أمريكي تولى عملية البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية تحت إشراف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وكان يتكون من 1200 عضو، عدم العثور على أي شيء.

ديفيد كاي

رئيس هذا الفريق الأمريكي ديفيد كاي، ذكر أن “صدام ربما كان يخادع بشأن أسلحة الدمار الشامل ليجعل نظامه يبدو أقوى مما كان عليه في الواقع”!

كاي أمام الكونغرس قال متحدث ضمنيا عن الصور والأدلة الأمريكية المزيفة وأنبوب الاختبار بمسحوق أبيض الذي عرض أمام مجلس الأمن: “لم نعثر بعد على آثار لمثل هذه الأسلحة، لكن في الوقت الحالي لا يمكننا القول على وجه اليقين أن العراق لم تكن بحوزته أبدا (هذه الأسلحة). لا يمكننا أيضا الادعاء بأن مثل هذه الأسلحة كانت موجودة قبل بدء الحرب، ومهمتنا هي العثور على مكانها الآن”.

الموضوعية الأمريكية في سياق “صناعة الأكاذيب” واصلت “در الرماد في العيون” بقول رئيس الفريق الأمريكي الكلف بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية التي لا وجود لها، إن فريقه عثر على “دليل لوجود برامج ذات استخدام مزدوج، وهي بوجه خاص، يمكن استخدامها لإنتاج أسلحة الدمار الشامل، وكذلك المعدات المستخدمة في هذه البرامج، التي أخفاها العراق خلال عمليات التفتيش التابعة للأمم المتحدة في عام 2002”.

عمليا، ما سبق يعني، أن الأمريكيين يعلنون للعالم أنهم لم يعثروا على أسلحة الدمار الشامل لكنهم عثروا على ظلالها!

صناعة الكذب تتطلب مهارة في إظهار قدر من “النزاهة” كي تنفتح الأبواب وتصل “الدعاية السوداء” إلى الأسماع والقلوب، وهذا ما يعكسه قول رئيس فريق التفتيش الأمريكي إن خبراءه  “لم يجدوا أي تأكيد على أن صدام حسين كان يمكن أن يأمر باستخدام أسلحة كيميائية أو بيولوجية ضد القوات الأمريكية خلال حرب العراق”، وأن المختبرات المتنقلة المزعومة التي تحدث عنها المسؤولون الأمريكيون، ” لم يتم تحديدها بعد”، وهذا النوع  “يمكن استخدامه على حد سواء بغرض إنتاج الأسلحة وأسطوانات الهيليوم المستخدمة من قبل خبراء الأرصاد الجوي”!

الموضوعية الأمريكية في “صناعة الأكاذيب” شددت في تلك المناسبة في أكتوبر عام 2003 على أن البحث متواصل، وأنهم لم يقطعوا إلا منتصف المسافة، وعلى الجميع أن ينتظر “الأدلة”، ثم يعدون المتلقين والرأي العام العالمي مسبقا، للثقة بهم والاقتناع بأي نتيجة يتوصلون إليها، ملوحين بأن أسلحة الدمار الشامل العراقية إذا لم يعثر عليها فإن “أحد الاحتمالات هو أن العراق ربما يكون قد دمر العديد منها قبل حرب الخليج عام 1991”.

بهذه الطريقة تُدفن الأكاذيب بعد استهلاكها في الظلام، فيما تعيث القوة الغاشمة الأمريكية فسادا في الأرض في جميع الأوقات، دون حسيب أو رقيب.

المصدر: RT

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: أسلحة الدمار الشامل

إقرأ أيضاً:

قرارات «ترامب» تهزّ «صناعة السيارات» عالمياً!

قررت الإدارة الأمريكية “فرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على كل السيارات والشاحنات الصغيرة التي لم تُصنّع داخل الولايات المتحدة، على أن يبدأ تطبيق الإجراء في 3 أبريل“.

وقال ترامب “إن الرسوم الجمركية التي أُعلن عنها، يوم الأربعاء، قد تؤثر سلبا على تسلا أو ربما تفيدها، وأضاف “أن الرئيس التنفيذي للشركة وحليفه المقرب إيلون ماسك لم يقدم له أي نصيحة بشأن الرسوم الجمركية على السيارات”.

وأضاف ترامب للصحفيين: “إن هذا سيعزز النمو، سنفرض رسوما بنسبة 25 بالمئة بصورة فعالة”، وأكد “أنه يتوقع أن تدفع هذه الرسوم الجمركية شركات صناعة السيارات إلى “زيادة استثماراتها في الولايات المتحدة بدلا من كندا أو المكسيك”.

وهزّ القرار الأمريكي الشركات في قطاع صناعة السيارات الأميركي ومنافسيها العالميين، فقد “انخفضت أسهم “جنرال موتورز” ثمانية بالمئة في التعاملات بعد إغلاق السوق، وتراجعت أسهم “فورد وستلانتس” المدرجة في السوق الأميركية بنحو 4.5 بالمئة لكل منهما، وفي آسيا، انخفضت أسهم “تويوتا موتور” و”هوندا موتور” و”هيونداي موتور” بنحو ثلاثة بالمئة.

وبحسب المعلومات، “انخفضت أسهم “تسلا”، التي تصنع جميع السيارات التي تباع في الولايات المتحدة محليا لكنها تستورد بع المكونات، 1.3 بالمئة”.

هذا “ومن المتوقع أن تؤدي تلك الخطوة إلى “تحصيل ضرائب بقيمة 100 مليار دولار”، حيث يشير البيت الأبيض إلى أنها ستدعم الصناعة المحلية لكنها قد تضغط على صناع السيارات الذين يعتمدون ماليا على سلاسل الإمداد العالمية”.

وقالت مجموعة “أوتو درايف أميركا” التي تمثل كبرى شركات صناعة السيارات الأجنبية مثل “هوندا وهيونداي وتويوتا وفولكس فاغن”: “الرسوم الجمركية المفروضة اليوم ستزيد من تكلفة إنتاج وبيع السيارات في الولايات المتحدة، مما سيؤدي في النهاية إلى ارتفاع الأسعار، وتقليص الخيارات المتاحة للمستهلكين، وتراجع وظائف قطاع الصناعات التحويلية في الولايات المتحدة”.

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة توجه تحذيرا إلى فنزويلا
  • قرارات «ترامب» تهزّ «صناعة السيارات» عالمياً!
  • حملاوي تبحث مع رئيس مؤسسة “صناعة الغد” تعزيز التعاون
  • الاستخبارات الأمريكية: الصين أكبر خطر عسكري على الولايات المتحدة
  • الولايات المتحدة الأمريكية تُعرب عن امتنانها لسمو ولي العهد
  • ترامب: الأوروبيون يستغلون الولايات المتحدة
  • الولايات المتحدة الأمريكية تعلن عن نتائج مباحثات مثمرة مع كييف
  • الاتصالات تبحث تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة وجذب الاستثمارات الأمريكية لمصر
  • الولايات المتحدة: اتفاقين منفصلين مع أوكرانيا وروسيا لضمان سلامة الملاحة في البحر الأسود
  • العراق يجذب الاستثمارات الأمريكية ويستعد لزيارة رفيعة لبحث الفرص