مرت أيام ثقيلة على قلبي، لم أستطع أن أكتب شيئاً عن الصديق الراحل أحمد شوقي بنيوب، خبر الوفاة صاعقة منذ أيام، ولكن غصة القهر في القلب تبقى، رأيته مسجى وانا في بيته فتوقف كل شيء أمامي.
هذه دنيا عجيبة يا شوقي، وللوقت غدره الذي لا يُحتمل ياصاحبي. فرغم إنذارات المرض الخبيث المؤلمة من سنوات،إلا أن رحيله بقي صاعقاً، لثقتنا بأنه سَيَهزِم المرض الخبيث، ولأننا نتشبث بوجوده، ولا نتخيل كل هذا الفراغ الذي سيتركه وكان يشغله بنشاط متوقد لا يتوقف.
شوقي الذي يحدثك بكل حواسه وليس فقط لسانه، يندفع نحوك بحب ليقف مع قضاياك المؤمن بها دون تردد.
وكنت أشفق عليه في الأشهر الأخيرة فالمرض لا يرحم، وغدر الجسد الذي أهملناه ينتقم من أرواحنا دون هوادة، وكنت اسأله عن محنة مرض مرت بي وكيف هو تغلب عليها، فيرد جاداً وساخراً بنفس الوقت: "مستقبلي صار خلفي يا صديقي"، دعنا نقاتل الحاضر. هو فعلاً يقاتل وليس فقط يناضل.
وخلال رحلة تمتد لربع قرن تقاطعت مواقف عدة مع الصديق العزيز، وكان مسار نضال حقوق الإنسان هو المشترك.
ورحلة أحمد شوقي بنيوب المناضل المغربي الأصيل ومحطات عمله، تلخص رحلة جيل في كل المنطقةالعربية. انسجم مع نفسه وذاته، شاباً صغيراً عرفته تنظيمات السياسة الموجعة، ورجلاً متوقد الحماس عرفه العمل الحزبي، ومناضلاً منسجم مع نفسه عرفته مسيرة حقوق الإنسان.
سواء كان في المعارضة أو ضمن مؤسسات السلطة، في الحزب أو خارجه، كان الرجل مع قناعته وسلوك حياته الصادقة. أنه أحد وجوه " الإنصاف والمصالحة"، تلك التجربة الرائدة التي تستحق وقفة جادة الآن حولها، لتنير الطريق للناشطين في أكثر من بلد يعاني من الصراعات ومصادرة الحقوق والحريات.
تجربة تجعلنا نعبر جسر الألم الذي لن يتم إلا بصدق التسامي فوق الجروح، والعمل بجدية من أجل الإنصاف والعدالة.
وتحضرني عبارة جميلة للحقوقي المغربي الراحل إدريس بن زكري هي:
"ننشعر دائماً أن الجرح لم يندمل لكنه ليس شيئاً يفسدنا من الداخل".
نعم تلك هي طاقة الأمل التي نحتاجها لاجتياز درب الآلام نحو شط النجاة.
في العام الماضي زرت شوقي بنيوب بالرباط ،في مكتبه وهو وزير منتدب لحقوق الإنسان بالمغرب (المنصب الذي بقي فيه حتى وفاته) . لم يكن لقاء بروتوكولات ولا سياسة، كان حديث أصدقاء يجمعهم الهم ومحطات عمل وعمر مشترك .
يضفي على الجلسة حماسا منقطع النظير، جدية لا يمكن إلا أن تحبها مقترحات عمل لا تتوقف، امتلأت الطاولة امامنا بعشرات الكتب والتقارير، وليس ورود وابتسامات مصطنعة، بل كتب وأوراق عمل، يفند هذا ويقترح قراءة ذاك.
ونغادر وقد وضعنا خطة تدريب لثلاثين دارساً من اليمن في المغرب يشرف عليها هو وقد كان!.
ذاك هو احمد شوقي بنيوب، وصل للمنصب الوزاري ولم يغادر سكنه الحميم السابق وجيرانه المحبين وصاحب الدكان الصديق، ولم يأبه بمظهر المراسم والتشريفات، كان مهموما بقضاياه المؤمن بها منذ أيام اول زنزانة صغيرة في مراكش، وحتى شرفة المكتب بمدينة الأنوار الرباط.
وكنت أقول له في كل لقاء يسأل عني أين أنا الآن؟ اقول له ما نؤمن به، نحن في خندقنا كما نحن، مهما تغيرت المسميات والوظائف، الآخرون يأتون إلينا ولا نذهب إليهم. تلك هي خلاصة مسيرة رجل انسجم مع نفسه فمر بيننا بسلام .
__________
*النهار اللبنانية
⇧ موضوعات متعلقة موضوعات متعلقة مقالاتالأعلى قراءةآخر موضوعات آخر الأخبار رجل مر بيننا بسلام! بدأ العد التنازلي.. صراع الأجنحة يشتعل في صنعاء... محلل سياسي يكشف عن ”الطرف القوي” الذي يُعول... انتهت إجازة هذا المغترب اليمني وحينما قام بتوديع... مقالات رجل مر بيننا بسلام! ”الجمهورية” تنطلق من المخا فرصة سانحة لتحرير صعدة والحديدة التغييرات الجذرية! اخترنا لك بدأ العد التنازلي.. صراع الأجنحة يشتعل في صنعاء... انتهت إجازة هذا المغترب اليمني وحينما قام بتوديع... صحيفة إماراتية: الأمور تتجه نحو التصعيد العسكري والحوثيون... ما حقيقة قرار ”كريم بنزيما” بالرحيل عن نادي... الأكثر قراءةً بدأ العد التنازلي.. صراع الأجنحة يشتعل في صنعاء... انتهت إجازة هذا المغترب اليمني وحينما قام بتوديع... صحيفة إماراتية: الأمور تتجه نحو التصعيد العسكري والحوثيون... ما حقيقة قرار ”كريم بنزيما” بالرحيل عن نادي... شاهد آخر فيديو قام بتصويره المصور ”حذيفة ”... الفيس بوك ajelalmashhad تويتر Tweets by mashhadyemeni elzmannews الأقسام المشهد اليمني المشهد المحلي المشهد الدولي المشهد الرياضي المشهد الثقافي المشهد الاقتصادي المشهد الديني الصحف علوم وصحة مقالات حوارات وتقارير منوعات المشهد اليمني الرئيسية من نحن رئيس التحرير هيئة التحرير الخصوصية الشروط اعلن معنا اتصل بنا جميع الحقوق محفوظة © 2021 - 2023⇡ ×Header×Footer
المصدر: المشهد اليمني
كلمات دلالية: شوقی بنیوب
إقرأ أيضاً:
رمضان بين القدسية والانحلال .. أزمة وعي
بقلم : سمير السعد ..
يعد شهر رمضان المبارك موسمًا للسمو الروحي والتأمل والتقرب إلى الله، لكنه في السنوات الأخيرة أصبح، للأسف، ميدانًا لانفلات أخلاقي وإعلامي ممنهج، تحركه منصات رقمية وبرامج ترفيهية ومسلسلات تساهم في تجهيل المجتمع وتعزيز التفاهة والانحطاط الأخلاقي.
لا يمكن إنكار أن بعض وسائل الإعلام استغلت الشهر الفضيل لإنتاج محتوى يروج للعنف اللفظي والجسدي، ويجعل من السوقية والانحطاط الفكري أدوات لجذب المشاهدات. برامج تسعى إلى الإثارة بدلًا من التثقيف، ودراما تنحدر إلى مستوى متدنٍ من الحوار والمضمون، فضلًا عن موجة “الترندات” التي تغزو مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أصبح التفاخر بالسطحية والانحلال جزءًا من الاستعراض اليومي لبعض المؤثرين، الذين يسوّقون لأفكار تضر بالقيم الأسرية والمجتمعية.
أحد أبرز مظاهر الانحراف في المشهد الإعلامي هو استغلال العلاقات الأسرية للترويج لمحتوى هابط، حيث بات بعض الأزواج والزوجات يستعرضون حياتهم الشخصية لأغراض التسوّل الإلكتروني أو لتحقيق الشهرة، متجاهلين أن هذه السلوكيات لا تتماشى مع أخلاق المجتمع المحافظ، بل تكرس مفهوم الدياثة وتسليع الإنسان وتحويل الحياة الزوجية إلى سلعة إعلامية تُباع وتُشترى.
ولا تقتصر الأزمة على الإعلام الترفيهي فقط، بل تتعداها إلى المشهد السياسي، حيث نجد كتّابًا ومدونين ينقلبون على آرائهم بين ليلة وضحاها، متماشين مع من يتصدر الواجهة السياسية، في ممارسة مكشوفة للتملق والانتهازية. فمن كان يهاجم جهةً بالأمس، تجده اليوم يصفق لها، وكأن المبادئ أصبحت مجرد شعارات مؤقتة تُبدّل وفق المصالح.
وفي الوقت الذي يتعرض فيه الأبرياء في البلدان الإسلامية إلى القتل والتشريد، يلهث جزء كبير من المجتمع وراء تفاهات مواقع التواصل وبرامج “الترفيه”، غافلين عن معاناة الشعوب التي تعاني ويلات الحروب والاضطهاد. هذه اللامبالاة المتزايدة تنذر بمخاطر مستقبلية تهدد الوعي الجماعي، وتجعل من التجهيل أداة لإضعاف المجتمعات وإبعادها عن قضاياها الحقيقية.
في ظل هذا المشهد المظلم، لا بد من وقفة جادة من الأسرة والمجتمع لمواجهة هذا الانحدار. فالتربية الأسرية لا تزال الحصن الأول ضد الانحراف، ولا يصعب على الآباء توجيه أبنائهم وتنبيههم لعدم الانجرار وراء المحتوى الهابط. كذلك، فإن الجهات الأمنية ونقابة الفنانين وهيئات الإعلام مطالَبة بالتصدي بحزم لمروجي الانحلال، وفرض رقابة صارمة على البرامج التي تنشر العنف والتفاهة والإباحية المقنّعة.
رغم هذه الموجة الجارفة من التفاهة، برزت أعمال درامية راقية حافظت على القيم الفنية والرسائل الهادفة، مثل مسلسل “العشرين” للفنانة آلاء حسين، الذي قدم صورة مؤثرة ومتزنة للدراما العراقية، إضافة إلى العمل الذي يجسد بطولة الشهيد حارث السوداني، ومسلسل “قط أحمر” للفنان أحمد وحيد، الذي تميز بأسلوبه الساخر والهادف. هذه الأعمال تثبت أن الإعلام يمكن أن يكون أداة للإصلاح بدلًا من الانحطاط، إذا وُجدت الإرادة الحقيقية لصناعته بمسؤولية.
لقد وصلنا إلى مفترق طرق خطير، حيث أصبح تجهيل المجتمع مشروعًا متكاملًا يُروّج له بطرق مباشرة وغير مباشرة. لكن الأمل لا يزال قائمًا بفضل الوعي المتنامي لدى فئة من المثقفين والمجتمع الواعي الذي يدرك مخاطر هذا الانحدار. المسؤولية مشتركة، بين الأفراد والجهات الرسمية، لإنقاذ ما تبقى من القيم، وإعادة الهيبة لشهر رمضان كزمن للروحانية لا للانحلال.
فهل سنستمر في الانحدار، أم سنستعيد وعينا قبل فوات الأوان؟
سمير السعد