هكذا كان اسمه حين عرفته طفلا في عدن ، و مايزال حتى اليوم يحمل الاسم نفسه، و بنفس رسم الخط الذي كان عليه حين رأيته طفلا أول مرة.
مشرب الزحف العربي محل يقدم عصير الليمون و الثريب مع بعض الوجبات الخفيفة ، في حي الشيخ عثمان بعدن، ضمن المحال التي تقع في الدور الأرضي لمسجد النور، و على الجانب الأيسر من قبلة المسجد.
منذ أيام خلت، زرت عدن الجميلة العاصمة المؤقتة و كلما زرتها تستهوي نفسي أن أزور مسجد النور و حواليه؛ فحي الشيخ عثمان كان أول مكان وطئته قدماي حين قدمت إلى عدن، و لأيام الطفولة مخزون من الذكريات لدى كل إنسان. إلا أن الزمن الذي يقف بك وجها لوجه أمام ذكريات الطفولة فكأنما يقف بك أمام قريب حبيب كلما تكرر اللقاء بين حين و آخر !
أذكر تماما أنني عندما غادرت قريتي في الشمايتين تعز، أول مرة إلى عدن للدراسة، وصلت بنا السيارة إلى الشيخ عثمان بعد صلاة العشاء،و بعد سفر نصفه على ظهر الحمار، و النصف الآخر على السيارة.
كان ذلك اليوم هو أول مرة أرى فيها سيارة ! صحيح أن ثورة 26 سبتمبر كانت قد اندلعت؛ لكن بؤس الإمامة كان أكبر من أن تنهي الثورة كل المخلفات الإمامية البائسة التي حرّمت على اليمنيين التعليم فلا مدارس، ولا طرق، و بالتالي فلا سيارات... و كذا كان غياب سائر الخدمات، و فوق ذلك وقفت الفلول الإمامية مدعومة من الاستعمار و أدواته تحارب الثورة، التي كان عليها أن تدافع عن النظام الجمهوري بيد، و تقدم ما استطاعت إليه سبيلا من خدمات باليد الأخرى.
و لذا بدأ التعليم من نقطة الصفر في المدن ناهيك عن الأرياف التي لم تصلها المدارس إلا بعد سنوات. من هنا كانت وجهتنا عدن لنيل التعليم ، حيث عمي عبد الله شقيق أبي الذي تولى تربيتي و تعليمي؛ لأن أبي كان قد قضى في المهجر و أنا في العام الأول من عمري.
يلذ لي الحديث عن عمي عبدالله محمد عقلان، وفاء له أولا،و كنموذج لكل عم يجد ابن أخيه، أو بنت أخيه، قد أدركهما اليتم، أحدهما أو كلاهما.
عشت في كنف عمي، فبحنانه و إشفاقه و رعايته لم أشعر معه بيُتْمٍ أبدا، و لم تكن عمتي التي هي زوجته أقل منه عطفا و حدَبا و رعاية، و كان تعلقي بها شديدا.
اتحدث عنهما لأنني أريد أن أقدم نموذجين فريدين، عَمٌٌ - برغم فقره - احتضن ابن أخيه تربية و تعليما، و تزويجا، و كان كأحد أولاده بل أحب.، و كذلك كانت عمتي بالدرجة ذاتها ، رحمهما الله جميعا.. مرة أخرى أكتب هذا تحفيزا لكل عَم أو جدّ، أو أخ كبير.
نزلت عدن طفلا لعدم وجود المدارس في بلاد ما كان يعرف بالشمال، إذ ضرب الحكم الإمامي المتخلف أسوار الحرمان على البلاد.
و اليوم يعمل الإماميّون الجدد بكل وسيلة لاستعادة ذلك الحرمان، فها هم اليوم يحاربون العلم و التعليم، و بكل شراسة و خبث. و ها نحن نرى حرمان المعلمين من مرتباتهم منذ أكثر من ثماني سنوات، و كذا أساتذة الجامعات.. و غيرهم من الموظفين، و ماتزال النزعة الاستعمارية و أدواتها تمدان أعداء الحياة الحوثيين بكل سبل الإبقاء على الظلم و التجهيل والمرض،و الدمار ..!!
وصلنا عدن بعد سفر مُضْنٍ، و ما أن رأيت أضواء المدينة و انتشار السيارات حتى أبهرني المنظر، و أدهشني ما أرى؛ لذلك استجبت مسرعا لرغبة زميل لي من القرية كان قد سبقني إلى عدن، في أن أخرج معه في تلك الساعة، و مشى بي إلى أحد المحال التي تقع تحت مسجد النور، و كان على مسافة قصيرة من المنزل الذي وصلنا إليه، فقدم لي أحد الأقارب ممن كان يعمل في محل للملابس سروالا و قميصا مستبدلا بهما الثوب الذي كنت أرتديه.
على بضعة أمتار من هذا المحل كان مشرب الزحف العربي، الذي كانت أناشيد الثورة تصدح منه: أنا الشعب زلزلة عاتية.. جمهورية و من قرح يقرح.. وغيرها من الأناشيد.
كل ما مضى من حديث دار في ذهني، و أنا أتناول عصير الليمون في مشرب الزحف العربي، الذي هو اسم المحل، و الذي مايزال الخط برسمه يوم رأيتهما طفلا، إلا ما يتجدد به من طلاء، كنت قد قرأت في المعلامة في القرية ثمانية عشر جزءا.
ما شدني إلى الوقوف متذكرا،هو أن المحل مايزال كل ما فيه،كما كان؛ بكراسيه، و بلاطه، و صور السلال و جمال، و قرون وعل، بل و مايزال أبناء صاحب المحل،و أحفاده يمتلكون المحل، و قطعا مايزالون ينتظرون ما كان ينتظره أبوهم، و جدهم من زحف عربي !
و لئن عجز النظام العربي اليوم عن الزحف، فلابد أن تزحف الشعوب يوما نحو مجدها و حريتها، و تنتصر على مخططات الاستعمار و أدواته ، فالشعوب قدر الله في أرضه كما يقال،و كما قال أبو القاسم الشابي:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
⇧ موضوعات متعلقة موضوعات متعلقة مقالاتالأعلى قراءةآخر موضوعات آخر الأخبار مشرب الزحف العربي أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية اليوم... صفقة خطيرة بين الحوثي والقاعدة تفضي إلى إطلاق... مقتل مواطن في الضالع عقب استجابته لمجهول طرق... مقالات مشرب الزحف العربي رجل مر بيننا بسلام! ”الجمهورية” تنطلق من المخا فرصة سانحة لتحرير صعدة والحديدة اخترنا لك بدأ العد التنازلي.. صراع الأجنحة يشتعل في صنعاء... انتهت إجازة هذا المغترب اليمني وحينما قام بتوديع... صحيفة إماراتية: الأمور تتجه نحو التصعيد العسكري والحوثيون... ما حقيقة قرار ”كريم بنزيما” بالرحيل عن نادي... الأكثر قراءةً بدأ العد التنازلي.. صراع الأجنحة يشتعل في صنعاء... انتهت إجازة هذا المغترب اليمني وحينما قام بتوديع... صحيفة إماراتية: الأمور تتجه نحو التصعيد العسكري والحوثيون... ما حقيقة قرار ”كريم بنزيما” بالرحيل عن نادي... شاهد آخر فيديو قام بتصويره المصور ”حذيفة ”... الفيس بوك ajelalmashhad تويتر Tweets by mashhadyemeni elzmannews الأقسام المشهد اليمني المشهد المحلي المشهد الدولي المشهد الرياضي المشهد الثقافي المشهد الاقتصادي المشهد الديني الصحف علوم وصحة مقالات حوارات وتقارير منوعات المشهد اليمني الرئيسية من نحن رئيس التحرير هيئة التحرير الخصوصية الشروط اعلن معنا اتصل بنا جميع الحقوق محفوظة © 2021 - 2023⇡ ×Header×Footer
المصدر: المشهد اليمني
إقرأ أيضاً:
رقص «السماح» أم رقص «الثوَّار»؟
لا أحد يمكنه تجاهل التحولات الزلزالية الجارية في إقليم الشام، أو التقليل من آثارها وارتداداتها، أو حتى استبعاد مفاعيل نظرية «الدومينو» في الإقليم.
وفي الوقت نفسه، يتوجب التأكيد، على أنه لا أحد أيضاً، يستطيع أن يحبس الحاضر، أو يُجمِّد التاريخ أمام لحظة معينة من الزمان، مهما كانت قوة تلك اللحظة وجبروتها.في أحداث إقليم الشام، خُلِطت الأوراق بشكل معقد، وغابت حقائق كثيرة، وحضرت أسئلة شائكة، وأخرى بلا أجوبة مقنعة. ظلمات بعضها فوق بعض، تذكرنا ببعض دروس التاريخ وعبره، وبأحداث سبقت ما سُمي بالربيع العربي، وبخاصة درس إبادة مليون عراقي بأكذوبة، وكيف تناسلت «القاعدة» الجهادية، «دواعش» برايات ومسميات عديدة، وميليشيات للقتل، وتفتيت المجتمعات، وهدم أعمدة أوطان، وخراب بلدان، وفتنة طائفية، وتنفيذ أجندات «الفوضى الخنَّاقة»، وهدر طاقات وموارد، وقهر للعباد.
وكانت المحصلة: اهتزاز يقين الشعوب العربية في نفسها، وإرهاق الوجود العربي كله، واستفحال عوامل الإحباط والعجز، وضياع الرؤية المشتركة للمخاطر والتهديدات، وضعف الضوابط والروادع التي كانت تكفل القوة الذاتية العربية.
أمام سوريا اليوم، مسار طويل وشاق، فالحدث زلزالي بكل المقاييس، ويفتح الباب أمام الكثير من القوى والدول في الإقليم وخارجه، للانخراط بشكل أو بآخر، في المشهد السوري الجديد، المليء بالفراغات والفرص والتحديات، وسيحضرون لمصالحهم.
الفرح بسقوط النظام، والذي غمر البعض، وبخاصة خصوم الأسد، وما رافقه من تبجيل وتجميل لوجه وخطاب سادة اللحظة في دمشق، طغى على أسئلةِ مستقبل سوريا، بما فيها من أسئلةٍ تتعلق بنزع سلاحها، إثر تدمير آلة القتل الإسرائيلية لأكثر من ثمانين بالمئة من قدرات سوريا الدفاعية والعسكرية والعلمية، وتوسيع احتلالها لأراضٍ جديدة.
ليس سهلاً على أغلبية الدول العربية، الاقتناع بأن هذه التحولات لا تحمل مخاطر على مصير سوريا المستقبل، أو أنها لا تهيئ لعمليات قيصرية مؤلمة لتغيير خرائط جيوسياسية، أو أن الخطاب والسياسات، لقوى إسلاموية منظمة ومسلحة، قد تخلصت من مثالبها، وطموحاتها السلطوية، ودخلت حقبة غير «أفغانية» ومحسَّنة، وتبنَّى –قناعة– بشأن بناء الدولة على أسس المواطنة المتكافئة والمتساوية، واستبدلت عقل الثورة، بعقل الدولة الوطنية المدنية العادلة والجامعة.
كما إنه ليس سهلاً أيضاً على الجوار العربي الجغرافي لسوريا، في الأردن ولبنان والعراق وأهل فلسطين المحتلة، تجاهل مخاطر عودة التناحر والاقتتال الطائفي والعرقي في سوريا. إن بوابات القلق مفتوحة، ومثلما شكل بقاء الطغاة مأساة للبلاد والعباد، فإن زوال الطغاة يجلب فوضى ومآسيَ، ويُغري طوائف وأعراقاً بأحلام الفدرلة والمحاصصة، وقصة «دستور بريمر» الطوائفي والمحاصصاتي سيئ الذكر، ليس ببعيد، وتجربة ليبيا وتحولها إلى دولة هشة مقسمة ومتحاربة، لا تخفى على أحد.
في المشهد الراهن، تبدو تركيا، كرأس حربة للتغيير الذي حدث في سوريا، وصاحبة الكلمة العليا في الملف السوري، وأولوياتها في إقامة منطقة عازلة في سوريا، وتصفية طموحات الأكراد السوريين، بإقامة دولة لهم، في حين تترسخ أولوية أمريكا وأغلبية الغرب الأوروبي، في الدفع باتجاه أن لا يشكل النظام السوري الجديد، تهديداً لإسرائيل، فضلاً عن استمرار اشتعال «الفوضى الخلاقة»، بحجة دمقرطة الشرق الأوسط، وإعادة رسم خرائطه، ورفع شعارات لزجة ذات صلة بحماية الأقليات وحقوقها، وتمكين المرأة.
وفي المشهد أيضاً، تقف إسرائيل أمام فرصة غير مسبوقة لتغيير الميزان العسكري الاستراتيجي في الشرق الأوسط، وتسعى لخلق مجال نفوذ جوهري على مناطق سورية (دروز – أكراد)، والمرابطة على مسار حدود مع سوريا مختلف عن ذلك المحدد في اتفاقية فض الاشتباك 1974.
وفي المشهد أيضاً، روسيا وإيران، وهما تغادران سوريا، بعد أن تأكدتا أن أكلاف الدفاع عن نظام الأسد، لم تعد مجدية سياسياً وعسكرياً ومالياً، وبخاصة مع حصيلة وتداعيات حربَيْ غزة ولبنان، وخيبة أمل كثيرين من لعبة «الصبر الاستراتيجي» الإيرانية، فضلاً عن استفحال خطة الغرب، بإطالة مدى استنزاف روسيا في الحرب الأوكرانية.
سوريا اليوم.. أمام لحظات مصيرية، ويرقب العالم الشعب السوري، وهو في غالبيته، شعب عاش طويلاً في حضن حضارة وثقافة متسامحة، تحترم التنوع والتعدد، نموذجه فارس الخوري، المسيحي البروتستانتي وأحد الآباء المؤسسين للدولة السورية، وفهمه لجوهر الإسلام قمة في الاعتدال، واحتضن على ترابه، لرمزية «قوة العقل» التي يجسدها مرقد العالم والفيلسوف (أبي نصر الفارابي) كما احتضن أيضاً رمزية «قوة الروح»، التي يجسدها مرقد ابن إشبيلية الأندلسية (محيي الدين بن عربي). وكلا المرقدين على مقربة من أبواب دمشق التاريخية.
هل ستنسى حلب ومنبج ودمشق وإدلب، وهي تنسج دستورها ونظامها الجديد، تراثها الثقافي الإنساني؟ هل ستنسى «رقص السماح»، من ألف عام وأكثر من التاريخ، رقصة الروح والجسد الجماعية، وما فيها من هوية وآدب وحشمة ورزانة وجمال وذوق رفيع...؟
الشعب العربي السوري.. بحاجة إلى إنهاء أزمنة الشقاء.. وتغليب لغة الحوار على لغة الانتقام.