تقرير: الإغلاق الحكومي بات جزءاً من الفوضى في واشنطن
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
عندما كانت واشنطن تتجه نحو إقفال حكومي آخر منهك في نهاية الأسبوع، لم تبدُ أمريكا على وشك السقوط عن حافة مقعدها المريح.
الرأي العام بات معتاداً على الفوضى في واشنطن
وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" إن اتجاهات محرك البحث "غوغل" تظهر أن الأمريكيين في الأيام التي قادت إلى الإغلاق، لم يكونوا أكثر فضولاً لمعرفة النتيجة.
ربما لا تكون هذه علامات على ثقة الرأي العام بأن قادة البلاد سيتجنبون على نحو ما القفز إلى الهاوية في اللحظة الأخيرة، رغم أنهم فعلوا ذلك بشكل مفاجئ. وربما يشير هذا إلى أن أمريكا في هذه اللحظة تفترض أن واشنطن ستسقط في الهاوية في نهاية المطاف. وعلاوة على ذلك، فإن الصفقة التي توصل إليها الكونغرس لإبقاء الحكومة مفتوحة تستمر فقط إلى منتصف نوفمبر (تشرين الثاني). عهد التعطيل
ويبدو أن أمريكا باتت تتوقع الأزمات. وفي عهد التعطيل والاستقطاب والتمرد، مع رئيس سابق يواجه 91 اتهاماً جنائياً في 4 قضايا جرمية، ورئيس يواجه تحقيقاً للعزل، ورئيس لمجلس النواب يواجه تحركاً لتجريده من منصبه، فإن البلاد اعتادت على الفوضى في العاصمة. إن الخلل الوظيفي هو الوضع الطبيعي الجديد.
News Analysis: In an era of disruption and polarization and insurrection, the U.S. has grown accustomed to chaos in the capital. https://t.co/YbqnyMuggk
— The New York Times (@nytimes) October 1, 2023
ويقول ج. وليم هوغلاند، الذي أمضى 33 عاماً في الحكومة الفيدرالية، معظمها كمسؤول بارز عن الجمهوريين لشؤون الموازنة في مجلس الشيوخ: "بالنسبة للأمريكي العادي خارج حزام العاصمة، فإن فترات التوقف الحكومي لا تبدو شيئاً جديداً، لسوء الحظ".
إن الإغلاقات الحكومية هي ظاهرة حديثة، ودليلاً على مدى تفتت العاصمة. وبينما كان الكونغرس يفشل أحياناً في تمرير مشاريع قوانين انفاق في الوقت المحدد، لم يكن يؤدي ذلك إلى إغلاق كامل، إلى أن جاء وزير العدل في ظل رئاسة جيمي كارتر في عامي 1980 و1981، ليقول إنه من دون اعتمادات في الكونغرس، فإن الوظائف غير الضرورية يتعين أن تتوقف. وحصل ذلك مراراً إبان ولايتي الرئيسين رونالد ريغان وجورج إتش. دبيلو. بوش، ولكن معظم الأحيان لمدة ساعات أو أيام في نهاية الأسبوع، بحيث بالكاد تمكن ملاحظته.
هذا التغيير الزلزالي حدث في آواخر 1995 وأوائل 1996، عندما أطلق مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون إغلاقات متتالية خلال خلاف على الموازنة مع الرئيس بيل كلينتون، ما أدى إلى رد فعل شعبي جعل مثل هذه التكتيكات ذات أثر سياسي لمدة 18 عاماً. ومنذ 2013، واجه الرؤساء باراك أوباما ودونالد ترامب وبايدن تهديدات بإغلاقات متعددة، الأمر الذي جعلها تبدو عملاً روتينياً.
To Many Americans, Government Dysfunction Is the New Normal https://t.co/5Chr2zehDb
— Jeffrey Levin ???????? (@jilevin) October 1, 2023
وترى السناتور الديمقراطية السابقة عن ولاية ميسوري كلير ماكسكيل، أن "هذا جزءاً كبيراً من المشكلة.. إن الخلل الوظيفي والفوضى هما الآن في مجرى الدم السياسي، وهكذا فإن الناس لا يتوجهون بالاعتراض أو يبعثون برسائل البريد الإلكتروني إلى العاصمة" كي يسجلوا اعتراضاتهم لدى نوابهم، مضيفة: "إنهم يرون هذا جزءاً طبيعياً من حالة الاستقطاب والانقسام الحزبي في واشنطن".
ما جعل هذا الإغلاق الأخير المحتمل مختلفاً عن إغلاقات سابقة، هو أنه تخلله قتال أقل بين الديمقراطيين والجمهوريين، مما وقع بين الجمهوريين والجمهوريين. وفقد رئيس مجلس النواب كيفن ماكارثي السيطرة على الغالبية الضئيلة، وأرغم على الذهاب نحو الإغلاق مدفوعاً من حفنة من المتشددين الذين تحدوه، وأرغموه على اللجوء إلى الديمقراطيين لتفادي الإغلاق.
وقالت مايا ماغينيس رئيسة لجنة من الحزبين من أجل موازنة مسؤولة، إن الرأي العام بات معتاداً على الفوضى في واشنطن، بحيث أنه خفض سقف ما يتوقعه.
وأضافت: "لقد انخفضت توقعاتنا، وأصبحنا مخدرين حيال إخفاقات حكومتنا.. لقد باتت أكثر صعوبة رؤية كيف يمكن التراجع عن ذلك، والحفاظ على دورنا في العالم. إن الطريقة الوحيدة للتغيير تكمن في مطالبتنا لقادتنا أن يكونوا مدفوعين ليس بالغضب، وإنما بالرغبة في جعل البلاد أكثر توحداً".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الفوضى فی فی واشنطن
إقرأ أيضاً:
من الفوضى إلى الفرص: رؤية مجتمعية
د. رضية بنت سليمان الحبسية
في عالم يتسم بالتغيرات السريعة والتحديات الاجتماعية، تظل الأنظمة والقوانين الوطنية العمود الفقري الذي يحفظ توازن المجتمعات. ومع ذلك، فإن هناك فئة من الأفراد تتجاوز هذه القوانين، مما يثير تساؤلات عميقة حول الأسباب والدوافع وراء هذه التجاوزات. كما إن تفشي ظاهرة الجنوح لا يعكس فقط ضعفًا في الالتزام بالقوانين؛ بل يكشف أيضًا عن أبعاد اجتماعية واقتصادية ونفسية معقدة، ومن خلال تحليل هذه الظواهر وتقديم استراتيجيات فعالة، يمكن التقدم نحو التغيير الإيجابي، وبناء مجتمعٍ يتسم بالتماسك والاستقرار، لتحقيق الرؤى المستقبلية بكل ثقة واقتدار. وفي هذه المقالة، سنسلط الضوء على عدة قضايا مجتمعية، وهي:
القضية الأولى: يُعدّ الفقر وتدني الأحوال الاقتصادية للأُسر من العوامل الرئيسة التي تدفع بعض أفرادها إلى تجاوز الأنظمة والقوانين، فعندما يعاني الفرد من ظروف اقتصادية صعبة، يصبح أكثر عرضة لاتخاذ قرارات غير قانونية لتأمين لقمة العيش، وغالبًا ما تؤدي هذه الظروف إلى فقدان الأمل في الحصول على فرص عمل مشروعة؛ مما يخلق بيئة محفزة للسلوكيات المنحرفة، وتآكل القيم الاجتماعية والأخلاقية. فعلى سبيل المثال: قد يلجأ بعض الشباب من الباحثين عن عمل أو المراهقين من ذوي الأسر ذات الدخل المنخفض، للانخراط في أنشطة غير قانونية كالسرقات والترويج للمخدرات، وغيرها من الأنشطة بهدف تحسين واقهعم الاقتصادي، مما يكون سببًا لانتشار الجرائم وزعزعة استقرار المجتمع.
إن واقع العديد من المجتمعات العربية يُظهر ضرورة مُلحَّة لتحسين الظروف الاقتصادية، والاتجاه نحو مشاريع تعليمية وتدريبية مُستدامة في مجالات التقنية والمهن الحرفية. وتُعد هذه المشاريع من الاستراتيجيات الفعّالة لتفادي تجاوز الأنظمة واللوائح، حيث يُسهم تعزيز الاقتصاد المحلي في تقليل معدلات الفقر والحاجة؛ مما يساعد على تقليص دوافع الجنوح وارتكاب المخالفات القانونية.
علاوة على ذلك، يتطلب الأمر إعادة تقييم النظرة السائدة حول طبيعة الوظائف والتخصصات التي يحتاجها المجتمع المعاصر، ويتعين مواءمة المخرجات التعليمية مع متطلبات سوق العمل المستقبلية، وهو ما يُعد استراتيجية حيوية لتسريع وتيرة توظيف الباحثين عن عمل. ومن خلال هذه الجهود، يمكن تقليص أعداد الباحثين عن العمل، وتقليل حالة التخبط والفوضى التي قد تنشأ في أفكارهم وسلوكياتهم. فالاستثمار في التعليم والتدريب ليس مجرد خيار؛ بل هو ضرورة استراتيجية لرسم مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للأفراد والمجتمع ككل.
القضية الثانية: يُسهم نقص الوعي بالقوانين والحقوق في تفشي التجاوزات القانونية؛ حيث يفتقر الكثيرون إلى المعرفة الكافية بالقوانين، مما يجعلهم يرتكبون المخالفات دون إدراك عواقب أفعالهم. كما أن عدم المعرفة بالحقوق والواجبات يؤدي إلى استغلال بعض الشباب من قِبل آخرين، أو اتخاذ قرارات غير مبنية على أساس قانوني، مما يزيد من معدلات الانحراف.
ومن الضروري تنفيذ برامج تعليمية متكاملة وحملات توعية شاملة تستهدف مختلف شرائح المجتمع، مستفيدة من الوسائط المتعددة، لتفسير القوانين بطريقة مبسطة وفعالة. وهذا التوجه لا يسهم فقط في تقليل فرص الانخراط في أنشطة غير قانونية؛ بل يعزز أيضًا من قدرة الشباب على التفكير النقدي، مما يمكنهم من مقاومة الأفكار المتطرفة والتنصل من الانزلاق نحو النزاعات اللفظية التي قد تندلع عبر المنصات الرقمية العالمية. وعليه، فإن بناء مجتمع واعٍ ومتعلم هو السبيل نحو تحقيق الاستقرار والازدهار، حيث يتسلح الأفراد بالمعرفة القانونية الضرورية لمواجهة التحديات والمساهمة الفعالة في تنمية مجتمعهم.
القضية الثالثة: يُمثل التهميش الاجتماعي أحد العوامل الأساسية التي تسهم في تفشي ظاهرة عدم المشاركة في الرأي؛ حيث يواجه العديد من الأفراد شعورًا عميقًا بعدم الاعتراف بهم أو تقديرهم في المجتمع، بحيث تخلق فجوة واسعة بين الأفراد والأنظمة الاجتماعية، مما يدفعهم إلى التصرف بطرق يُعبّرون من خلالها عن إحباطهم وسخطهم. والإحساس بعدم الانتماء لا يؤدي فقط إلى تراجع المشاركة الفعّالة؛ بل قد يُحرِّض أيضًا بعض الأفراد على الانخراط في أنشطة غير قانونية. وهكذا، يُعزز هذا التهميش مشاعر الاستياء ويُفضي إلى تجاوز الأنظمة، مما يخلق حلقة مفرغة من عدم الثقة والرفض، ويعمق من الفجوة بين المجتمع وأفراده.
لذا، من الضروري أن تتنبه المجتمعات إلى أهمية رصد هذه القضايا ومعالجتها، وتشجيع الأفراد على المشاركة في صنع القرارات، بما يُسهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا. فعلى سبيل المثال: توفير منصات للشباب للتعبير عن آرائهم والمشاركة في القضايا المجتمعية، تُعدّ وسيلة ناجعة وفرصة كبيرة لتعزيز الثقة في الأنظمة، وتقوية مشاعر الانتماء والولاء للمجتمع، مما يؤدي إلى سدّ منابع الانحراف والجنوح بين فئة الشباب. ومن التجارب العُمانية لتعزيز الشراكة المجتمعية، يأتي ملتقى "معًا نتقدم" كمنصة قيّمة للحوار بين أفراد المجتمع والجهات الحكومية.
القضية الرابعة: تؤدي الضغوط النفسية والعائلية دورًا جوهريًا في اتخاذ قرارات غير مدروسة قد تؤدي إلى تجاوز الأنظمة والتشريعات. وفي كثير من الأحيان، يواجه الفرد ضغوطًا هائلة تجعله يتصرف بشكل متهور، مما يزيد من احتمالات ارتكابه للمخالفات ويؤدي إلى تآكل القيم الأخلاقية. على سبيل المثال، قد يلجأ بعض الأفراد إلى ممارسة أنشطة غير مقبولة اجتماعيًا، أو استخدام أساليب غير قانونية مثل النصب والاحتيال، وفي حال تعثرهم وفشل مخططاتهم، يجدون أنفسهم في دوامة الإفلاس والمديونية، مما يقودهم إلى التخبط واتخاذ قرارات عشوائية، حتى يصلوا إلى مرحلة فقدان التوازن واتخاذ قرارات همجية وغير عقلانية.
لذا، يُعد توفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي للأفراد الذين يعانون من ضغوط نفسية ضرورة ملحة، تتجاوز كونها مجرد خطوة، لتصبح دعامة أساسية لمساعدتهم في اتخاذ قرارات أكثر وعيًا لتحسين أوضاعهم المالية والاجتماعية. ومن الأهمية بمكان إنشاء مراكز دعم نفسي في المجتمعات المحلية، حيث يمكن أن تكون هذه المراكز بمثابة ملاذ آمن للأفراد الذين يواجهون تحديات نفسية أو اجتماعية.
كما أن هذه المبادرات لا تقتصر على تقديم الدعم؛ بل تُسهم أيضًا في الحدّ من دوافع الجنوح والانحراف، مما يمنع الأفراد من الانزلاق إلى دوائر المعارضين أو الخارجين على القانون، فمن خلال تعزيز الوعي والتمكين، يمكن أن يتحول هؤلاء الأفراد إلى قوى إيجابية في المجتمع، بدلاً من أن يصبحوا أدوات تُستغل للتشكيك في أسس المجتمع، قيادةً ونظامًا.
وفي الختام.. يتضح أن تجاوز الأنظمة والقوانين الوطنية ليست مجرد ظاهرة عابرة؛ بل هي قضية معقدة تتطلب تفكيرًا عميقًا وتحليلًا شاملًا للأسباب الكامنة وراءها؛ فالتعامل مع هذه الظاهرة يتطلب رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار العوامل الجذرية التي تسهم في تفشيها. وفي هذا الشأن، نؤكد ضرورة تكامل الجهد الحكومي مع المبادرات المجتمعية لضمان تحقيق نتائج فعّالة ومستدامة. ومن الضروري أيضا النظر إلى المخالفين كأفراد يمكن إعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع، ومثل هذا التوجه يُسهم في إعادة بناء الثقة في النظام القانوني، ويفتح آفاقًا لتحقيق تغيير إيجابي نحو مجتمع أكثر استقرارًا وأمانًا.