فقرة في حوار الأمير محمد بن سلمان
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
اعتمد الخطاب الموجه إلى عوام الناس في أوروبا المسيحية ذم الثراء، أو الارتياب فيه.
السبب واضح حين تنظر إلى الخريطة الاجتماعية الاقتصادية. طبقة من النبلاء الأثرياء، ثم فجوة شاسعة، فطبقة من الأيدي العاملة. النشاطات الإنتاجية البينية شبه منعدمة. ومصير الإنسان من الرخاء والشقاء مكتوب بالميلاد، يعيش في الطبقة التي ولد فيها، وفيها يموت.ومن الأفضل أن يستمع إلى ما يواسيه في الحياة الحاضرة، ويعده بالتعويض في الحياة الآخرة.
ثم أدى توسع التجارة وحركة الكشوف والرحلات إلى تغيرات اقتصادية كبرى، ووفّر أنشطة اقتصادية بينية منحت المغامرين والنابهين من أبناء الطبقات الفقيرة الفرصة للترقي وتكوين الطبقة الوسطى. كان هذا عاملاً أكبر في تغير الخريطة الاجتماعية لأوروبا، وجَسر فجوات البناء الطبقي، وأفرز ما عرف بعصر الميلاد الجديد «Renaissance» وما بعده من تنوير ونهضة.
في أوروبا القرن السادس عشر لم تعد طريق الأثرياء إلى رضا الله ضيقة مثل ثقب إبرة الخيَّاط. على النقيض، جادل التجديد الديني البروتستانتي بأن تحسن الحال الاقتصادية للفرد، بالعمل والاجتهاد وحس المسؤولية، طريق إلى الرضا الإلهي ودليل عليه. هذا على مستوى الخطاب الديني. يوازيه على الجانب الفكري خطوات على طريق فصل الغيبيات عن إدارة السياسة والاقتصاد. لا أقصد بالغيبيات هنا الدينية السماوية فقط، فبعض ما يطرحه البشر يضعونه أيضاً في مكانة أسمى من النقاش، وكأنه قيمة غيبية. فلا يعود النقاش الاقتصادي السياسي براغماتياً واقعياً إجرائياً، بل إنه نقاش حول صياغات لغوية أخلاقية. يرفع أحدهم شعاراً مثل العدالة الاجتماعية، لكنه يحصن به إجراءات لا تقود سوى إلى مزيد من الفقر للجميع.
كتاب «الأمير» لماكيافيللي كان نموذجاً في النظر إلى السياسة مثل فن قائم بذاته، له قيمه الخاصة، وأحكامه الخاصة. في خط مواز سارت العلوم الرقمية، من حرفة المحاسبة إلى علم الاقتصاد، من لوكا باتشيولي والمدخلات الثنائية إلى آدم سميث وثروة الأمم. يثرى المرء بفن التقاط الفرصة ودقة الحساب وكفاءة الإدارة، لا بجودة قيمية غيبية لنشاطه الاقتصادي. قد يثرى تاجر ببيع التيوليب في هولندا أكثر مما يثرى نظيره بمشروع إنتاجي في بريطانيا. وقد تدور الدورة ويفقر الأول وتتحسن حظوظ الثاني. المعيار ما أشرت إليه من مهارات الاستثمار، وإدراك الفرصة السانحة، وقراءة السوق، وكفاءة إدارة الموارد. وكلها عوامل واقعية يمكن قياسها وفهمها، ويمكن مراجعتها ونقدها والاستفادة منها في التجارب اللاحقة. يمكن تحويلها إلى قيم رقمية. هذا جوهر التغير. بل هذا جوهر الصراع الآيديولوجي الاقتصادي اللاحق بين الرأسمالية التجارية من جهة، والاشتراكية الزراعية السوفياتية وذريتها على الجهة المقابلة.
في حوار الأمير محمد بن سلمان مع قناة «فوكس» الأميركية عناوين كثيرة. لكن استدعى انتباهي ردُّه على سؤال «غسل السمعة» من خلال الرياضة. قال حرفياً، وفق ترجمة «سي إن إن»: «أنا لا أهتم. الناتج المحلي الإجمالي نما بنسبة واحد في المائة من الرياضة، وأهدف إلى أن يكون 1.5 في المائة. سمها ما شئت. سنحصل على 1.5 في المائة».
الرقم هنا هو البطل، العنصر الموضوعي في التقييم. الثراء من القوة الناعمة لا يقل أهمية عن الثراء من القوة الصلبة. ولا يناقضه. ويحتاج إلى عين ترى الفرصة، وخيال استثماري وكفاءة إدارية، وفهم للسوق. ميزة الثراء من القوة الناعمة أن عائده أسرع، ويوفر الرخاء اللازم لتدعيم القوة الصلبة.
كتبت عبر السنين مشجعاً دول المنطقة على اغتنام فرص الاقتصاد الخفيف، بالتركيز بقوة على الاستثمار في قطاعات مثل السياحة والإنتاج السينمائي والفني والرياضة، وعلى تقوية ثقافة السلم بالمشاريع الاقتصادية، وعدم الانجرار خلف التقييم الغيبي المتعالي لقطاعات الاقتصاد، أو لقرارات السياسة. ليست هناك سلعة استفزازية وأخرى مباركة. السلع مجرد أرقام في الاقتصاد نسعى خلفها، ووجودها مرتبط بوجود طالبيها، لا أكثر ولا أقل. هذا سبب أعرف به لماذا توقفت بالذات عند هذه الإجابة لولي العهد السعودي.
السبب الآخر أن اللغة، اللفظية والجسدية، في طرح الإجابة تعكس تحرر الثراء من الشعور بالذنب. وهو شعور سعت إلى فرضه الدعاية الستينية الاشتراكية، ثم الثمانينية الإسلامجية. ونجحت إلى حد بعيد. فضربت دول نفسها بالسياط حتى انهارت، وتعطلت أخرى عن اقتناص فرص لمزيد من الثراء. هذا تحرر نفسي لا بد منه لبناء رؤية اقتصادية واقعية عملية معاصرة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة محمد بن سلمان
إقرأ أيضاً:
مجلس الكنائس العالمي ينضم إلى حملة "فرض ضريبة على فاحشي الثراء"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
انضم الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، الدكتور القس جيري بيلاي، إلى الحملة العالمية "فرض الضرائب على فاحشي الثراء"، التي تنظمها منظمة أوكسفام وعدد من المنظمات الوطنية، والتي تتزامن مع انعقاد مؤتمر مجموعة العشرين في البرازيل خلال الفترة من 12 إلى 19 نوفمبر.
وفي تعليقه على الحملة، قال بيلاي، إن أزمة المناخ تتسارع بشكل متزايد، ما يؤدي إلى تفاقم الفقر والتفاوتات الاجتماعية التي أصبحت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. لحماية مجتمعاتنا وبيئتنا، يجب أن يتم ضخ تريليونات الدولارات في جهود التخفيف من آثار تغير المناخ، التكيف معه، وبناء القدرة على الصمود في مواجهة هذه التحديات.
وأكد بيلاي خلال كلمته على ضرورة أن يتحمل أغنى الملوثين مسؤولية دفع الثمن، قائلاً: في إطار حملة ضريبة الزكاة من أجل العدالة الضريبية العالمية، دعت الكنائس إلى فرض ضرائب على الثروة والتلوث على مستويات مختلفة بهدف تعبئة الموارد اللازمة للقضاء على الفقر ومواجهة الطوارئ المناخية، الكنائس تقول اليوم: "فرض الضرائب على فاحشي الثراء الآن".
وأشار بيلاي إلى أن هذه الدعوة لا تقتصر على خطاب فارغ، بل هي مستندة بعمق إلى تعاليم الكتاب المقدس المسيحي، موضحًا أن الدراسات تظهر أن فرض ضريبة سنوية بنسبة 5% على الثروات الهائلة لأصحاب المليارات والملايين في العالم يمكن أن يدر 1.7 تريليون دولار سنويًا.
وأوضح بيلاي، أن هذا المبلغ يمكن أن يسهم في القضاء على الجوع عالميًا من خلال خطة عمل تمتد لعشر سنوات، بالإضافة إلى رفع ملياري شخص من براثن الفقر، وتمويل الرعاية الصحية الشاملة، وحماية الفئات الضعيفة في البلدان ذات الدخل المنخفض. كما أضاف أن هذه الأموال ستساهم أيضًا في تمويل التكيف المناخي وتعويضات الخسائر والأضرار التي تعاني منها البلدان الفقيرة والمعرضة لمخاطر التغير المناخي.
واختتم بيلاي، قائلًا: "الآن هو الوقت المناسب لفرض الضرائب على فاحشي الثراء من خلال هذه الخطوة، يمكننا تحسين حياة ملايين الأشخاص وحماية كوكبنا الوحيد".