في اليوم العالمي للاعنف.. ندوب مخفية في غابة الجرائم المتنقلة
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
عادة ما يحتفي لبنان بالايام العالمية المصنفة على لائحة طويلة للأمم المتحدة، كونه جزءا من الخارطة الدولية وسبق أن وقع على كثير من الاتفاقيات والمعاهدات، حتى وإن كانت مجرد احتفالات استعراضية او للحاق بموجة التصديق على مقررات وتوصيات معينة تتعلق بهذه الايام.. فهل تتخيلون أن لبنان يحتفل باليوم العالمي للاعنف الذي يصادف في 2 تشرين الاول من كل عام؟
هو يوم دولي أقرته الامم المتحدة كمناسبة لنشر رسالة اللاعنف، عن طريق التعليم وتوعية الجمهور.
لا انسانية
وفي لبنان الذي يعاني جحيمًا "اخلاقيا" وندوبا مخفية سببها جرائم نُفذت تحت عنوان العنف المسيطر على النفوس، ينزلق كثيرون في مستنقع بعيد عن الاخلاق والمبادئ، حتى تجردوا من كل معاني الانسانية، فبتنا نسمع عن جرائم تنفذ بعقلية اجرامية لا ترحم، وكأننا في غابة او ابطال من مسلسل "10 عبيد صغار" لا نعرف متى يحين دورنا.
هو العنف المتنقل واللانسانية التي استشرست في نفوس كثر في الاونة الاخيرة. يربط علم النفس الجرمي احيانا ارتفاع معدل الجريمة مع ارتفاع نسبة الفقر والاوضاع الانسانية والظروف المحيطة التي يعيشها كل مواطن. وربما دون الحاجة الى الغوص في تعريفات النزعة الجرمية، يكاد البعض يتفق على انّ نفوس البشر قد تغيرت، فأصبحنا نميل الى العنف ربطا بكل التوتر والتشنج والضياع الذي نعيشه، وما ينتج عنها جميعها من استسهال لفعل ارتكاب الجريمة.
سجلات امنية
وببساطة، تحفل السجلات الامنية بمعدل شبه يومي بجرائم متنقلة بين المناطق، بين من دسّت السم لزوجها بـ"الملوخية"، ومن قُتل ذبحا بعد طعنه بعدد كبير من السكاكين، وغيرها من الحوادث الامنية المسجلة وغير المسجلة، والتي تؤكد فرضية انّ العنف يولد العنف، واستسهال الجريمة اصبح عادة.
كما غريزة الحياة والموت، البناء والتدمير، يتحدث الاختصاصي في علم النفس العيادي حسين حمية لـ"لبنان 24" عن توصيف الحالة العدوانية انطلاقا من العام كتعريفات علمية، والى الخاص بما يتعلق بالوضع في لبنان، إذ تعرف العدوانية كونها السلوك الذي يقصد من خلاله التسبب بالاذى الجسدي واللفظي وغير اللفظي مع تبييت القصد بالأذية.
يقول حمية: "العدوانية بحسب مدرسة التحليل النفسي وبمفهوم الطبيب سيغموند فرويد تحديدا هي نوع من الغريزة والنزعة الفطرية التي تولد مع الانسان، مثل غريزة الموت والحياة، البناء والتدمير.. وبالتالي نزعة الانسان نحو العداونية هي نتاج الطاقة الفطرية الكامنة لدى الانسان والتي تعبر عن نفسها امّا بالتوجه الى الخارج بشكل ايجابي او التوجه نحو الاخر بهدف الأذى. وهنا اصل النقطة محور حديثنا".
تعزيز العدوانية
وحتما هناك عوامل عدة تساهم في تعزيز منحى السلوك العدواني نحو الاسوأ، فتغذيه بجملة من الاهداف المؤذية. وبحسب حمية: "مثل الحب والكره، وهذه متلازمات مرتبطة ببعضها البعض، فكلما زادت واحدة منها نقصت الاخرى. وبالتالي بحسب المدرسة السلوكية بعلم النفس التي تنظر الى العدوان على انّه سلوك مكتسب، فثمة ما يغذي الحب والكره على حد سواء، فيصبح السلوك مكتسبا من خلال البيئة او النواة الاولى او الاسرة. وهنا نعود الى النقطة الاولى وهي ميل الانسان نحو العدوانية".
ويكمل حمية: "اضافة الى العوامل المغذية او المشجعة للعنف، هناك العدوان المبرر مثل الدفاع عن النفس، وهذه ايضا تصرفات مرتبطة بمعايير دينية معينة او اخلاقية لدى مجتمعات معينة، كالدفاع عن الارض، فثمة من يبرر قتل الاخر بهدف الدفاع عن ارضه. وهنا ندخل في التوصيف الى الواقع اللبناني، فثمة من يبرر السرقة اليوم بالازمة الاقتصادية، فتسمع احدهم يقول: "متل ما سرقوني بدي اسرقهن".
الكوب الممتلئ
ويضيف حمية: "حتما لا يمكن ان نحيد الواقع اللبناني الصعب عن الاحداث الامنية التي تحصل، فكلما عانى الفرد من ضغوط معينة، كلما كان اكثر ميولا نحو العصبية والانفعالية، لانه يكون وصل حد الانفجار نتيجة الظروف تماما كما الكوب الممتلئ. يكفي ان تنزلوا صباحا الى الشارع وتشاهدون معالم الغضب على وجوه الانسان، هذا الغضب الذي ينفجر في اي لحظة ويتحول الى مشكل او خلاف يصل احيانا الى حد الضرب والقتل".
ومع غياب الروادع الامنية والضوابط الاخلاقية، حتما ستزيد نسبة الجرائم، ونبتعد اكثر فأكثر عن كوننا مجتمع يميل الى اللاعنف، ونصبح مجتمعا غاضبا لا يحتاج الى شرارة لاشعاله. فما المطلوب لكي يكون الانسان اكثر هدوءا وباحثا عن السلام؟
ادارة الغضب
يتحدث حمية عن منظومة مكتاملة من العوامل المساعدة، ومنها "دور الدولة والقوانين والعقاب، كي لا يكون هناك استسهال للجريمة وتشريع غير مكتوب للسياق العنفي. امّا على مستوى الفرد، هناك مجموعة من التوصيات للاهتمام بالصحة النفسية، وتعلم ادارة الغضب كسبيل اول الى الهدوء النفسي، وهذا قد يتطلب في بعض الحالات اللجوء الى العلاج المختص. وكذلك يمكن للفرد اللجوء الى بعض النشاطات للتنفيس عن الغضب مثل الرياضة او الترفيه او اي نوع من النشاطات التي من شأنها ان تريح الجسم وتقلل الغريزة العدوانية بحسب اهتمامات كل شخص".
ويؤكد حمية ضرورة عدم اهمال الجانب الروحي، والتفكير بطريقة ايجابية والبحث عن هدف ومعنى لوجود الشخص، "وتبقى النصيحة الاهم تعلموا ادارة تقنية الغضب عن طريق الاستبدال، وحاولوا استبدال كل ما هو خطأ وانفعالي وعصبي بما هو اكثر هدوءا وانضباطا.. والا سنبقى مجتمعا منغمسا في العنف اكثر فأكثر". المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
في اليوم العالمي للسكان 2025.. كارثة ديموغرافية في غزة تُربك خطط الإغاثة وتُسقط كبار مسؤولي بوسطن للاستشارات
شهد قطاع غزة تدهوراً ديموغرافياً وإنسانياً حاداً بفعل الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكتوبر 2023، ما يجعله نموذجاً مروعاً لانهيار المجتمعات، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
منذ اندلاع الحرب، فقد أكثر من 57 ألف فلسطيني حياتهم، بينهم حوالي 18 ألف طفل و12 ألف امرأة، إضافة إلى نحو 11 ألف مفقود، وسط نزوح 100 ألف آخرين من القطاع. كما بلغ عدد الجرحى نحو 130 ألف شخص، 70% منهم من النساء والأطفال.
وسجل القطاع تراجعاً غير مسبوق في عدد السكان، حيث انخفض عددهم إلى نحو 2.1 مليون نسمة، بانخفاض يصل إلى 10% مقارنة بالتقديرات السابقة لنفس الفترة.
وأكد الجهاز أن الاستهداف المتعمد للفئات العمرية الشابة يشكل تهديداً لقاعدة الهرم السكاني، مما سيؤدي إلى فجوة ديموغرافية تمتد آثارها لعقود، مع توقعات بانخفاض كبير في معدلات المواليد مستقبلاً بسبب فقدان عدد كبير من النساء في سن الإنجاب.
يأتي هذا في ظل استمرار المعاناة الإنسانية من نقص الغذاء وسوء التغذية، مع احتمال وفاة آلاف الرضع نتيجة للأوضاع الصعبة.
الأمم المتحدة تحذر بعد إدخال أول شحنة وقود لغزة منذ 130 يوماً: “لا تكفي ليوم واحد”
أدخل فريق تابع للأمم المتحدة، الأربعاء، نحو 75 ألف لتر من الوقود إلى قطاع غزة، وهي أول شحنة من نوعها منذ 130 يوماً، وسط أزمة وقود حادة تهدد استمرار الخدمات الأساسية في القطاع المحاصر. لكن المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أكد أن هذه الكمية لا تكفي لتغطية احتياجات قطاع غزة ليوم واحد فقط.
وأوضح دوجاريك أن “الوقود ينفد بسرعة، والكمية التي وصلت أمس لا تكفي حتى لتشغيل البنى التحتية الأساسية ليوم واحد، وستتوقف الخدمات الحيوية ما لم يتم إدخال كميات أكبر وبشكل عاجل”. وأضاف أن المنظمة وشركاءها بحاجة إلى “مئات الآلاف من لترات الوقود يومياً” لضمان استمرار العمليات الإنسانية الأساسية.
وشدد على أن نقص الوقود يهدد بشكل مباشر وصول مياه الشرب النظيفة، حيث أشار أحد شركاء العمل الإنساني إلى أن انقطاع المياه قد يصيب نحو 44 ألف طفل، ما يزيد من خطر انتشار أمراض منقولة بالمياه مثل الكوليرا والإسهال والزحار.
في سياق متصل، أفادت الأمم المتحدة بأن قصف مكتب أحد شركاء العمل الإنساني في مدينة غزة أدى إلى مقتل ثلاثة من موظفيه، مما يفاقم من الأوضاع الإنسانية الصعبة.
وحذرت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أولجا تشيريفكو، من أن مخزون الوقود في القطاع “قارب على النفاد” وأن ذلك يهدد بانهيار الخدمات الأساسية، مضيفة أن “الوقود نفد فعلياً، وكل ما كان موجوداً تم توزيعه، وما لم تدخل كميات إضافية، ستتوقف العمليات الإنسانية تماماً”.
وأشارت تشيريفكو إلى توقف تدريجي لمنشآت المياه والصرف الصحي والمرافق الصحية، في حين تتعرض المستشفيات والنقاط الطبية القليلة المتبقية لخطر الإغلاق في أي لحظة.
من جهته، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش من أن “آخر شرايين الحياة في غزة يتم قطعها”، مؤكداً أن غياب تدفق الوقود العاجل سيوقف عمل الحضانات وسيعرقل وصول سيارات الإسعاف إلى الجرحى، فضلاً عن تعطيل عمليات تنقية المياه.
على صعيد متصل، رفضت إسرائيل هذا الأسبوع طلباً من الأمم المتحدة لنقل ما تبقى من مخزون الوقود من جنوب غزة إلى شماله، ما يزيد من تفاقم الأزمة في المناطق الأكثر تضرراً من القصف والحصار.
بعد خطة “أورورا”.. أزمة مساعدات غزة تُربك بوسطن للاستشارات وتُطيح بقيادات عليا
تواجه مجموعة بوسطن للاستشارات (BCG) الأميركية واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخها، بعد انكشاف تورّطها في خطة مثيرة للجدل لتوزيع المساعدات في قطاع غزة، تخللتها اتهامات بالتخطيط لإعادة توطين الفلسطينيين خارج القطاع، وتسببت في سقوط ضحايا بنيران إسرائيلية، ما أثار عاصفة من الانتقادات أدت لتنحي عدد من كبار مسؤوليها التنفيذيين.
وقالت صحيفة وول ستريت جورنال إن اثنين من أبرز الشركاء في الشركة، آدم فاربر (رئيس قسم إدارة المخاطر) وريتش هاتشينسون (رئيس وحدة التأثير الاجتماعي)، تنحّيا عن مناصبهما القيادية، في أحدث حلقة من تداعيات المشروع الذي حظي بدعم إسرائيلي وارتبط بـ”مؤسسة غزة الإنسانية”، التي تعرضت لانتقادات واسعة إثر مقتل مئات الفلسطينيين أثناء انتظار المساعدات.
وفي وقت سابق، أعلن الرئيس التنفيذي للشركة كريستوفر شفايتسر أن تورّط المجموعة في مشروع “أورورا”، الذي تضمن نماذج مالية لتهجير سكان غزة، كان “مؤذياً بشدة” لسمعة الشركة، مشيراً إلى أن الشريكين مات شلويتر ورايان أورادواي، اللذين أطلقا المشروع دون تفويض رسمي، تم فصلهما في يونيو الماضي.
وأفادت الشركة بأن المشروع بدأ كمبادرة مجانية لحل مشكلات الإمدادات الغذائية في غزة، قبل أن يتحول إلى عمل مدفوع الأجر لصالح شركة McNally Capital، ويخرج عن نطاق التفويض، متضمناً نماذج لإعادة التوطين أعدها الشريكان المفصولان. وقالت إن التحقيقات أظهرت “سلوكاً فردياً خاطئاً وإخفاقاً في الرقابة”، وإنها لم تتقاضَ أي أموال مقابل تلك النماذج.
تعود جذور الأزمة إلى خريف 2024، عندما بدأت BCG بإعداد دراسة جدوى لإنشاء منظمة مساعدات في غزة، بدعم من شركة الأمن الأميركية Orbis Operations التي تضم عناصر سابقة في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، وأسفر التعاون عن إنشاء “مؤسسة غزة الإنسانية”، وهي الجهة التي أدارت توزيع المساعدات على الأرض، وسط اتهامات بتعريض المدنيين للخطر وإجبارهم على عبور مناطق قتال.
تقول الصحيفة إن شركة Safe Reach Solutions، المتخصصة بالخدمات اللوجستية، تولت تأمين مواقع التوزيع، إلا أن المشروع تطور لاحقاً إلى إعداد نماذج لإعادة توطين الفلسطينيين، وهو ما وصفته صحيفة فاينانشيال تايمز بأنه مخطط أُطلق عليه اسم “أورورا”، يهدف إلى تهجير سكان غزة، بدعم من جهات إسرائيلية.
وأثارت التسريبات غضباً داخل الشركة، ودفع منظمة Save the Children إلى تعليق شراكتها معها، فيما طالبت لجنة برلمانية بريطانية بإجابات مفصّلة من الشركة بحلول 22 يوليو، حول طبيعة المشروع ومن كلّف بتنفيذه.
في رسالة داخلية حصلت عليها وول ستريت جورنال، أقرّ المدير التنفيذي بضرر بالغ لسمعة الشركة، رغم تأكيده أن المشروع لم يكن رسمياً. وتشهد BCG حالياً مراجعة شاملة لأنظمة الحوكمة والمخاطر، وسط تساؤلات من موظفين سابقين وحاليين حول كيفية توريط شركة رائدة عالمياً في مشروع “يتعارض مع مبادئها الأخلاقية”.
وتحظى منطقة الشرق الأوسط بأهمية متزايدة لشركات الاستشارات، رغم أنها لا تمثل سوى 3.4% من السوق العالمية، إلا أن حجمها بلغ 8.72 مليار دولار في 2024، بنمو 11% عن العام السابق. وتستخدم الشركات مشاريع “خيرية” مجانية لتدريب موظفيها الجدد وبناء علاقات استراتيجية مع الحكومات وصنّاع القرار.
لكن مشروع “أورورا”، الذي تحول من مبادرة إنسانية إلى أزمة علاقات عامة وحقوقية، قد يكون درساً مكلفاً حول حدود دور شركات الاستشارات في مناطق النزاع، وأهمية ضبط المخاطر المؤسسية في زمن تصاعد الأزمات الجيوسياسية.