الخليج الجديد:
2025-01-15@23:49:27 GMT

رسالة إلى اليسار الغربي

تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT

رسالة إلى اليسار الغربي

رسالة إلى اليسار الغربي

لم تُفتح معركة عنوانها تغيير نظام أحاديّ القطبية الرأسمالي الإمبريالي العولمي الأمريكي، على المستوى الشعبي أو اليساري في الغرب.

ينبغي إبقاء النضال من أجل التحرّر الوطني، ومن أجل العدالة الاجتماعية، ومناهضة المظالم الاقتصادية والاجتماعية في صلب تلك الأممية.

ما ليس مفهوما كيف يسقط النضال ضد النظام الرأسمالي الإمبريالي، وبتطوراته الجديدة في زيادة الهوّة الاجتماعية على المستويين الداخلي والعالمي؟

لا مفر من خلال دراسة دقيقة للتناقضات بالعالم أن يُحدد التناقض الرئيس، وهو اليوم أحاديّة القطبية الأمريكية التي تفرض هيمنتها العالمية على كل الدول.

من المفهوم أن يتهاوى تبني "الاشتراكية العالمية" بعد ما حدث للمعسكر الاشتراكي، والدول الاشتراكية، وبعدما أحدثته الصين من تمازج اشتراكي رأسمالي في نظامها!

سؤال محيّر وموجّه إلى اليسار الغربي: لماذا أسقط مشروع النضال ضد الرأسمالية الإمبريالية؟ ولماذا لم يلتفت لنشوء نظام عالمي أحاديّ القطبية الأمريكية، ينفرد بهيمنته المتوحشة؟!

لم يعد هناك مشروع أممي ثوري، كما طويت أعلام حركات التحرر الوطني، بما فيها حركة عدم الانحياز، رغم وجود حركات يسارية بالغرب دون مشروع ثورة عالمية ولا ذكر لـ"الأممية".

اليسار العالمي وقوى المقاومة والحركات الشعبية بالعالم الثالث يجب أن يدخلوا في حوارات معمقة لتشكيل أممية عالمية جديدة تطيح بأحاديّة القطبية الأمريكية لأجل عالم أكثر عدالة.

* * *

هل من أممية جديدة؟

لو أخذنا القرن العشرين، وامتداده إلى العقود الثلاثة الأولى من القرن الواحد والعشرين، أي إلى 2023، وما ساد من مشروع ثورة عالمية، لوجدنا العالم اليوم يفتقر لهذا المشروع، أو في الأدق، لوجدناه يفتقر إلى من يحملون مثل هذا المشروع. فما تفسير ذلك؟ أو ما هي القراءة للتجربة العالمية؟ أين أنتم؟

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومع البيان الشيوعي الذي وقعه كارل ماركس وفريدريك إنجلز، أعلن عن ولادة مشروع الأممية الأولى: الثورة العالمية ضد الرأسمالية، وقد أوكلاها إلى الطبقة العاملة في أوروبا وأمريكا. وقبل أن ينتهي القرن التاسع عشر نشأت الأممية الثانية التي تخلت عن الأولى.

لكن مع ثورة 1917 في روسيا وولادة الاتحاد السوفييتي، تكرست الأممية الثالثة التي عبّر عنها لينين، ثم الكومنترن الشيوعي، ثم وجدت هذه نفسها تطوي أعلامها مع نهاية الحرب العالمية الثانية، بنشوء المعسكر الاشتراكي، وتعزيزه بنجاح الشيوعيين في الصين 1949.

لكن قبل أن تنتهي خمسينيات القرن العشرين، ولدت إلى جانب عالمية، أو أممية، المعسكر الاشتراكي، عالمية حركات التحرر الوطني لشعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وقد ترجمت نفسها بداية من خلال مؤتمر باندونغ 1955، ثم حركة دول عدم الانحياز. وقد سارع الماركسيون إلى إلحاق ثورة التحرّر الوطني، كجزء من الثورة البروليتارية العالمية (الأوروبية الأمريكية أساسا)، ولهذا طبعا حديث آخر.

رغم الانقسام الخطير الذي وقع في صفوف المعسكر الاشتراكي: الانقسام الحاد بين الاتحاد السوفييتي وحلف وارسو من جهة، والصين من جهة أخرى، وتبعثر مواقف عدد من الدول بينهما؛ كفيتنام وكمبوديا وكوريا الشمالية وكوبا وألبانيا، وذلك مع بداية الستينيات.

ولكن بقيت ثمة عالمية بخطوط عريضة ضد الرأسمالية والإمبريالية تشمل الدول الاشتراكية، كما تشمل تيارات عرفت باسم قيادات اليسار الجديد، في ستينيات القرن العشرين، وبعضها استمر حتى اليوم، وإن بصيغ أخرى غير تلك التي في الستينيات.

حدث زلزال كبير في العام 1991 قبل نهاية القرن العشرين، فقد انهار المعسكر الاشتراكي من خلال انقلابات رأسمالية مؤمركة. وكانت الصين أيضا، بعد وفاة ماو تسي تونغ، وتسلم دينغ هسياو بينغ قيادتها، قد سحبت من أجندتها مشروع محاربة الرأسمالية العالمية والإمبريالية، أو مشروع الثورة العالمية، وقرينها الآخر ثورة شعوب العالم الثالث، لكن مع اعتبار النظام الصيني نظاما اشتراكيا، وفقا للخصوصية الصينية.

هذا الزلزال على الطرف الآخر، أعاد تشكيل النظام العالمي على أساس أحادية القطبية، المتمثلة بأحادية الهيمنة الأمريكية عسكرياً واقتصاديا وماليا وحضاريا وثقافيا، وطويت أعلام الماركسية- اللينينية السابقة.

ولم يعد هناك من مشروع أممي ثوري، كما طويت أعلام حركات التحرر الوطني، بما فيها أعلام حركة عدم الانحياز، رغم وجود حركات يسارية في الغرب، ولكن من دون مشروع لـ"الثورة العالمية"، ولا حتى لذكر "أممية".

صحيح أن فكرة نشوء دول كبرى متعدّدة بدأت إرهاصاتها تتحرك، بصورة مبكرة، في النصف الثاني من التسعينيات، وردّد صداها جزئيا كل من جاك شيراك (فرنسا)، ويفغيني بريماكوف (رئيس وزراء روسيا 1998)، وأصوات خجولة من الصين.

على أن النظام العالمي أحاديّ القطبية الأمريكية بقي على عرشه مع قليل أو كثير من الإزعاج؛ من إيران وحركات إسلامية مقاوِمة.

المهم هنا، لم تُفتح معركة عنوانها تغيير نظام أحاديّ القطبية الرأسمالي الإمبريالي العولمي الأمريكي، على المستوى الشعبي أو اليساري في الغرب!

هذا إلى جانب جنوح عدد من حركات اليسار لتقاوم من مواقع البيئة، و"الأخضر" أو الخضر، ولكن أيضا باهتزاز مع أول تجربة نجاح برلماني هنا وهناك. وذلك مع التحفظ من التعميم، إذ لا بد من أن يكون هناك مَن أو بعض من لا ينطبق عليه أو عليهم هذا التعميم.

على أن السؤال المحيّر هنا، والموجّه إلى اليسار في الدول الرأسمالية الغربية، لماذا أسقط مشروع النضال ضد الرأسمالية الإمبريالية العالمية عموما؟ ولماذا لم يلتفت إلى نشوء نظام عالمي أحاديّ القطبية الأمريكية، يبسط هيمنته المنفردة النهبية المتوحشة، حتى على البلدان الرأسمالية الأخرى، عسكريا وسياسيا واقتصاديا وماليا. طبعا، فضلا عن هيمنته على العالم كله عموما.

إذا كان من المفهوم أن يتهاوى تبني "الاشتراكية العالمية" بعد الذي حدث للمعسكر الاشتراكي، ولعدد من الدول الاشتراكية، وبعدما أحدثته الصين من تمازج اشتراكي رأسمالي في نظامها، وأدى بالكثيرين إلى اعتباره انحرافا نحو الرأسمالية، من دون أن يلفتهم قيادة حزب شيوعي ماركسي- لينيني- ماوي- بتطوير شيوعي صيني!

لكن ما ليس مفهوما، كيف يمكن أن يسقط النضال ضد النظام الرأسمالي الإمبريالي، وبتطوراته الجديدة في زيادة الهوّة الاجتماعية على المستويين الداخلي والعالمي. وقد أصبح في عهد الأحاديّة الأمريكية يحمل من النقد ما يزيد أضعافا، مما وجّه في السابق للأنظمة الرأسمالية الإمبريالية الغربية.

هذا التساؤل يجب أن يواجه الأجيال القديمة الجديدة، أو الجديدة الجديدة من اليسار الغربي، لكي يُطرح مشروع جديد لعالمية أممية يتصدّى لنظام عالمي أحاديّ القطبية الأمريكية.

وقد أصبح في مصلحة كل شعوب العالم، إسقاطه في سبيل إقامة نظام عالمي جديد، يشمل التعدّدية القطبية العالمية والإقليمية، وبمساواة مع كل شعوب العالم، ويكون أقرب للعدالة والمساواة والحرية، ويمنع استمرار الظلم العالمي الذي مارسته الرأسمالية الإمبريالية على شعوب العالم بمراحلها المختلفة.

ولا سيما مرحلة أحاديّة القطبية التي استفردت دولة رأسمالية كبرى واحدة في اضطهاد كل دول العالم ونهبها، بما فيها الدول الرأسمالية الغربية، واليابان وعشرات الدول الأخرى.

إن الأحاديّة القطبية الأمريكية منذ 1991 حتى اليوم، أخذت تشكل خطرا عسكريا واقتصاديا وماليا وبيئيا ومناخيا، وهي تدفع اليوم الحرب في أوكرانيا إلى حافة الحرب النووية، وذلك بغض النظر عن تفاصيل تلك الحرب، وكيف تقوّم.

صحيح أن ما من دولة كبرى، إلّا وعليها الكثير، وكذلك أكثر دول العالم، ولكن لا يجوز وضعها جميعا في بوتقة واحدة، أو المساواة فيما بينها.

لذا لا مفر من خلال دراسة دقيقة للتناقضات في العالم أن يُحدد التناقض الرئيس، وهو اليوم يتمثل بأحاديّة القطبية الأمريكية التي تفرض هيمنتها العالمية على كل الدول.

وأدخلت العالم في مخاطر بعضها يمسّ الوجود الإنساني نفسه، مما يتوجب أن تتحدّ شعوب العالم، بما في ذلك فئات من الشعب الأمريكي ضد هذه الأحاديّة في سبيل نظام عالمي جديد تتساوى كل دوله في إدارته، ويقوم على أساس الالتزام بالقانون الدولي، وبمبادئ ميثاق هيئة الأمم المتحدة، مع تغيير هيكليتها الظالمة، وتغيير موقعها ليكون في بلد غير الولايات المتحدة.

بالنسبة إلى اليسار العالمي، كما بالنسبة إلى قوى المقاومة والحركات الشعبية في العالم الثالث، يجب أن يدخلوا في حوارات معمقة لتشكل أممية عالمية جديدة، تطيح بأحاديّة القطبية الأمريكية، في سبيل عالم أكثر عدالة لشعوبه كافة، ولدوله كبيرها ومتوسطها وصغيرها.

وذلك مع إبقاء النضال من أجل التحرّر الوطني، ومن أجل العدالة الاجتماعية، ومناهضة المظالم الاقتصادية والاجتماعية في صلب تلك الأممية، فيما كل بلد يسعى للعدالة الاجتماعية، ومن أجل عالم أقل فروقا في المعيش ومستوى الحياة، والخدمات الصحية والاجتماعية، والفرص التعليمية، عالم لا تحتكر قيادته دولة واحدة، ولا حتى قبضة دول.

إن الظاهرة الجديدة في عالمنا على المستوى الجيوسياسي الاستراتيجي هو هيمنة أحاديّة القطبية الأمريكية، على النظام العالمي الراهن، وريث عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة ابتداء من 1991. ولا يغيّر من هذه الظاهرة تحالف دول الناتو واليابان وغيرها معه، وذلك رغم هيمنته عليها وتبعيتها له.

أما الظاهرة العالمية الثانية النابعة من الأولى، ومنبثقة عنها، فهو خضوع الرأسماليات العالمية الكبرى لأحاديّة الرأسمالية الأمريكية التي أخضعتها، وجعلت الدولار العملة المسيطرة الأولى في العالم.

*منير شفيق سياسي ومفكر فلسطيني

المصدر | عربي21

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أمريكا اليسار تحالفات الهيمنة الغرب الصين الأممية الرأسمالية الإمبريالية النظام العالمي الثورة العالمية القرن العشرین ة الاجتماعیة شعوب العالم ة الأمریکیة إلى الیسار نظام عالمی النضال ضد ر الوطنی من خلال من أجل بما فی

إقرأ أيضاً:

هكذا تتلاعب الرأسمالية لتحوِّل المقاومة إلى نزاع مسلح

بين مُتهم لـ "حماس"، وفصائل المقاومة بالتطرف والإرهاب، ومناصر لإسرائيل بوصفها تمثيلًا للحضارة الغربية في الشرق الأوسط، وبين من يعتبر فلسطين أرض الميعاد وأصل الشعب اليهودي، وأنها كانت "أرضًا بلا شعب، لشعب بلا أرض"، وبين من يعتبر طوفان الأقصى اعتداءً من حماس على إسرائيل لم ينتج سوى الخراب والدمار والموت، وأن الحل، كما تراه السلطة الفلسطينية، هو السلام، حتى وإن كان يعني في القاموس الصهيوني الاستسلام والخضوع، والقبول بالإبادة الجماعية لشعب أعزل، بين كل هذا وذلك، تغيب تفاصيل كثيرة، ومعطيات تاريخية وأخرى أنثروبولوجية، تكشف الوجه الحقيقي للاستيطان الإحلالي الصهيوني لأرض فلسطين.

وتُخفي أن الأصل في المقاومة هو السلمية، وأن الحياة بدون حرية تعني نهاية الإنسان، وهو ما تبتغيه الإمبريالية وليدة الرأسمالية الاحتكارية، التي تشكل إسرائيل رمزها الأداتي في الشرق الأوسط.

المقاومة من السلمية إلى حمل السلاح

تقودنا حفريات خطاب المقاومة في العالم إلى استخلاص مدارات السلطة والمُلك، والنزاع حول الحق في الوجود، ذلك أن خطاب المقاومة يتضمن وجوبًا خطاب الِملكية وخطاب الحق، وهي خطابات تدور حول مدارات السلطة والمِلكية، وبما أن الِملكية أصل التفاوت بين البشر، فإن هذا الأصل سرعان ما وجد طريقه عبر العنف للاستيلاء على حق الآخر.

إعلان

فمنذ اكتشاف الِملكية صارت الأرض موضوع النزاع الذي تحول بالانتقال من المرحلة الزراعية إلى المرحلة الصناعية، ومن الإقطاع إلى الرأسمالية، ومن الشرعية لمن يمتلك الحق إلى الشرعية لمن يمتلك القوة، وهو ما صاحب نشوء وتطور الرأسمالية.

وبما أن البشر قد طوروا مجموعة من القوانين والأعراف في تدبير المِلكية منذ بداية التاريخ إلى اليوم، فإن الاحتكام حول كل نزاع ناتج عن الاعتداء على الحق في المِلكية، كان يتمّ عبر الطرق السلمية بداية، وهو ما استمرّ مع ملكية الإنسان من بُعدها الفردي إلى الجماعي.

فمن الاعتداء على الأرض والملكية في بعده الفردي، إلى الاعتداء الجماعي، ومنهما إلى الاعتداء الدولتي الإمبريالي على الشعوب، ظلّ الفعل السلمي منطلق الترافع والدفاع عن الحق، وهو ما ميز في البداية فعل المقاومة بمختلف أشكالها ومناطقها في العالم.

فالمقاومة في فيتنام وفي أيرلندا وجنوب أفريقيا وأفريقيا الشمالية، وفي أميركا اللاتينية، وفي الهند، والصين، وفي سوريا، والعراق، وما إلى ذلك من مناطق التوتر في العالم والناشئة عن الفترة الاستعمارية الإمبريالية في صيغتها الكلاسيكية والجديدة، ابتدأت بطرق سلمية قبل أن تتحول إلى عصيان مدني، وانتهاء بالمقاومة المسلحة، بالشكل الذي يترجم ميول الإنسان فطريًا نحو السلم والسلمية، فازدهار مشاعر العنف والكراهية والتوحش والبربرية بالرغم من ارتباطها بالبعد الغرائزي الحيواني في الإنسان، فإنها مرتبطة في قوتها البربرية بالصراع حول الِملك والِملكية.

ولذلك، ما ترتب عن الرأسمالية في تاريخها من دموية لا تضاهيه الحروب الدينية في القرون الوسطى، وهنا يجب أن نستحضر الحروب ومختلف أشكال العنف الناتجة عن الإمبريالية في العالم، بشكل يجعل خلْق مناطق التوتر في العالم، وهي إستراتيجية أميركية بامتياز اليوم، واحدًا من أهم آليات الهيمنة الرأسمالية الاستغلالية في صيغتها الليبرالية المتوحشة.

إعلان

فإذا كانت حروب اليوم حروبًا من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية، ومقدرات الشعوب والأمم، وهي حروب رأسمالية في جوهرها، إمبريالية في إستراتيجيتها، فإن فعل المقاومة ضد الاحتلال بالرغم من أصله السلمي، ينتهي بالنزاعات المسلحة كلما فشلت مساعي السلمية، لا لاختلاف في الرؤى السياسية والفكرية، بل أساسًا لأنّ أصل الاستعمار والرأسمالية الاحتكارية، هو نزع الحقوق بالعنف والسلاح.

ولذلك، ففعل المقاومة حق إنساني كَونيّ لرفع الظلم والاستغلال، بوصفه حقًا في الوجود والحياة. وبما أن الغصب أساس النزعة الإمبريالية التي تولدت عنها مختلف أشكال المقاومة التي تطال الأرض بانتزاعها واستيطانها، والإنسان بانتزاع حريته واستعباده، والثقافة بتفكيكها واستيلابها، حتى لا يقوى الإنسان على المقاومة والدفاع عن أرضه وعرضه وحريته، فإن المقاومة من هنا تصبح الحل الوحيد والأوحد لرفع الظلم والاستغلال.

تأسيسًا على ما سبق، تصبح المقاومة في فلسطين حقًا وجوديًا وإنسانيًا، للدفاع عن أرض مغتصبة، وعن إنسان مستعبد وثقافة يراد تفكيكها بتفكيك أنساقها المؤسسة من دين ولغة وتقاليد وعادات.

ولهذا فالأصل في المقاومة هنا ليس حربًا إسلامية – يهودية، ولا إسلامية ضد المعتقد اليهودي- المسيحي وفق رؤية المحافظين الجدد بأميركا ضد الإسلام والحضارة العربية الإسلامية، بل هي في العمق مقاومة ضد الاحتلال الاستيطاني الإحلالي الإسرائيلي، وضد الإمبريالية والرأسمالية الاحتكارية.

وسواء تعلق الأمر بحماس أو باقي فصائل المقاومة، فإن جوهر الصراع ليس قتل اليهود والتنكيل بهم كما تفعل إسرائيل منذ 1948، بل مقاومة إسرائيل الاستيطانية والإحلالية.

وإذا كانت الواجهة المقاومة/ الحرب هي واجهة مسلحة، فإن الخلفية المرجعية فكرية رأسمالية تجد مبرراتها التاريخية في النزعة الصهيونية التي اتخذت من الدين اليهودي في صيغته التوراتية والتلمودية مبررها الأسطوري لاحتلال أرض فلسطين.

إعلان

وعلى هذا الأساس التاريخي- الفكري يجب أن تنشأ السردية العربية الإسلامية الكونية لفلسطين ضد الاحتلال، بوصفها سردية مناهضة للإمبريالية والرأسمالية الاحتكارية، وطبعًا لا يمكن نجاح هذه السردية إلا باستحضار دور أثرياء اليهود من مصرفيي الدول والحكومات في تطور الرأسمالية والإمبريالية، مثلما تنبّه إلى ذلك كارل ماركس، وهو ما أشار إليه "زيجموند باومان" و"حنا أرنت" في بعض كتابتهما، خاصة "الحداثة والهولوكوست"، و"في معاداة السامية واستحالة الاندماج".

هؤلاء الأثرياء اليهود كان لهم دور كبير على حساب الفقراء والبسطاء من يهود أوروبا الشرقية في المحرقة، وفي معاداة اليهود التي ابتدأت في الغرب، خاصة فرنسا وألمانيا منذ نهاية القرن الثامن عشر، وبداية القرنين؛ التاسع عشر، والعشرين، في وقت كان فيه اليهود ينعمون بالاستقرار والحياة الكريمة في البلدان العربية والإسلامية: في فلسطين، والمغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، والعراق، وسوريا… إلخ، وبل وحتى في إيران.

الاحتلال الاستيطاني الإحلالي الإسرائيلي

قبل الانتداب البريطاني كان الشعب الفلسطيني، بمسلميه ومسيحييه ويهوده، ينعم بالاستقرار في أرض فلسطين، بالرغم من هيمنة العثمانيين منذ 1516 عليها، حيث كانت تحظى بحكم محلي، بيد أن المشكل بدأ بسماح السلطات العثمانية للأجانب بحق تمليك الأراضي حوالي 1869، وبسبب سيطرة بعض العائلات على فلسطين نشأت حركات مقاومة الحكم العثماني.

تصادف ذلك مع احتلال البريطانيين لفلسطين خلال الحرب العالمية الأولى، لتخضع فلسطين تحت حكم الاحتلال والانتداب البريطاني، وحينها لم يكن عدد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية يتجاوز أربعمئة ألف، أي ما يعادل ثلاثة في المئة من يهود العالم، وقد كانوا أقل من ستين ألفًا أثناء وعد بلفور، الذي سيشجع هجرة مسترسلة وبارتفاع ملحوظ سنة بعد أخرى، بتوصية من التاج البريطاني لتأسيس دولة لليهود على أرض فلسطين، الدولة التي كانت لها مؤسسات إدارية وسياسية وتطبع عملتها الخاصة وجوازات سفر مواطنيها ووثائقهم الثبوتية، حتى وهم تحت الانتداب.

إعلان

وشملت هجرة اليهود مختلف بلدان أوروبا والاتحاد السوفياتي لاستيطان أرض فلسطين، بداية عبر اقتناء بعض الأراضي التي تحولت إلى مستوطنات جرى تدريب اليهود فيها على حمل السلاح، وهو ما انتبه إليه الفلسطينيون منذ عشرينيات القرن الماضي، خاصة بعد تأسيس اليهود الصهاينة منظمة مسلحة "هاغاناه" سنة 1921، مما جعلهم أكثر تمسكًا بأراضيهم وممتلكاتهم التي كانت هدفًا لليهود، وهو ما نشأ عنه اشتباكات واحتكاكات دموية تحت رعاية بريطانية واضحة لليهود.

من هنا سوف تنشأ بذور مقاومة فلسطينية للانتداب البريطاني من جهة، والاستيطان الصهيوني اليهودي من جهة ثانية، وقد كانت هذه المقاومة في معظمها، في البداية كما هو الحال في باقي المقاومات في العالم سلمية، عبارة عن احتجاجات ومسيرات وإضرابات، وعلى رأسها الإضراب العام لسنة 1936، والذي أعقبه الدخول في عصيان مدني.

كما اكتست المقاومة الفلسطينية في بدايتها صيغة عربية بالنظر إلى عربية فلسطين، وإسلامية بالنظر إلى معتقد المنطقة، لكنها لم تكن مقاومة دينية أو حربًا اعتقادية ضد اليهود، كما تصور ذلك السردية الإسرائيلية الصهيونية والغربية، بقدر ما كانت مقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، والدليل أن اليهود الأوائل المستقرين كقلة مع المسلمين والمسيحيين في أرض فلسطين كانوا ينعمون بالاستقرار والتعايش مع المسلمين والعرب في فلسطين العثمانية وما قبلها.

لقد كان لبروز الصهيونية وتحويل أرض فلسطين إلى أرض لليهود وفق رؤية دينية أرثوذكسية مقدسة نتيجة لصياغة صهيونية قلبت الأمور، خاصة أن اليهود في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قبل الانتداب البريطاني، وحتى قبل الحكم العثماني عاشوا مع العرب والمسلمين في انسجام وسلام، ولم يعرفوا ما عاشه يهود أوروبا من معاداة ومضايقات ومن عنف، بل ولم تعرف أية منطقة عربية وإسلامية محرقة لليهود أو إبادة كما عرفها اليهود في ألمانيا، بما يعني أن الصراع نشأ حقيقة بعد معاناة اليهود في فرنسا، وتحديدًا عقب محاكمة النقيب درفوس، الضابط اليهودي في صفوف الجيش الفرنسي بعد اتهامه بالخيانة العظمى، وهو ما أثر في هيرتزل سنة 1896، الذي ألف كتاب "دولة اليهود"، حيث بدأت الحركة الصهيونية في الدعاية لاستيطان أرض فلسطين، وطرد شعبها لتأسيس دولة إسرائيل، كحل وحيد ضد معاداة اليهود والتنكيل بهم في أوروبا.

إعلان

ضمن هذا السياق الاستيطاني والاستعماري نشأت مجموعة عز الدين القسام، وفرحان السعدي كأول لبنة للمقاومة الفلسطينية سنة 1936، وبما أن اختلال الموازين بين هذه المجموعة وقوة الانتداب البريطاني والمستوطنات اليهودية كان قائمًا، بعدما أسس اليهود الصهاينة منظمة "هاغاناه" المسلحة سنة 1921، فقد منيت المقاومة بهزيمة كبيرة، خاصة بعد 1945، حيث اشتد التنسيق اليهودي البريطاني توسيعًا للمستوطنات، إذ ستعرف فلسطين النكبة الكبرى بعد حرب 1948، والتي احتلت فيها إسرائيل كامل الضفة الغربية، مؤسسة بذلك دولتها التي سوف تحظى باعتراف الأمم المتحدة ضدًا على الشرعية الفلسطينية؛ بدعوى تقسيم الأرض بين إسرائيل وفلسطين وفق حل الدولتين.

لكن هذا الحل لم يرَ النور منذ ذلك الحين، وبقيت إسرائيل تتمدد وتستوطن الأراضي تلو الأراضي، وتهود المدن والقرى، وهو ما دفع الفلسطينيين سنة 1964 لتنظيم أنفسهم في منظمة التحرير الفلسطينية التي جاءت كرد فعل على سياسة إسرائيل الاحتلالية والإحلالية وعنفها البربري ضد الفلسطينيين العزل.

ثم جاءت حرب 1967 والتي ستتمكن من خلالها إسرائيل من احتلال قطاع غزة، حيث لم يجد الفلسطينيون سوى العودة إلى حمل السلاح ضد العدو الصهيوني، إذ تأسست منظمة "أيلول الأسود "، التي قامت بعدد من العمليات الفدائية، ومن بينها قتل أحد عشر لاعبًا إسرائيليًا بعد أن كان الهدف في البداية هو فقط اختطافهم لإثارة انتباه الرأي العام الدولي للقضية الفلسطينية سنة 1972، وهو ما أسهم في عودة النقاش العالمي حول القضية الفلسطينية بعد أن أهملتها الدعاية الإسرائيلية المغرضة، وضعف الأنظمة العربية.

بيدَ أن حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، كانت مفصلية في التحول الذي ستعرفه القضية الفلسطينية، حيث شكلت بداية انتقال الصراع، من صراع عربي- إسرائيلي إلى صراع فلسطيني- إسرائيلي، بعدما تخلى العرب عن فلسطين بشكل تدريجي، وهو ما مكّن إسرائيل من اجتياح بيروت في سنة 1982، وطرد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، عقب تنفيذ الجيش الإسرائيلي مجزرة في صفوف الفلسطينيين في مخيمات صبرا وشاتيلا بلبنان بمساعدة حزب الكتائب اللبناني، ولم تمضِ حينها سوى سنوات قليلة على اتفاقية كامب ديفيد، بما يفيد تاريخيًا أن إسرائيل لم تفِ يومًا بالوعود والعهود ولا بالقانون الدولي، وهو ما جعل عددًا من الباحثين في القانون الدولي والسياسيين من أميركا اللاتينية يدعونها بالدولة المارقة.

إعلان

بعدما كان للمنظمة ممثلون في جامعة الدول العربية منذ 1964، سوف تجد منظمة التحرير، الممثل الشرعي للمقاومة الفلسطينية نفسها في عزلة شبه تامة، خاصة بعد نهاية حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، واقتصار الرئيس المصري أنور السادات على استرجاع سيناء لتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل في كامب ديفيد سنة 1979، برعاية أميركية، حيث تم الاتفاق من جديد على تطبيق حل الدولتين إلى حدود 1967، وضمان حق العودة للفلسطينيين، الذين طردوا من أراضيهم وسلبوا ممتلكاتهم، وهو ما لم تطبقه إسرائيل، التي استمرت مع ذلك في المماطلة والتسويف، واستئناف الاستيطان والتنكيل بالشعب الفلسطيني.

وبما أن الحل الدبلوماسي الناتج عن اتفاقية كامب ديفيد جعل البلدان العربية تضغط على منظمة التحرير وعلى الفلسطينيين، بوصفه الحل الوحيد في ظل اختلال موازين القوى بين إسرائيل عسكريًا وسياسيًا والمدعومة من الغرب من جهة، والفلسطينيين من جهة أخرى، فقد وجد الفلسطينيون أنفسهم مجبرين على المقاومة السلمية، خاصة مع استمرار سياسة إسرائيل الاستيطانية والإحلالية، حيث بدأت الانتفاضة الأولى، والتي سميت بانتفاضة أطفال الحجارة سنة 1987 لتنتهي عمليًا بتوقيع اتفاقية أسلو سنة 1993 برعاية أممية وأميركية، حيث اعترفت رسميًا منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات بحق دولة إسرائيل في الوجود.

بالمقابل اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير كممثل شرعي للفلسطينيين، والتي سميت بعدها بالسلطة الفلسطينية، وتم الاتفاق على الحدود وحق السلطة بخلق مؤسساتها السياسية والإدارية، وطبعًا تنفيذ ما ترتب عن كامب ديفيد، كحل انتقالي لتأسيس الدولة الفلسطينية، في غضون خمس سنوات كمهلة لانسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وقطاع غزة، في سياق ما بات يعرف حينها بالحكم الذاتي.

وبالرغم من تراجع سقف المطالب الفلسطينية من دولة على كامل الأراضي الفلسطينية إلى مجرد حكم ذاتي، فقد ناورت إسرائيل من جديد وتراجعت عن بنود الاتفاق، واقتحمت قوات الاحتلال مقر الرئاسة الفلسطينية، وتمت محاصرة ياسر عرفات سنة 2002 ثلاث سنوات، وما خلفه ذلك الحصار من قتلى وأسرى، ابتدأ فعليًا باستئناف سياسة المستوطنات والاعتداء اليومي على الفلسطينيين، وإحكام الحصار على قطاع غزة الذي بات تحت بطش الجيش الإسرائيلي، مما جعل الفلسطينيين يعودون مكرهين لاستئناف المقاومة من خلال الانتفاضة الثانية ما بين 2000 و2005.

إعلان

إن التحول الذي حصل في مسار المقاومة وميلها إلى الخيار العسكري كحل نهائي ووحيد لحسم الصراع، لم يكن نتيجة اختيارات، بقدر ما كان حتمية تاريخية بالنظر إلى فشل مسار المقاومة السلمية بمختلف أشكالها، ورد فعل طبيعي على تضخم مستويات العنف والهمجية وحروب الإبادة التي قامت بها، وما تزال، إسرائيل بدعم من اللوبي الصهيوني في الغرب.

ولذلك فبروز فاعل ميداني تجلى في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في أثناء الانتفاضة الأولى سنة 1987، والتي نكل فيها الجيش الصهيوني بأطفال عزل يحملون الحجارة ضدًا على المدرعات والشاحنات والقنابل الإسرائيلية. والتطلع إلى الواقع الميداني سيكشف أن عنف حماس يتناسب وتضخم حرب الإبادة ضد الفلسطينيين.

وبالرغم من فترات من الهدوء والسلمية، وقبول حماس باللعبة السياسية ودخول غمار الانتخابات، والفوز بها في غزة، بما يجعلها بتعبير أصف بيات حركة ما بعد إسلاموية، تقبل بمستلزمات الحداثة السياسية من ديمقراطية وقبول بالاختلاف والتعددية، وبالحريات السياسية، فإن إسرائيل في رفضها لكل انتقال ديمقراطي وكل مدنية سياسية في فلسطين، جعلت من حماس عدوها التاريخي، بعدما أصبحت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية مجردة من السلاح وبعيدة عن كل أشكال المقاومة.

ناهيك عن مسلسل الفساد الإداري والمالي الذي انتشر في صفوف هذه السلطة، فاستمر مسلسل الاغتيالات في صفوف القادة من مختلف الكتائب التابعة لحماس، ولرموزها السياسيين داخل فلسطين وخارجها، على إيقاع صراع الإخوة الأعداء وفق إستراتيجية التقسيم الغربية بين الأهالي، حيث سينشأ صراع فلسطيني داخلي بين منظمة التحرير وعموم السلطة الفلسطينية من جهة، وحركة المقاومة الإسلامية حماس ومن يدور في فلكها من جهة أخرى، بين ضفة غربية مهادنة اختيارًا، وغزة مقاومة قسرًا.

من صراع عربي- إسرائيلي إلى فلسطيني- إسرائيلي

تقودنا قراءة تاريخ القضية الفلسطينية قراءة تفكيكية إلى استخلاص الدروس والعبر من تحولات الرأسمالية نفسها، حيث يبدو بجلاء جوهر الاحتكارية والإمبريالية الغربية، من خلال إضعاف جيوش المنطقة وإفشال كافة مخططات التنمية، لتبقى الدول العربية مجرد أداة من أدوات الإمبريالية، سواء عبر الحروب: 1956- 1967- 1973، أو عبر التبعية الاقتصادية التي وجدت في إستراتيجيات القروض والمنح والمساعدات إحدى آليات الاحتكارية الرأسمالية، وهو ما جعل الصراع مع إسرائيل يتحول من بعده العربي القومي إلى بعده القُطري الوطني المرتبط أساسًا بفلسطين، بعد أن تراجعت قسرًا فلسطين من أجندة البلدان العربية بالتدريج.

إعلان

إن سردية المقاومة وتحولاتها المفصلية من الصراع العربي- الإسرائيلي إلى الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وبروز محور المقاومة، بعد تخلي العالم العربي لارتباطاته الاقتصادية والسياسية مع الغرب، وما تفرضه التبعية من دوران في مدار الرأسمالية الاحتكارية الغربية، وما يلعبه مصرفيو العالم من أثرياء اليهود الصهاينة، ليست سوى تحول في شكل المقاومة وإستراتيجياتها، ذلك أن الخلفية المرجعية للمقاومة ليست في كونها صراعًا عربيًا- إسرائيليًا، أو إسلاميًا- يهوديًا، بل في كونها دفاعًا شرعيًا عن الأرض والإنسان والثقافة، وهو ما يجعل المقاومة الفلسطينية لا تخرج البتّة عن مدار المقاومة في التاريخ، ذلك أن الأرض تمثيل رمزي لكل الأرض.

ففلسطين ليست مجردة بقعة يمكن تغييرها وتفويتها واستيطانها بتهجير المالكين الشرعيين لها، كما تقترحه منذ زمان إسرائيل، سواء عبر توطينهم في الأردن أو في سيناء، أو تهجيرهم إلى بلدان أخرى، بل هي رمز للأرض بصيغة الجمع، حيث يصير الكون أرضًا للتعايش والسلم والسلام، والإنسان ليس مجرد إنسان فلسطيني أو عربي مفرد، بقدر ما هو الإنسان بصيغة الجمع، هو الإنسان في العالم، والثقافة ليست ثقافة فلسطينية عربية إسلامية، بل هي ثقافة كل الأديان، وهي ثقافة الكرامة والحرية والإنسانية، وهي القيم التي تجعل من الثقافة الكونية بتعدد روافدها وتنوعها تُغتال بالوكالة على أرض فلسطين باسم العولمة والأمركة، وهو اغتيال للتعددية الثقافية والاختلاف الفكري بحثًا عن المطابقة، والمطابقة في النهاية هي عدم.

من هنا يمكن للمرء أن يفهم بسهولة لماذا هذه الهبة الإنسانية الكونية في مناصرة غزة في صفوف الأحرار من العالم العربي والإسلامي ومن آسيا، ومن أفريقيا، ومن الغرب نفسه، وكلنا يتذكر المسيرات الاحتجاجية التي جابت شوارع أميركا وبريطانيا وفرنسا والنرويج وإسبانيا وأيرلندا ودول أميركا اللاتينية، والوقفات المساندة لغزة في صفوف طلبة أعتى الجامعات الغربية، خاصة في أميركا وبريطانيا، بالرغم من مسلسل التضييق والمحاكمات الصورية للطلبة ولعموم المساندين… إلخ. ناهيك عن المسيرات المليونية في مختلف أرجاء العالم العربي والإسلامي، ولا أدل على ذلك من توحد 900 خبير ومفكر عالمي في توصيف الاحتلال الإسرائيلي وحربه على غزة بالإبادة الجماعية لشعب أعزل.

إعلان

إن المقاومة واحدة، مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة، هي حق شرعي ووجودي ولد مع الإنسان للدفاع عن أرضه وعرضه وحياته وثقافته.

وإذا كانت أشكال المقاومة تختلف باختلاف السياقات والمرجعيات، فإنها تتوحد في بوتقة واحدة هي مقاومة الاستعمار والاحتلال، ومقاومة قيم الشر أينما كانت، وليس هناك أشرف من مقاومة الرأسمالية الاحتكارية والإمبريالية التي تمثل إسرائيل- الصهيونية، أحد رموزها وعلاماتها الكبرى، بما يفيد أن تحرر العالم -بمن في ذلك البسطاء من اليهود أنفسهم – يمر حتمًا عبر التحرر من الصهيونية والرأسمالية الاحتكارية في صيغها الإمبريالية الجديدة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • هكذا تتلاعب الرأسمالية لتحوِّل المقاومة إلى نزاع مسلح
  • قنبلة طبيعية.. 100 بركان بالقارة القطبية بطريقها للانفجار
  • كيف تدمر الرأسمالية البيئة؟
  • حرائق كاليفورنيا توجه رسالة تحذيرية إلى العالم.. التدخلات البشرية تدمر البيئة
  • الكرملين: العقوبات الأمريكية على روسيا تهدد بزعزعة استقرار أسواق النفط العالمية
  • الكرملين: العقوبات الأمريكية ضد النفط والغاز الروسيين تؤدي لزعزعة أسواق الطاقة العالمية
  • الكرملين: العقوبات الأمريكية على قطاع الطاقة الروسي تستهدف زعزعة استقرار أسواق النفط العالمية
  • الكرملين: العقوبات الأمريكية من شأنها زعزعة استقرار أسواق الطاقة والنفط العالمية
  • الكرملين: العقوبات الأمريكية تهدد استقرار أسواق الطاقة العالمية
  • تتويج مغربي في مسابقة جوائز المعلم العالمية بالهند