ملامحُ العهد اليمني الجديد في خطابِ قائد الثورة
تاريخ النشر: 2nd, October 2023 GMT
يمانيون – متابعات
حمل الخطابُ التاريخيُّ الذي ألقاه قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في ذكرى المولد النبوي الشريف هذا العام الكثير من المضامين الجوهرية للتحول التحرّري الحضاري الذي يمضي فيه اليمن نحو عهد جديد يمارس فيه دورًا قياديًّا ومؤثرا على مستوى المنطقة والعالم بأَسَاسات قوية، سواء على مستوى الرؤية العملية والنظام الداخلي الجامع والمنتج، أَو على مستوى المواجهة مع الأعداء.
الخطاب طرق الكثير من النقاط المهمة والأَسَاسية فيما يتعلق بالهُــوِيَّة الجامعة التي ينتمي إليها الشعب اليمني بشكل أصيل وخاص، والتي يشترك فيها أَيْـضاً مع شعوب العالم الإسلامي، وهي هُــوِيَّة الإيمان والتمسك بالرسالة الإلهية التي أوضح القائد أن كافة المتغيرات تشهد لها اليوم بأنها الحل الأمثل والأكثر انسجامًا مع فطرة المجتمع البشري ودوره وقيمته التي بات الغرب يمثل العدوّ الأكبر لها من خلال ما وصل إليه من امتهان فاضح لكرامة الأفراد والمجتمعات.
واستنادًا إلى هذه الهُــوِيَّة الجامعة التي بات الشعب اليمني يبرهن بشكل عملي على تميزها وأهميتها كمنطلق حضاري عالمي، أعلن قائد الثورة في خطابه المرحلة الأولى من مسار التغيير الجذري، والتي تضمنت عدة عناوين رئيسية، أبرزها إعادة تشكيل الحكومة الوطنية بحكومة كفاءات، إلى جانب إصلاح هيكل وأساليب المؤسّسات الرسمية بما يعالج التضخم ويساعد على الإنتاج، وتوفير الخدمات، والتخلص من الفساد.
هذا الإعلان الذي ارتقبه الشعب اليمني بلهفة، وقابله بإعلان تفويض جماهيري غير مسبوق من داخل ساحات الاحتفال، يمثل فاتحة عهد جديد لليمن الذي بات منذ سنوات نموذجًا استثنائيًّا للتحولات التأريخية بما حقّقه من انتصارات وإنجازات على مستوى الصمود والتغلب على التحديات والمؤامرات؛ لأَنَّ تلك النجاحات والإنجازات قد برهنت بشكل واضح على وجود مشروع تحرّري ناجح واسع التأثير والانتشار إلى درجة تفوق التوقعات، بذل الأعداء جهودًا ضخمة لإعاقته وتحييده، لكنه انتصر ودخل مسارًا جديدًا للبناء يعلم الجميع مسبقًا أن نتائجه لن تكون أقل استثنائية من الانتصارات والإنجازات التي شهدتها الأعوام السابقة، بل إنه سيتكامل معها ليضاعف سرعة التحول التاريخي الذي تشهده اليمن.
وقد استجاب مجلس الدفاع الوطني لما أعلنه القائد بشكل فوري من خلال الإعلان عن إقالة الحكومة الحالية مع استمرارها بتصريف الشؤون العامة العادية، ما عدا العزل والتعيين، إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
ومن على هذه الأرضية الثابتة والصُّلبة من الإنجازات والانتصارات والتوجّـهات النهضوية، وجّه قائدُ الثورة “نصيحةً” جديدة لدول العدوان بإنهاء الحرب والحصار والاحتلال وحرمان الشعب اليمني من ثرواته، محذرًا إياها من “عواقب وخيمة” ستترتب على الاستمرار بسياساتها العدائية تجاه الشعب اليمني الذي أكّـد أنه “يمتلك عناصرَ القوة”.
رسالةُ إنذار مباشرة لم تأتِ منعزلةً عن بقية مضامين الخطاب، فهي تؤكّـد لدول العدوان أنها تواجه شعبا يصنع تأريخًا جديدًا بمشروع مقدس وناجح ومؤثر، وبإرادَة أثبتت السنوات الماضية أنها ليست فقط عصية على الانكسار، بل خلاقة ومؤثرة تفرض معادلات ذات تأثير إقليمي ودولي في فترات قياسية وباستقلالية تامة وخصوصية عصية على الاختراق، ولا تؤثر عليها أية تحديات.
وفي السياق نفسه جاء تأكيد قائد الثورة خلال الخطاب على تمسك الشعب اليمني بقضايا الأُمَّــة ووقوفه المبدئي ضد مؤامرات التطبيع وتصفية القضية الفلسطينية، ليوضح أن اليمن القوي بمشروعه المقدس، ماضٍ نحو ممارسة دوره المسؤول على مستوى المنطقة والعالم، بما في ذلك خوض الصراعات الكبرى الأَسَاسية بدءا بالصراع مع الغرب الصهيوني كقوة معادية للعالم الإسلامي، مُرورًا بالصراع الإقليمي مع الكيان “الإسرائيلي” وُصُـولاً إلى الصراع مع قوى العدوان على اليمن وأدواتها، وهو موقفٌ شاملٌ يعبر بوضوح عن عالمية المشروع الذي يمضي فيه اليمن، وقيادية الدور الذي يلعبه، كما يعبر عن استحالة تضييق إطار هذا المشروع وتحجيمه، فضلا عن عرقلته أَو هزيمته.
المسيرة
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الشعب الیمنی على مستوى
إقرأ أيضاً:
ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
ما دمنا لم نفارق بعد نظام القطب الواحد المهيمن على العالم تظل النظرية القديمة التي نقول إن الشعب الأمريكي عندما يختار رئيسه فهو يختار أيضا رئيسا للعالم نظرية صحيحة. ويصبح لتوجه هذا الرئيس في فترة حكمه تأثير حاسم على نظام العلاقات الدولية وحالة الحرب والسلم في العالم كله.
ولهذا فإن فوز دونالد ترامب اليميني الإنجيلي القومي المتشدد يتجاوز مغزاه الساحة الداخلية الأمريكي وحصره في أنه يمثل هزيمة تاريخية للحزب الديمقراطي أمام الحزب الجمهوري تجعله عاجزا تقريبا لمدة ٤ أعوام قادمة عن منع ترامب من تمرير أي سياسة في كونجرس يسيطر تماما على مجلسيه.
هذا المقال يتفق بالتالي مع وجهة النظر التي تقول إن اختيار الشعب الأمريكي لدونالد ترامب رئيسا للمرة الثانية ـ رغم خطابه السياسي المتطرف ـ هو دليل على أن التيار الذي يعبر عنه هو تيار رئيسي متجذر متنامٍ في المجتمع الأمريكي وليس تيارا هامشيا.
فكرة الصدفة أو الخروج عن المألوف التي روج لها الديمقراطيون عن فوز ترامب في المرة الأولى ٢٠١٦ ثبت خطأها الفادح بعد أن حصل في ٢٠٢٤ على تفويض سلطة شبه مطلق واستثنائي في الانتخابات الأخيرة بعد فوزه بالتصويت الشعبي وتصويت المجمع الانتخابي وبفارق مخيف.
لكن الذي يطرح الأسئلة الكبرى عن أمريكا والعالم هو ليس بأي فارق من الأصوات فاز ترامب ولكن كيف فاز ترامب؟ بعبارة أوضح أن الأهم من الـ٧٥ مليون صوت الشعبية والـ٣١٢ التي حصل عليها في المجمع الانتخابي هو السياق الاجتماعي الثقافي الذي أعاد ترامب إلى البيت الأبيض في واقعة لم تتكرر كثيرا في التاريخ الأمريكي.
أهم شيء في هذا السياق هو أن ترامب لم يخض الانتخابات ضد هاريس والحزب الديمقراطي فقط بل خاضه ضد قوة أمريكا الناعمة بأكملها.. فلقد وقفت ضد ترامب أهم مؤسستين للقوة الناعمة في أمريكا بل وفي العالم كله وهما مؤسستا الإعلام ومؤسسة هوليوود لصناعة السينما. كل نجوم هوليوود الكبار، تقريبا، من الممثلين الحائزين على الأوسكار وكبار مخرجيها ومنتجيها العظام، وأساطير الغناء والحاصلين على جوائز جرامي وبروداوي وأغلبية الفائزين ببوليتزر ومعظم الأمريكيين الحائزين على نوبل كل هؤلاء كانوا ضده ومع منافسته هاريس... يمكن القول باختصار إن نحو ٩٠٪ من النخبة الأمريكية وقفت ضد ترامب واعتبرته خطرا على الديمقراطية وعنصريا وفاشيا ومستبدا سيعصف بمنجز النظام السياسي الأمريكي منذ جورج واشنطن. الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام الرئيسية التي شكلت عقل الأمريكيين من محطات التلفزة الكبرى إلي الصحف والمجلات والدوريات الرصينة كلها وقفت ضد ترامب وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم ينحز منها صراحة لترامب غير موقع إكس «تويتر سابقا». هذه القوة الناعمة ذات السحر الأسطوري عجزت عن أن تقنع الشعب الأمريكي بإسقاط ترامب. صحيح أن ترامب فاز ولكن من انهزم ليس هاريس. أتذكر إن أول تعبير قفز إلى ذهني بعد إعلان نتائج الانتخابات هو أن ترامب انتصر على هوليوود. من انهزم هم هوليوود والثقافة وصناعة الإعلام في الولايات المتحدة. لم يكن البروفيسور جوزيف ناي أحد أهم منظري القوة الناعمة في العلوم السياسية مخطئا منذ أن دق أجراس الخطر منذ ٢٠١٦ بأن نجاح ترامب في الولاية الأولى هو مؤشر خطير على تآكل حاد في القوة الناعمة الأمريكية. وعاد بعد فوزه هذا الشهر ليؤكد أنه تآكل مرشح للاستمرار بسرعة في ولايته الثانية التي تبدأ بعد سبعة أسابيع تقريبا وتستمر تقريبا حتى نهاية العقد الحالي.
وهذا هو مربط الفرس في السؤال الكبير الأول هل يدعم هذا المؤشر الخطير التيار المتزايد حتى داخل بعض دوائر الفكر والأكاديميا الأمريكية نفسها الذي يرى أن الإمبراطورية ومعها الغرب كله هو في حالة أفول تدريجي؟
في أي تقدير منصف فإن هذا التآكل في قوة أمريكا الناعمة يدعم التيار الذي يؤكد أن الامبراطورية الأمريكية وربما معها الحضارة الغربية المهيمنة منذ نحو٤ قرون على البشرية هي في حالة انحدار نحو الأفول. الإمبراطورية الأمريكية تختلف عن إمبراطوريات الاستعمار القديم الأوروبية فبينما كان نفوذ الأولى (خاصة الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية) على العالم يبدأ بالقوة الخشنة وبالتحديد الغزو والاحتلال العسكري وبعدها يأتي وعلى المدى الطويل تأثير قوتها الناعمة ولغتها وثقافتها ونظمها الإدارية والتعليمية على شعوب المستعمرات فإن أمريكا كاستعمار إمبريالي جديد بدأ وتسلل أولا بالقوة الناعمة عبر تقدم علمي وتكنولوجي انتزع من أوروبا سبق الاختراعات الكبرى التي أفادت البشرية ومن أفلام هوليوود عرف العالم أمريكا في البداية بحريات ويلسون الأربع الديمقراطية وأفلام هوليوود وجامعات هارفارد و برينستون ومؤسسات فولبرايت وفورد التي تطبع الكتب الرخيصة وتقدم المنح وعلى عكس صورة المستعمر القبيح الأوروبي في أفريقيا وآسيا ظلت نخب وشعوب العالم الثالث حتى أوائل الخمسينات تعتقد أن أمريكا بلد تقدمي يدعم التحرر والاستقلال وتبارى بعض نخبها في تسويق الحلم الأمريكي منذ الأربعينيات مثل كتاب مصطفى أمين الشهير «أمريكا الضاحكة». وهناك اتفاق شبه عام على أن نمط الحياة الأمريكي والصورة الذهنية عن أمريكا أرض الأحلام وما تقدمه من فنون في هوليوود وبروداوي وغيرها هي شاركت في سقوط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشيوعي بنفس القدر الذي ساهمت به القوة العسكرية الأمريكية. إذا وضعنا الانهيار الأخلاقي والمستوى المخجل من المعايير المزدوجة في دعم حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية للفلسطينيين واللبنانيين والاستخدام المفرط للقوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية كأدوات قوة خشنة للإمبراطورية الأمريكية فإن واشنطن تدمر القوة الناعمة وجاذبية الحياة والنظام الأمريكيين للشعوب الأخرى وهي واحدة من أهم القواعد الأساسية التي قامت عليها إمبراطورتيها.
إضافة إلى دعم مسار الأفول للإمبراطورية وبالتالي تأكيد أن العالم آجلا أو عاجلا متجه نحو نظام متعدد الأقطاب مهما بلغت وحشية القوة العسكرية الأمريكية الساعية لمنع حدوثه.. فإن تطورا دوليا خطيرا يحمله في ثناياه فوز ترامب وتياره. خاصة عندما تلقفه الغرب ودول غنية في المنطقة. يمكن معرفة حجم خطر انتشار اليمين المتطرف ذي الجذر الديني إذا كان المجتمع الذي يصدره هو المجتمع الذي تقود دولته العالم. المسألة ليست تقديرات وتخمينات يري الجميع بأم أعينهم كيف أدي وصول ترامب في ولايته الأولى إلى صعود اليمين المتطرف في أوروبا وتمكنه في الوقت الراهن من السيطرة على حكومات العديد من الدول الأوروبية بعضها دول كبيرة مثل إيطاليا.
لهذا الصعود المحتمل لتيارات اليمين المسيحي المرتبط بالصهيونية العالمية مخاطر على السلم الدولي منها عودة سيناريوهات صراع الحضارات وتذكية نيران الحروب والصراعات الثقافية وربما العسكرية بين الحضارة الغربية وحضارات أخرى مثل الحضارة الإسلامية والصينية والروسية.. إلخ كل أطرافها تقريبا يمتلكون الأسلحة النووية!!
حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري